إنجيل عشية الأحد الأول من شهر بابه( مت 15:14 - 21 )

14 أكتوبر 2023
Large image

ولَمّا َصارَ المساءُ تَقَدَّمَ إليهِ تلاميذه قائلين: المَوْضِعُ خلاء والوقت قد مَضَى اِصرِفِ الجُموعَ لِكَيْ يَمضوا إِلَى القرى ويبتاعوا لهُمْ طَعامًا فقالَ لَهُمْ يَسوعُ: لا حاجَةَ لهُمْ أنْ يمضوا أعطوهُمْ أنتُم ليا كلوا فقالوا له ليس عِندَنا ههنا إلا خمسَةُ أَرغِفَةٍ وسمكتان فقال: ائتوني بها إلى هنا فأمَرَ الجُموعَ أَنْ يَتَّكِبُوا عَلَى العُشب ثمَّ أَخَدَ الأَرغِفَةَ الخَمْسَةَ والسَّمَكَتَينِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نحو السماءِ وبارَكَ وَكسَّرَ وأعطى الأرغفة للتلاميذ،والتلاميذ للجموع فأكل الجميـع وشـبعـواثم رفعــوا ما فضَلَ مِنَ الكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَملوءةً والآكِلُونَ كانوا نَحوَ خَمْسَةِ آلافِ رَجُلٍ، ما عدا النساء والأولادَ "
"ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين الموضـع خلاء والوقت قد مضى اصرف الجموع لكي يمضوا إلـــى القرى ويبتاعوا لهم طعامًا ، فقال لهم يسوع "لا حاجة لهـم أن يمضوا أعطوهم أنتم ليأكلوا" في كل عشية عندما تغيب الشمس يقبل المساء والظلام ومع قدوم الظلام تصير المخاوف والليل دائما ثقيل بهمومه وكئيب بظلامه، ولكن عندما تشرق الشمس تبدد الظلام وينتهي كل شيء وقد وضع الآباء أناجيل العشيات تحمل ذات الملابسات من جهة حلول الليل وحلول الظلام مع ما يحمله ذلك من معاني كانت تخيف الإنسان وتضغط على نفسه، لا سيما أنه في الأيام القديمة لم تكن إضاءة في الليل ولا كهرباء، فكان ستر الظلام يخفي وراءه كل أنواع الغدر والشر والسرقة والاعتداءات التي لا يمكن أن تحدث في النور بل ومازالت غارات الحروب تشن ما بعد الغروب حيث يكون الظلام خافيًا للتحركات على كل حال فإن الظلام المادي يُشير دائما إلى روح الظلمة والعدو الشرير الذي هو ضد النور الحقيقي، وكل أعماله أعمال ظلمة وكل تابعيه بنور الظلام حتى يستقروا في الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير الأسنان. على أن الكنيسة وهى تضع في معظم العشيات فصــــول الأناجيل التي تتحدث عن إقبال المساء والظلام والأهوال تضع المسيح شمس البر والنور الحقيقي الذي لم تدركه الظلمة النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسان وفصل إنجيل هذه العشية يشير إلى إقبال المساء ودخول التلاميذ في حيرة ماذا يفعلون مــع هـذا الجمــع الغفير؟ خمسة آلاف رجل ماعدا النساء والأولاد شيء مهول حين أحسوا بالمسئولية الملقاة عليهم فـودوا لو يتحرروا منها فقالوا للرب اصرف الجموع أين نأتي لهم بطعام؟ وحين أراد الرب أن يمتحن إيمانهم قال لفيلبس كـــم يكفيهم؟ فأجاب فيلبس - ويبدو أنه كان يحب الحسابات لا يكفيهم بمائتي دينار حتى يأخذ كل واحد منهم شيئا يسيرا قال هذا ليمتحنه حسب رواية القديس يوحنــا الإنجيلي، والواقع أن يسوع عارف بما يفعله ولم يكن ينوي أن يعطيهم شيئًا يسيرًا بحسب كلام فيلبس الرسول ورأيـــهبل كان الرب مزمعًا أن يعطيهم للشبع والفيض واثنتى عشرة قفة مملوءة من الكسر الفائضة. ولما قال الرب للرسل أعطوهم أنتم ليأكلوا. جعل عليهم هذه المسئولية من تلك اللحظة وهيهات أن يتحرروا منها أو يتحللوا من نيرها ... لقد حمّلهم حمل الشعب رجالاً ونساءً وأطفالاً معًا... ليطعموهم لا الخبز المادي فقط بــل الخبز النازل من السماء الذي هو المسيح ذاته. فحمل التلاميذ ذلك النير اللذيذ من تلك اللحظة وصاروا آباء المسكونة. والآباء دائما مسئولون اسمع القديس بولس يقول: "يا أولادي الذين أتمخض بهم إلى أن يتصور المسيح : كاملاً فيكم لأني حاملكم في قلبي وفي وثقي". أما وقد صار المساء ولكن النور الحقيقي قائم في وسطهم .مع المساء كان الجوع ولكن في المسيح الشبع. كل الذين اختبروا المسيح صاروا في الشبع كل أيام حياتهم... لم يجوعوا أبدًا لأن في يمينه شبع سرور. الجوع إلى العالم الجوع إلى الشهوات، الجوع إلى المراكز، الجوع إلى الكرامة الجوع إلى الانتقام الطمع في الماديات جوع، الميول المنحرفة جوع. هكذا تنبأ الأنبياء أنه يكون في العالم جوع لا إلى خبز وماء بل إلى كلمة الرب هذا هو الجوع الحقيقي نحو البر وطوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون" المسيح وحده هو الذي يُشبع النفس الجائعة فتكتفي عن كل شيء وعن كل أحد. * أما سر البركة في المسيح فهو فائق للعقل والإدراك. من يقول إن خمس خبزات شعير صغيرة تستطيع أن تشبع خمسة آلاف رجل ؟ ولكن إن وضعت في يد المسيح فإنها تشبع وتفيض. * لا تعتذر بالإمكانيات البسيطة التي لك فقط ضعها بين يدي يسوع الخبزة في يد يسوع تستمد قوة إلهية، ولكنها لابد أن تكسر، لا يمكن أن تشبع دون أن تكسر، وإن ظلت الخبزة غير مكسورة وحافظت على نفسها كمـا هى لا تؤكل ولا تشبع. جيد أن نسلم نفسنا ليد يسوع، ليكسرنا كما يشاء ويوزعنا بحسب تدبيره إلى حيث يريد وبالطريقة التـى يستحسنها هو، هذه هي حياة التسليم. إن ظلت الخبزة كما هى في أنانية تبقى واحدة، ولكن إن انكسرت وتوزعت تصير لكثيرين من يحيا لذاته يكون كخبزة واحدة، ولكن من يبذل نفسه لآخرين يعرف البركة ويدرك سر الشبع في نفسه وفي الآخرين. ولكن قبل أن يكسر شكر وبارك، فالخبزة جازت أولاً خبرة الشكر ونعمة البركة قبل أن تكسرها يد الرب لتوزعها، فإنه يعبر بنا في مراحل الشكر والبركة ويستودعنا سر نعمته الغنية فيا مرحبًا بحياة البذل والعطاء حتى النهاية، ما أجمل العبارة التي قالهــا القديس أغناطيوس اللابس الروح: "أنا حنطة الله". واشتهي أن تطحنه الأسود بأسنانها محبة في المسيح الذي مات لأجله. ومن الأمور التي يلذ لنا أن نتأملها أن المسيح ذاته هو خبز الحياة المكسور لأجل خلاص العالم، فإن اتحدنا به بشبه موته واختبرنا قيامته حين نأكل الخبز المكسور الذي هو جسده تصير فينا هذه الشهوة أن نبذل نفسنا على مثال الذي أحبنا بل نشعر بشركتنا مع الآخرين أننا خبز واحد وأعضاء بعضا البعض.من البداية قال الرب للتلاميذ : أعطوهم أنتم"، ربما كان الرب يقصد أن التلاميذ قد نما إيمانهم ونمت بالمسيح حتى أصبحوا على مستوى المعجزة، ولكن التلاميذ اعتذروا في ذلك الوقت، أما عندما امتلأوا من الروح المعزي صارت لهم النعمة والقوة حتى أنهـم عملوا أعمال المسيح بحسب وعده القائل: "الأعمال التي أعملها أنا تعملونها وأعظم منها . وذلك بحلول روحه القدوس فيهم وصار الروح يعمل بهم آيات غير المعتادة، شفوا مرضى وأخرجوا شياطين وأقاموا موتى. والذي يجذب الانتباه أن الرب في معجزة إشباع الجموع جعل التلاميذ يُتكئون الجموع بحسب الترتيب الإلهي خمسين خمسين وهو حين كسر الخبزات بيديه الطاهرتين أعطى التلاميذ والتلاميذ أعطوا الجموع فتناول الشعب هذا الخبز من يد المسيح بواسطة رسله القديسين فهم الذين دعاهم وقدسهم وبررهم وأعطاهم ليعطوا وملأهم ليفيضوا ثم إذ أكل الجميع وشبعوا قال للرسل: "ارفعوا الكسر لئلا يضيع منها شيء". فالكسر عند الناس مهملة وملقاة.أما عند المسيح فهى مجموعة مكرمة لئلا يضيع منها شيء أو تداس بالأرجل فلا تفتخر الخبزات على الكسر ، فالذي صنع المعجزة بالخبزات اهتم بالكسر هؤلاء هم الصغار غير المعتبرين من الناس ولكن ليس عند المسيح فهو كثير العناية بالضعفاء وصغار النفوس والقلوب، وغير المعتبرين والمرذولين والمهانين إله عجيب ساكن في الأعالي وناظر إلى المتواضعين وقد رفع التلاميذ اثنتي عشر قفة مملوءة من الكسر، وكأن كل واحد من الاثني عشر قفة كاملة من الكسر، جمع واعتنى بها حتى الملء.
أكل الجميع وشبعوا تُرى ماذا كان طعم هذا الخبز الذي بارك الرب عليه وشكر وكسره؟ وكيف أكله الناس؟ يا للحسرة إن كانوا قد أكلوه جسديًا، كلقمة خبز عادية !! وإذ كان الحال كذلك وطلبوه مرة أخرى قال لهم: "تطلبوني ليس لأنكم رأيتم آيات فآمنتم بل لأنكم اكلتم من الخبز فشبعتم اعملوا لا للطعام البائد بــل للطعام الباقي للحياة الأبدية"فإن كان الحال هكذا مع خبز المعجزة، فكم يكون الحال ونحن نأكل خبز الحياة الأبدية من على المذبح كل يوم، بأي حاسة روحية نأخذه وبأي روح نأكله؟!.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد

عدد الزيارات 70

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل