كيف نحب الآخرين ؟

28 أغسطس 2023
Large image

المحبة الباذلة :
تكلمنا عن« المحبة الغافرة » وعن «المحبة المتأنية » ،ونتكلم الآن عن « المحبة الباذلة » وهذه وتلك كلها مظاهر متنوعة للمحبة فالمحبة واحدة لا تنقسم المحبة الطاهرة المنسكبة في القلب بالروح القدس ،هي نفسها تظهر في الغفران ، وفي التأني ، وفي البذل ،وهكذا وإذا تكلمنا عن البذل في المحبة ، فإننا نتكلم عن برهان المحبة الصادقة لأن المحبة الحقيقية تختبر بالألم تختبر في العطاء تختبر عند التضحية بما هو عزيز ومحبوب من السهل أن نتكلم عن المحبة ، أو أن تنسب لأنفسنا أننا نحب غيرنا .ولكن يبقى كل ذلك يفتقر إلى دليل ، حتى يأتى الإمتحان وحينئذ تنكشف حقيقة محبتنا وهناك من لا يتكلم عن محبته ،ولكنها تظهر جلية في تصرفاته لهذا قال معلمنا يوحنا الرسول «يا أولادي لا نحب بالكلام، ولا باللسان بل بالعمل والحق » ( ١يو٣ : ۱۸ ) . وتحدث معلمنا يعقوب الرسول عن الإيمان العامل بالمحبة وأهميته فقال « أرني إيمانك بدون أعمالك وأنا أريك بأعمالي إيماني» (یع ۲ : ۱۸) أي أن إيماننا العامل بالمحبة سوف تظهره أعمال محبتنا نحو الله ، ونحو الآخرين تنفيذاً للوصايا الإلهية إن طريق المحبة هو طريق الصليب لهذا قال السيد المسيح «إن أراد أحد أن يأتي وراثي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني » ( لو ٩: ۲۳ ) . والمحبة هي عطاء متواصل لا ينقطع هي بذل مستمر للذات هي معانقة الصليب في كل لحظة من الحياة لهذا قال السيد المسيح « كل يوم » المحبة تفرح بالبذل تفرح بالعطاء تفرح بالصليب ، لأن الصليب هو وسيلتها في التعبير عن نفسها ، بل بأكثر وضوح ـ هو وسيلتها في برهان حقيقتها وصدقها .
الأبوة والرعاية :
الأبوة والمحبة الباذلة أمران لا يفترقان وقبول رسالة الأبوة هو قبول للبذل والتضحية والتعب من أجل راحة الأبناء كذلك الرعاية تقترن بالبذل ، وقبول عمل الرعاية هو قبول لرسالة المحبة الباذلة وهكذا نرى السيد المسيح يحدد رسالته الرعوية فيقول « أنا هو الراعي الصالح ، والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف » (يو۱۰: ۱۱). وقد سار القديس بولس الرسول على منهج السيد المسيح فقال لابنائه « يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم » (غل ٤ : ١٩) وقال كذلك « الموت يعمل فينا ولكن الحياة فيكم » (۲کو٤ : ۱۲ ) بمعنی أنه كان يحتمل الآلام من أجل النفوس التي يرعاها ،وكان يقدم نفسه للموت باستمرار لكي تعمل الحياة فيهم وهكذا في محبته للسيد المسيح ، وفي محبته للمخدومين كان يتغنى للرب ويقول « من أجلك نمات كل النهار» (رو٨ : ٣٦)
محبة الله الآب :
لم يكن ممكناً أن تفهم كمال معنى البذل في المحبة بالنسبة لله الآب ، إلا من خلال تجسد الكلمة ـ أي تجسد الإبن الوحيد الذي وضع نفسه لأجلنا لأنه « هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية » (يو٣: ١٦).
محبة الشهداء :
الشهداء امتحنت محبتهم لله ولإخوتهم وقد نجحوا في الامتحان « ولم يحبوا حياتهم حتى الموت » ( رؤ ١٢ : ١١) لأنهم أحبوا الرب أكثر من ذواتهم كما أنهم شعروا بمسئوليتهم في الشهادة للآخرين بقوة إيمانهم ، حتى يقتادوا غيرهم إلى صمود الإيمان فكانوا بذلك سبباً في خلاص الكثيرين في جيلهم وفي الأجيال اللاحقة .
ثمار المحبة الباذلة :
قال السيد المسيح « إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت ، فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير» (يو۱۲ :٢٤ ) البذل الذي في المحبة يتحول - بنعمة الرب ـ إلى قوة للحياة فالمحبة الباذلة لابد أن تثمر وأن يتألق مجدها ، كما تألقت محبة المسيح على الصليب وقد تحولت آلام الصليب إلى قوة للحياة وصارت طريقاً إلى المجد فيجد المحبة الباذلة الكامن في الصليب ، صار معلناً في القيامة فطوبى لمن يتأمل ويفهم و يتخذ من البذل طريقاً للمحبة .
نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن مجلة الكرازة العدد العاشر عام ١٩٨٩

عدد الزيارات 96

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل