قوة المسيحية وإلغاء المستحيل

17 مايو 2023
Large image

من كان يظن ...! كانت القيامة بقوة ، ذكرتنا بقول الكتاب " غير المستطاع عند الناس ، مستطاع عند الله " . هذه القوة أذهلت بولس الرسول ، فقال عن الرب " لأعرفه و قوة قيامته " . و لقد وهبنا الرب قوة قيامته هذه . فأصبح " كل شئ مستطاع للمؤمن " . و في هذا قال بولس الرسول " استطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني " ... صرنا الآن لا نري شيئاً صعباً أو مستحيلاً بعد أن داس الرب الموت ، ووهبنا النصرة عليه ، و فتح لنا باب الفردوس المغلق . و وضع في أفواهنا تلك الأغنية الجميلة " اين شوكتك يا موت ؟! أين غلبتك يا هاوية ؟! قوة القيامة أعطت التلاميذ شجاعة و جرأة في الكرازة . من كان يظن أن هؤلاء الضعفاء المختبئين في العلية ، يستطيعون أن ينادوا بالإنجيل بكل مجاهرة بلا مانع ؟! من كان يظن أن إثني عشر رجلاً ، غالبتهم من الصيادين الجهلة ، يمكنهم أن يوصلوا المسيحية إلي أقطار المسكونة كلها ... و لكن القيامة علمتنا أنه لا يوجد شئ مستحيل ... عند الله ، كل شئ ممكن ... ممكن أن جهال العالم يخزون الحكماء ، و أن ضعفاء العالم يخزون الأقوياء ... كان يبدو من الصعب جداً أن تقف المسيحية ضد الوثنية ، و ضد الديانات القديمة التي ثبتت جذورها في عقائد الناس ، و ضد اليهودية التي حاولت أن تقضي علي المسيحية أو تستوعبها . و ضد الفلسفات التي كانت سائدة في ذلك الزمان ، و ضد الامبراطورية الرومانية بكل طغيانها و قوتها المسلحة . كان يبدو من الصعب أن تقف المسيحية ضد هذه القوي جميعها ، و أن تنتصر عليها ... و لكن القوة التي أخذوها عن قيامة المسيح و انتصاره علي الموت ، أعطتهم طاقة عجيبة ... من كان يظن أن بطرس الصياد الجاهل ، يمكنه بعظة واحدة أن يحول ثلاثة اَلاف يهودي إلي الإيمان المسيحي ؟! بالكاد يتمكن واعظ مشهور أن يحول - بعظة واحدة - بعض خطاة إلي التوبة ، أما أن يغير 3000 شخص دينهم بسماع عظة ، فهذا أمر يبدو كالخيال ... و لكنها القوة التي أخذها الرسل من الروح القدس ، فغيرتهم قبل أن تغير الناس ... و استمرت معهم تعمل بهم الأعاجيب . من كان يظن أن هؤلاء الرسل يذهبون إلي بلاد غريبة عنهم ، لا يوجد فيها مسيحي واحد ، و لا توجد فيها أية إمكانيات للخدمة ، فيبدأون معها من الصفر ، و يحولونها إلي المسيحية ...؟! و لكن قيامة المسيح علمتنا أنه لا يوجد شئ صعب أو مستحيل . فكل شئ مستطاع للمؤمن .... من كان يظن أن شاول الطرسوسي أكبر مضطهد للمسيحية في وقته ن يتحول إلي بولس أكبر رسول بشر بالمسيح ...؟! من كان يظن أن قائد المائة ، رئيس الجند الذي صلبوا المسيح ، يؤمن بالمسيحية و يستشهد بسببها ، و يصير قديساً ؟! من كان يظن أن اللص اليمين يؤمن و هو علي الصليب ؟! و من كان يظن أن إمرأة بيلاطس الوالي تؤمن ، و ترسل إلي زوجها متوسلة من أجل " هذا البار " ؟! و لكن بالنعمة كل شئ يصير ممكناً ، إن الله قادر علي كل شئ . إن الذي انتصر علي أخطر عدو - و هو الموت - لا يصعب عليه شئ . كل شئ سهل أمامه ... من كل يظن أن مريم المجدلية التي كان فيها سبعة شياطين ، تتحول إلي كارزة ، و تبشير الرسل بالقيامة ؟! لكن قوة القيامة ، جعلتنا نوقن أنه لا شي مستحيل ... و كما رأينا هذا في الكرازة ، رأيناه أيضاً في التوبة : إن قوة التوبة التي حولت أعظم الخطاة إلي أعظم القديسين ، و ليس إلي مجرد تائبين ، علمتنا أنه لا شي مستحيل ... أقصي ما كنا ينتظره الناس ، أن يتوب أوغسطينوس الفاجر ، اما أن يتحول إلي قديس تنتفع الأجيال بتأملاته ، فهذا أمر صعب ما كان ينتظره أحد . و نفس الوضع يمكن أن يقال عن تحول موسي الأسود القاتل إلي قديس وديع متواضع إن الله لا يعسر عليه أمر . أ ليس هو القائل : " من أنت ايها الجبل العظيم ؟ أمام زر بابل تصير سهلاً " ( زك 4 : 7 ) ... الله الذي يجعل العاقر أو أولاد فرحة " ... الذي يقول لها " ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد ... أوسعي مكان خيمتك ... لأنك تمتدين إلي اليمين و إلي اليسار ، ويرث نسلك أمماً ، و يعمر مدناً خربة " ( أ ش 54 : 1 - 3 ) . إن ميلاد المسيح ، و كذلك قيامته ، كانا حدثين عجيبين ، يثبتان أنه لا مستحيل ... و هكذا أيضاً كانت معجزاته ... مجرد عملية التجسد ، كانت تبدو مستحيلة في نظر الناس !!! كيف يمكن أن يخلي الله ذاته ، و يأخذ شكل العبد ؟! كيف يمكن أن يحبلي عذراء بغير زرع بشر ، و تلد ؟! كذلك كانت القيامة أمراً مستحيلاً . و من هنا خاف اليهود حدوثها ، و اعتبروها بالنسبة إليهم " اشر من الضلالة الأولي " !! و مع ذلك حدث التجسد ، و الميلاد من عذراء ، و القيامة الذاتية . إن المسيحية ليست ديانة ضعف ، بل هي ديانة قوة . إنها تعطي الإنسان طاقات عجيبة ، و تلغي عبارة " المستحيل " ... المسيحية ديانة قوة : لا صعب في المسيحية ، و لا يأس ، و لا فشل ، بل فيها : " استطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني " ... من الأشياء التي تبدو صعبة في المسيحية : الصليب ، و الباب الضيق ، و مع ذلك حمل المسيحيون الصليب ، و دخلوا من الباب الضيق ، مترنمين بقول الرسول " و وصاياه ليست ثقيلة " ( 1 يو 5 : 3 ) . نعم ما اصعب - في نظر العالم - تحويل الخد الآخر ، و سير الميل الثاني ، و محبة الأعداء ، و بيع كل ما للأنسان ليعطيه للفقراء ... ما اصعب إتباع ديانة تدعو إلي النسك و الزهد ... و لكن هذه الديانة التي تبدو صعبة ، انتشرت في كل مكان ، و دخل الناس في زهدها بكامل إرادتهم ، بل اشتهوا فيها الألم ، و اشتهوا الاستشهاد ، و جعلوا الصليب شعارهم ... إن الوصية الصعبة في المسيحية ، تحمل القوة علي تنفيذها ... لقد قدمت المسيحية للبشرية مثاليات عالية و وصايا سامية ، و لكنها في نفس الوقت قدمت قدرة روحية ، و معونة من النعمة ، للسير في هذه المثاليات ، بسهولة ، و بلذة أيضاً ... قدمت للناس حياة الروح ، و مع هذه الحياة قدمت الروح القدس ليسكن في الإنسان و يمنحه قوة للسلوك بالروح ... إن وصايا المسيحية تبدو صعبة لمن هو في الخارج ، لمن لا يعيش في النعمة ، و لمن لم يدخل بعد في شركة الروح القدس . أما المكؤمن فإن هذه الوصايا الصعبة تصير شهوة له متعة روحية ، و لا يجد فيها صعوبة ... إن المؤمن يلبس " سلاح الله الكامل " ، يقاتل به و يغلب ... المؤمن يوقن تماماً أنه لا يقف وحده في الجهاد الروحي . و يؤمن أن " الحرب للرب ، و الله قادر أن يغلب بالكثير و بالقليل " و يشعر دائماً أن قوة إلهية تلازمه و تعمل معه .... لذلك فإن حياة المؤمن هي نصرة دائمة ، لأن الله " يقوده في موكب نصرته " ... " الرب يقاتل عنكم ، و أنتم تصمتون " .... إن الذي يستشعر الفشل ، لم يجرب النعمة بعد ، و لم يختبر عمل الله فيه ،و لا عمل الله معه ... ما أعجب قول الرب لتلاميذه في حديثه عن المعجزات : " الحق الحق أقول لكم : من يؤمن بي . فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو ايضاً ، و يعمل أعظم منها " ( يو 14 : 12 ) . المسيحية ديانة قوة : بدأت بقوة القيامة ، التي انتصرت علي الموت ، و فتحت أبواب الجحيم ، و سبت سبياً ، و أدخلت الأبرار إلي الفردوس . ثم رأينا قوة الكرازة ، و قوة الإحتمال في الاستشهاد . بقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة ، قوة وقفوا بها أمام الرؤساء و تكلموا بلا مانع . استطفانوس أفحم ثلاثة مجامع " لم يقدروا أن يقاوموا الحكمة و الروح الذي كان يتكلم به " . و هكذا " كانت كلمة الرب تنمو ، و عدد التلاميذ يتكاثر جداً " . بقوة اَيات . و بقوة الكلمة ، و بقوة قلب صمد أمام السيف و النار . قوة قد ألبسوها من الأعالي . و كما قال لهم الرب " ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم . و حينئذ تكونون لي شهوداً . إنها قوة أعطاهم فيها سلطاناً علي جميع الشياطين ، و علي كل قسوة العدو ، و أعطاهم فيها مفاتيح السموات و الأرض . و كانت لهم قوة في صلواتهم جعلت المكان يتزعزع ، و قوة من الملائكة المحيطين بهم الذين كسروا سلاسلهم ، و أخرجوهم من السجن . و هكذا كانت هناك قوة فيهم ، و قوة أخري محيطة بهم ... إنها قوة جعلت الوثنية تنقرض و تزول ، قوة المسيحية العزلاء التي هزمت امبراطورية مدججة بالسلاح استسلمت و دانت للمسيحية ... قوة الصليب الذي ظنوه دليل ضعف ، و كان مصدر قوة و فخر . إن المسيحي إنسان قوي : في روحه ، و في معنوياته ، لا يخاف شيئاً . قوته لا تستمد من ذاته ، إنما من روح الله . المسيح الأعزل كان يخافه بيلاطس و يشتهي إطلاقه . و بولس السير لما تكلم عن الدينونة إرتعد أمامه فيلكس الوالي . إنها قوة المسيح الذي قال " ثقوا أنا قد غلبت العالم " . و هي قوة القلوب الناسكة الزاهدة ، التي انتصرت علي كل شهوات العالم ، في حياة مقدسة أذهلت الناس و أرعبت الشيطان . إنها القوة التي تظهر في قول أغسطينوس " جلست علي قمة العالم حينما أحسست في نفسي ، أني لا أشتهي شيئاً ، و لا أخاف شيئاً " قوة التجرد و الزهد و التعفف . إن كنا نعيش في أفراح القيامة ، فلنعش في قوتها . و لننتصر علي الموت ، موت الخطية ، حتي نقوم في قيامة الأبرار .
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث

عدد الزيارات 427

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل