
تتضمن الحث على تجنـب الحلـف بـالله وتعالى . مرتبة على قوله تعالى : " لا تحلفوا البتة ( مت ٥ : ٣٤-٤٨ ) إذا كان الذين يتجاسرون على الحلف برأسا لملك الأرضي ، الـذى نهايتـه الفساد والإضمحلال يعاقبون ويهانون . فما بالنا نحن نتجاسر على الحلـف بـخـالق الكل الذي هو ملك الملوك وسلطان السلاطين . وليس اننا نحلف به صادقین فقط بل احيناً كثيرة نكون كاذبين وحانثين . وإن كنت ياهذا غافلا عن عظم جسـارتك هذه . فاسمع قول سيدنا : لا تحلفوا بالسماء ولا بـالأرض ولا بأورشليم . لأن هـذه المخلوقات كلها منسوبة إلى الخالق . فإذا كان قد أمرك أن لا تحلف بالكرسي ولا بالمدينة المنسوبين اليه . فكيـف تجسر أنت على الحلف بذاته . وذلك ليس حينما تكون صادقاً أو مضطراً إلى الحلـف بل في معرض الهزل واللعب والمجون . و فإن قلت فلماذا أباح الحلف به للإسرائيليين . أجبتك الامم قبـل الشـرائع كانوا يحلفون بالاصنام فنقلتهم شريعة العدل إلى الحلف بالله . ثـم : نقلت شـريعة الفضل إلى ترك الحلف مطلقاً اعتماداً على صدق المؤمنين . فإن قلـت وإذا كـانت السنتنا قد الفت المبادرة إلى الحلف من غير قصد . فما السبيل إلـى نقـص هـذه العادة ؟ قلت انك بقوة الله وصدق عزيمتك تستطيع أن تحول لســانـك عـن عـادتـه الردية ؟ أم سمعت ما قيل عن أهل هلاط انه كان منهم أناس يلثغون فـى كلامـهم ولكثرة القراءة وعناية المعلمين رجعوا عن اللثغة إلى صحة اللفظ . وأنـاس كـانوا يرفعون أكتافهم عن المشى ويحركونها تحريكاً شنيعاً . فأمر أصحاب السياسـة أن يوضع على كتف كل واحد منهم سيف مجرد حتى إذا ارادوا أن يرفعـوا أكتافـهم على عادتهم المألوفة يخافون خطر السيف فلا يحركونها إلى ان ثبتوا علـى هـذه العادة وتركوا تلك . فإن قلت هل يمكن أن ينصب بأزاء اللسان سيف . أجبتك نعـــم . ولكن ليس ذلك السيف المعتاد . بل بأن تجعل لك وسائط أخرى تقوم مقاومة . وذلـك أن توصى زوجتك وأولادك وعبدك وجارك . بأنه متى رآك أحد منهم عازماً علـى الحلف ينبهك على الامساك عنه . وليس عليك في ذلك مشقة ولا كلفـة . إذ ليـس يلزمك غرامة ولا مقاومة ولا تعب . فإن قلت وما الحاجة إلى ان يكلـف الانسـان الدخول تحت هذه الضيقات كلها في النهي عـن الحلـف وحـب المـال واللـذات والمراتب العالية وبقية الوصايا . وفي الأمر بإحتمـال المشـقات . مثـل أن تحـب الاعداء . وتحول خدك للطم . وتبذل مالك للمحتاج وخــــبزك للآكـل وأمثـال هـذه التكاليف الصعبة . أجبتك إن الله تعالى اخرجك إلى هذه الارض ليجربك . هل تكـون مطيعاً لاوامره أم مخالفاً لها ليجازيك في الآخرة . ولا توجد تجربة أعظم من الامـر بترك المحبوبات والدخول في المكروهات . انظر كيف جعل ابراهيم وإسحق مثـالا للطائعين . إذ قال لابراهيم خذ ابنك الحبيب وارفعه قرباناً على الجبل . ولمـا أطلـع على إخلاصه قلبه ومبادرته إلى ذبح ولده . الذي امتزج حبه بصميـم قلبـه . امـره بترك ما عزم عليه وجازاة مجازاة تقصر الالسن عن وصفها . لانه جعل نسله مثـل النجوم والرمل . وأقام الرسل والانبياء والملوك من بنيه . ومن ذريته ظهر المسـيح بالجسد . ووعد من يدخل دار النعيم السموى بالجلوس في أحضانه . فسبيلنا أن نحارب أهوآنا البشرية . ونحافظ على العمل بمشيئة ربنا . الذي لـه المجد إلى الابد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية