براهين القيامة

18 أبريل 2023
Large image

التحول الرسولي
"نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع ٤: ٢٠)
من أقوى براهين القيامة، ذلك التحول الفذ، الذي حدث في حياة الرسل، إنه حقا أمر عجيب! كيف أن الذين قبعوا خلف أبواب مغلقة، في خوف ورعب من اليهود، انطلقوا فجأة يعلنون بشرى الخلاص لكل الأمم. كيف تحولوا في لحظات من الحزن إلى الفرح، ومن الضعف إلى القوة، ومن الخوف إلى الشجاعة، ومن اليأس إلى الثقة؟! كيف استطاع هذا النفر من البسطاء أن يفتنوا المسكونة" بأسرها دون سند بشری، ودون حرب ضروس، ودون مادة أو علم؟!
إنه يقين القيامة، ورؤية الرب الظافر! فهم أمام معجزة المعجزات، يسوع قال لهم إنه سيقوم، ولكن هل حقا سيقوم؟! لقد انتظر الرسل في رعب شديد أخبار القبر الفارغ، والكفن المنظم. والملائكة، والزلزلة، والحجر المدحرج، والحراس المرتعبين من هول المفاجأة وقوة الأسد الظافر... وحالما تأكدوا من الأنباء وحل الرب في وسطهم بنفسه، ولمسوه، وأكل قدامهم وشرب، تفجرت فيهم طاقات مذهلة، فانطلقوا في قوة لم يحدث لها مثيل في تاريخ البشرية، يبشرون بالمصلوب القائم، وبالرب الذي أحبنا إلى المنتهى. انطلقوا في قوة هزأت بالموت، وبسيفه المسلط على رقابهم كل يوم، لأنهم وثقوا في القائم من الأموات ، القادر أن يقيمهم أيضا. انسكب في قلوبهم إيمان أبيهم إبراهيم، الذي على خلاف الرجاء، أمن على الرجاء، آمن به، الذي يحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة (رو ٤: ١٧-١٨). نعم، انسكب فيهم نفس إيمان أبيهم، الذي أخذ إسحق إبنه من الموت مرتين: مرة من جسده الممات مع جسد سارة، ومرة أخرى من فوق المذبح، بعد أن افتداه بذبيحة أخرى. هكذا انطلق الرسل في يقين القيامة، يقدمون البشارة، ويستهينون بالموت، ويواجهون الحكام في قسوتهم والفلاسفة الوثنيين في مكرهم وينتصرون بالرب الظافر فيهم.وهكذا انتشرت المسيحية بسرعة في كل العالم المعروف آنذاك، وسرت فيه سريان النار في الهشيم، وتبدلت الوثنية الضاربة في أعماقه إلى مسيحية تنشر الحب والحق والنور.الحقيقة إذن ليست أن "المسيح قام" وحسب، بل أن "المسيح حي" إلى الأبد. فلقد ترك المسيح القبر فارغا لا ليصعد إلى السموات وينفصل عنا، بل ليسكن في أحشائنا ويحيي موتها. المسيح الآن حي، حاضر، وفعال. إنه رفيق الطريق، وزميل الموقف، وأنيس النفس ومخلصها. إنه يسير معنا في دروب الحياة، حتى في انحدارنا من أورشليم المرتفعة، مدينة الأحداث، إلى عمواس المنخفضة، مدينة الاهتمامات العالمية. يسوع يأتي إلينا، ويرافقنا في الطريق، وإذ يرانا في عبوسة وشك، يفتح أذهاننا لنفهم الكتب، ويلهب قلوبنا بأقواله الإلهية، وأخيرا يعطينا جسده ودمه لنأكل، ثم يختفي من أمامنا لأنه صار فينا، وهكذا تصعد من جديد إلى أورشليم الجديدة، حيث الجماعة الشاهدة، والكنيسة الحية.إنه يسوع الحي... رفيق موائدنا اليومية... الذي ينادينا في كل وجبة غذاء ويقول: "هلموا تغدوا" (يو ٢٠: ١٢). وقبل أن نأتي نحن بما اصطدناه من خير بنعمته، نجده وقد أعد لنا سمكا مشويا وخبزا، ويدعونا إلى مشاركته وهو الغني عنا. إنه يسوع المحب الذي لا يطرح من أنكره خارجا، بل يعاتبه في نظرة حب، فيذيب قلبه في داخله، وإذ يبكي بكاء مرا، يعيده في رفق إلى رسوليته وخدمته. يسوع الحنان... الذي تراف بتلميذه حين شك، فداوي شكه في ظهور خاص، وداوى كل الشكاكين معه. إنه يسوع العطوف... الذي كفكف دموع المجدلية، بصوته الحاني وهو يناديها "يا مريم"، ليؤكد لي أنه يعرفني باسمي، ويحبني كما أنا، مع أني أول الخطاة". يسوع الذي لا يكف عن التجول بين المنازل والقرى، وفي الطريق إلى دمشق يلتقي بشاول القاسي، فيحوله إلى بولس الحنون.وما أكثر من قابلت يا رب، بعد قيامتك، فحولت آثامهم إلى فضائل، وضعفاتهم إلى انتصارات! وهل هناك دليل أقوى من هذا: أن يتحول نفر قليل من الصيادين إلى جيش قادر قهار، يقتحم القلوب والأذهان في حب سخي، يصل إلى حد الموت؟!
نعم فيسوع هو الحب! والحب لا يقهر! الحب لا يقبر! الحب لا يموت! وهل حدث يوما أن مات حب؟!" المحبة قوية كالموت"، إذن فالموت لا يستطيع أن يقهرها. "لهيبها لهيب نار، لظى الرب. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفيء المحبة، والسيول لا تغمرها. وإن أعطي الإنسان كل ثروة بيته، عوض المحبة. تحتقراحتقارا" (نش ٨: ٦-٧).هل كان من المعقول أن يضحي الرسل بأنفسهم، أرضيا وأبديا، من أجل أكذوبة اختلقوها؟! وهل للكذب أن يبقى؟! لقد رأوا الرب مرات كثيرة، وفي أماكن كثيرة، وبأعداد كبيرة، وفي يقظة روحية وبدنية، لمسوه، وحاوروه، وأكلوا معه، واستمعوا إلى خطابات مستفيضة عن ملكوت الله، ولذلك وثقوا بالقيامة وبربها، وانطلقوا يكرزون في قوة وجبروت. ومضى بطرس الذي أنكر السيد أمام جارية قبل حلول الروح القدس عليه، مضى يوبخ رؤساء الكهنة ويعلن حقيقة القيامة، فقال: "يسوع الناصري... الذي بأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه... أقامه الله ناقضا أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه... يسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعا شهود لذلك" (أع ٢: ٢٢-٣٢). وفي خطابه الثاني كرر القول: "رئيس الحياة قتلتموه... الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهود لذلك" (أع ٣: ١٥).هكذا يبقى أن نختبر نحن هذا السر "سر حضور المسيح فينا"، أو "سر المسيح رفيق الحياة اليومية". فيسوع الآن على استعداد تام أن يحيا فينا، وأن يرافقنا في ظروفنا اليومية: حين ننام وحين نقوم، حين نغتسل وحين نخرج إلى العمل، حين نلتقي بالناس وحين ننعزل عنهم، في البيت والشارع ومعهد العلم. وإذا كان داود قد اختبر حضور الرب فقال: "جعلت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع... لذلك فرح قلبي..." (مز ١٥: ٨-٩)، يمكننا أن نقول نحن "جعلت الرب حيا في أعماقي، ذهنا ومشاعر وإرادة، فهو سرفرحي ونصرتي .فليملأ الرب حياتنا من سر حضوره الدائم، وليبقي لنا نعم الرفيق، كل الطريق!
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب

عدد الزيارات 348

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل