أضواء من الإنجيل : ۱۰ ـ كيف نحب الآخرين ؟

03 أبريل 2023
Large image

على قياس الصورة التي رأيناها في حديثنا عن محبتنا الله وكيف تعمل من أجل إزديادها ، يلزمنا أن نبحث في إخوتنا عن صفات جميلة نراها ونعجب بها ، فتزداد محبتنا لهم . ونضيف إلى جوار ذلك ، من جانب آخر، أنه يلزمنا أن نتغاضى عما يمكن أن نراه في إخوتنا من نقائص وضعفات . لهذا قال الآباء أن «الحكيم ينظر إلى فضائل غيره ليقتنصها ، أما الجاهل فينظر إلى نقائص غيره ليدينه عليها » . مثل النحلة في حكمتها الطبيعية نجدها تطوف بين الأزهار تجمع الرحيق المملوء نفعاً وغذاءاً وحلاوة ، متفادية أي مصدر ضار أو غير نافع بين النباتات ... وبهذا فهي دائماً سبب خير لنفسها ولغيرها أيضاً . فليتنا نتشبه بها في تأملنا نحو الآخرين .ما الذي ينتفع به الإنسان من تأمله في نقائص غيره أو في تذكره لها ؟! ... هل هذا سيقوده إلى حياة الفضيلة ؟ ... أم أن تأمله في فضائل الآخرين هو الذي يملأ قلبه حماساً ليتعب مجاهداً من أجل إقتناء الفضائل ... لهذا فالإنسان الحكيم ينظر إلى سير الشهداء والقديسين والأبرار لكي يمتلىء قلبه بالغيرة الروحية ، ولا ينظر إلى ضعفات أو نقائص الغير لئلا تفتر همته إذ يشعر أنه أفضل من غيره ، وأنه ـ والحال هكذا. لا داعي للجهاد والتعب من أجل الفضيلة .من الأمور التي تتعارض مع مشاعر الحب نحو الآخرين إدانتنا لهم بطريقة غير بناءة. لهذا قال الكتاب «لا يئن بعضكم على بعض أيها الإخوة لئلا تدانوا » (يع ٥ : ٩ ) .ومن الأمور الجميلة أن نلتمس للآخرين أعذاراً فيما يرتكبون من سهوات وضعفات ، بنفس الصورة التي نريد بها نحن أيضاً أن يعثرنا غيرنا فيما يصدر عنا من ضعفات أو تقصيرات . فالمحبة تدعونا دائماً أن نعامل إخوتنا بما نحب نحن أن يعاملونا به . أي أن كأنفسنا . « إن كنتم تكملون الناموس الملوكي حسب الكتاب .. تحب قريبك كنفسك . فحسناً تفعلون » (يع ٢ : ۸). وفي كل ذلك نتذكر قول معلمنا بولس الرسول أن « المحبة تتأنى وترفق ... ولا تقبح ... ولا تحتد ... وتحتمل كل شيء... وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء» (١کو١٣ : ٤ ، ٥ ، ٧ ) . إن تحررنا من الأنانية هو الذي يجعلنا نضع أنفسنا فى موضع الآخرين ولا نتحيز لأنفسنا حينما نحكم على أي موقف تعاملنا فيه معهم ... بل أجمل من ذلك أن يحاول الإنسان أن يلقى بالملامة على نفسه ،لكي لا يتحرك فيه الغضب من نحو غيره إذا أخطأ ... وبهذا ترى أن المحبة تدعونا إلى الاتضاع ... والإتضاع يصون المحبة ويحميها .
تذكرنا لأفضال الغير :
كما يلزمنا أن نتأمل صفات إخوتنا الجميلة ، هكذا أيضاً يلزمنا أن نتذكر أفضال غيرنا .إنه نوع من الوفاء والعرفان بالجميل أن لا ننسى إحسانات الآخرين إلينا . والإنسان الذي يتحلى بالوفاء في علاقته مع الله لا يمكنه أن ينسى محبة الآخرين وأفضالهم عليه . الوفاء صفة جميلة يحبها الله جداً، ولا يمكن أن نحيا مع الله بدونها ... بل إن الحياة تفقد معناها بدون الوفاء . أليست الخيانة نوعاً من عدم الوفاء. وبسبب هذه الخيانة قيل عن يهوذا الاسخريوطي « كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد » . إخلاصنا لله يجب أن يتقدم كل إخلاص آخر ثم يأتي بعد ذلك إخلاصنا للآخرين ، وأول وصية بوعد هي وصية إكرام الوالدين (أف ٦: ۲، ۳). لأن في إكرامهم نوعاً من الوفاء والإعتراف بالفضل وبكل ما تعبوا به من أجل أبنائهم . إن سعادة الآباء لا تقدر حينما يشعرون بعرفان أبنائهم بالجميل وبتقديرهم لما قدموه من تعب .كذلك الآباء الروحيون لهم مكانتهم الكبيرة وعلينا أن نحتفظ لهم بفضلهم علينا » ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم و يديرونكم في الرب و ينذرونكم، أن تعتبروهم كثيراً جداً في المحبة من أجل عملهم » ( اتس ٥ : ۱۲ ، ۱۳ ) . لنفس هذه الأسباب نحن نكرم أيضاً القديسين الذين انتقلوا من هذا العالم خاصة الذين شملتنا بركتهم ، أو إقتطفنا من ثمار تعبهم وجهادهم ... نكرم الآباء الرسل الذين كرزوا بالإيمان ... نكرم كاروزنا القديس مارمرقس الإنجيل ... نكرم الشهداء الأبرار الذين دافعوا عن الإيمان وشهدوا للمسيح ... نكرم الرهبان الأبرار الذين سكنوا في القفار والمغاير وشقوق الأرض من أجل عظم محبتهم في الملك المسيح ... نكرم الآباء البطاركة والأساقفة الذين حملوا الأمانة الرسولية ودافعوا عن الإيمان والعقيدة الأرثوذكسية ، وعلموا المسكونة بتعاليمهم اللاهوتية الثمينة حتى حسب البعض منهم كرسل المسيح الأوائل ( مثل القديس أثناسيوس الرسول بابا الأسكندرية ) ... نكرم كل الكهنة والشمامسة الأبرار الذين حفظوا درجتهم وأكملوا خدمتهم بطهر ونقاوة ... نكرم كل الأبرار الذين كانوا نوراً في هذا العالم ، ومنهم من لم يحملوا درجة كهنوتية . ولكن الله زينهم بالفضائل الروحية وبثمار الروح القدس ، وربما بمواهبه أيضاً لبنيان الكنيسة . وفي عرفاننا بأفضال الآخرين، نحاول ألا ننسى كل ما يصادف حياتنا من إحسانات قدمها لنا الغير، لأننا كثيراً ما ننسى الإحسان ونتذكر الإساءة . ولو لزم الأمر فيمكننا أن نسجل أفضال غيرنا في مذكراتنا الخاصة، ونطالعها من حين لآخر لكي لا ننسى.كان الملوك يفعلون ذلك : يقرأون أخبار ممالكهم في سفر أخبار الأيام. وفى إحدى اليالى استمع احشويرش الملك، إلى فصل من سفر تذكار أخبار الأيام ، وتذكر مردخاى وفضله في إنقاذ حياته ، وأراد أن يكافئه فأنقذ الرب مردخاي وكل شعبه بهذه الوسيلة( أنظر سفر أستير٦ : ١-٣).
نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن مجلة الكرازة العدد الخامس عام ١٩٨٩

عدد الزيارات 189

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل