إنجيل عشية الأحد الثانى من شهر برمهات

18 مارس 2023
Large image

تعليم يسوع في الخزانة
تمهيد
حضر المخلص إلى الهيكل وجاء إليه جميع الشعب فجلس في الخزانة ،وهى أحد أروقة الهيكل . وقدم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أمسكت في زنا وحاولوا اصطياده بكلمة يستندون عليها في تقديم شكواهم ضده ولكنهم لم يفلحوا . وأخذ يسوع يلقى تعاليمه الواردة بفصل الإنجيل وفيها أثبت أنه المسيح ، وأنه الذي يحرر المؤمنين به ، وأن عمله هذا هو من قبل أبيه السماوي : يسوع هو المسيح فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل شيئا من نفسى بل أتكلم بهذا كما علمني أبي . والذي أرسلنى هو معي ولم يتركنى الآب وحدى لأنى في كل حين أفعل ما يرضيه . شهد السيد المسيح عن نفسه أمام اليهود في الخزانة بأنه نور العالم وأنه من فوق ، وكانت شهادته من الوضوح بحيث لو شاءوا أن يفهموها لما عسر عليهم ذلك ، ولكن جهالتهم وكبرياءهم حالتا دون ذلك ، فلم ير بدا من إعلانهم بأنهم سوف يدركون حقيقة أمره حينما يصلبونه فقال : « متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أنى أنا هو » .. وسمى صلبه ارتفاعا لأن صليبه ارتفع في الجو فارتفع به شأن البشرية ، ونال به المؤمنون شرفا يجل عن الوصف وقد تحقق إدراك اليهود لحقيقته حينها أبصروا الظلمة التي حدثت وقت صلبه ، والزلزلة ، وانشقاق حجاب الهيكل ، وقيامته وصعوده ، وحلول الروح القدس على تلاميذه ، وتكلمهم بألسنة وعملهم المعجزات ثم قرر أمامهم أنه متحد بالآب في كل فعله ، وأن ما بشر به كان يعلمه منذ الأزل . وواصل كلامه قائلا « والذي أرسلنى هو معى » ، فأثبت بهذا التصريح الاتحاد الدائم بينه وبين الآب في الذات والتدبير . وكثيرا ما ردد المخلص هذا التعليم في محادثاته ، فقد قال لفيلبس ولتلاميذه « ألست تؤمن أنى أنا في الآب والآب في .. والكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال . صدقوني أني في الآب والآب في وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها » ( يو ١٤ : ١٠-١١ ) . وعزا المخلص هذا الاتحاد إلى فعله كل ما يرضى الآب ، ومن أدلة ذلك قوله لتلاميذه أثناء حديثه مع المرأة السامرية « طعامى أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله » ( يو ٤ : ٣٤ ) ، وهو بهذا يرمي إلى تحريضنا على عمل مرضاته حتى يكون معنا دائما . كما أن الآب معه كل حين .. تحريره المؤمنين :-
وبينما هو يتكلم بهذا آمن به كثيرون .فقال يسوع لليهود الذين آمنوا به إنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذی وتعرفون الحق والحق يحرركم . أجابوه إننا ذرية إبراهيم ولم نستعبد لأحد قط . كيف تقول أنت أنكم تصيرون أحرارا .أجابهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية . والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد . أما الأبن فيبقى إلى الأبد . فأن حرركم الأبن فبالحقيقة تكونون أحرارا .وعلى أثر ذلك آمن به كثيرون من اليهود . فأوضح لهم أن الإيمان به لا يجديهم نفعا إن لم يثبتوا على حفظ وصاياه والعمل بها . ومتى فعلوا ذلك وصبروا على الاضطهاد والشدائد ، كما هو مفروض في التلاميذ ، شاركوه في السعادة والمجد .وأضاف إلى هذا قوله إن ثباتهم في الأيمان يهديهم إلى الحق الذي هو يسوع وتعاليمه الألهية ، ويحررهم من نير الشيطان وعبودية الخطية ، وفي ذلك يقول الرسول « فأن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة » ( رو ١٤:٦ ) ، وكذلك يقول يعقوب الرسول « من اطلع على الناموس الكامل ناموس الحرية وثبت وصار ليس سامعا ناسيا بل عاملا بالكلمة فهذا يكون مغبوطا في عمله » ( يع ١ : ٢٥) . علي أن اليهود ظنوا أن السيد يتكلم عن الحرية المدنية والحرية الجسدية فاعترضوا قائلين إنهم لم يستعبدوا لأحد قط ، ونسوا أو تناسوا أنهم استعبدوا للمصريين والبابليين والأشوريين واليونانيين ، بل أنهم كانوا وقتئذ مستعبدين للرومان ، يدفعون الجزية لقيصر . ولعلهم كانوا يقصدون أن لهم بعض الحرية الدينية ، وأنه لا يجوز بيعهم بيع الأرقاء وفقا لما قاله الله عنهم « وإذا افتقر أخوك عندك وبيع لك فلا تستعبده استعباد عبد ، كأجير كنزيل يكون عندك . إلى سنة اليوبيل يخدم عندك . ثم يخرج من عندك هو وبنوه معه ويعود إلى عشيرته ، وإلى ملك آبائه يرجع، لأنهم عبيدي الذين أخرجتهم من أرض لا يباعون بيع العبيد » ( لا ٢٥ : ٣٩-٤٢ ) .وقد أوضح لهم السيد نوع العبودية التي يقصدها وهي عبوديتهم الشنيعة للخطية ، وهي شر من عبودية الرق لأنها تؤدي إلى الموت كما قال بولس الرسول « ألستم تعلمون أن الذي تقدمون ذواتكم له عبيدا للطاعة أنتم عبيد للذي تطيعونه إما للخطية للموت أو للطاعة للبر » ( رو ٦ : ١٦ ) . ثم أشار إلى مصير العبد وهو الطرد من البيت طالت مدة عبوديته أم قصرت لأنه لاحقوق شرعية له ، ودليل ذلك ما حدث لإسماعيل فقد قيل لأبراهيم عنه « أطرد الجارية وابنها لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة » ( غل ٤ : ٣٠ ) . ورب المجد بقوله هذا يقصد أن عبد الخطية يمكن طرده من البيعة المقدسة . وأما العتق من يد الشيطان والشهوات الذي قصده حين قال « فأن حرركم الأبن تكونون أحرارا » فليس في استطاعة إبراهيم أو موسى أو جميع الأنبياء أن يمنحوه ، إذ يسوع وحده هو الذي يحرر المؤمنين ويصيرهم إخوة له وورثة . فالذي يأتى إليه معترفا تائبا ينال المغفرة والعتق ، قد أعطى سلطان الحل والمغفرة هذا لتلاميذه وخلفائهم حين قال لهم « إقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له » ( يو ٢٠ : ۲٢-۲۳ ) .
البنوة العملية لله:-
أنا عالم أنكم ذرية إبراهيم . لكنكم تطلبون أن تقتلونى لأن كلامي لا موضع له فيكم أنا أتكلم بما رأيت عند أبي .. وأنتم تعملون ما رأيتم عند أبيكم .أجابوا وقالوا له أبونا هو إبراهيم . قال لهم يسوع لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم : ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلونى وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله . هذا لم يعمله إبراهيم .أنتم تعملون أعمال أبيكم . فقالوا له إننا لم نولد من زنا . لنا أب واحد وهو الله. فقال لهم يسوع لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني لأني خرجت من قبل الله وأتيت . لأني لم آت من نفسي بل ذاك أرسلنى. ولما كان اليهود قد اعترضوا قائلين « إننا ذرية إبراهيم » فقد أخذ السيد يفند اعتراضهم بقوله أنهم حقيقة أولاده بالجسد ، ولكنهم ليسوا أولاده في الأعمال الصالحة ، وقلوبهم المشحونة بالأفكار الدنيوية الشريرة لا موضع لكلامه فيها ، وهذا ما حملهم على طلب قتله . ثم أيد أقواله بالأشارة إلى أن مصدرها هو أبوه القدوس في حين كان مصدر أعمالهم إبليس أباهم . فاعترض اليهود على السيد ثانية لتعريضه بهم ونسبتهم من حيث الأعمال إلى أب غير إبراهيم أى إلى إبليس ثم أعلنوا انتسابهم إلى إبراهيم دون سواه ، والسيد أجابهم معترفا بهذا النسب من ناحية الجسد لامن ناحية السلوك ودلل على أنه لا نصيب لهم من طاعة إبراهيم وتصديقه بطلبهم وهو لم يسئ إليهم بل كلمهم بالحق الذي سمعه من الله ، ثم قرر أن هذا التصرف من جانبهم لا يتفق وأعمال إبراهيم . وقد حقق بهذا أنه لا يحسب ابنا لإبراهيم إلا من عمل أعماله « لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديا ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانا بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي » ( رو ۲ : ۲۸-۲۹ ) ، وفي ذلك يقول الرسول أيضا « إعلموا إذا أن الذين من الأيمان أولئك هم بنو إبراهيم ... . . فأن كنتم للمسيح فأنتم إذا نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة » ( غل ٣ : ٧ ، ۲۹ ) . كذلك من يعمل أعمال الله بحسب ابنا له هي الرحمة والغفران للمسئ ، فمن يرحم ويغفر فهو ابن الله ، ولذا علمنا السيد أن نقول في الصلاة الربانية واغفر لنا كما نغفر لمن أخطأ إلينا حتى نكون لله أبناء . أما اليهود فبالتماسهم قتل السيد دلوا على أنهم أبناء للشيطان في فعله الشر . ولم يطق اليهود أن ينسبهم المخلص إلى إبليس فاعترضوا . قائلين « إننا لم نولد من زنا » أي لم نولد من آباء وثنيين كفرة ، وتسمية الكفر والشر زنا تتضح من قول الرب لموسى « ها أنت ترقد مع آبائك فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهة الأجنبيين في الأرض التي هو داخل إليها في ما بينهم ويتركني وينكث عهدي الذي قطعت معه » ( تث١٦:٣١ ) . وقول أشعياء "كيف صارت القرية الأمينة زانية . ملآنة حقا كان العدل يبيت فيها وأما الآن فالقاتلون "( أش ١ : ٢١ ) . ثم قالوا بأن لهم أبا واحدا يعبدونه وهو الذي عبده إبراهيم . ورد السيد على هذا الاعتراض مبينا أنهم لو كانوا أبناء الله حقيقة لشابهوه في محبته لابنه ، لأن « كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله . وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضا » ( ١يو٥ : ۱ ) وأشار المخلص إلى مولده الأزلى بقوله « لأنى خرجت من قبل الله » ، وإلى مولده الزمنى بقوله « وأتيت » ، وإلى وحدة الجوهر والأرادة بين الله الآب الله الأبن بقوله « لأني لم آت من نفسي بل ذاك أرسلنى » . وبهذا علمنا .. الاتضاع والطاعة والعمل برأى آبائنا ، كما أن الله الآب أرسله وبظهوره متجسدا لم ينفصل عنه بلاهوته.
الأرشيذياكون المتنيح بانوب عبده
عن كتاب كنوز النعمة لمعونة خدام الكلمة

عدد الزيارات 326

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل