إنجيل عشية الأحد الأول من شهر توت( مت ١١ : ١١ – ١٩)

16 سبتمبر 2023
Large image

الحَقَّ أَقولُ لكُم لم يَقُمْ بَينَ المَوْلُودِينَ مِنَ النّساء أعظَمُ مِن يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السماواتِ أعظَمُ مِنهُ. ومن أيّام يوحنا المعمدان إلى الآن ملكوت السماوات يُغصَبُ والغَاصِبونَ يَحْتَطِفونَهُ. لأنَّ جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا. وإِنْ أردتُمْ أنْ تقبلوا ، فهذا هو إيليا المُزمِعُ أَنْ يأتي. " مَنْ لهُ أُذُنان للسَّمْعِ فَلَيَسمَعْ . وبمَنْ أَشَبِّهُ هذا الجيل؟ يُشبه أولادًا جالسين في الأسواق يُنادون إلى أصحابهم " ويقولون : زَمرنا لكُمْ فلم ترقُصوا ! نحنَا لَكُمْ فلم تلطموا !لأَنَّهُ جَـاءَ يوحنا لا يأكُلُ ولا يَشرَبُ، فيقولون: فيه شيطان. جاءَ ابنُ الإنسان يأكُلُ ويَشرَبُ، فيقولون: هوذا إنسان أكول وشريب خمرٍ، مُحِب للعشارين والخطــاةِ. والحِكمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ بَنيها ".
صوت صارخ في البرية
يقع عيد استشهاد القديس يوحنا المعمدان ثاني يوم عيد النيروز، أي اليوم الثاني من شهر توت. لذلك رتب الآباء هذه القراءة في الأحد الأول. وإنجيل العشية فصل من حديث الرب يسوع عن يوحنا المعمدان الحق أقول لكم إنه لم يقم من بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان،ومن أيــام يوحنــا المعمدان إلى الآن ملكوت السموات يغصب والغاصبون يختطفونه".والتدبير هنا بديع للغاية، حيث تتوافق المناسبتان، مناسبة بداية عام قبطي جديد، ومناسبة شهادة يوحنا المعمدان كارز التوبة والصراخ في برية العالم كله ورجل الاستقامة والنسك وحياة التجرد. فإن كنا في بداية السنة دائمًا نرجو إصلاح سيرتنا وتتحرك فينا دائمًا حواس التوبة والرجوع إلى الله وأن نبدأ بدءًا حسنا.نحتاج إلى يوحنا المعمدان قائماً في وسطنا وصوته الصارخ يهز كياننا من جديد ويوقظ فينا الروح الذي اعتمدنا به وله منذ زمان ولكن تاه عنا الصوت أو ابتعدنا عنه بإرادتنا إلى الوراء نطلب ما للعالم والجسد بل صرنا أهواء الهوان اليوم يتجدد لنا الصوت لأنه إن مات فهو يتكلم بعد حاجتنا اليوم شديدة إلى فعل الروح الناري، روح إيليا وقوته لكي تستقيم أرجلنا مرة أخرى في طريق الخلاص. لقد تعوّجت بنا المسالك حتى صرنا إلى التيه في برية العالم الموحش وارتفعت بنا تلال الكبرياء وطرحتنا إلى انخفاض الانكسار فارتفعنا وانطرحنا بين الارتفاع والانخفاض. تاهت عنا السهول ومسالك الخلاص المستقيمة وعرفنا الغش والكذب واللف والدوران واستحسان طرق العالم وأساليب الخداع وعدم الصراحة وعدم المحبة مع الرياء، واستلطاف النجاسات وكل ما يخدم الجسد والجسدانيات.
أين ملامح المسيح ونوره الحقيقي؟ أين ملامح المسيحيين في الأمانة والحب الصادق وطهارة السيرة والسريرة؟.
لقد تفرقنا وتمزقنا إلى شيع وأحزاب وفرق كثيرة. وقبلنا مجد الناس ومدح الناس، بل مدحنا أنفسنا حين قسـنا أنفسنا إلى أنفسنا ولم نقس حياتنا إلى القديسين مــن كــل الفئات الذين برهنوا بحياتهم أنهم كانوا صادقين في المحبة،صادقين في الإيمان. و مادام الحال هكذا صرنا نحتاج إلى بوق الله، وصراخ يوحنا المعمدان ملاك العهد، قبل أن يدركنا بوق القيامة ونحن على حالنا من الكسل والتواني والتفريط والبرودة في الروح.يوحنا يصرخ أعدوا طريق الرب، قوموا سبله مستقيمة. كل تل الكبرياء وأكمة التعالي تنخفض الاتضاع هـو سبيل الخلاص. المسكنة والانكسار أمام الله يرفـــع الإنسان يرفع البائس من المزبلة، والكبرياء يحــط الإنسان إلى أسفل الجحيم. نحتاج أن نأخذ الأمر بجدية لتغيير الحياة من جذورها والبداية هي الإصغاء إلى صوت الصارخ ليزلزل أساسات الشر في داخل النفس، ويهدم كل علو وكل تعال علـــى هذا يصير قول الرب إنه ليس من بين المولودين مــن النساء أعظم من يوحنا لقد صار بالنسبة للتائبين والسامعين والراجعين عن طرقهم الردية، أعظم من البشر لأن من يقود إلى التوبة وتغيير الحياة وينقذ النفس من الهلاك، هل يوجد إنسان أعظم منه؟. على أن الأمر يحتاج إلى أكثــر صـحـو فكثيرون سمعوا يوحنا المعمدان يكرز بالتوبة والرجوع ولكن رفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم غير معتمدين منه بينما كثيرون أقبلوا إليه كصوت إنقاذ ونجاة وإذ سمعوا منه عملوا فقادهم إلى المسيح وأرشدهم إلى حمل الله. القديس يوحنا المعمدان هو الذي قدم المسيح للعالم كحامل خطية العالم وهو الذي يُعمد بالروح القدس والنـ صوت المعمدان يقود إلى المسيح حيث الحياة الأبدية. ملكوت الله يُغصَب ما أعجب قول الرب، إنـــه مــــن أيام يوحنا المعمدان، صار الملكوت يُغصب ويختطف والغاصبون يختطفونه فالملكوت أصلاً ليس من حقنا، فنحن خطاة فإن حصل أحد عليه فقد أغتصبه اغتصابًا واختطفه. فالأمر إذن يحتاج إلى هذا الجهاد العجيب، كيف تغتصب الملكوت؟ كيف تختطفه ؟ وإلا فلا نصيب في الملكوت.الجهاد المسيحي ليس سهلاً، ولا يوجد فيه تدليل للنفس ولا استهتار ولا رخاوة ولا تكاسل هو اغتصاب ملكوت الله، وبعبارة أخرى قالها الرب كل واحد يغصب نفسه إليه" لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد. فالذين يعيشون بالروح يعيشون حياة التغصب، أقمع جسدي واستعبده بالأصوام والصلوات والجهادات والأسهار. إن أعثرتك عينك اقلعها هذا فعل تغصب. يتدرب الإنسان عليه... أن يكف عينه عن الشر بكل جهاد وقوة. إن أعثرتك يدك اقطعها واغصب نفسك إلى الملكوت... كف لسانك عن الشر ... كفوا عن فعل الشر، تعلموا فعل الخير كقول داود النبي: "من كل طريق شر منعت رجلي"(مز ١١٩ : ١٠١).
أجاهد ليس كمن يلاكم الهواء تعلمت أن أكون مكتفيًا بما أنا فيه لماذا الطمع ؟ أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني.يا ليت روح يوحنا المعمدان يتجــدد لنا، ونسمع صوته من وراء الأزمنة يصرخ اصنعوا أثمارا تليق بالتوبة".فالتوبة ليست صراخا ودموعًا ونـدما على الخطايا وحسب، بل هى ثمار وأعمال وحركة تجديد للحياة كلها وتنقية للقلب الذي منه مخارج الحياة.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد

عدد الزيارات 113

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل