كيف نحب الآخرين

17 يوليو 2023
Large image

تذكر إحسانات الآخرين وأهميته :-
راينا كيف يجب أن نتذكر إحسانات الآخرين لكي تزداد محبتنا لهم . وقد أعجبني قول لقداسة البابا شنوده الثالث فيما كتبه عن خبرات في الحياة « لا تنس الخير الذي يفعله الآخرون بل إجعله سببا يقربهم إلى قلبك ، ويقربك إلى قلوبهم أشكرهم عليه وامتدحهم من أجله » .
نسيان تعب المحبة :-
من الأمور المؤلمة جداً للنفس ، أن يتعب شخص من أجلنا أو من أجل عمل جليل، ويبذل و يضحى ، ثم يرى أننا قد نسينا له هذا التعب أو أننا ننسب تعبه إلى أنفسنا ، وذلك حينما تدخل على تعبه، وتبنى عليه ، ثم ننسى أن نتسب إليه الفضل ، أو أن تذكر تعبه، أو أن نشكره عليه ربما يراوده الإحساس بأننا قد سلبنا منه هذا التعب أو اغتصبناه لأنفسنا وفي هذا نتذكر قول السيد المسيح « آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم » (يو٤ : ۳۸) الله نفسه يعطينا مثلاً رائعاً في عدم نسيان تعب الآخرين إذ أعلن لنا في الكتاب المقدس أن « الله ليس بظالم حتى ينسى تعب المحبة » (عب ٦: ١٠). ولعلنا نفهم من هذه الكلمات أن نسيان تعب المحبة في نظر الله يعتبر ظلماً .
إذن ليس الظلم فقط هو في الاحكام غير العادلة، أو في اغتصاب أموال الغير وحقوقهم المحسوسة، بل أن نسيان تعب المحبة يعتبر ظلماً حقيقياً ووجود مال فائض بين أيدينا بينما ترى غيرنا محتاجاً إليه، يعتبر أيضا نوعاً من الظلم وقد اطلق الرب على هذا المال لقب «مال الظلم » وقال « اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى متى فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية » ( لو١٦: ٩). وهكذا نرى أنواعاً متعددة من الظلم ، ونحتاج أن ننمو في فضيلة المحبة، لكي ننجو من هذه الأمور جميعا.
المحبة الغافرة :-
إن كنا في محبتنا لإخوتنا نتذكر أفضالهم علينا ، ونحاول أن نتغاضى عن هفواتهم وتقصيراتهم لكي لا تؤثر على مشاعر محبتنا من نحوهم ،فإن هناك من المواقف ما يحتاج إلى غفران خطايا الآخرين سواء الأصدقاء منهم أم الأعداء وهذا يقودنا إلى الحديث عن المحبة الغافرة وحيثما نتكلم عن المحبة الغافرة فإننا نكون كمن يعانق الصليب لأن الغفران هو إنكار للذات هو محبة باذلة هو عطاء بلا مقابل لمن يعجز عن الوفاء هو تنازل عن الحق الشخصي بدون التنازل عن مبادىء الكمال المثل الأعلى في المحبة الغافرة هو السيد المسيح الذي طلب من الآب الغفران لصالبيه «لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون » ( لو ٢٣ :٣٤) على الصليب أخذ القاضي مكان المتهم ، لكي يوفى عنه دين خطاياه والمحبة الإلهية الغافرة لا تتعارض مع الكمال الإلهي الذي يطلب أيضاً أن يأخذ العدل مجراه ، بل هي المحبة التي تغفر وتوفى في آن واحد أي هي التي تدفع ثمناً لغفرانها من خلال عطاء الحب إلى المنتهى فليس الغفران الحقيقي هو تساهل مع الخطية وقبول لها ، لأن هذا يكون ضد قداسة الله بل هو رفض كامل للخطية ،مع عطاء فائق يمنح الخاطىء التائب القدرة على ترك الخطية ، والتحرر من سلطانها ، والإنتقال من موت الخطية إلى حياة البر والقداسة الغفران هنا هو عطاء للحياة من خلال المحبة « الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف » ( يو۱۰: ۱۲) . « أتيت لکی تكون لهم حياة ولكي يكون لهم أفضل » (يو١٠: ١١) المحبة الغافرة هي المحبة التي تضع نصب عينيها مصير من تحب فليست هي نوعاً من عدم المبالاة بحالة الآخر، بل هي تحمل أثقال الآخرين وتتألم لأجلهم، وقد تدفع حياتها ثمناً لنجاتهم عن مثل هذه المحبة المثالية قال قداسة البابا شنوده الثالث « المثاليات تحتاج إلى قلب نقي، وإلى ارادة وعزيمة . وأن يبذل الإنسان من أجلها ، ويحتمل في سبيل تنفيذها . وحينما يصعد إنسان على الصليب ، لأجل مثالياته، حينئذ يكون مثالياً بالحقيقة » (خبرات من الحياة ) .
لقد عومل السيد المسيح بمنتهى القسوة من البشر الذين جاء لخيرهم ولخلاصهم ولم يدركوا محبته وجازوه عوض محبته شراً حتى تأسى قائلاً بلسان المرنم « بدل محبتي يخاصموننی » (مز١٠٩: ٤) « وضعوا على شرا بدل خير، وبغضاً بدل حبى » (مز١٠٩: ٥). ولكنه لم يتراجع عن الصليب لأن فيه كان - خلاص البشرية من البغضة والعداوة ، ومن كل الشرور وقد وجد السيد المسيح مسرته في الصليب (عب ۱۲ : ۲)، لأنه بالصليب أبطل العداوة بين الله والإنسان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان. وفتح طريقاً للحب أن يسرى في كيان البشرية التي اكتشفت محبته الغافرة على الصليب ، وآمنت به، وقبلت محبته. وحينما إكتشفت إثمها الهائل، جعلت تقبل جراحاته
كقدس أقداس وكينبوع للغفران لا ينتهى أيتها المحبة الغافرة ، إن من يتكلم عنك يكون كمن يتكلم عن الله ، لأن « الله محبة » ( ١يو٤: ٨).
مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن مجلة الكرازة العدد السادس عام ١٩٨٩

عدد الزيارات 206

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل