لماذا اختار المسيح أن يموت مصلوباً ؟

28 سبتمبر 2022
Large image

هناك تساؤلان : الأول ـ لماذا لم يختر المسيح طريقة مجيدة لموته بدلاً من ميتة العار بالصليب ؟ . الثاني لماذا اختار المسيح أن يموت مصلوباً ؟
وعن هذين التساؤلين يجيب القديس أثناسيوس الرسولي بطريرك الاسكندرية اللاهوتي في كتابه تجسد الكلمة ... يقول رداً على التساؤل الأول ... [ لو فعل ( المسيح ) هذا لأعطى فرصة للتشكك في شخصه بأنه لم يكن يقوى على كل موت ، بل على الموت الذي اختاره لنفسه فقط ، ولوجدت هنالك في نفس الوقت علة لعدم الإيمان بالقيامة أيضاً . لهذا أتى الموت إلى جسده ـ ليس باختياره هوـ بل بمشورة أعدائه . حتى إذا ما أتوه بأى شكل من الموت استطاع أن يبيده كلية . وكما أن المصارع النبيل ، مهما كان مقتدراً في الذكاء والشجاعة لا يختار خصومه الذين يبارزهم ، لئلا يشك في أنه أشخاصاً معينين منهم بل يترك الاختيار للمشاهدين ، يرهب سيما إذا اتفق بأن يكونوا أعداءه ... كذلك كان الحال أيضاً مع ربنا ومخلصنا يسوع المسيح حياة الجميع . فإنه لم يختر لجسده موتاً معيناً ، لئلا يظن بأنه خشى شكلاً آخر من الموت ، ولكنه قبل موت الصليب واحتمل الموت الذي أوقعه عليه الآخرون سيما أعداؤه ، والذي ظنوه مرعباً ومحتقراً ولا يمكن التغلب عليه ، حتى إذا ما أباد ذلك الموت أيضاً ، آمن الجميع بأنه هو الحياة ، وابيد سلطان الموت نهائياً ... ولم يمت موت يوحنا بقطع رأسه وفصلها عن جسده ، ولا مات موت إشعياء بنشر جسده وشطره نصفين ، وذلك لكي يحفظ جسده سليماً غير مجزأ حتى في موته ] . ويلخص أثناسيوس رده على التساؤل الثاني في ثلاث نقاط : كان أن يحمل عنا اللعنة ـ بسط يديه على الصليب لكي يوحد العالم كله يهوداً وأمماً في شخصه . الانتصار على الشيطان رئيس سلطان يجب الهواء ... يقول أثناسيوس [ لأنه إن كان قد أتى ليحمل عنا اللعنة الموضوعة علينا فكيف كان ممكناً أن يصير لعنةما لم يمت موت اللعنة الذي هو الصليب ، لأن هذا هو المكتوب تماماً « ملعون كل من علق على خشبة » ( تثنية ٢١ :۲۳ ؛ غل ۳ : ۱۳ ) . وأيضاً إن كان موت الرب قد صار كفارة عن الجميع ، وبموته نقض حائط السياج المتوسط ( أفسس ٢ : ١٤ ) ، وصارت الدعوة لجميع الأمم ، فكيف كان ممكناً أن يدعونا إليه لو لم يصلب ؟ لأنه لا يمكن أن يموت إنسان وهو باسط ذراعيه إلا على الصليب . لهذا لاق بالرب أن يحتمل هذا الموت و يبسط يديه ، حتى باليد الواحدة يجتذب الشعب القديم ، وبالأخرى يجتذب الذين هم من الأمم ، ويتحد الاثنان في شخصه . هذا هو ما قاله بنفسه مشيراً إلى آية ميتة كان مزمعاً أن يفدى بها الجميع « وأنا ان ارتفعت عن الأرض اجذب إلى الجميع » ( يوحنا ١٢ : ، ثم يعلق أثناسيوس على كلمات الرسول « حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية » ( أفسس ٢ : ٢ ) .فيقول إن الرب جاء ليطرح الشيطان إلى أسفل ويطهر الجو ، و يهيء لنا الطريق المرتفع إلى السماء .وهذا يستلزم أن يكون بالموت « الذي يتم في الهواء ـأعنى بالصليب .لأن من مات على الصليب هو وحده الذي يموت معلقاً في الهواء ] .
الأسانيد التاريخية غير الكتابية على صلب المسيح :
هل المسيح مات حقاً على الصليب ؟ . هذا هو السؤال الذي نود أن نناقشه القول بعدم موت المسيح على الصليب ليس رأياً حديثاً . فمنذ وقت مبكر من تاريخ المسيحية قام من يقول بهذا الرأى ... كان الغنوسيون هم أول من نادي بهذه الأفكار الخاطئة . أما الدافع الذي دفع هؤلاء الغنوسيين إلى ذلك فكانت مبادءهم وآراءهم ... وتسمية الغنوسيين من الكلمة اليونانية غنوسيس أي معرفة ، ومن ثم يمكن تسميتهم بالعارفين أو الأدريين ... مستمدة والغنوسية هي نتاج عناصر مختلفة التقت ببعضها كاليهودية والمسيحية والفلسفة اليونانية والثنائية الفارسية والمبادىء والآراء الصوفية الشرقية ... والغنوسية سابقة للمسيحية ، فقد كانت هناك غنوسية يهودية قبل المسيحية . وعلى الرغم من أن الغنوسية المسيحية لها أصولها الوثنية واليهودية ، فقد اعتبرت هرطقة مسيحية ، لأنهم استعادوا بعض الفاظ مسيحية ... والغنوسية ليست مذهباً واحداً ، بل مذاهب متعددة ... من أهم مبادىء الغنوسية القول بثنائية بين والمادة . لقد اعتبروا المادة شرأ وبالتالى الجسد المادي .. الغنوسية بالمعرفة بدلاً من الإيمان . ويصر الغنوسيون على أن المعرفة ـ وليس الإيمان ـ هي السبيل إلى الخلاص . واقتناء المعرفة حسب رأيهم لا تكون بالبحث والدراسة بل بالإشراق . والاشراق هو الاتجاه إلى الله بكل ما في النفس من قوى التخيل والتصور ... الله نادت ولأن الغنوسيين نظروا إلى المادة على أنها شر ، وبالتالى الجسد ، فقد انكروا مجيء المسيح في جسد مادى ، وبالتالى موته على الصليب . إذ كيف يتحد الله القدوس مع الجسد المادى وهو شر حسب زعمهم . إلى هؤلاء الغنوسيين الهراطقة أشار يوحنا الرسول وحذر منهم المؤمنين . بقوله « لا تصدقوا كل روح ، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله . لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم . بهذا تعرفون روح الله . بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله . وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من كل روح يعترف الذي الله . وهذا هو روح سمعتم انه يأني والآن هو في ضد المسيح العالم » ( رسالة يوحنا الأولى 4 : ١- ٣ ) ... كما يقول أيضاً « من هو الكذاب إلا الذي ينكر أن يسوع هو المسيح . هذا هو ضد المسيح ، الذي ينكر الآب والابن . كل من ينكر الابن ليس له الآب أيضاً . ومن يعترف بالابن فله الآب أيضاً » ( رسالة يوحنا الأولى ٢ : ۲۲ ، ليس هدفنا هنا اثبات صلب المسيح وموته من الأسفار المقدسة ، بل من التاريخ العام . يقول العالم اللاهوتي الألماني هانز رودی و بر Hans - Ruedi Weber في كتابه « الصليب » ... [ لقد صلب يسوع الناصرى زمن بيلاطس البنطى . هذه حقيقة لا يمكن أن يشك فيها أحد ، إلا إذا تجاهل عن عمد كل الروايات الكتابية وغير الكتابية التي وصلت إلينا ] ... ونعرض الآن لبعض هذه المصادر :
1 ـ ولعل أهم المصادر غير الكتابية عن الصلب هو ما كتبه المؤرخ الرومانی تاسیتوس Tacitus ( ٥٦ - ١٢٠ م ) في حولياته Annals عن حريق روما على عهد نيرون والمتسببين في هذا الحريق ... إنه يشير إلى المسيحيين الذين نكل بهم نيرون ، و يشرح من أين أخذوا اسمهم [ الاسم مشتق من كرستوس CHRISTUS ، الذي في حكم تيبريوس حكم عليه بالموت بواسطة الحاكم بيلاطس البنطى . ولفترة قصيرة حظر تعليمه الخرافي الضار . ولكن سرعان ما ظهر ثانية ـ ليس في اليهودية وحدها حيث ظهر ، بل في روما حيث كل ما يدعو إلى الاشمئزاز والخوف والخرى ، يتجمع من كل مكان ويجد له اتباعاً ] .
٢ ـ وهناك نص مقتبس من يوسيفوس المؤرخ اليهودي الذي عاصر خراب أورشليم وهيكلها سنة 70 م في كتابه آثار اليهود . ولقد خضع هذا النص الباقي لمراجعة مسيحية دقيقة . والنص يذكر الصلب في جملة مقتضبة واحدة ... قال [ عند اتهام مواطنينا الشرفاء ، حكم بيلاطس البنطى عليه بالموت صلباً . وقد ظلت محبة الذين كرسوا أنفسهم له دون نقصان ] .
3 - لوسيان الساموساطي الذي ولد حوالي سنة 100 م ، ومن أشهر الفلاسفة الوثنيين أعداء المسيحية . يقول في كتابه « موت بريجرينوس » [ إن المسيحيين لايزالون يعبدون ذلك الرجل العظيم الذي صلب في فلسطين ، لأنه أدخل إلى العالم هذه الديانة الجديدة . وان هؤلاء المفتونين قد اقنعوا أنفسهم بأنهم لن يموتوا بل يخلدوا إلى الأبد . ولهذا السبب تراهم يستخفون بالموت . وكثيرون منهم يسلمون أنفسهم طواعية واختياراً . وكذلك فإن مشرعهم الأول قد علمهم بأنهم جميعاً اخوة الواحد للآخر ، طالما ينبذون آلهة اليونان ويعبدون ذلك الصوفى المصلوب . و يعيشون حسب شريعته ] .
4 ـ كلسوس الفيلسوف الابيقوري ... كتب كتاباً اسماه « البحث عن الحقيقة » حوالي سنة 170 م ، هاجم فيه المسيحية هجوماً عنيفاً . فقد كان ينظر إلى المسيحية على أنها خرافة دنيئة . ويشير باستهزاء إلى آلام المسيح وقوله « يا ابتاه إن امكن فلتعبر عنى هذه الكأس » . . . ويشير إلى الذين صلبوه بقوله [ أولئك الذين صلبوا إلهكم ] . و يهاجم المعتقد المسيحى القائل بأن المسيح احتمل هذه الآلام لخير البشرية . ويحاول أن يهزأ من القول بقيامة المسيح . كما يهزأ من قول المسيحيين عن المسيح انه « صلب العالم لي وأنا للعالم » ... وقد كتب العلامة القبطى السكندرى اوريجنيوس مؤلفاً ضخماً فقد فيه كل ادعاءات كلسوس الكاذبة وافتراءاته على المسيحية .
ه ـ في نص قديم للتلمود ، الذي يحوى ذكريات تاريخية مستقلة . عن المصادر المسيحية ، جاء ما يأتى [ في ليلة عيد الفصح لخلق يسوع الناصري . ولمدة أربعين يوماً سبقته صيحات تقول : يجب أن يرجم يسوع الناصري لأنه ساحر ، أغوى إسرائيل وطوح بها بعيداً !! من يعرف تبرئة له فليتقدم ويتكلم لكن لم توجد تبرئة له ولذا فقد علق ليلة الفصح ] ... ونلاحظ أن هذا النص التلمودي يسجل تهمتين على الرب يسوع : الغواية والضلال . إنه يستخدم نفس المفاهيم اليهودية الواردة في ( تثنية 13 : ۱- ۱۱ ) . وهذا يذكرنا بالاتهامات المتصلة بالتجديف الوارد عنه في ( مرقس ۳ : ۲۲ )
نيافة مثلث الرحمات الانبا يؤانس أسقف الغربية
عن كتاب المسيحية والصليب

عدد الزيارات 335

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل