الحوار المقدس وطفل المذود

16 ديسمبر 2022
Large image

في الأحد الأول من شهر كيهك تمتعت القديسة مريم منذ طفولتها بالصمت المقدس ، وسمح الرب بصمت الكاهن زكريا للتفرغ في دراسة الكتاب المقدس والنبوات عن المسيا المخلص ، كما سبح الجنين يوحنا في بطن اليصابات بابتهاج ولم ؛ يسمع أحد تسبحته سوى الرب نفسه . هذا الصمت المقدس لا يتعارض مع الحوار المقدس ، بل يقدس أعماق النفس والعواطف واللسان ، فيتأهل المؤمن للحوار المقدس المتناغم مع المقدس . هذا ما نراه في شخصية القديسة مريم والدة المسيا الكلمة .
الصمت بين حوار حواء الأولى وحوار حواء الجديدة
1- احتفالنا بعيد ميلاد السيد المسيح بكونه كلمة الله المتجسد ، يقوم على تمتعنا العملي بقول الرسول : " كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه " ( عب : ٢ ) . نزل إلينا وحل بيننا ، لنسمع صوته في قلوبنا ، ونتلامس مع خلاصه بالصليب ، وندخل معه في شركة سرية مقدسة لا تنقطع . تتقدس أعماقنا ، ويقام ملكوته فينا ( لو ۱۷ : ۲۱ ) ، فيصير صمتنا كما حوارنا مقدسين بالرب القدوس .
2- يتصور القديس مار يعقوب السروجي في القديسة مريم أنها مع صمتها ، إذ كانت تفكر في كل أحداث السيد المسيح منذ البشارة بالحبل به إلى يوم رحيلها إلى الفردوس ، أنها قامت بحوارات وأحاديث مع كثيرين : مع الرعاة والمجوس والسمائيين القادمين للبشارة والسمائيين الذين لم يتحركوا عند محاكماته وعذاباته وصلبه . وفي هذا كله لم تحل صمتها المقدس . نذكر في إيجاز بعضا من حواراتها .
3- يرى القديس إيرينيؤس ( القرن الثاني ) أن حواء بحوارها مع الحية ربطت عقدة ، قامت حواء الثانية بحلها بحوارها مع الملاك جبرائيل .
4- يرى القديس مار يعقوب السروجي أن حواء الأولى بدأت بحوار فاسد وأعقبته بصمت فاسد ، بينما بدأت حواء الجديدة بحوار مقدس وبناء وأعقبته بصمت مقدس وبناء لحياتها وحياة أبنائها المؤمنين عبر الأجيال .
5- تسللت الحية إلى حواء ، وفتحت معها الحوار دون أن تنطق بتحية أو سلام ، لأن الحوار مع الشيطان أو الخطية لا يهب سلاما . وكما يقول إشعياء النبي : " لا سلام للأشرار قال إلهي " ( إش ٥٧ : ٢١ ) . أما الملاك فافتتح الحوار بقوله : " سلام لك أيتها المملوءة نعمة ؛ الرب معك " ( لو ١: ۲۸ ) . وكأن الحوار تحقق بالنعمة الإلهية ، وفي الحضور الإلهي . من يمارس الصمت المقدس الذي به يتذوق عذوبة الحضرة الإلهية أينما وجد ، يصير حديثه مملحا بملح الروح القدس ، وفيه عذوبة ولطفا . فلا نعجب من تركيز يشوع بن سيراخ على اللسان كأداة لنمو الحكيم ومجده ، وتحطيم الجاهل وهلاكه . في الكلام المجد والهوان ، وسقوط الإنسان سببه لسانه ( سي ٥ : ٢٣ ) . الحديث العذب يكثر أصدقاؤه ، واللسان اللطيف يكثر الوقورين تحيات عديدة متباينة ( سي ٦: ٥) . الزلة على الرصيف أفضل من الزلة من اللسان ، هكذا يكون سقوط الشرير سريعا ( سي ٢٠ : ۱۸ ) . من الذي يقيم حارسًا لفمي ، وخاتم التعقل على شفتي ، فلا أسقط بسببهما ، ولا يهلكني لساني ( سي ٢٢ : ٢٧ ) . ضربة السوط تسبب جرحا ، وضربة اللسان تكسر العظام ( سي ٢٨ : ۱٧ ) .
6- مالت حواء بأذنيها لتسمع من الحية الكلام الكاذب والتشكيك في الإيمان : " أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة ؟ " وانتهى الحوار بالصمت أمام تكذيب العدو لوعد الله : " لن تموتا ... وتكونان كالله عارفين الخير والشر " ( تك ٣ : ٤-٥ ) صدقت الكذب وصمتت ، فجاء صمتها الفاسد يتبع حوارها الفاسد . أما حواء الجديدة فدخلت في حوار بناء غايته ليس حب الاستطلاع ، بل التمتع بالنمو في المعرفة لأسرار الله ومعاملاته . بدون هذا الحوار من كان يتمتع بمعرفة دور الثالوث القدوس في التجسد الإلهي : " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك ، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله " ( لو١ : ٣٥) . هذا الحوار انطلق بها إلى الصمت المقدس بروح الإيمان : " هوذا أنا أمة الرب ، ليكن لي كقولك " ( لو ١ : ٣٨ ) . ربما يتساءل أحد : بماذا نبدأ ، بالصمت المقدس أم بالحوار المقدس ؟ جاءت الإجابة العملية في حياة حواء الجديدة ، وهي من يلتصق بالرب يتمتع بالصمت المقدس كما بالحوار المقدس . ومن يعتزل الله لينفرد مع عدو الخير كحواء الأولى ، كلامه فاسد ومفسد ، وصمته أيضا فاسد ومهلك .
القمص تادرس يعقوب ملطي كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج

عدد الزيارات 181

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل