تأملات فى القيامة

19 أبريل 2023
Large image

أول ما نلاحظه هو تواضع الرب ، الذي سمح بأن يكون صلبه و اهانته أمام الكل ، بينما جعل قيامته الممجدة في الخفاء ، سراً لم يره أحد ...! لم يقم في مجد أمام جميع الناس ، لكي يعوض الإهانات و التعييرات التي لحقت به في وقت الصلب .. و إنما قام سراً . و اختار للقيامة وقت الفجر ، حين كان جميع الناس نائمين ، حتي لا يراه أحد في مجد قيامته ... إنه كان بعيداً عن المظاهر المبهرة في قيامته ، كما كان أيضاً بعيداً عن المظاهر المبهرة في ميلاده ... ثم ظهر بعد ذلك لمريم المجدلية ولمريم الأخري ، و لبطرس و للنسوة ، و لتلميذي عمواس و للأحد عشر ، ثم لشاول الطرسوسي و لبعض الأخوة ... للأحباء ، للخاصة ... و لم يظهر للذين شمتوا به قبلاً ... و مع كل ذلك فإن هذه القيامة التي حدثت في الخفاء ، كانت تزعج اليهود إلي أبعد حد ، و قد حاولوا بكل طاقاتهم أن يمنعوها ، أو علي الأقل يمنعوا الناس من الإيمان بها و لما وجدوا أنهم فشلوا في منع القيامة بالجند و الحراس و الحجر و الأختام ، أرادوا أن يمنعوا وصولها إلي الناس بطريقة أخري : بالكذب ، و الرشوة ، و الاشاعات . و لما فشلت هذه الحيلة ، و لم يستطيعوا أن يمنعوا خبر القيامة بالكذب و الرشوة ، و انتشر خبر القيامة في الأرض كلها بكرازة التلاميذ ، لجأوا إلي طريقة أخري . فحاولوا منع الكرازة بالقيامة بواسطة القبض علي التلاميذ ، و جلدهم و سجنهم ، و تقديم شكاوي ضدهم للحكام .. و فشلت الطرق البشرية في منع الإيمان بالقيامة ... و صدق قول الكتاب " كل اَلة صورت ضدك لا تنجح " . فما سر هذه القيامة العظيمة ؟ سرها أنه لأول مرة في التاريخ و لآخر مرة ، قام شخص من الموت بذاته ن لم يقمه أحد ...! حادث أرعبهم ... لقد حقق السيد المسيح ما قاله عن نفسه ... إنه لا يستطيع أحد أن يأخذها منه " لي سلطان أن أضعها ، و لي سلطان أن اَخذها " ... لقد غلبهم الناصري الجبار ، الذي لم يقو الموت عليه ، الذي داس الموت ، و قام حينما شاء ، و حسبما شاء ، و حسبما أنبأ من قبل . و لم يستطع أحد أن يمنع قيامته ...
***
و لكن لماذا لم يظهر لهم المسيح بعد القيامة ؟ ألم يكن ذلك مناسباً لكي يقنعهم فيؤمنوا ؟! لم يظهر لهم ، لأنهم لم يكونوا مستحقين ... و لأنه حتي لو ظهر لهم ما كانوا سيؤمنون ... تذكرنا هذه النقطة بقول ابراهيم أبي الآباء للغني الذي عاصر لعازر المسكين " و لا لو قام واحد من الموتي يصدقون " ... ثم أن السيد المسيح قد فعل بينهم معجزات أخري كثيرة ،و لم يؤمنوا ... و عندما شفي المولود أعمي ، قالوا للمولود أعمي ، قالوا للمولود أعمي : ألا تعلم أن الذي شفاك رجل خاطئ ؟!!! و أثناء الصلب أظلمت الشمس ، و تشققت الصخور ، و حجاب الهيكل انشق ، و قام بعض الموتي ... و مع ذلك لم يؤمنوا ...!! لم يظهر لهم لأنهم غير مستحقين ، و لأنهم لن يؤمنوا ، فلماذا إذن لم يظهر لباقي الناس ... إن السيد المسيح ترك بذلك مجالاً للإيمان ، و الإيمان كما قال بولس الرسول " هو الثقة بما يرجي ، و الإيقان بأمور لا تري " ... لو كانت القيامة مرئية ، لا نضمت إلي دائرة العيان و ليس الإيمان هو " الإيقان بأمور لا تري " . يكفي أنه ظهر للقادة ، فاَمن الكل بواسطتهم ... و بالإضافة إلي عنصر الإيمان ، ليس الجميع يحتملون هذا الأمر ، لذلك عندما ظهر المسيح في قيامته ، حتي لخاصته ، لم يظهر في مجده ، لأنهم لا يحتملون ... مع تلميذي عمواس تدرج ، فلم يعرفاه أولاً ... و مع مريم المجدلية ، أخفي ذاته حتي ظنته البستاني ، ثم أعلن نفسه لها بعد أن تدرج معها قليلاً . و شاول الطرسوسي عندما ظهر له في شئ بسيط من مجده ، عميت عيناه من النور ، ثم شفاه بعد ذلك . و يوحنا الحبيب لما ظهر له في شئ من المجد ، وقع عند قدميه كميت ن فأقامه و قال له لا تخف ... حقاً من يحتمل رؤية المسيح في مجده ؟! أما في تواضعه ، فكفي ما أظهره من اخلاء ذاته ... سيظهر لهم فيما بعد في مجده ، في المجئ الثاني فيقولون للجبال غطينا ، و للتلال أسقطي علينا ... و تنوح عليه جميع قبائل الرض . بروح القيامة و قوتها ، بدأت المسيحية تاريخها المجيد ... إن عصر جديد من القوة ، سار فيه التلاميذ ... " و بقبوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ، و نعمة عظيمة كانت علي جميعهم " ( أع 4 : 33 ) . كل ما فعلوه لمحاولة تحطيم المسيح ، حطمه هو بقيامته ... بل الشيطان نفسه حطمته هذه القيامة ... المسيح الذي غلب الموت ، و الذي قال " ثقوا أنا قد غلبت العالم " هو أيضاً يقدر علي كل شئ ، و يستطيع باستمرار أن يقودنا في موكب نصرته . و هذا الغالب القائم من بين الأموات يمكن أن يقود مجموعة من الغالبين ، يعطيهم من نعمته و من قوته . و هكذا استطاعت المسيحية العزلاء ، أن تقف أمام اليهودية و أمام الديانات القديمة الأخري ، و أمام الفلسفات الوثنية ، و أمام سطوة الرومان ، و أمام المؤامرات و المحاكمات والاضطهادات ، و ظلت صامدة ، تتقدم في قوة المسيح القائم من الأموات ، حتي صارت الدولة الرومانية كلها دولة مسيحية ، و اختفت الوثنية من العالم ، و صارت الأرض كلها للرب و لمسيحه . كذلك كانت قيامة الجسد رمزاً للقيامة من الخطية . و في هذا قال الرسول " و إذ كنتم أمواتاً بالذنوب و الخطايا ... أقامنا معه و أجلسنا معه في السماويات " ( أف 2 : 1 ، 6 ) . ليتنا نعيش جميعاً في قوة القيامة ، القيامة التي غيرت التلاميذ ، و التي جعلت القبر الفارغ رمزاً للانتصار الدائم ... القيامة التي كانت بدء القوة في حياة الكنيسة الأولي .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث

عدد الزيارات 158

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل