إنجيل عشية الأحد الثاني من شهر بابه (مت 17 : 24 - 27 )

21 أكتوبر 2023
Large image

ولَمّا جاءوا إِلَى كفرناحومَ تقَدَّمَ الذين يأخُذونَ الدَّرْهَمَينِ إِلَى بُطرس وقالوا أما يوفي مُعَلِّمُكُم الدرهمين؟ قالَ: بَلَى فَلَمّا دَخَلَ البَيتَ سَبَقَهُ يَسوعُ قائلاً ماذا تظُنُّ يا سمعان؟ مِمَّنْ يَأخُذُ مُلوكُ الأَرضِ الجباية أو الجزيَةَ، أمِنْ بَنيهِمْ أم مِنَ الأجانب؟. قالَ لهُ بطرُسُ مِنَ الأجانب قالَ لَهُ يَسوعُ فَإِذَا البنونَ أحرار ولكن لنلا نُعثرَهُمُ اذهَبْ إِلَى البحر وألقِ صِنَارَةً، والسَّمَكَةُ التي تطلع أولاً خذها، ومَتَى فتحت فاهـا تجد إستارًا ، فخذهُ وأَعطِهِمْ عَني وَعَنكَ ".
لئلا نعثرهم
لم يجسر جامعو الجزية أن يتقدموا إلى الرب فيسألوه عن دفع الجزية ولكنهم تقدموا إلى بطرس وسألوه هكذا قائلين: "أما يوفي معلمكم الجزية؟".
السؤال ينطوي على نوع من الامتحان وإن كانوا في قرارة أنفسهم يعرفون أنه ليس مفروضا على المواطنين أن يدفعوا لمستعمر جزية أو خراجًا، ولكنه الظلم السائد فـــي العالم وقانون القوة وليس قانون الحق فالقوي هـو صاحب السلطان والسطوة، والضعفاء يخضعون سواء كانوا أصحاب حق أو لا لم يرد القديس بطرس من نفسه، ولم يجب الرب لا السائل ولا أجاب بطرس ولكن عندما دخل البيت ســـــأل الرب بطرس قائلا ماذا" تظن يا سمعان ممن يأخذ ملوك الأرض الجزية أو الجباية أمن بنيهم أم من الأجانب؟" أجاب بطرس من الأجانب، فقال له يسوع: "إذن البنـــون أحرار تجنب الرب الحديث في العلن في هذا الأمر، وهو أمر سياسي اجتماعي لئلا يفهم أن المسيح قائد ثورة اجتماعية أو خارج على النظام السائد ولئلا يصير هذا الموضوع شغل الجماعة الشاغل، فيفهم من الناس أن هذا هو مســيا الخلاص من الاحتلال الروماني وأنه قائد ثورة التحرير والتمرد د على السلطات وعدم دفع الجزية وقد سئل يسوع مجربا لكي يزجوا به في حلقة السياسة قائلين هل يجوز أن تدفع الجزية لقيصر أم لا؟ فقال الرب: "ائتوني بدينار"، وهو العملة السائدة آنذاك، ثم سألهم عن الصورة والكتابة قالوا: "لقيصر"، فقال الرب : أعطوا" ما لقيصر لقيصر وما لله لله أما ما أسره الرب لبطرس فهو القاعدة التي أرســـــى الرب عليها كثيراً من التصرفات التي يجب أن يحياها أولاد الله. لم يكن مفروضا على المواطنين أن يدفعوا الجزية، فهم أحرار في وطنهم وليسوا مستعبدين. فمن حق بطرس أن لا يدفع... وأن يعصي هذه الأوامر المجحفة والقوانين التي جانبت الحق والصواب ولكن من هؤلاء الجباة الصغار الذين يطالبون؟ هم أداة تنفيذ ليس إلا وهم ليسوا واضعي قوانين فماذا يكون إذا أُعثر هؤلاء الصغار؟ ماذا يرون في هذا المعلم الذي اختشوا أن يسألوه؟ هـل يخضع للقانون أو يتمرد عليه؟
هكذا انحصر الأمر في عثرة هؤلاء الصـغار ، وهذا ما جعل الرب يقول لبطرس أن يلقي صنارته في البحر والسمكة التي تطلع أولاً تكون قد أتت بالأستار فـــي فمها فقال الرب لبطرس "ادفع عني وعنك" وهذا عجب العجب في تدبير الرب، ومن هـذا نلمــح بعض الأمور الجديرة بالتأمل:- أن الرب الذي أرسل تلاميذه بلا كيس وبلا مزود لــم يكن أيضا يقتني شيئا من ذلك غاية في الاتضاع والتجرد والمسكنة.
قدرته الإلهية تفوق الوصف والإدراك فالخليقة كلها تطيعه البحر والسمك والعالم المادي أليست هـــي صنع يديه؟!
من سخرك ميلاً لا تكتفي بما سخرك به، بل امش معه اثنين ضعف ما طلب ليس قسراً ولا قهرا ولا مذلة ولا شيء من هذه السلبيات، بل بكامل الإرادة والحريةوالعطاء والسخاء الإلهي والبذل والتنازل الإرادي.
من لطمك على خدك حول له الآخر، من طلب ثيابك تنازل له عن الرداء هذا منهج المسيح الذي غلب به العالم لم ينازع العالم ولا مملكته تنازعت مع مملكة العالم لأن ملكوته فوقاني وليست مملكته أرضية مادية، ساعية إلى خير هذا العالم الزائل ولا طامعة فيه. أشياء كثيرة نفعلها طوعًا لئلا نعثر الآخرين القديس بولس الرسول تبع هذا القانون عينه في رسالته إلى أهل كورنثوس في موضوع ما ذُبح للأوثان فهو وإن كـــان لا يعتد مطلقا بوجود الأوثان ولا يعترف بها كأنها شيء ويستطيع أن يأكل لحما مهما كان الأمر وحتى لو كان قــــد ذبح للوثن، فضميره واثق أن الأكل في ذاته ليس شيئًا ينجس الإنسان المسيحي،حتى لو ذبحوا للوثن نفسه وكان حيوانا ولكن هناك الأخوة أصحاب الضمير المرهف الضعيف فلأجلهم قال القديس بولس الرسول: "لو كـــان أكل اللحم يعثر أخي ما أكلت لحما طول حياتي" فلأجل الآخرين الضعفاء نسلك بهذا التنازل الإرادي عمــا يكــون حتى لنا الذي يشغل بالنا هو ليس ما لنا، بل ما للآخرين، كيف نربحهم فرابح النفوس حكيم وكيف لا نعثرهم لأنهم أعزاء لدينا فإن كان الرب قد رسم منهجاً للحياة المسيحية في أمر إعطاء الجزية رغم أنها غير مفروضة على البنين ولكـــن لكي لا يعثرهم جعل بطرس يدفع هذا كان هـو السلوك المسيحي تجاه الغرباء (جامعي الضرائب) فكـم يكون السلوك تجاه الإخوة في المسيح!! أعتقد أن الذين يسلكون بحسب هذا القانون يصير المسيح ظاهرا فيهم ويستطيعون بنعمته أن يربحوا حتـــى الوثنيين والجاحدين لأن من لا يتحرك قلبه حينما يُعمل بهذا الأسلوب الإلهي الفائق حقا مغبوط هو العطاء أكثرمن الأخذ بقي أن نشير إلى أن فصل إنجيل القداس في هذا الأحد هو معجزة صيد السمك الكثير وهى الآية التي جعلت القديس بطرس الرسول يسجد عند قدمي يسوع ويقول: "اخرج من سفينتي يارب فإني رجل خاطئ" ومن هذه الساعة قال الرب لسمعان "من الآن تصير صيادًا للناس" فتحول مجرى الحياة من صيد السمك المــادي إلى صيد النفوس بشبكة الإنجيل لحياة الخلود فإن أشار إنجيل العشية إلى صيد السمكة الخاصة الحاملة إستاراً في فمها فهى تضاف إلى الخبرات ذات الطابع الخاص الذي لا يُنسى في حياة سمعان بطرس محترف الصيد.فهذه أصبحت حادثة فريدة له تحمل ذكريات تصحيح المنهج نحو السياسة والغرباء والعثرة والسعي إلى الميـــل الثاني وفي تفرد هذه الحادثة حفرت في ذاكــرة القــديس بطرس الرسول تعاليم المعلم الإلهي وتلك السمكة المُعدة لهذا العمل وكأنها حوت يونان أعدها الرب لمأمورية خاصة وكثيرا ما يعد الرب مثل هذه، فلما تحول سمعان إلى صيد الناس صارت عينه فرازة و ذهنه متوقد كمثل هذه السمكة التي تأتي وفي فاها خير جزيل، ولعلـه صــادف المئات من النفوس المُعدّة لخدمة المسيح بل الألوف ذات الإمكانيات الخاصة، والمواهب الفريدة لعمل تكميل إرادة المسيح وقصده هذا غير كثرة السمك الروحي التي صادفها في أول محاولة لإلقاء شبكة الإنجيل على الذين اجتمعوا حول الرسل في يوم الخمسين، وحين جذبها وإذا بها ثلاثة آلاف نفس شيء مهول وأشار إلى زملائه أن يساعدوه حتـــى يجذبها إلى شاطئ الأبدية فمع كثرة السمك هذه توجــــد السمكة الواحدة ذات المواصفات الخاصة والمرسلة خصيصا لخدمة خاصة فريدة.ليكن الرب العامل فينا ومعنا هاديًا لطريقنا مصححا لمنهجنا مالئًا شباكنا بصيد الروح بعد ما تعبنا الليل كله تلفنا ظلمته وبرودته ولم نصطد شيئًا.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد

عدد الزيارات 93

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل