بعض أحداث القيامة

26 أبريل 2023
Large image

إن السيد المسيح له المجد لم يبطل العمل مطلقاً من أجل البشرية ، حتي و هو في القبر بالجسد .
يعمل بين الصلب والقيامة:-
إن الله في قيامته ، قدس الطبيعة البشرية القابلة للموت ، و جعلها قابلة للقيامة ... و قبل القيامة ، كان الرب يعمل من أجلنا أيضاً ، حتي حينما كان جسده في القبر ... بالموت انفصلت روحه عن جسده و لكن لاهوته لم ينفصل قط لا عن روحه و لا عن جسده . و استطاعت روحه المتحدة بلاهوته أن تعمل عملاً خلاصياً عجيباً من أجل الراقدين علي رجاء . كان بموته قد دفع ثمن الخطية ، و اشترانا بدمه ، لذلك كان من حقه وقد فدي البشرية ، أن ينقل الراقدين من الجحيم إلي الفردوس . و قد كان . بروحه المتحدة باللاهوت ، ذهب إلي الجحيم ، ليبشر الراقدين هناك علي رجاء . لقد نزل إلي أقسام الرض السفلي ، و سبي سبياً ( أف 4 : 8 ، 9 ) . وفتح باب الفردوس ، و نقل إليه الأبرار المنتظرين في الجحيم ، و ادخل معهم في الفردوس اللص اليمين أيضاً . حقاً ما اصدق قوله للقديس يوحنا الرائي إن " بيده مفاتيح الهاوية و الموت " ( رؤ 1 : 18 ) و إن كان قد فتح باب الفردوس ، فهو كما قال أيضاً " أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة منذ تاسيس العالم " ( رؤ 17 : 8 ) ( في 4 : 3 ) . حقاً طوبي لهؤلاء الذين أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة . إذ لا سلطان للموت عليهم . قد يقيمون فيه حيناً ، كما اقام يونان في بطن الحوت ، ثم أخرجه الرب بسلام ، دون أن يكون للحوت سلطان علي أذيته ... ! هكذا أخرج الرب الذين في الجحيم ،و بسلطانه علي الفردوس أدخلهم إليهم . و هذا العمل العظيم عمله الرب في الخفاء و تهللت له السماء ، و تحققت به أقوال الأنبياء . و في الخفاء أيضاً قام الرب من بين الأموات . أتت روحه المتحدة بلاهوته ، و أتحدت بجسده المتحد بلاهوته . و قام بقوة لاهوته ، و خرج من القبر المغلق .
النسوة حاملات الطيب:-
عجيب أن النسوة أخذن أطياباً و ذهبن غلي القبر ، بينما هذه الأطياب كانت لا تتفق مع الإيمان بالقيامة . و لكن الرب اهتم بما عندهن من حب ، و عالج النقص الموجود في لإيمانهن . هل يحملن الطيب لأجل الجسد الذي في القبر ؟! أليس لهن الإيمان أن المسيح قد ترك القبر و قام ؟! و لذلك فإن بشارة الملاك كانت تحمل هذا العتاب الضمني ، حينما قال للمريمتين " إني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب ، ليس هو ههنا ن لأنه قام كما قال " ( متي 28 : 5 ، 6 ) . و نفس التوبيخ بأسلوب أوضح قاله الملاكان للنسوة حاملات الطيب : " لماذا تطلبن الحي بين الأموات ؟! ليس هو ههنا لكنه قام . اذكرن كيف كلمكن و هو بعد في الجليل قائلاً إنه ينبغي أن يسلم غبن افنسان في ايدي اناس خطاة ، و يصلب و في اليوم الثالث يقوم " فتذكرن كلامه ( لو 24 : 5 - 8 ) . نعم إنه سبق و قال إنه سيقوم من بين الأموات . و لم يقل هذا للنسوة فقط ، بل بالأكثر للتلاميذ . فإن كان التلاميذ قد أنبأهم الرب بقيامته و لم يؤمنوا ، فكم بالأولي هؤلاء النسوة ؟!
شكوك التلاميذ:-
قيامة المسيح كانت حادثاً هو الأول من نوعه ، من حيث أنه يقوم بذاته ، دون أن يقيمه أحد ... و من حيث تحقيقه بقوله العجيب الذي لم يقله أحد : " أضع نفسي لآخذها أيضاً . ليس أحد يأخذها مني ، بل أضعها أنا من ذاتي . لي سلطان أن أضعها . و لي سلطان أن اَخذها أيضاً " ( يو 10 : 17 ، 18 ) . من جرؤ أن يقول هذا الكلام غير المسيح ؟ لذلك كانت قيامته مذهلة . كانت فوق الفكر ، و بخاصة بعد أحداث الصليب و اَلامه و اهاناته ... و بعد ما أظهره اليهود من جبروت و تسلط ! و لهذا لم يكن سهلاً علي التلاميذ أن يصدقوها ، و هم خائفون و مختبئون في العلية . كان علي الصليب قال " قد أكمل " ، أي أكمل عمل الفداء ، و دفع ثمن الخطية ، إلا أنه كان أمامه بعد القيامة عمل اَخر ليكمله ، عمل خاص بالرعاية ... كانت أمامه نفوس بارة ، و لكنها مضطربة ، تحتاج إلي راحة النفوس التي ضعفت و خافت و شكت ، ماذا يفعل لأجلها ؟ إنه لم يشأ مطلقاً أن يعاتب هذه النفوس علي ضعفها ، أو علي شكها أو نكرانها ، بل جاء ليريحها ... إنه - كما قال قبلاً - لم يأت ليدين العالم ، بل ليخلص العالم ..ز فكم بالأولي خاصته الذين أحبهم حتي المنتهي ( يو 13 ) . و قال القديس يوحنا عن ذلك الحب " نحن نحبه ، لأنه احبنا قبلاً " ( 1 يو 4 : 19 ) . هكذا فعل مع توما الذي شك في قيامته ، و اصر أن يضع أصبعه مكان الجروح . لم يعاتبه علي الشك ، و إنما عالجه فيه . و استجاب له في وضع أصبعه و التاكد من جروحه ... و نفس الوضع مع بطرس ، و مع المجدلية ، و مع تلميذي عمواس . لقد اراد الرب تقوية إيمان هؤلاء ، الذين سيجعلهم يحملون الإيمان إلي أقاصي المسكونة كلها ... و قد كان . و هكذا لم يقتصر الأمر علي قيامته ، إنما تبعت القيامة عدة ظهورات ، بل مكث مع التلاميذ أربعين يوماً ، في خلالها " أراهم نفسه حياً ببراهين كثيرة بعد ما تألم " ( أع 1 : 3 ) . فماذا قال الكتاب عن عدم تصديق التلاميذ للقيامة ، و عن تكرار هذا الشك منهم ، مما أعثر غيرهم ؟
1-يقول الأنجيل المقدس أنه ظهر أولاً لمريم المجدلية ... " فذهبت هذه و أخبرت الذين معه و هم ينوحون و يبكون " . فكيف تلقوا بشارتها بالقيامة ؟ يجيب القديس مرقس الإنجيلي قائلاً : " فلما سمع أولئك أنه حي ، و قد نظرته ، لم يصدقوا " ( مر 16 : 9 - 11 ) .
2-ثم ظهر الرب لتلميذي عمواس ، فلم يعرفاه ، و ما كانا قد صدقا ما قالته النسوة عن القيامة ... حتي أن السيد المسيح وبخهما قائلاً " أيها الغبيان و البطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء . أنما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا و يدخل إلي مجده . ثم ابتدأ من موسي و من جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به جميع الكتب " ( لو 24 : 25 - 27 ) .
3-و أخيراً اَمن هذان التلميذان . فماذا كان وقع إيمانهما علي الرسل ؟ يقول القديس مار مرقس : " و ذهب هذان واخبرا الباقين . فلم يصدقوا و لا هذين " ( مر 16 : 13 ) . نسمع بعد ذلك أن النسوة ذهبن إلي القبر " فدخلن و لم يجدن جسد الرب يسوع " وظهر لهن ملاكان ، و بشراهن بالقيامة . فذهبن و أخبرن التلاميذ . فماذا كان وقع هذه البشارة عليهم ؟ يقول القديس لوقا الإنجيلي في ذلك : " فتراءي كلامهن لهم كالهذيان ، و لم يصدقوهن " ( لو 24 : 11 ). هؤلاء هم الأحد عشر رسولاً أعمدة الكنيسة . كثرت أمامهم الشهادات : من مريم المجدلية ، و من تلميذي عمواس ، و من النسوة ... فلم يصدقوا كل هؤلاء .
1- فما الذي حدث بعد ذلك : ذهبت مريم المجدلية و أخبرت بطرس و يوحنا عن القبر الفارغ فذهبا معها إلي هناك " و أبصرا الأكفان موضوعة ، و المنديل الذي كان علي رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان ، بل ملفوفاً في موضع وحده " (يو 20 : 6 ، 7 ) . هنا يقول الإنجيل عن يوحنا أنه " رأى فاَمن " ( يو 20 : 8 ) ., و لكننا علي الرغم من هذا نقرأ شياً عجيباً ...
5-نقرأ أنه بعد أن عرف الكل أن " الرب قام بالحقيقة و ظهر لسمعان " ( لو 24 : 34 ) ... حدث أن الرب نفسه قام في وسطهم و قال لهم سلاماً لكم . فهل اَمنوا لما ظهر لهم و كلمهم ؟ كلا بل أنهم " جزعوا و خافوا ، و ظنوا أنهم نظروا روحاً " ( لو 24 : 37 ) . حتي أن الرب وبخهم علي ذلك . ثم قال لهم " أنظروا يدي و رجلي إني أنا هو . جسوني و أنظروا . فإن الروح ليس له لحم و عظام كما ترون لي " ( لو 24 : 39 ) . حقاً أية بدعة كانت تحدث في الإيمان ، لو أن التلاميذ ظنوا أن ما رأوه كان روحاً ! كأن الجسد لم يقم ... لذلك أراهم الرب يديه و رجليه .
2- إذن المشكلة لم تكن مشكلة توما الرسول فقط ، الذي قال له الرب " أبصر يدي . و هات يدك وضعها في جنبي ، و لا تكن غير مؤمن " ( يو 20 : 27 ) . إنما كانت مشكلة الأحد عشر جميعهم . كلهم شكوا . و كلهم احتاجوا إلي براهين ، و احتاجوا أن يجسوا و يلمسوا و يروا موضع الجروح لكي يؤمنوا ... ! و عالج الرب عملياً مشكلة أن يظنوا ظهوره لهم خيالاً أو روحاً . و في ذلك قال القديس بطرس السدمنتي : أن السيد المسيح في فترة حياته بالجسد علي الأرض كان يثبت للناس لاهوته . أما بعد القيامة ، فأراد أن يثبت لهم ناسوته ...!
الرب يثبت ناسوته:-
لذلك نسمع أنه بعد القيامة ، سمح من أجل اقناعهم بناسوته " أخذ و أكل قدامهم " ( لو 24 : 43 ) . فعل هذا بينما نحن نعلم أن جسد القيامة هو جسد روحاني نوراني لا يأكل و لا يشرب . إنما فعل الرب هذا ليقنعهم بناسوته . أما جسده بعد الصعود ، فهو لا علاقة له بهذا الأكل من طعام مادي ... نلاحظ في كل هذا ، أن شكوك التلاميذ قابلها الرب بالاقناع و ليس بالتوبيخ أو بالعقاب . إنهم هم الذين سيأتمنهم علي نشر الإيمان في العالم كله . فينبغي أن يكونوا هم أنفسهم مؤمنين إيماناً قوياً راسخاً يمكن أن يوصلوه إلي الآخرين مقنعاً لا يقبل الشك فأوصلهم الرب إلي هذا الإيمان القوي . إن كانوا لم يصلوا إلي الإيمان الذي يؤمن دون أن يري ، فلا مانع من أن يبدأوا بالإيمان المعتمد علي الحواس ، مع أنه درجة ضعيفة ! تنازل الرب ، و قيل منهم هذا الإيمان الحسي ، لا لكي يثبتوا فيه ، و إنما ليكونوا مجرد بداءة توصل إلي الإيمان الذي هو " الإيقان بأمور لا تري " ( عب 11 : 1 ) . و هكذا قال القديس يوحنا : " الذي سمعناه ، الذي رأيناه بعيوننا ، الذي شاهدناه و لمسته أيدينا " ( 1 يو 1 : 1 ) ... و هذا الإيمان الذي اعتمد في بداءته علي الحواس ، ما لبث أن اشتد وقوي ، و استطاع أن يقنع الأرض كلها بما راَه و ما سمعه ، لئلا يظن البعض أن الرسل كانوا مخدوعين ، أو صدقوا أموراً لم تحدث . و هكذا رأينا القديس بولس الرسول يبشر فيما بعد بما راَه و ما سمعه و هو في طريق دمشق ... و شرح هذا الموضوع كله للملك أغريباس ، و شرح له ما راَه قائلاً " رأيت في نصف النهار في الطريق أيها الملك نوراً من السماء أفضل من لمعان الشمس ... و سمعت صوتاً يكلمني .." ( أع 26 : 13 - 15 ) و ختم ذلك بقوله " من ثم ايها الملك اغريباس ، لم أكن معانداً للرؤية السماوية " .هذ هو السيد المسيح الذي عمل علي تقوية إيمان تلاميذه ، و الذي عالج شك توما ، و عزي بطرس في حزنه ، و عزي المجدلية في بكائها ، و أعاد الإيمان إلي الكنيسة .
و كأني أتصور ملاكاً واقفاً علي قبره قبيل القيامة ينشد قائلاً :
قم حطم الشيطان لا تبق لدولته بقية
قم بشر الموتي و قل غفرت لكم تلك الخطية
قم قو إيمان الرعاة و لم أشتات الرعية
و اغفر لبطرس ضعفه و امسح دموع المجدلية
و اكشف جراحك مقنعاً توما فريبته قوية
ارفع رؤساً نكست و اشفق بأجفان البكاه
شمت الطغاة بنا فقم واشمت باسلحة الطغاة
حسبوك إنساناً فنيت فلا رجوع و لا نجاة
و لأنت أنت هو المسيح و أنت ينبوع الحياة
قم في جلال المجد بل و اظهر بسلطان الإله
قم وسط أجناد السماء فأنت رب في سماه
قم روع الحراس و ابهرهم بطلعتك البهية
قم قو إيمان الرعاة و لم اشتات الرعية
مرت علينا مدة غرباء في هذا الوجود
فترت ضمائرنا هنا جمدت و ظلت في جمود
إبليس أسكنها التراب و لم تقم بعد الرقود
فالقبر ضخم فوقه حجر و يحرسه الجنود
يا من أقمت المائتين و قمت من بين اللحود
يا من قهرت الموت يا رب القيامة و الخلود
قم و انقذ الأرواح من قبر الضلالة و الخطية
قم قو إيمان الرعاة و لم اشتات الرعية
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث

عدد الزيارات 144

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل