كيف نحب الآخرين ؟

31 يوليو 2023
Large image

تتنوع مظاهر المحبة العملية. فبعد أن تكلمنا عن المحبة الغافرة، وعن الغفران بأنواعه وأبعاده ومفهومه السليم . نتكلم الآن عن :
المحبة المتأنية ( طول الأناة ) :
طول الأناة صفة جميلة من صفات الله ، وهي أيضا ثمرة من ثمار الروح القدس في حياة أولاده وطول الأناة يعبر عنه أحياناً بطول الروح ، أو ببطء الغضب مثلما قيل عن الرب إنه «حنان ورحيم طويل الروح وكثير الرحمة » (مز١٤٥: ٤). أو أنه « إنه رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء . حافظ الإحسان إلى ألوف ، غافر الإثم والمعصية والخطية » (خر٣٤: ٧،٦). وقد ورد الحديث عن لطف الله وطول أناته حينما حذر القديس بولس الرسول من الإستهانة بطول أناة الله على الخطاة « أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة » (رو٢: ٤). بمعنى أن طول أناة الله لا يعنى التصريح للخاطيء أن يتمادى في شرورة وخطاياه ، بل بالحرى أن يشعر بالخجل من معاملة الله له لطف مقتاداً إياه إلى التوبة. وقد أكد القديس بطرس الرسول هذا المعنى حيثما قال « اجتهدوا لتوجدوا عنده بلا دنس ولا عيب في سلام واحسبوا أناة ربنا خلاصاً » ( ۲بط ٣ : ١٣، ١٤). كما قال أيضاً «لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطوء ، لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس ، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة » ( ۲بط ۳ : ۹)
فضائل مترابطة :
حينما يتكلم الكتاب المقدس عن طول الأناة في حياة المؤمنين يقترن ذلك بذكر الصبر أو اللطف أو الترفق ، لارتباط هذه الفضائل معا . « وأما ثمر الروح فهو محبة ، فرح ، سلام ، طول أناة ، لطف ، صلاح ، إيمان ، وداعة ، تعفف » (غلا ٥: ۲۲). لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضى ، مثمرين في كل عمل صالح ، ونامين في معرفة الله . متقوين بكل قوة بحسب قدرة مجده لكل صبر وطول أناة بفرح » ( أف ١: ١٠). «المحبة تتأتى وترفق » (١کو١٣: ٤). فالصبر يقود إلى طول الأناة، وطول الأناة يقترن باللطف والترفق . وهكذا ترتبط الفضائل بعضها ببعض كثمار للروح القدس الواحد .
طول أناة الله حيثما تتكلم من طول الأناة، ينبغي أن نتذكر دائماً أن الرب كثيراً ما أطال أناته علينا بصفة خاصة، كما أطال أناته على البشرية بصفة عامة ولولا ذلك لما أمكن أن نوجد في رضى الرب على الإطلاق
ماذا كان من الممكن أن يحدث لو أن الرب نفذ حكم الموت بالكامل في آدم في نفس اللحظة التي أخطأ فيها ؟ لقد مات آدم إذ دخل إليه الموت . ولكن الرب أطال أناته .حتى جاء منه نسل كإمتداد مؤقت للجنس البشرى ، وحتى يأتى من هذا النسل من « فيه كانت الحياة » (يو١: ٤). ومن يستطيع أن يسحق رأس الحية و يعيد الحياة إلى الجنس البشرى مرة أخرى ماذا كان من الممكن أن يحدث لو أن الرب لم يطل أناته على البشرية في تاريخها الطويل على مدى آلاف السنين حتى مجيء المخلص ؟ كثيراً ما أخطأ البشر ـ يهوداً كانوا أم أميين وأغاظوا الرب يسوء أفعالهم » الجميع زاغوا وفسدوا ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد، (رو۳ : ۱۲). ولكن الرب أطال أناته على الجميع ليرحم جميع الذين يقبلون خلاصه ومحبته ماذا كان من الممكن أن يحدث لو أن الرب لم يطل أناته
يوم الصليب ، فأنزل سخط غضبه على البشر الذين تجاسروا وصلبوا
السيد المسيح ؟ هؤلاء منهم من نخسوا في قلوبهم - بعدالصلب واعترفوا للسيد بلاهوته وآمنوا به وقبلوه مخلصا وفاديا ماذا كان من الممكن أن يحدث ، لو أن الرب، لم يطل أناته على شاول الطرسوسي الذي اضطهد المسيحيين بعنف إلى أن ظهر له الرب في الطريق إلى دمشق ؟ وصار شاول هو بولس الرسول أكثر من تعب في الكرازة بالمسيح ، وأثمرت كرازته في كل مكان لولا طول أناة الله لما أمكن أن يبقى الجنس البشرى منذ البداية ، وما أمكن أن يستمر على مدى الأجيال، ولما أمكن أن يتم الفداء، ولما أمكن أن تتم الكرازة بالإنجيل لجميع الأمم ولما أمكن أن يوجد كل أولئك القديسين الذين تألقت فضائلهم فأناروا المسكونة، وسوف يتألقون مع المسيح في ملكوت أبيهم ما أعظم المكاسب الذي حصلت عليها البشرية لسبب طول أناة الله هذا كلما تصلى في كل ساعة تقول عنه الإله «الطويل الروح الكثير الرحمة الجزيل التحنن الذي يحب الصديقين و يرحم الخطاة الذي لا يشاء موت الخاطيء مثلما يرجع وتحيا نفسه الداعي الكل إلى الخلاص لأجل الموعد بالخيرات المنتظرة » (خاتمة صلاة الأجبية ) . أهمية طول الأناة :
طول الأناة يعطى فرصة للآخرين ليصلحوا أخطاءهم، أو ليتدرجوا في الفضائل ، فالفضيلة تحتاج إلى وقت لإقتنائها والمحبة تمنح فرصة للآخرين لينتقلوا من دائرة الخطأ إلى دائرة الصواب . لأن المحبة لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق ، ولا تتصيد الأخطاء بل تتأنى وترفق ناظرة بعين الرجاء إلى مستقبل أفضل . وحينما نتعامل مع أخوتنا ، ينبغي أن تطيل أناتنا عليهم مثلما أطال الرب أناته علينا ولعلنا نتذكر المثل الذي قاله السيد المسيح عن العبد المديون بعشرة آلاف دينار الذي توسل أمام سيده ساجداً « يا سيد تمهل على فأوفيك الجميع . فتحنن سيد ذلك العبد واطلقه وترك له الدين» (. مت ۱۸ : ٢٦ ، ٢٧).وإذ لم يتمهل العبد على رفيقه المديون له بمئة دينار،غضب السيد وسلمه إلى المعذبين وقد أكد السيد المسيح في هذا المثل أهمية التمهل على أخوتنا
وإطالة أناتنا عليهم فقال هكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته » (مت ۱۸: ٣٥).الكنيسة في صلاة باكر تذكرنا بوصية القديس بولس الرسول بشأن السلوك المطلوب في علاقة الإخوة ببعضهم «بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضاً في المحبة ، مجتهدين تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام » ( أف ٤ : ٢، ٣). إن التحلى بالصبر وطول الأناة يجعلنا نكسب أناساً كثيرين نكسب محبتهم ونكسب ثقتهم وعرفانهم بالجميل كما أنه يجعلنا نكسب كثيراً في علاقتنا مع الله ، إذ يطيل الله اناته علينا بالمثل حتى يأتى بنا إلى الكمال ، وإلى « القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب » ( عب ١٢: ١٤ » .
نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن مجلة الكرازة العدد الثامن عام ١٩٨٩

عدد الزيارات 104

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل