انجيل عشية يوم الأحد الثالث من شهر بؤونة

24 يونيو 2023
Large image

تتضمن الحث على الصلاة . مرتبة على قوله تعالى : " أسالوا تعطوا . اطلبوا تجدوا " ( مت ۷ : ۷-۱۲ )

إذا كان ربنا برحمته ورأفته يريد منا أن نسأله فيجود علينا وأن نطلب منـه فيعطينا أضعاف مطلوبنا وأن نقرع باب رحمته فيفتح لنا . فما بالنا نتهاون في طلـب الخلاص ؟ أنه قبيح بنا ومخالف لمقاصده تعالى أن نلتمس منه ما تلتمسه الخـوارج . فنطلب منه الزيادة في الأموال وكثرة الخصب والغلبة على الاعداء واشــــــبـاه ذلـك ، لان هذه الامور يطلبها البعيدون عن شريعة المسيح . اما الذين اشتراهم المسيح بدمه وفداهم بنفسه واعد السـماء مسكنا وأمرهم أن لا يقفوا في الفضيلة عند حد التشبه بالملائكة بل دعاهم إلى التشبه بسـيد البرايا كلها . فينبغي أن يكون طلبهم موافقا لإرادته لكي يخولهم المملكـة السـموية والسعادة التي لا نهاية لها . فإن قلت وإذا كان الله المعطى رؤوفـا رحيمـا جزيـل العطاء بهذا المقدار كثير التحنن على شعبه . فما الحاجة إلـى تكـرار الطلـب ودوام السؤال ؟ قلت إن ذلك لكى يتبين للمهملين أنـه يحـكـم بـالعدل ويقسـم المواهـب بالإنصاف . لأن ارباب الممالك الارضية إذا قصـدوا أن ينعمـوا علـى رجالـهم الناصحين لهم العاملين بمقتضى إرادتهم ، فالذين يخدمونهم كما ينبغي فأنهم يـأمرون بحشد العساكر واجتماع كبراء المملكة ثم يـأمرون أولئـك بالمكافحـة ليظـهروا شجاعتهم . فيرى الباقون إنه إنما جاد على المستحقين وأنعـم علـى المسـتأهلين . وحينئذ يندمون على الكسل ولا يتظلمون . وإذا كان الذين يقصدون نوال الجوائز الارضية يجهدون ذواتهم ويكلفـون أنفسهم اتعابا جسمية كالمصارعين والذين يلعبون على الحبـال والذيـن يـنـاضلون بالسهام والذين يتبارزون في السباق والذيـن يحملـون الاثقال الباهظـة والذيـن يروضون السباع والخيل . انهم يحتملون هذه المشقات لكي ينالوا الجوائـز القليلـة والمديح الباطل . وكذلك الحكماء والفلاسفة فإنهم يجهدون ذواتهم ويتكلفـون سـهر الليل وصيام النهار ويتوحدون في الخلوات البعيدة ويهجرون التنعم واللهو واللـذات . ويزعجون أفكارهم في تحقيق المسائل وإنشاء المصنفات . كل ذلك ليظـهر فضلـهم بين الناس وينالوا أحسن الصيت والكرامة . بل مالي أذكر هؤلاء واترك الذين يخدمون الملوك ويتجندون لـهم . فانـهم يعرضون أنفسهم لضرب السيوف وطعن الرماح ورمى النبــال . ويتكلفـون نقـب الأسوار ويلقون أنفسهم في المهاوى والخنادق ليأخذوا إكليل الغلبة من ملوكهم . فياللعجب من الذين وعدوا بملك السماء وسعادة الأبد . والقيام لـــــــدى مـنـبر المسيح وأخذا الأكاليل النورانية . كيف لا يهتمون ولا يجاهدون في تحصيـل هـذه الجوائز العظيمة ؟ وما أعظم رحمة سيدنا فإنه لعلمه بقصر ايامنا وأننا بعد المـوت لا نجد فرصة نتوب فيها عن ذنوبنا . ينهض عزائمنا تارة بالمثال وتارة بالتنبيـهات . ويعدنا تارة ويتوعدنا أخرى . ويرغبنا في الطلب بقوله إذا كنتم أنتم الذيـن تتقبلـون بين الضرورات يحملكم حب الأولاد المطيعين لكم الطالبين منكم على أن تمنحوهـم أفضل مما يطلبون . فكم بالأحرى أبوكم السماوي القادر على كل شئ . وانا اقول لأرباب الأموال والأغنياء . يا للعجب من كون أحدكــم إذا كـان يضيع ثوره أو حماره أو غير ذلك من أمواله فانه يجتهد فـى طلبـه ويبـالغ فـى الاجتهاد ويعد الحراس وحفظة الشوارع . ويفـرغ جـهـده فـي السـعي والسـؤال والاستقصاء من الجيران وهو في ذلك بين الشك واليقين في وجود المفقود . وأنتـم ترون سعادة الملكوت هاربة من الخطاة ولا تجتهدون في طلبها . فإذا كنـت تجـهد نفسك هكذا في طلب الدنايا الفاسدة بطبائعها ، فما بالك لا تطلب النفائس الباقية إلـى الأبد ؟ ولماذا لا تفعل في طلب هذه كما تفعل في طلب تلك ؟ ولماذا لا تفـرق بيـن الطالب والمطلوب منه . لأن الذين يكررون الطلب من الآباء والإخـوة والأصدقـاء يستثقلونهم ويتضجرون منهم . وربما يغلقون الأبواب في وجوهـهم . وأمـا الذيـن يطلبون من إلههم فكلما كرروا الطلب وداوموا السؤال والتضرع . كثـرت عنايتـه وتحننه عليهم ومنحهم أفضل مما يطلبون . فسبيلنا أن نترك الطلب من المخلوقين مثلنا . ونواصل الطلـب مـن الـرب إلهنا . الذي له المجد إلى الأبد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية

عدد الزيارات 124

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل