إنجيل عشية الأحد الاول من شهر كيهك

10 ديسمبر 2022
Large image

إنجيل العشية - ( مر 14 : ٣-٩ ) المرأة التي دهنت يسوع بالطيب
تمهيد
بينما كان السيد المسيح في طريقه إلى أورشليم للمرة الأخيرة عرج على أريحا حيث زار زكا العشار في بيته وأنعم عليه بالخلاص ، ثم ألقى على سامعيه مثل عشرة الأمناء على نحو ما جاء في ( لو ۱۹ : ۱۲ – ۲۷ ) . وبعد ذلك تقدم صاعدا إلى أورشليم ومر بقرية بيت عنيا وهي على بعد ميلين من أورشليم ودخل سمعان الأبرص حيث أكرمته مريم بمسحه بالطيب ( ٢ ) . وفصل الأنجيل الذي يتناول مسألة تكريم مريم ليسوع يتكلم عن تقدمتها التي كان مبعثها الوفاء له وعن تذمر التلاميذ من هذا الصنيع " بدافع الغيرة الكاذبة على الفقراء ، ثم يشير إلى امتداح المخلص لعمل مريم ، ويقرر دوام ذكرها على الأيام
تقدمة الوفاء :
3 - وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص وهو متكىء جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن . فكسرت القارورة وسكبته على رأسه . 3 - إن إقامة المخلص في قرية بيت عنيا على قربها من أورشليم تدل على أنه أسلم ذاته بأيثاره حينما دنت ساعته . وكان قصده من الإقامة هناك أن يعتزل أورشليم حينا من الزمن ، وهناك في بيت سمعان الأبرص صنعوا له عشاء ، كما ذكر يوحنا ، إكراما له وابتهاجا بزيارته . وسمعان الأبر ص هذا ربما كان والد مريم ومرئا ولعازر الذي أقيم من الموت ، أو أنه يمت إليهم بصلة القرابة ولو أن نوع هذه القرابة غير معلوم تماما ، ولا بد أن السيد كان قد شفاه برصه وإلا لما جاز له شرعا أن يخالط الناس . وكان من عادة القوم في تلك الأيام أن يتكثوا على الأسرة عند تناول الطعام ، وهذا ما سهل لمريم مهمة سكب الطيب على رأس المخلص وقدميه . وقد حفزها إلى ذلك عجائبه التي شاهدت ، وشفاؤه لسمعان الأبر ، ولعلها فعلت ما فعلت بوازع من إيمانها ومحبتها وثقتها بأنه يطهرها من خطاياها ويقول يوحنا إنها أخذت « منا من طيب ناردين ، والمنا وزن یونانی وروماني يعادل نحو مائة درهم ، وناردين معناه السنبل وهو النبات الذي كان يستخرج . ذلك الطيب ، وهو أثمن ما عرف يومئذ من الأطياب ، وكان يرد من بلاد الهند بعد استخراجه ، وهو سيال كالزيت ، ورائحته زكية . وكسرت مريم عنق الزجاجة التي كان بها الطيب أي كسرت ختمها ثم دهنت أولا رأس المخلص على نحو ما كان يحصل غالبا ، فامتلأ البيت من أريج الطيب لكثرته وجودته ، ثم زادت بأن . دهنت قدميه بعد أن مسحتهما بشعر رأسها من أثر التراب ، إذ كان يسير بالنعل فقط كعادة اليهود . ويجب أن يلاحظ أن مريم مسحت أولا ثم دهنت ، إذ لو كان المسح بعد الدهن كما قد يفهم من عبارة يوحنا ، فكأنها مسحت شعرها بالطيب لاقدميه . وقد أظهرت بمسح القدمين بالطيب الشين غناها وسخاءها ووفرة شكرها ومحبتها . أما اختيارها الدهن دون سواه فلأن العادة جرت في منه ذلك الزمان أن يمسح به أفاضل الناس وعليهم كالكهنة والملوك إكراما لهم وقد تقبل المخلص صنيعها لما لمسه فيها من تواضع وحسن نية وإخلاص . .
الغيرة الكاذبة : وكان قوم مغتاظين في أنفسهم فقالوا لماذا كان تلف الطيب..هذا . ـ لأنه كان يمكن أن يباع هذا بأكثر ثلاثمائة دينار ويعطى للفقراء . وكانوا يؤنبونها . تمييز التلاميذ غيظا من إتلاف الطيب ، واجترأ يهوذا الأسخريوطي على الأعراب عن تذمرهم منوها بأحقية الفقراء لثمنه ، ولكن يوحنا الإنجيلي فضح رياءه بقوله إنه قال ما قال « ليس لأنه كان يبالى بالفقراء بل لأنه كان سارقا وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يلقى فيه » ( يو ٦:١٢ ) . 5 – وزاد -هوذا على تذمره قوله عن الطيب إنه كان يمكن أن يباع بثلاثمائة دينار ويعطى للفقراء ، وهو قول ظاهره الغيرة ولو أنها غيرة صورية مردها أن يده لم تصل إلى ثمن الطيب فتختلس منه ( 1 ) ، وبمثل هذا الأسلوب يعمد الأشرار إلى إخفاء مقاصدهم السيئة ستار من التقوى . على أن التلاميذ لم يكتفوا بأظهار استيائهم من تصرف أخذوا يعنفونها . ومع أنه لا شيء مما نقدمه للمسيح يعتبر إتلافا مهما كان ثمينا كصرف الحياة في خدمته وبذلها من أجله كما يقول بولس الرسول . . ه من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح » ( في ۸ : ۳ ) إلا أن عدم حاجة السيد لهذا الطيب ، وما قاله عن الرحمة في مثل العذاري العشر وفي كلامه على يوم الدينونة وفى قوله للفريسيين « ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون لأنكم تعشرون التعنع والشيث والكمون وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان » ( مت ۲۳ : ۳ ) ، كل هذا قد يبرر تساؤل الباحث عما إذا كان من الأفضل أن يعطى ثمن الطيب لالفقراء ما دامت الصدقة أوجب . وقد حل المخلص له المجد هذا الإشكال بأجابته التالية لتلاميذه
امتداح الوفى :
6 – أما يسوع فقال اتركوها . لماذا تزعجونها . قد عملت في عملا حسنا . 7 ـ لأن الفقراء معكم في كل حين ومنى أردتم تقدرون أن تعملوا بهم خيرا . وأما أنا فلست معكم في كل حين . ۸ – عملت ما عندها . قد سبقت و دهنت بالطيب جسدي للتكفين 6 – طلب يسوع من تلاميذه أن يكفوا عن إزعاج المرأة ، ثم أشاد بصنيعها قائلا « عملت بی عملا حسنا » ، وكان يرمى من وراء ذلك إلى غرضين أولها تعليم التلاميذ أنه ما كان يليق بهم أن يكسروا حمية إيمانها ومحبتها بالتوبيخ ، إذ أن نقل الناس إلى الفضيلة الكاملة يجب أن يتم بالتدريج لادفعة واحدة ، وأنه كان من الواجب شكرها أولا على ما عملت ثم حثها بعد ذلك على الصدقة على الفقراء . وبناء على ذلك إذا قدم إنسان للكنيسة ستورا زائدة مثلا أو أوانى فضية أو ذهبية فوق ما تحتاجه فلا يجب أن نكسر حمية إيمانه بل نشكره ، ثم ننهه في رفق إلى خطأه ونحثه بعد ذلك على الفضيلة الكاملة التي هي مساعدة المساكين ، وإذا استشارنا قبل التقدمة أشرنا عليه مما يجب * أما غرض يسوع الثاني فهو إقامة الحجة على تلاميذه بأن ما فعلته المرأة هو ما قضى به الناموس إذ أن الوصية الأولى تقول « تحب الرب إلهك من كل قلبك . والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك » ( مت ۲۲ : ۳۷-۳۹ ) ، وهذا القول شدد علينا ألا نقدم على محبته شيئا من سائر الفضائل . وتطبيقا لذلك إذا وقفنا بالكنيسة وقت القداس الذي هو تقديس جسد الرب ودمه وجب أن يكون ذلك بخوف : ووقار وتمجيد وتسبيح وتقديس من كل قلوبنا ، وألا نلتفت إلى سواه حتى إذا قال الكاهن « أين عقولكم ، أجبناه بصدق قائلين « هي عند الرب » . ۷ – ولکی يبرر المخلص رضاه عن سكب الطيب وشكره لمريم على إيمانها قال لتلاميذه « إن الفقراء معكم كل حين . » أي لا يخلو منهم زمان ولا مكان ، ومن واجب الكنيسة العناية بأمرهم دائما ، سيما وقد أوصى الله عليهم في سفر هی التثنية حين قال « أعطه ولا يسوء قلبك عندما تعطيه لأنه بسبب هذا الأمر يباركك الرب إلهك في كل أعمالك وجميع ما تمتد إليه يدك . لأنه لا تفقد الفقراء من الأرض . لذلك أنا أوصيك قائلا إفتح يدك لأخيك المسكين والفقير في أرضك » ( تث 15 : ۱۰-۱۱ ) . ثم مضى المخلص يقول « وأما أنا فلست معكم كل حين » ( 1 ) أي سوف لا أكون عندكم بحضوري المنظور طويلا إذ أنى على وشك الموت والصعود إلى السماء ، ولذلك فلا يمكنكم إكرامى جسديا إلا في هذه الفرص . وتطبيقا لما تقدم فجسد المسيح ودمه ليسا موجودين طول النهار في الكنيسة بل القداس فحسب ، فالذي يقف في خلاله بمخافة ووقار وتكريم لا محالة ممدوح السيد كما مدحت من مریم قال وإيضاحا لحكمة امتداحه لعمل المرأة وخطأ التلاميذ في تذ مرهم إنها « فعلت ذلك لأجل تكفينى » ( ۲ ) أي أن ذلك كان منها إنذارا عموتى ودفى وقيامتي ، أو بمعنى آخر أنكم أنتم أصحابى تهربون عند صلبي فلا تحنطونى ولا تدفنوني وأما هذه فقد تقدمت لذلك بلا وجل .. وقد قصد بأشارته إلى موته ألا يتوهم التلاميذ إذا رأوا آلامه أنه غير عارف بما سيحل به.
استدامة ذكره : . الحق أقول لكم حينما يكرز بهذا الأنجيل في كل العالم بخير أيضا ما فعلته هذه تذكارا لها ۹ – وختم رب المجد الحديث بقوله عن المرأة أن ذكرها سيشيع في أرجاء المسكونة بانتشار إنجيله في أنحاء العالم وترجمته إلى كل اللغات ، وهي نبوة من نبواته التي تمت وتبين صدقها منذ ألفي سنة . وتنفيذا لأمره الكريم رتبت الكنيسة الاحتفال بأعياد القديسين تخليدا لذكرهم
( 3 ) إنه تعالى حسب إكرامهم إكراما له واحتقارهم احتقارا له إذ قال السيد لتلاميذه « الذي يسمع منكم يسمع منى . والذي يرذلكم يرذلني . والذي ير ذلى يردل الذي أرسلي » ( لو 10 : 16 ) . وقال الرسول « إذا من ير ذل لا ير ذل إنسانا بل الله الذي أعطانا روحه القدوس » ( ۲ تس ٤ : ٨ ) ، ولاشكا أن إهانة السفير هي إهانة للملك الذي أرسله . . = ( 4 ) وهو جل شأنه أكرمهم في أعين شعبه ، والأمثلة على ذلك متوفرة فقد قال لأبيالك الذي أخذ زوجة إبرهيم « والآن رد امرأة الرجل فأنه نبي فيصل لأجلك فتحيا . وإن كنت لست تردها فاعلم أنك موتا تموت أنت وكل من لك ( تك ٢٠ : ٧ ) . وقال لهرون ومريم اللذين تكلما على موسى . الكوشية « أما عبدى موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل شيء . فما إلى في وعيانا أتكلم معه ..... فلماذا لا تخشيان أن تتكلا على عبدى موسى » ( عد ۸:۱۲ ) ولما أخذ اليشع رداء إيليا الذي سقط عنه حين ارتفاعه في المركبة النارية وضرب به الماء انفلق إلى هنا وهناك ( ٢ مل 1 : 14 ) . وكذلك الميت الذي خاف أهله من الغزاة ، فطرحوه في قبر اليشع لما مس عظام اليشع عاش وقام على رجليه ( ۲ مل ۲۱:۱۳ ) . ولما حمى غضب الله على أصحاب أيوب الثلاثة قال لهم « والآن فخذوا لأنفسكم سبعة ثيران وسبعة كباش واذهبوا إلى عبدى أيوب واصعدوا محرقة لأجل أنفسكم وعبدى أيوب يصلى من أجلكم لئلا أصنع كذلك قال مخلصنا للجموع عن يوحنا المعمدان « لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان » ( مت ۱۱:۱۱ ) . . معكم حسب حاقتكم لأنكم لم تقولوا في الصوان ٨:٤٢ ) عنهم أن ( 5 ) وقد حذر الله من إهانتهم ، فقد أتى إلى لابان الأرامى في حلم الليل وقال له « احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر » ( تك ٢٤:٣١ ) ، وقال من يمسهم عس حدقة عينه ( زك ٢ : ٨ ) ، والذين يضايقونهم يجازيهم ضيقا ( ۲ تس ٦ : ١ ) ( 6 ) إنه عاقب للذين أهانوهم في حياتهم أو بعد وفاتهم فقد قال لقايين الذي قتل أخاه هابيل « متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها . تائها وهاريا تكون في الأرض ، ( تك ١٢ : ٤ ) ( عد ۱۲ : ۱۰ ) . ريم بالبرص لأنها تكلمت على موسى ثانيا : أن هذه الأعياد ليست مرتبة من الله ، ويرد على ذلك بأن الكتاب أثبتها والرسل مارسوها وشهد بصحتها أشهر مؤرخي البروتستنت . ) .
( ۱ ) قال بولس الرسول « ينبغي على كل حال أن أعمل العيد القادم في أورشليم » ( أع ۲۱:۱۸ ) ، ولا يمكن أن يكون هذا العيد عيدا يهوديا بعد ما حرم الرسول على المسيحيين الخضوع للطقوس اليهودية بقوله « فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت » ( كو ٧ : ٢ ) فهو إذن عيد مسیحی .. قال موسهيم المؤرخ البروتستنتى بعد أن تكلم على الأعياد في الكنيسة الجامعة « أضف إلى هذه الأعياد أعيادا أخرى اعتنق فيها الموت رجال قديسون لأجل المسيح التي بالأكثر احتمالا كانت أياما مقدسة وعظيمة منذ ابتداء الديانة المسيحية .. وجاء في كتاب تاريخ الانجليز المطبوع سنة 1839 « وكانوا يكرمون الشهداء ويعبرون عن ذكر يوم وفاتهم بمولدهم ويعيدون الأعياد عند قبورهم بغاية . السرور والمحبة والأحسان ».
رأى الكنيسة : إن الكنيسة مدينة لهؤلاء الشهداء والقديسين الذين أناروها بتعالمهم وثبتوها . بدمائهم ، ولذلك رتبت منذ القدم أياما خاصة تحتفل فيها بذكراهم إقرارا بجميلهم وإطاعة لأمر المخلص القائل « حيثما يكرز بهذا الأنجيل في كل العالم بخبر أيضا بما فعلته هذه تذكارا لها » ( مر 9:14 ) ، وقول بولس الرسول « أذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله . أنظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بأيمانهم » ( - ۷:۱۳ ) ، وقول المزمور « ذكر الصديق يدوم إلى الأبد » ( مز ٦ : ١١٢ ) . وإذا كانت الشرائع المدنية قد أجمعت على إكرام من أتى عملا جليلا أفاد أمته ، فقام أهل العالم يحتفلون بذكرى أبطالهم ونوابغهم في كل علم وفن وأقاموا التماثيل لهم ، أفلا يجدر بالكنيسة أن تقوم ببعض ما يجب عليها نحو رجالها الذين بذلوا نفوسهم رخيصة من أجل المسيح ، والذين جعل فيهم مسرته ، وأهلهم لشركة ميراث القديسين في النور ( كو ۱ : ۱۲ ) ، وحفظ لهم إكليل المجد ( 1 بط 5 : 4 ) ، وجعل لهم أسمى مقام في دياره ( يو ١٤ : ١٧،٣ : ٢٤ ) ، بل جعل لهم حظ الجلوس معه في عرشه ( رو 15 : ۷،۲۱ : ۳ ) ، وأشركهم معه في مداينة الناس والملائكة ( مت ۲۸:۱۹ ، ۱ کو ٢ : ٦-٣ ) ولما كان دوام ذكر هؤلاء الصديقين لا يتم على الوجه المرغوب فيه إلا بالطرق الاحتفالية ، لذلك رتبت الكنيسة إقامة التذكارات لهم وعمل الرحمة على اسمهم ( مت ٤٢:١٠ ) ، وحفظ صورهم وتعاليمهم . وليس أدل على ذلك من أن القديسين الذين لم يحتفل بأعيادهم يكاد يكون ذكرهم مجهولا لدى الجميع ومع ما في إقامة الأعياد من مزايا أدبية وسياسية واجتماعية كتقوية الرابطة.
الأرشيذياكون المتنيح بانوب عبده
عن كتاب كنوز النعمة لمعونة خدام الكلمة الجزء الثانى

عدد الزيارات 229

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل