شخصيات الكتاب المقدس ناحوم

08 سبتمبر 2022
Large image

ناحوم
" الرب إله غيور ومنتقم "" نا 1: 2 "
مقدمة
لست أظن أننا نستطيع أن نفهم ناحوم الألقوشى خير فهم، ما لم نضعه جنباً إلى جنب مع يونان بن أمتاى النبى، ولست أظن أننا نستطيع أن نفهم نينوى التى تنبأ عنها الاثنان - وقد جاءت نبوة يونان، على الأغلب، قبل نبوة ناحوم بنحو قرن من الزمان - ما لم نضع رحمة اللّه وعدالته نصب عيوننا، ونحن ندرس الحياة والناس والشعوب والأمم،... لقد هدد اللّه نينوى على لسان يونان وقدم لها الفرصة محددة بأربعين يوماً تنقلب بعدها نينوى إن لم تتب، أمسك أهلها بفرصة الحياة المقدمة لهم فتابوا ورجعوا عن شرورهم وفسادهم وإثمهم وطغيانهم، وعفا اللّه برحمته عن المدينة التائبة، كما يفعل دائماً مع كل آثم وشرير فى الأرض!!.. لكن صك العفو مرهون دائماً بالسير فى حياة النقاوة والاستقامة والبر والأمانة،... فإذا عاد الخاطئ إلى طرقه القديمة، ونسى إحسان اللّه وجوده ورحمته ولطفه، فإن المأساة ستكون أشد وأقسى، كمأساة الناقه من المرض عندما تحدث له المضاعفات ليرتد إلى ما هو أسوأ وأشر فى علته!!... فإذا كان القرن الذى مر بنينوى بعد توبتها، قد أعادها إلى سيرة أشنع وأقسى مما كانت عليه فى الماضى، فإن اللّه الذى كان رحيماً بها، سيتحول إلى الإله الغيور المنتقم، وفى الحالين سنرى لطف اللّه وصرامته على النحو المتوازن الكامل، ومن ثم، يحق لنا بعد ذلك أن نرى ناحوم النبى فيما يلى:
ناحوم ومن هو
إن الاسم « ناحورم » يعنى « تعزية »، وهو كغيره من الكثير من الكثير من الأسماء العبرانية التى ارتبط معنى اسمها بالرسالة التى أتيح له أن يحملها فيما بعد، فلئن كانت رسالته لأمته تحمل التعزية لها فى محنتها ومتاعبها وآلامها، فإنه هو شخصياً كحامل الرسالة، كان الرجل اللازم فى وقت المحنة والآلام، على أن هذا لا يعنى أن كل اسم يحمل فى ذاته المعنى النبوى لما سيكون عليه فى المستقبل، فما أكثر ما يتمنى الآباء، وهم يعطون أولادهم الأسماء التى تحمل أفضل الآمال،الأمانى والأحلام، ليأتى أولادهم على عكس ما كان يتمنون أو يحلمون،.. كان هناك تلميذان للمسيح، يحملان اسم يهوذا لباوس أو تدروس أو « يهوذا ليس الاسخريوطى » كما جاء فى " يو 14: 22 ".. ويهوذا الإسخريوطى، ولكن شتان بين الاثنين، وبين ما فعلا، والمصير الذى آل إليه كلاهما،... قد يسمى إنسان عبد المسيح، وقد يصبح فعلا عبد يسوع المسيح، أو قد يضحى عبد للشيطان حتى ولو حمل اسم المسيح!!.
وغير أن ناحوم كان فى الواقع إسماً على مسمى، فقد حمل رسالة التعزية العميقة لشعبه فى أوقات المحن والمتاعب والمصائب!!.. وقد أطلق عليه « الألقوشى »، نسبة إلى قرية فى الجليل اسمها « القوش » فى سبط نفتالى، وعلى مقربة من كفرناحوم، والتى يقال إنها أخذت اسم ناحوم النبى، كما تذهب بعض التقاليد القديمة، والتى تذهب إلى أن شهرة النبى فى المنطقة هى التى جعلت القاطنين بجوار ألقوش يطلقون اسمه على المكان، والذى أضحى فيما بعد كفرناحوم المرتفعة إلى السماء،... ومن الغريب أن هناك من يعتقد أن النبى ولد فى بلدة تحمل ذات الاسم، وعلى مقربة من الموصل فى العراق، والذين يأخذون بهذا الرأى يعتقدون أن النبى ولد فى السبى، مع المملكة الشمالية، وأنه قد دفن هناك فى مقبرة تضمه ويونان وعوبديا ويفتاح، وأن هذا المكان أضحى مزاراَ يحج إليه الكثيرون ممن يتعلقون برفات الأنبياء والقديسين، على أننا نعتقد أن هذا التقليد المتأخر لا يستند إلى أساس، ولا يمت إلى الحقيقة بصلة، والواضح أن ناحوم كان على معرفة واضحة بباشان والكرمل وزهر لبنان كما هو ثابت من مطلع سفره، مما يؤكد أنه كان فى بلاده عندما تنبأ عن نينوى، وأنه على الأغلب كان فى أورشليم بعد سقوط السامرة عاصمة المملكة الشمالية، وتهديد الأشوريين المستمر ليهوذا وإسرائيل ومع أن يوسيفوس يذكر أنه تنبأ فى أيام يوثان، لكن المرجح أن وصفه: « ولكن بطوفان عابر يصنع هلاكا تاما لموضعها وأعداؤه يتبعهم ظلام ماذا تفتكرون على الرب؟ هو صانع هلاكا تاما، لا يقوم الضيق مرتين، فإنهم وهم مشتبكون مثل الشوك وسكرانون كمن خمرهم، ويؤكلون كالقش اليابس بالكمال » " نا 1: 8 - 10 " تشير كما يتجه الشراح إلى ضربة اللّه لجيش سنحاريب عندما حاصر أورشليم وقتل ملاك الرب مائة وخمسة وثمانين ألفاً.... ولهذا يتجه كثيرون من المفسرين إلى أن نبوته جاءت بعد نبوة يونان بمائة عام، فإذا كان يونان قد تنبأ على نينوى عام 763 ق. م، فإن ناحوم تنبأ عليها عام 663 ق. م أو حول ذلك التاريخ، وقد سقطت نينوى سقوطها النهائى عام 613 ق.م. أى بعد نحو خمسين عاماً، ولابد لنا أن نشير إلى أن سنحاريب عندما عاد فاشلاً، وذكر عنه إشعياء أنه مات مقتولا بيد ولديه فى بيت نسروخ إلهه، أن هذا كان إتماماً لقول ناحوم: « ولكن قد أوحى عنك الرب لا يزرع من اسمك فى ما بعد. إنى أقطع من بيت إلهك التماثيل المنحوتة والمسبوكة. أجعله قبرك لأنك صرت حقيراً » " نا 1: 41 ".ومن المسلم به على أية حال أن أسلوب ناحوم بلغ الذروة بين الأنبياء الصغار، فهو الأسلوب القوى الواضح ومع أن له حدة السيف، لكنه مع ذلك يرقى فى كثير من المواطن إلى الشعر السامى، والموسيقى الرائعة، ووصفه لجلال اللّه وقدرته وعظمته وسيطرته وانتصاره، من أروع ما جاء فى الكتاب المقدس على الإطلاق!!..
ناحوم والرؤيا الصافية
لم تكن نينوى عندما تنبأ عنها ناحوم مدينة ضعيفة، بل كانت توحى، حسب الظاهر، بكل مظاهر القوة والجلال والعظمة وأدق وصف لها هو ما قاله: « أين مأوى الأسود ومرعى أشبال الأسود؟ حيث يمشى الأسد واللبؤة وشبل الأسد وليس من يخوف. الأسد المفترس لحاجة جرائه والخالق لأجل لبواته حتى ملأ مغاراته فرائس ومآويه مفترسات ».." نا 2: 11 و12 " ولنا أن نتصور غابة أو برية يجول فيها الأسد ويصول، وليس أسداً واحداً، بل أسوداً وأشبال أسود، واللبوات!! ومن ذا الذى يفلت من الصيد والقنص والفتك والافتراس،... ولو أننا سألنا السياسيين أو أصحاب النظرة النافذة النابهة، لتحدثوا عن المدينة التى لا تقهر، والشعب الذى لا يخاف، والقوة المتصاعدة وليس فيهم من يخطر بباله أن المدينة يمكن أن تكون وشيكة الضياع أو الهزيمة أو الدمار!!... ولكن ناحوم رأى نهايتها الرهيبة، ووصفها وصفا دقيقاً كما لو أنه يكتب، والجيوش الزاحفة تزحف عليها، وتقرض قصورها، وتأتى على مجدها التليد!!... وتزداد هذه الحقيقة رسوخاً، إذا تبينا أنها حدثت بعد خمسين عاماً من وقت النبوة،... وفى الحقيقة أن مصدر كل نبوة يتجاوز الفهم والذهن البشرى، سواء طال الزمن أمام قصر، وسواء امتد خمسين عاماً، أو كان يوماً واحداً، وهل فى قدرة إنسان وجيوش سنحاريب تطوق مدينة أورشليم أن يقول: « عن ملك آشور. لا يدخل هذه المدينة ولا يرمى هناك سهما ولا يتقدم عليها بترس ولا يقيم عليها مترسة. فى الطريق الذى جاء فيه يرجع وإلى هذه المدينة لا يدخل يقول الرب. وأحامى عن هذه المدينة وأخلصها من أجل نفسى ومن أجل داود عبدى » " إش 37: 33 - 35 " وبين عشية وضحاها يحدث كل هذا!!.. وهل يمكن أن يصف أحد ما سيحدث بعد نصف قرن من الزمان بهذا الوصف: « نعست رعاتك ياملك آشور اضطجعت عظماؤك، تشتت شعبك على الجبال ولا من يجمع، ليس جبر لانكسارك، جرحك عديم الشفاء كل الذين يسمعون خبرك يصفقون بأيديهم لأنه على من لم يمر شرك على الدوام » " نا 3: 18 و9 ".ومن الملاحظ على الدوام أن الأنبياء الصادقين الذين يرون رؤى الرب كانو ينطقون بها دون تردد أو شبهة، مهما كان تصور الآخرين أو تفكيرهم ألم يقف ميخا بن يملة فى جانب، وأربعمائه نبى لآخاب فى جانب آخر، ويتنبأ على أخآب دون أدنى ذبذبة، وإذ يقول أخآب: « ضعوا هذا فى السجن وأطعموه خبز الضيق وماء الضيق حتى آتى بسلام، فقال ميخا إن رجعت بسلام، فلم يتكلم الرب بى. وقال اسمعوا أيها الشعب أجمعون ». " 1 مل 22: 27 و28 "وألم يقل أليشع للجندى الذى يستند الملك على يده فى قلب المجاعة بالسامرة: « هكذا قال الرب فى مثل هذا الوقت غداً تكون كيلة الدقيق بشاقل وكيلتا الشعير بشاقل »... وإذا بالجندى يجيب: « وقال هو ذا الرب يصنع كوى فى السماء، هل يكون هذا الأمر؟ فقال إنك ترى بعينك ولكن لا تأكل منه».. " 2 مل 7: 1 و2 " بل ألا يبلغ بنا العجب منتهاه، أن نبوخذ نصر يحلم حلماً، ولعله نسيه، ويطلب من حكماء بابل معرفة الحلم وتفسيره، ولكنهم يجيبون بصوت واحد: « ليس على الأرض إنسان يستطيع أن يبين أمر الملك لذلك ليس ملك عظيم ذو سلطان سأل أمراً مثل هذا من مجوسى أو ساحر أو كلدانى. والأمر الذى يطلبه الملك عسر وليس آخر يبينه قدام الملك غير الآلهة الذين ليست سكناهم مع البشر ».. " د 21: 10 و11 " وإذ عرف دانيال الحلم وأعلنه للملك وفسره له، « خر نبوخذ نصر على وجهه وسجد لدانيال ».. لأن: « اللّه العظيم قد عرف الملك ما سيأتى بعد هذا الحلم حق وتعبيره يقين » " دا 2: 45 و46 "!!.كان ناحوم على يقين كامل بالمصير الذى ستلاقيه نينوى، إذ كانت له الرؤية الصافية المعلنة من اللّه!!..
ناحوم والمدينة المعاقبة
لعل من أعجب ما ذكر زينفون، أن نينوى سقطت بسبب فيضان نهر دجلة، الفيضان الذى حطم أبواب الخزان فغرقت المدينة فى المياه، ومكنت المهاجمين من اقتحامها، ودك حصونها،... وهل هذا إلا ما ذكره ناحوم بالضبط فى نبوته عنها: « أبواب الأنهار انفتحت والقصر قد ذاب.. ونينوى كبركة ماء منذ كانت ولكنهم الآن هاربون » " نا 2: 6 - 8 ". وقد يقول الناس إنها الطبيعة، أو قد يقولون إنها قوة الكلدانيين الذين أخذوا طريقهم إلى الظهور ليكتسحوا الممالك، لكننا نعلم على الدوام أن الأمم تقوم وتسقط لا لأسباب سياسية أو إقتصادية أو عسكرية أو اجتماعية، بل قبل وبعد هذه كلها، لأن اللّه حكم بالقيام أو السقوط... قبل مائة عام من تاريخ هذه النبوة، أو مائة وخمسين عاماً قبل سقوط المدينة، جاءها يونان ونادى عليها بالسقوط والانقلاب، وتابت المدينة، ونامت فى التراب والرماد ونجت، وكتب لها فى جوده وحبه كتاب الحياة والنجاة،... لكن الإنسان الذى لا يقرع صدره توبة، سيقرع صدره فزعاً ورعباً وندماً، وهذا ما حدث لنينوى فى المرة الثانية إذ تنبأ النبى عن ملكتها الجميلة باسمها « هصب » قائلا: « وهصب قد انكشفت. اطلعت. وجواريها تئن كصوت الحمام ضاربات على صدورهن »... " نا 2: 7 " « فراغ وخلاء وخراب وقلب ذائب وارتخاء ركب ووجع فى كل حقو وأوجه جميعهم تجمع حمرة » " نا 2: 10 ". وإنها لمأساة الإنسان الذى ينسى العبرة ويهمل التاريخ، ويظن أن الفرصة التى أتيحت له للتوبة تتحول رخصة مستمرة للتهاون أو فعل الشر،... لقد عادت نينوى إلى شهواتها ومسراتها وزناها: « من أجل زنى الزانية الحسنة الجمال صاحبة السحر البائعة أمما بزناها وقبائل بسحرها » " نا 3: 4 "... وكل واحد فى التاريخ يمكنه أن يقول لأعظم دول العالم، وأجمل مدنها ما قاله ناحوم، عن الخراب لابد أن يلحقها، ولا يمكن أن تفلت منه، لا بفيضان نهر أو قنبلة قد تكون ذرية أو هيدروجينية، بل بفيضان غضب اللّه القدوس ضد الخطية!!.. إن الاستباحة والترف والمجون، وعبادة الجسد، هى السوس الذى ينخر فى عظام الأمة، ويقوضها فجأة ودون سابق إنذار، لأن « البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية »،.. " أم 14: 34 ".. كما أن نينوى سقطت لسبب آخر إذ كانت مدينة الدماء: « ويل لمدينة الدماء.. كلها ملآنة كذباً وخطفاً.لا يزول الافتراس ».. " نا 3: 1 " كانت المدينة تبحث عن المال، ولا تريد أن تضع حدوداً لنهبها وعندما دخلها الغزاة وجدوا أمامهم مالا يتصوره عقل من الفضة والذهب والتحف: « انهبوا فضة انهبوا ذهباً فلا نهاية للتحف للكثرة من كل متاع شهى» " نا 2: 9 ".. والأمم التى تشغل بالمال على هذا الوضع، سيأتيها الضياع من الخارج والداخل على حد سواء، مهما علت وارتفعت وعظم شأنها، لأن محبة المال أصل لكل الشرور، الذى إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة!!.. وهل لا يقف المال وراء الاستعمار والمجازر والحروب وصراعات الأمم والبيوت والأفراد، وهل تعاقب الدول فى كل العصور لتسقط كل واحدة الأخرى، وتجعلها تدور فى فلكها حتى يأتى من يسقطها بدوره والحلقة دائبة الدوران،... هل هذه كله إلا بسبب المال وما ترك فى البشر من شراهة وطمع وتآمر وقتل!!؟ … ومع أن هذا هو الظاهر، لكن الحقيقة أنه عقاب اللّه للظلم والكذب والخطف والافتراس، قال أحدهم، وهو يعلق على الحرب العالمية الثانية: « إنى لا أؤمن بوجود اللّه الذى يسمح بالخراب والدمار على هذه الصورة المفزعة » … ورد عليه آخر: أنا أؤمن بوجود اللّه لهذا السبب عينه، لأنه كيف يترك اللّه فجور العالم دون حساب أو عقاب؟!!..
ناحوم والقدرة الغالبة
عندما سقطت نينوى العظيمة، كان سقوطها رهيباً وشاملاً، وقد رآه ناحوم فى النبوة كالتين الذى يسقط فى فم الآكل عندما يهز الشجرة: « جميع قلاعك أشجار تين بالبواكير إذا انهزت تسقط فى فم الآكل ».." نا 3: 12 " وفقد الشعب فيها روح الجسارة والبطولة، وهو يستسلم على النحو القريب: « هوذا شعبك نساء فى وسطك. تنفتح لأعدائك أبواب أرضك. تأكل النار مغاليقك » " نا 3: 13 ". وعندما نسأل عن السر فى ذلك، نتحول من البشر إلى اللّه العلى!!.. « الرب إله غيور ومنتقم الرب منتقم وذو سخط. الرب منتقم من مبغضيه وحافظ غضبه على أعدائه. الرب بطئ الغضب وعظيم القدرة ولكنه لا يبرئ البتة. الرب فى الزوبعة وفى العاصفة طريقه والسحاب غبار رجليه.. ينتهر البحر فينشقه ويجفف جميع الأنهار... الجبال ترجف منه والتلال تذوب والأرض ترفع من وجهه والعالم وكل الساكنين فيه. من يقف أمام سخصه ومن يقوم فى حمو غضبه؟ غيظه ينسكب كالنار والصخور تنهدم منه. صالح هو الرب حصن فى يوم الضيق وهو يعرف المتوكلين عليه. ولكن بطوفان عابر يصنع هلاكاً تاماً لموضعها وأعداؤه يتبعهم ظلام » " نا 1: 2 - 8 " « فإن الرب يرد عظمة يعقوب كعظمة إسرائيل لأن السالبين قد سلبوهم وأتلفوا قضبان كرومهم. ترس أبطاله محمر. رجال الجيش قرمزيون. المركبات بنار الفولاذ فى يوم إعداده. والسرو يهتز. تهيج المركبات فى الأزقة. تتراكض فى الساحات. منظرها كمصابيح. تجرى كبالبروق »." نا 2: 2 - 4 " « ها أنا عليك يقول رب الجنود فأحرق مركباتك دخاناً وأشبالك يأكلها السيف وأقطع من الأرض فرائسك ولا يسمع صوت رسلك ».. " نا 2: 13 "« هأنذا عليك يقول رب الجنود فأكشف أذيالك إلى فوق وجهك وأرى الأمم عورتك والممالك خزيك. وأطرح عليك أوساخاً وأهينك وأجعلك عبرة. ويكون كل من يراك يهرب منك ويقول خربت نينوى من يرتى لها؟ من أين أطلب لك معزين »؟... " نا 3: 5 - 7 " ونحن لا نرى هنا أمام الأوصاف الرائعة سوى اللّه، ومع أن اللّه قد استخدم الكلدانيين فى القضاء عليهم، لكن الكلدانيين ليسوا إلا عصا الرب وأداة انتقامه،... وكل النواميس والنظم والناس وسائر المخلوقات المنظورة وغير المنظورة، ليسوا إلا جنوده لتنفيذ أوامره ومجده!!..
واللّه يبدو هنا الإله الساخط فى مواجهة الإثم والخطية والشر، لأن هناك تنافراً أبدياً بينه وبين الفساد، وهو لا يطيق الإثم،... منذ مائة وخمسين عاماً رحم نينوى رحمة واسعة وضاق بها يونان واغتاظ من أجلها،... لكن رحمة اللّه الواسعة كان لا بد أن تعمل فى إنقاذ المدينة،... واللّه كما وصفه ناحوم بطئ الغضب،.. لكن بطء الغضب شئ والسكوت على الإثم وعدم المبالاة شئ آخر، ونحن لابد أن نتذكر أن اللّه « غيور ومنتقم » وغيرة اللّه وقائد أبدية،... وصانع الشمس الملهبة، التى ترسل نارها على الدوام، لا يمكن أن تكون طبيعته هو طبيعة باردة، لا تفرق بين شر وخير، وبين حق وباطل، وبين إثم وبر،.. لأن إلهنا نار أكله!!.. وإذا كان الإنسان الحر يثور ضد الظلم والفساد والشر، وهو على استعداد أن يبذل حياته للدفاع عن كل قضية عادلة،... فإن صانع هذا الإنسان، هيهات أن يكون أضعف غيره منه، أو أقل سخطاً، على الأوضاع المقلوبة فى الأرض.على أن اللّه ليس هو الإله الذى يسخط فحسب، بل هو الإله القادر فى سخصه على أن يقلب الأرض كلها بإصبعه، أو بأقل حركة من أصبعه، وهو الذى يأتى بالطوفان العابر عند ثورة غضبه،... إن البشر قد يحولون غضبهم إلى بكاء أو دموع أو ثورة فاشلة،... لكن اللّه إذا كان بطئ الغضب، لكنه فى الوقت نفسه عظيم القدرة، ومن يقف أمام سخطه، ومن يقوم فى حمو غضبه!!..
من الحق أن الرب طيب ولا حدود لطبيبته،... ولكن من أكبر الحماقات التى يرتكبها الإنسان، أن يتصور الطيبة الإلهية بالمعنى الشائع للمثل الفرنسى « اللّه الطيب » والمقصود به المتساهل تجاه الخطية، والذى يتجاوز عن الإثم، والذى يقف موقف الإهمال وعدم المبالاة أمام صنوف العسف والظلم والطغيان والاستبداد، وهنا ينسى مثل هذا الإنسان، أنه لا يوجد من يجمع بين اللطف والصرامة على النحو الكامل المطلق سوى اللّه!!.. واللّه لطيف رحيم لكل من يأتى إليه تائباً مقراً باثمه وقصوره وشره،... ولكنه هو أيضاً، كما وصفه أيوب فى الأصحاح التاسع من سفره: « هو حكيم القلب وشديد القوة. من تصلب عليه فسلم؟ المزحزح الجبال ولا تعلم، الذى يقلبها فى غضبه، المزعزع الأرض من مقرها فتتزلزل أعمدتها، الآمر الشمس فلا تشرق ويختم على النجوم، الباسط السموات وحده والماشى على أعالى البحر صانع النعش والجبار والثريا ومخادع الجنوب. فاعل عظائم لا تفحص وعجائب لا تعد »... " أيو 9: 4 - 10 " كان اللّه الإله الرحيم على نينوى التائبة يوم يونان، والمنتقم على عصيانها يوم ناحوم!
ومن اللازم أن نشير هنا إلى تبدل المواقع وتغير الأوضاع، وابتداء القضاء من بيت اللّه، فإذا كان اللّه قد أهاج الأشوريين أو الكلدانيين على إسرائيل ويهوذا لخطيتهما وإثمهما، إلى الدرجة التى قال معها سنحاريب لحزقيا - يدرى أو لا يدرى معنى قوله: « والآن هل بدون الرب صعدت على هذه الأرض لأضربها. الرب قال لى اصعد على هذه الأرض واضربها »... " إش 36: 10 " فإن هذا الإله عينه هو الذى يتحول على الطغاة ليرد سبى شعبه للسبب عينه، عندما يتوبون ويرجعون إليه، وعندما يستمر الطغاة فى شرهم وظلمهم وإثمهم، أو كما قال ناحوم: « قد ارتفعت المقمعة على وجهك، احرس الحصن، راقب الطريق، شدد المقومين، مكن القوة جداً، فإن الرب يرد عظمة يعقوب كعظمة إسرائيل لأن السالبين قد سلبوهم وأتلفوا قضبان كرومهم »... ومقمعة اللّه فى كل التاريخ والعصور مرفوعة لتضرب كل وجه يتعظم فى حضرة اللّه، أو يستبد أو يطغى أو يرتكب إثما وشراً فى حضرة إله قادر حى دائم منتصر ممجد!!..

عدد الزيارات 418

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل