كيف نحبّ الآخرين ؟ المحبّة الثابتة

18 سبتمبر 2023
Large image

«من يثبت في المحبة يثبت في الله، والله فيه » ( ١يو ٤ : ١٦) المحبة الحقيقية تكون ثابتة، فلا تتزعزع على الإطلاق. لأن مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء المحبة، والسيول لا تغمرها » نش ۷:۸) ومن المعروف أن المحبة كثيراً ما تتعرض للعواصف ولكن ليبها لا يمكن أن ينطفئ المحبة السطحية تنمو سريعاً ، ثم لا تلبث أن تجف . وقد شرح ذلك السيد المسيح حينما تكلم عن مثل الزارع الذي خرج ليزرع ، وفيما هو يزرع سقط بعض على مكان محجر، حيث لم تكن له تربة كثيرة، فنبت حالاً إذ لم يكن له عمق أرض. ولكن لما أشرقت الشمس إحترق، وإذ لم يكن له أصل جف. هؤلاء هم الذين حينما يسمعون الكلمة يقبلونها للوقت بفرح . ولكن ليس لهم أصل في ذواتهم بل هم إلى حين. فبعد ذلك إذا حدث ضيق أو إضطهاد من أجل الكلمة، فللوقت يعثرون (أنظر مر٥:٤، ٦ ، ١٦ ، ١٧).
المحبة ينبغى أن يكون لها عمق ، فلا تتأثر بالعوامل الخارجية .هي عطية من الله لا يستطيع العالم بكل ثقله أن يسحقها ، وهى نار إلهية لا يستطيع الشيطان بكل عواصف تجاربه أن يطفئها .هذه المحبة المنسكبة في القلب بالروح القدس، تختلف تماماً عن كل محبة أخرى في العالم. لقد رأينا هذا النوع من الحب فى السيد المسيح - المثل الأعلى في المحبة الذي تهتز محبته حينما صوبت نحوه سهام الكراهية بل صلى لأجل صالبيه ملتمساً لهم العذر وطالباً لهم الغفران. ولم تهتز محبته لبطرس حينما أنكره أمام الجارية والخدام، بل نظر إليه معاتباً حتى أن بطرس خرج خارجاً وبكى بكاءاً مراً ( أنظر مت ٢٦ : ٧٥ ) .
المحبة تتعرض للتجارب :
لا يمكننا أن نتصور أن لا تتعرض المحبة للتجارب ، بل تختبر مثل الذهب الذي يجرب بالنار... في محبتنا الله ينبغى أن تكون ثابتين غير متزعزعين، وفى محبتنا لإخوتنا أيضاً ينبغى أن تكون ثابتين، فلا نتقلب في محبتنا لهم . المحبة المتقلبة غير الثابتة تفشل في إثبات أصالتها .لأن برهان المحبة الحقيقية هو فى ثباتها وعدم تقلبها . والمحبة الأصيلة لا تحتج بأى علل تبرر عدم ثباتها ... وأمامنا مثال يوسف الصديق فى محبته الله وفى محبته لإخوته .
مثال يوسف بن يعقوب :
لقد حسده إخوته لسبب محبة أبيهم له ـ وكان مستحقاً لهذا الحب ولكنه ظل ثابتاً في محبته لإخوته الذين حسدوه وذهب باحثاً عنهم ليفتقد سلامتهم . وحينما أبصروه قادماً تآمروا ليقتلوه ، ثم ألقوه في البئر. وبعد ذلك باعوه إلى الإسماعيليين... ولكنه ظل ثابتاً في محبته لهم ولم ينطق بكلمة واحدة تدل على عدم المحبة. وقد ظهرت هذه المحبة جلية واضحة في مسامحته لهم حينما إقتادهم إلى التوبة بعد أن صار سيداً في أرض مصر.أما في محبته الله فبالرغم من الأحلام المقدسة التي أعلنها له الله ، فقد عصفت التجارب بهذه المحبة حتى وصل به الأمر إلى السجن فى مصر متهماً بأبشع الخطايا وهو الذي كان أميناً في كل شيءولكن كانت محبة الله في قلب يوسف أقوى من ظلام التجربة الدامس فبقى ثابتاً فى محبته وحينما إجتذبته المرأة الخليعة إلى السقوط قال بكل ثبات «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطىء إلى الله » ( تك ۹:۳۹) - كان يوسف رائعاً فى هذا القول لأنه لم يشك في محبة الله بالرغم من التجارب المريرة التي سمح الله بأن يجتازها ، حتى صار عبداً منفياً بعيداً عن أبيه الذى أحبه وعن إخوته الذين باعوه لم يعتبر أن سكوت الله فى وقت التجربة مبرراً لكي يخطىء في حقه قال ذلك لأنه أحبه من كل القلب لم يستطع الشيطان أن يقنعه بأن الله قد نسيه، لكى يجتذبه بذلك إلى نسيان وصايا الله بل كانت المحبة في قلب يوسف ترجو بإستمرار أن يتدخل الرب لإنقاذه من الشرور التي أحاطت به، ويعيده إلى كنف أبيه لكى يعبد الله في وسط إخوته « أخبر بإسمك إخوتى فى وسط الجماعة أسبحك » (مز ۲۲ : ۲۲ ) كانت الأحلام التي رآها تراود مخيلته، وتهتف فيه بمشاعر الرجاء فظل ثابتاً في محبته إلى النهاية فليكن لنا فى يوسف الصديق مثالاً ودرساً وعبرة لحياتنا لكى نكون ثابتين في الحب .
نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة
عن مجلة الكرازة العدد الثالث عشر عام ١٩٨٩

عدد الزيارات 80

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل