انجيل عشية يوم الأحد الأول من الصوم الكبير

25 فبراير 2023
Large image

تتضمن الحث على العمل لما بعد القيامـة . مرتبـة على قوله تعالى بفصل الإنجيل : " لا تهتموا بالغد ، لأن الغد يهتم بما لنفسه يكفى اليوم شره " ( مت ٦ : ٣٤ و ۷ : ۱-۱۲ ) إذا كان ربنا له المجد لمحبته لنا وشفقته علينا يأمرنا بعدم الإهتمام بالفانيـات وأن لا نشغل افكارنا عن طلب الباقيات في الاهتمام بحاجة الغد . ويعرفنـا انـه إذا كان يهتم بطعام الحيوانات المخلوقة لأجلنا فكيف يهمل مصالحنـا ؟ ويضـرب لنـا الأمثال بطيور السماء وسوسن الحقل وغير ذلك . فمالي أرى كثيرين من الناس لا يقنعهم حصول قوت اليوم ولا الاسبوع ولا السنة كلها ولا سنين كثيرة . بل يحفظون مال قوم . ويغتصبون مــال آخريـن . ولا يكتفون بمحصول صناعتهم أو تجارتهم . فيستعملون الظلـم والريـاء . ويستبيحون الغش والخيانة وما أشبه ذلك . وما بالنا لا ننظر إلى نعيم السماء الذي نمتلكـه مـع المسيح والخلود في سعادة الأبد ونعرض عن الاهتمام بالامور التـى تعوقنـا عـن البلوغ اليها ؟ فإذا كان أحدنا قد دعى إلى وليمة جمعت الوانا مـن الأطعمـة والاشـربة والفواكه والروائح الطيبة وسماع المطربات فانه يقطع كل العوائق المانعة له عـن الذهاب إلى هناك . ويختصر الكلام مع ولده وعبده واهل بيته وأيضا الذين يقبلــون عليه لاجل السلام في الطريق رغبة منه في سرعة الوصول اليها مع علمـه بـأن لذاتها قصيرة الزمان سريعة الزوال . وربما لا يسلم فيها من عروض حادث يكـدر سروره ويزعج نفسه . فما بالنا لا نلتفت ونشتاق إلى وليمة . المسيح صانعـها ومبدعـهـا ومـهيئ أصناف طيباتها ولذاتها الدائمة . بحيث لا يصل المتطفلون ولا المفسدون إلى هنـاك ؟ وكيف لا نقطع الاسباب المانعة ونترك الاهتمام بالامور التي تعوقنا عن الوصـول إليها ؟ ويا للعجب من اولئك الذين يخافون من أهوال يوم القيامـة ومـن عـذاب الجحيم . ولا يرغبون في الحضور إلى وليمة المسيح والنظر إلـى وجـهـه الأنيـس والتمتع بسعادة الابد ومعاشرة الملائكة وغير ذلك من المسرات التـى لا يسـتطاع وصفها . ولعمري إن الخيبة من ذلك المجد اشد عقوبة من العذاب في الجحيم وكيـف لا نخاف من الوقوف بين يديه . وهو عابس في وجوهنا وغير مقبل علينا ؟ وكيـف لا نذوب خجلا من قوله صارخا نحونا : " أذهبوا عنـى يا ملاعين إلى النار الابديـة المعدة لإبليس وملائكته " . وقوله لغيرنا " تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم فانظر ياهذا إلى حسن صنيعه بنا ومخاطبته إيانا . حيث لم يبكتنا علـى دوام احسانه الينا وسوء مكافأتنا له . لكنه يبكتنا تبكيتاً يدل على عظم محبته لنـا وكـثرة رأفته بنا . ولهذا لم يقل إني اعاقبك لانك لم تخدمني جيداً . أنا الذي خلقتك من العـدم . وأوجدت لك نفساً ناطقة واقمتك متسلطاً على البرايا الارضيـة . وخلقـت لأجلـك العناصر والحيوانات والنباتات والاشجار واسماك البحار وطيور السماء . ثم خـالفت وصيتي . لقد إحتمل لاجل خلاصنا بالعدل خلسة التلبس بالناســوت البشـرى وآلام الصلب وخزى البصق واللطم والموت الشنيع . بل أنه انزل المساكين منـا بمنزلـة أخوته . وقال اني أعاقبك لإهمالك العناية بمصالحهم . وغفلتـك عـن الرأفـة بـهم والرحمة لهم . فإذا كانت المجازاة لابد أن تكون عن يقين . فما بالنا نلعب في مـدة حياتنـا كالاطفال ؟ ونتعلل بما يشغلنا كالمفطومين من الرضاع ؟ وكيف إذا رأينا الصبيان في وقت لعبهم يصنعون بيوتاً صغيرة ويسقفونها بالعيدان ويتخذون لهم تمـاثيل الخيـل وغيرها من الطين والخزف . فننقلب ضاحكين عليهم لاغتباطهم بهذه الدنايا الحقـيرة ولا نخجل نحن من ضحك العقلاء الناظرين في الحقائق علينا إذا رأونا نبذل الجـهد في بنيان القصور والمنازل الجميلة . ونأمر الفعلة بتقوية الأسـاس وتوثيـق البنـاء وتلوينه بالاصباغ . وتزينه بالنقوش وترصيع أرضه بالرخام ونحوه . ثم نهتم بعمـل الاطعمة واتخاذ الاشربة والحصول على الفواكه والحلويات وغــير ذلـك . فإنـهم يضحكون علينا لنقص عقولنا . ويندبون خسارة اهتمامنا . لانهم يعلمـون سـرعة مفارقتنا لهذه المنازل ، وسرعة تلاشي لذة الاطعمة والأشربة حيث أنها لا تـدوم إلا قليلا وقت تناولها . وكما أن الصبيان لتشاغلهم بتلك الاباطيل المذكورة أنفاً يـهملون دروسـهم ويتهاونون في الذهاب إلى مكاتبهم . فينالون القصاص من المعلمين . فنحن أيضـاً إذا اشتغلنا بالامور الباطلة ، وافتخرنا بنقوش الثياب وتزيين المنازل واهملنـا المواعـظ والتعاليم الروحية فإننا نستحق القصاص ولا يوجد لنا شفيع ولا منقذ . فسبيلنا أن نتحول من مشابهة الصبيان . ونستيقظ من نومنا ونسـارع إلـى نوال خلاصنا . لنفوز بنعمة ربنا الذي له المجد إلى الأبد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية

عدد الزيارات 261

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل