كيف نحب الآخرين ؟

24 يوليو 2023
Large image

المحبة الغافرة ( تكملة ) :
المحبة الغافرة هي نوع من المحبة التي لا تطلب ما لنفسها ، بل تطلب ما هو للآخرين، سعيا وراء خلاصهم واصلاح شأنهم . حتى أنها من الممكن أن تضع نفسها عوضاً عنهم ، طالما كانت هناك بارقة أمل في هذا الخلاص والإصلاح .هذه المحبة الغافرة التي لا تطلب ما لنفسها ، أعطانا السيد المسيح مثالاً لها حينما طلب المغفرة لصالبيه . إذ قال «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون » ( لو٢٣ : ٢٤).كانت هذه هي أول كلمات السيد المسيح على الصليب ، مدفوعاً بمحبته غير الموصوفة واظهر بها حرصه الشديد على طلب الغفران للبشر الذين جاء سعياً وراء خلاصهم ولم تمنعه كراهية صالبيه له ، من أن يطلب لهم الغفران ، ملتمساً لهم العذر.عن هذا الموقف العجيب الخالد تحدث قداسة البابا شنوده الثالث في تأمله في كلمات السيد المسيح على الصليب فقال [ المسيح إلهنا الحنون ـ وهو في عمق الآلام على الصليب . كان منشغلاً بغيره لا بنفسه . ولم يذكر آلامه ولا تعبه ولا جراحاته . لم يأبه لآلام السياط على ظهره، ولا بإرتكاز المسامير في يديه وقدميه ، ولا بوخز الشوك في جبينه ورأسه، ولا بجسده المرضوض المنهك وإنما ترك كل ذلك جانباً، وكان كل ما يشغله هو محبته للبشر، وأول ما فكر، فكر في إنقاذ كارهيه وصالبيه وهكذا كانت أول كلمة قالها على الصليب « يا أبتاه أغفر لهم » كان حقاً في عمق المقاساة من هؤلاء الذين يطلب لهم الغفران ! .. ولكن محبته لهم كانت أكثر من عداوتهم له، عداوتهم التي لا توصف من عمق بشاعتها ] .هذه العبارة التي قالها السيد المسيح في عمق آلامه استطاعت أن تغير حياة الكثيرين ، بل إن كثيراً من قد آمنوا بالسيد المسيح وأحبوا المسيحية بسببها ..
شروط الغفران :
كما ذكرنا في المقال السابق فإن المحبة الغافرة السليمة ، هي تلك التي تضع نصب أعينها مصير من تحب ، كما أنها لا العدالة المطلوبة في إطار الكمال الذي يليق بالحياة مع الله . تعارض إطلاقاً لهذا فإن الغفران يأخذ كثيراً من المعاني، وله أبعاد كثيرة في المسيحية بالنسبة إلى الله ، وبالنسبة إلى الناس :
١ ـ بالنسبة إلى الله :
الغفران بالنسبة إلى الله له شرطان : الإيمان والتوبة وعن هذا الأمر كتب قداسة البابا شنوده الثالث في حديثه عن طلب السيد المسيح المغفرة لصالبيه 🙁 على أن قول السيد المسيح «يا أبتاه اغفر لهم »، لا تعنى أنه غفر لجميع صالبيه على الإطلاق ، بلا استثناء فلا يمكن أن يتمتع بالمغفرة ـ من صالبيه وغير صالبيه إلا من ينطبق عليهم شرطان مبدئيان جوهریان ، هما الإيمان والتوبة لأنه بدون الإيمان والتوبة، لا يمكن أن ينال أحد خلاصاً ولا مغفرة] .
۲ ـ بالنسبة إلى الناس :
حينما تتشبه بالسيد المسيح الذي طلب الغفران لمن أساءوا إليه وتطلب المغفرة للآخرين فإننا في هذا ننظر إلى خلاصهم تنظر بعين الرجاء إلى توبتهم القادمة .من من الناس كان يتصور أن أريانوس الوالي الذي عذب الشهداء المسيحيين بمنتهى القسوة سيتحول يوما إلى المسيحية ويصير شهيداً وقديسا تعترف به الكنيسة ؟! لاشك أن صلوات كثيرة قد رفعت من أجله، واستجاب لها الله وقال أريانوس المغفرة من الله حينما تاب عن شروره وأعلن إيمانه بالسيد المسيح .الغفران بالنسبة لنا يعنى أمرين : الأول : أننا لا تطلب الإنتقام ممن أساءوا إلينا ، بل تطلب لهم أن يتربوا «صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم و يطردونكم » (مته : 44).
والثاني : أننا تظهر لهم المودة في مقابل الإساءة لكي تحاول أن تكسبهم عن طريق الحب « أحبوا أعداءكم احسنوا إلى مبغضيكم » (مته : 44).
أما في إطار الحياة داخل الكنيسة فهناك أمر ثالث جوهري وهو حرصنا على أن تكون الكنيسة صورة أو أيقونة لملكوت الله . كما أن لا مسئولية خاصة بالنسبة لإخوتنا : تجعل المغفرة مرتبطة بتوبتهم وإستقامة مسلكهم . وهذا يقودنا إلى الحديث عن :
الغفران في الحياة داخل الكنيسة :
الكنيسة كعروس للمسيح في صورة حقيقية لاورشليم السمائية التي لا يدخلها شيء نجس أو دنس ( رؤ۲۱ : ۲۷ ) . والإفخارستيا ( أي الاشتراك في سر القربان) هي استعلان مبكر للإشتراك في الحياة الأبدية مع المسيح فمن يدخل إلى الكنيسة ، ويشترك في سر القربان المقدس ، يكون كمن يدخل إلى الملكوت لينال الحياة الأبدية. هذا لا يشترك في سر القربان إلا المؤمن التائب الذي نال حلاً من خطاياه ، واستحق الغفران بعد أن مارس التوبة والاعتراف ، وجاهد في إصلاح سيرته بالتوبة .حينما دخل السيد المسيح بيت زكا وقف زكا وقال « ها أنا يارب أعطى نصف أموالى للمساكين وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف » (لو١٩ : ٨). لهذا قال السيد « اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضاً إبن ابراهيم » ( لو۱۹ : ۹). لقد جاهد زكا في إصلاح سيرته ـ إذ كان رئيساً للعشارين-ورد ما عليه للآخرين ، رافعاً عنهم الظلم الذي أوقعه هو عليهم . فإذا أخطأ شخص في الكنيسة ، لا تمنحه الكنيسة حلاً إلا إذا تاب توبة حقيقية. والكنيسة مسئولة عن إنذاره وتقويم سيرته ومنعه من التمادي في الخطية وقد توقع عليه عقوبات وتأديبات كنسية حرصاً على أبديته وخلاص نفسه وأيضاً في علاقة أعضاء الكنيسة ببعضهم قال ، السيد المسيح « إن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما . إن سمع منك فقد ربحت أخاك » (مت۱۸ : ١٥). وهذا يوضح مسئوليتنا تجاه إخوتنا في ربح نفوسهم للمسيح . فمن واجبنا - إذا أخطأوا أن نعاتبهم أو نوبخهم. وإن تابوا أن تغفر لهم « إن أخطأ إليك أخوك فوبخه، وإن تاب فإغفر له » ( لو١٧: ۳).ولكن كل ذلك ينبغى أن يجرى في إطار المحبة الأخوية ، العديمة الغش والرياء «محتملين بعضكم بعضا بالمحبة ، مسرعين إلى حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل » (أف ٤ : ٣). فليست كل الأمور تحتاج إلى عتاب أو توبيخ . بل ما نراه يهدد سلامة إخوتنا الروحية، ويمنع عنهم المغفرة من الله لسبب عدم تويتهم .وحينما تعاتب إخوتنا فلنعاتبهم بلطف وشفقة كلما أمكن ذلك ، حاملين في قلوبنا بالحب روح التسامح ، لكي نجتذبهم إلى التوبة متذكرين كلمات معلمنا بولس الرسول « كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح » (أف ٤ : ٣٢).
نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن مجلة الكرازة العدد السابع عام ١٩٨٩

عدد الزيارات 113

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل