"وكان يظهر لهم أربعين يوما" (أع ١: ٣)لا نستطيع أن نحدد بالضبط عدد المرات التي ظهر فيها السيد المسيح للتلاميذ بعد قيامته، وحتى صعوده إلى السموات. فالكتاب يقول أنه "كان يظهر لهم أربعين يوما، دون أن يحدد عدد المرات. ولكننا من خلال هذه الظهورات المسجلة نستطيع أن نجد دليلا قويا وبرهانا أكيدا على قيامة السيد المسيح.
١. ظهورات كثيرة:
فلقد سجل لنا الكتاب المقدس أحد عشر ظهورا على الأقل للسيد المسيح، ترتيبها على الأرجح، كما يلي:
١- ظهر للمجدلية بمفردها، (مر ١٦: ٩؛ یو ٢٠: ١٦).
٢- ظهر للمريمات (مت ٢٨: ٩).
٣- ظهر لتلميذي عمواس (مر ١٦: ٢؛ لو ٢٤: ١٣-٣٥).
٤- ظهر للتلاميذ في علية أورشليم يوم القيامة بدون توما (مر ١٦: ١٤؛ لو ٢٤: ٣٦-٤٢؛ يو ١٩:٢٠-٢٣).
٥- ظهر لسمعان (لو ٢٤: ٣٤).
٦- ظهر ليعقوب (١کو ١٥: ٧).
٧- ظهر مرة أخرى للتلاميذ ومعهم توما في الأحد التالي للقيامة، وذلك في العلية بأورشليم (يو ٢٤:٢٠-٢٩) (١ كو ١٥: ٧).
٨- ظهر للتلاميذ على جبل الجليل ( مت ٢٨: ١٦-١٧).
٩- ظهر لسبعة تلاميذ على بحيرة طبرية (يو ٢١: ١-٢٢).
١٠- ظهر لأكثر من خمسمائة أخ دفعة واحدة، أكثرهم عاش حوالي ربع قرن بعد صعوده، وشهد لقيامته (١كو ١٥: ٦).
١١- ظهر لتلاميذه على جبل الزيتون يوم صعوده (لو ٢٤: ٥٠-٥٣؛ أع ١: ٩-١٢) . وهذه الظهورات الكثيرة- غير التي لم تدون- تأكيد على صدق قيامة الرب، فالمرات كثيرة ومتعددة.
٢. لأشخاص كثيرين:
كانت هذه الظهورات لأشخاص كثيرين، منهم النسوة والرجال، المصدقون بسهولة، والشكاكون، لشخص واحد أو لاثنين، أو لبضعة أشخاص أو لجماعة التلاميذ، أو لمئات مرة واحدة. وهذا يؤكد صدق القيامة، فكيف تتفق هذه الأعداد كلها على أمر كاذب؟ وهل للكذب أن يقف على رجليه طويلا ؟
٣. أماكن كثيرة:
تمت الظهورات في أماكن متعددة، في القبر، وخارج القبر، وفي الطريق إلى عمواس، وفي علية أورشليم، وفي بحر طبرية، وفي جبل الجليل، وفي جبل الزيتون، إذن، فقد تنقل التلاميذ كثيرا ليشاهدوا هذه الظهورات الحية، وكانوا حتما في صحو ويقظة.
٤. حوار متبادل:
لقد تم في هذه الظهورات حوار متبادل طويل بين الرب وتلاميذه السلام لكم... كما أرسلني الآب أرسلكم أنا" (يو ٢٠: ٢١)... . ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (مت ٢٨: ٢٠). " أقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي" (لو ٢٤: ٤٩). "وكان يتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع ١: ٣). أليست هذه كلها أحاديث صحو وانتباه؟
٥. لمس حسي:
لقد سمح الرب لهم بأن يلمسوه، مكسبا جسده النوراني أبعادا حسية حتى يتأكدوا من قيامته، بنفس الجسد الذي مات به، 'جسوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو ٢٤: ٣٩)، "هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدي، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا" (يو ٢٠: ٢٧)، فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له" (مت ٢٨: ٩).
٦. أكل قدامهم:
وذلك عدة مرات، تأكيدا لقيامته المجيدة، بنفس الجسد الذي مات به... "أعندكم ههنا طعام؟ فناولوه جزءا من سمك مشوي، وشيئا من شهد عسل، فأخذ وأكل قدامهم" (تماما كما أكل الملاك مع إبراهيم في العهد القديم) (لو ٢٤: ٤١-٤٢). وعلى بحر طبرية سأل التلاميذ: "ياغلمان ألعل عندكم إداما"؟... ولما أعلموه بأنهم لم يصطادوا شيئا، ووهبهم سمكا كثيرا بقوة لاهوته قال لهم: قدموا من السمك الذي أمسكتم الآن.. هلموا تغدوا" (يو ٢١: ١-١٤)، وذلك بعد أن وصلوا إلى الشاطيء، ووجدوا حجرا موضوعا، وسمكا موضوعا عليه، وخبزا...
تناقضات ظاهرية:
ورغم هذه الظهورات الأكيدة، حاول بعض النقاد أن يجدوا بعض التناقضات، التي هي بالقطع ظاهرية، فمثلا:
١. عدد النسوة:
قالوا إن القديس يوحنا تحدث عن المجدلية وحدها، بينما تحدثت الأناجيل الثلاثة الأخرى عن أكثر من امرأة، وهذا واضح جدا، فهما ظهوران لا ظهور واحد، الأول للمجدلية في القبر "انحنت إلى القبر" (يو ٢٠: ١١) والثاني خارج القبر للمريمات "فخرجنا سريعا من القبر... وفيما هما منطلقتان لتخبرا التلاميذ، إذ يسوع لاقاهما، وقال لهما سلام لكما" (مت ٢٨: ٨-٩).
٢. لا تلمسيني:
قالوا بتناقض بين قوله للمجدلية "لا تلمسيني" والسماح لها بالإمساك بقدميه ( قارن يو ٢٠: ١٧، مت ٢٨: ١٠). وكما ذكرنا فهما ظهوران، في الأول لم يسمح لها بلمسه إما لأنها لم تؤمن به كما يجب وظنته البستاني. أو لأنه كان بجسد نوراني لا يلمس، وفي الثاني سمح لهما بالإمساك بقدميه تأكيدا لقيامته، إذ أكسب الجسد النوراني أبعادا حسية.
٣. الغرض من زيارة القبر:
ذكر القديسان مرقس ولوقا أن الغرض كان "دهن الجسد" ( مر ١٦: ١، لو ٢٤: ١)، بينما ذكر القديس يوحنا أن نيقوديموس قام بتكفين الجسد مع الأطياب" ( يو ١٩: ٤٠). والفرق أن هذا "تكفين" كما لعادة اليهود أن يكفنوا، وذاك "دهن للجسد كتكريم إحساسا بأنه لم يأخذ الكرامة اللائقة والأطياب الكافية عند دفنه بسبب ما صاحب ذلك من زلزلة وظلام وارتباك.
٤. عدد الملائكة:
قالوا إن القديس متى تحدث عن ملاك واحد جلس على الحجر بعد أن دحرجه، والقديس لوقا إنه شاب يلبس ثيابا بيضاء، والقديسان لوقا ويوحنا إنهما ملاكان، ولا تناقض في ذلك، فهي تركيزات أو لقطات من زوايا مختلفة، فمن تحدث عن ملاك واحد كشاب يلبس ثيابا بيضاء ركز على الملاك الذي تحدث إلى النسوة أما الإنجيل الذي تحدث عن ملاكين، فقد ركز على عددهم فقال إنهما كانا اثنين. التركيز الجوهري كان على حقيقة القيامة، أما هذه الأمور فهي أشبه بمصور يلتقط صورة للحدث من زاوية. بينما يلتقط الآخر صورة لنفس الحدث ولكن من زاوية أخرى.
دروس روحية من الظهورات:
تذخر الظهورات بدروس روحية عديدة منها:
١. أن الرب يهتم بالنفس الواحدة، فقد ظهر للمجدلية، ويعقوب، وبطرس، واحدة من أجل حبها الجبار. والثاني لأنه سيكون أسقفا لأورشليم مركز الإرساليات، والثالث ليدعم توبته ورجاءه، ويؤكد له أنه يحبه "قلن لتلاميذه ولبطرس" (مر ١٦: ٧). إن يسوع يحبك يا أخي القاريء، يحبك شخصيا، ويعرفك باسمك، وبكل ظروفك واحتياجاتك، وينتظر منك دعوة الدخول، للتطهير والتقديس والفرح. فهل تفتح له قلبك؟
٢. إن الرب يعالج ضعفاتنا مهما كانت مخزية، فهو الطبيب الحقيقي، والراعي الصالح، ومخلص نفوسنا، لهذا ظهر خصيصا لتوما الرسول، ليداوي شكه، ومن خلال شكوكنا نحن. فهل نحن في ضعف، أي ضعف؟ إن ضعفاتنا الروحية والنفسية مكشوفة أمامه، وهو قادر أن يعالجها بحبه، ويجعلنا نهتف بعد شفائنا ربي وإلهي" ( يو ٢٠: ٢٨)، وتتقدم للشهادة لاسمه في كل مجال ومكان.
٣. وهو القادر أن يلهب قلوبنا بكلماته الإلهية.تماما كما فعل مع تلميذي عمواس، فرغم انحدارهما إلى العالم، رافقهما مفتقدا بحبه، ثم ألهب قلبيهما بصدق مواعيده، وحلاوة حديثه، ونعمة فدائه، وهكذا عادا إلى أورشليم، مدينة الأحداث والقيامة والكرازة. يسوع جاء إليهم إلى حيث هم، في ضعفهم وعبوستهم وشكهم، وخلصهم وأراحهم. وهو أيضا مستعد أن يأتي إليك يا صديقي القاريء حيث أنت، في بيتك المتواضع، وقلبك المتعثر، وإرادتك المتقهقرة... يأتي لينتشلك من أحزان الدنيا، ومرارة الخطية، ويصعدبك إلى أورشليم الفرح والنصرة... فهل تسمح له بأن يقترب إليك، ويلهب قلبك من خلال الإنجيل.
٤. وعندما يجلس إليك، ويعطيك جسده ودمه الأقدسين، وتتحد به، ستكتشف فجأة إنه اختفى من أمام عينيك، وذلك لأنه حل في أحشائك. نعم يسوع يريد أن يتحد بك يا أخي القاريء، فاحذر أن تفقد هذا النصيب !
دروس عقائدية من الظهورات:
١. إن الرب قام... بالحقيقة قام... وظهر لكثيرين.. رأوه.. ولمسوه.. وتحادثوا معه.. وأكل قدامهم.
٢. إن جسد القيامة جسد نوراني روحاني، لا يلمس ولا يحس، لا يمرض ولا يجوع، لا يخطي ولا يموت. وإننا سنلبس نفس هذا الجسد، حين نقوم مع الرب.
٣. إن للرب أحاديث طويلة عن ملكوت الله لم تدون في الأناجيل المقدسة، ولكننا تسلمناها من خلال التقليد الرسولي. وكما ان الإنجيل سلمته لنا الكنيسة كتقليد رسولي ثابت، هكذا بقية التقاليد تسلمناها في يقين يدا بيد، وهي لا تتعارض إطلاقا مع روح الإنجيل ونصوصه، وهو الفيصل النهائي في كل شيء.
أخيرا يا أخي الشاب... ويا أختي الشابة...
كل عام وأنت أكثر حبا للمسيح، وتكريسا لشخصه المبارك، وخدمة لإنجيله المحيي. كل عام وأنت تتقدم إلى الأمام ، رفقة المسيح الحي، الذي مات لأجلك، وقام لأجلك. وهو الآن حي يشفع فيك إلى الأبد. كل عام وأنت تنفذ دائما نداء الرب "كما أرسلني الآب أرسلكم أنا" ( يو ٢٠: ٢١). فتخرج من أمام عرش النعمة كل يوم، بكلمة شهادة، وخيمة خلاص، فهذا أقوى براهين القيامة وأبقاها... والرب معك.
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
الظهورات المتعددة
02 مايو 2023
عدد الزيارات 243