إنجيل عشية الأحد الثالث من شهر بابه( مر 4 : 35 - 41)

28 أكتوبر 2023
Large image

" وقالَ لهُمْ في ذلك اليوم لَمّا كانَ المساءُ: لَنَجتَزْ إلى العبر. فَصَرَفوا الجَمعَ وأخذوه كما كانَ في السَّفِينَةِ. وكانَتْ معه أيضًا سُفنُ أخرَى صَغِيرَةٌ. فَحَدَتْ نَوْءُ ريح عظيم، فكانت الأمواج تضرب إِلَى السَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تمتلئ. وكان هو في المؤخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نائمًا. فأيقَظوهُ وقالوا له: يا مُعَلِّمُ، أما يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكَ؟ فَقَامَ وانتَهَرَ الرّيح، وقال للبحر: اسكُتْ إِبكُمْ فَسَكَنَتِ الرِّيحُ وصارَ هُدوء عظيم وقالَ لَهُمْ: ما بالُكُمْ خائفين هكذا؟ كيف لا إيمان لكُمْ؟ . فخافوا خَوْفًا عظيمًا، وقالوا بَعضُهُمْ لبَعض مَنْ هو هذا؟ فإنَّ الرِّيحَ أيضًا والبحر يُطيعانه ".
المسيح في مؤخر السفينة نائما:-
أمر عجيب أن يكون المسيح في مؤخر السفينة، هكذا أراد المسيح للتلاميذ أن يجوزوا هذا الاختبار الصعب، فهو رب السفينة ومدبر السفينة فكيف يكون في مؤخرها؟ولكنه في مرات كثيرة يود لو يجوز بنا فيما لا ترغبه نفوسنا ولا نريده، ولكن على كل حال طالما خضعنا لتدبير الله في حياتنا وسلّمنا له قيادة نفوسنا ففي جميع الظروف التي يجيزنا فيها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا الرسل الأطهار صيادو السمك لم تكن تعوزهم الخبرة بالأنواء وتقلبات الجو والأمواج والرياح المضادة، فهذه ليست المرة الأولى التي يركبون فيها البحر وليس من جديد على أن كثيرًا ما يريد الرب أن نختبر ضعف ذراع البشر لكي لا نكون متكلين عليها "لا" تتكلوا على الرؤساء ولا على بني البشر الذين ليس عندهم خلاص"فالرؤساء والمعتبرون وأصحاب الخبرات في كل المجالات لابد أن يدركوا أنهم في اللحظات الحرجة لا تسعفهم خبراتهم ولا غناهم ولا مراكزهم.أين ذهبت خبرة التلاميذ في الملاحة عندما هاج البحر؟ وعندما نصل إلى حد عدم الثقة في خبراتنا وإمكانياتنا وقوتنا حينئذ نتجه بكل قلبنا إلى طلب المعونة، فنجد عونًا في حينه "كان لنا في أنفسنا حكم الموت لكي لا نكون متكلين على أنفسنا لابد أن التلاميذ الأطهار بذلوا قصارى جهدهم وقاوموا حتى لم يبق أمل وأين كان المسيح لـــه المجد؟ إنه كان يراقبهم عن قرب فعيناه لا تغفل وإن بدا لنا نائما لقد كان السيد المسيح في مؤخر السفينة على وسادة نائما !! لقد سجل الروح هذا الأمر خصيصا لندرك أن الرب بالفعل شاركنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها لقد مارس المسيح بالجسد كل ما لنا بالطبيعة وهو إذ دخل إلى هذه الأفعال البشرية قدسها وباركها وأعطاهـا كمـــال قوتها "باركت طبيعتي فيك" فكما بارك طبيعتنا البشرية وجعلها واحدًا مع لاهوته ورفعها إلى أكمل وأجل صورة لها، هكذا في جميع الأفعال والأقوال التي تصدر من الطبيعة جازت تجليا إلهيـــا فى المسيح. فهو حين أكل بارك أكلنا فصرنا نأكل لمجد الله "إن كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا افعلوا كل شيء لمجد الله" فإن قيل عن رب المجد إنه نام فهو قد قدّس نومنا فصرنا إن نمنا أو استيقظنا فنحن له إن عشنا وإن متنا فنحن نحيا له ونموت له ليس أحد منا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته، إن عشنا للرب نعيش وإن متنا للرب نموت إن عشنا وإن متنا فللرب نحن" ولكن لا يفهم نوم الرب أنه نوم الغفلة !! حاشا فهو إن نام حسب الجسد لكنه لا يغفل ولا ينام ولا تسهو عينه بــل هو دائم أزلي أبدي منزه عن الضعف، ولكنه قبل الضعف من أجلنا بإرادته الكاملة فهو بإرادته نام بالجسد وبإرادته تألم ومات بالجسد ولكننا نقول دائمًا "قدوس الحى الذى لا يموت الذي صلب عنا ارحمنا" والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل يمكن أن تهلك هذه السفينة أو يصيبها ضرر والمسيح في وسطها؟ طبعا الجواب هو هذا من رابع المستحيلات. فإن كان الأمر كذلك فلماذا الاضطراب إذن ولماذا تخور نفوسنا وتضعف في أوقات التجارب؟يكفي أن نتأكد أن مسيحنا موجود في سفينتنا وهذا وحده كفيل أن يجعل سلامنا لا يهتز مهما عصف بنا نوء التجارب أو تقاذفتنا أمواج بحر هذا العالم الهائج لابد أن تكون فينا هذه الثقة أنه طالما هو في حياتنا فلن يلحق بنـــا أذى أو يصيبنا ضرر فأيقظوه وقالوا له يا معلم أما يهمك أننا نهلك؟" صراخ الصلاة في وقت الشدة مسموع ومستجاب "ادعني وقت الضيق أنقذك فتمجدني"، وكلنا اختبرنا هذا الأمر وعندما نهرع إليه صارخين يسمع صراخ المساكين ويميل أذنه إلى طلبتهم قال الرب عن بني إسرائيل في القديم وهم تحت سخرة فرعون "سمعت أنينهم فنزلت لأخلصهم" صوت التلاميذ في أذني المعلم الإلهي وصراخ استغاثتهم دخل إلى مسامع رب الجنود وهذه الاستغاثة والصراخ إلى المسيح هــي بعينها الصلاة والطلب ، وقد جاء سؤال التلاميذ استنكاري دون قصد منهم لأنهم كانوا قد قاربوا الموت وقد لفهم الخطر فلا وقت لحساب في الكلام "لا يهمك أننا نهلك؟" حاشا. فأنت موضوع اهتمامه وحبه، ومن أجلكم نزل إلى الأرض واشترك في المشي مع الناس، ومن أجلكم أخذ صورة عبد، ومن أجلكم يتألم ويصلب ويرذل من رؤساء الكهنة وكتبة الشعب، ومن أجلكم صنع المستحيل وما فوق المستحيل وبعد كل هذا يقال "أما يهمك أننا نهلك؟" بل يهمه بالدرجة الأولى والعظمى، لقد جعل شعور رؤوسكم محصــاة فلا تسقط واحدة منها دون إذنه وأمره وقد أمن لكم الحياة فصارت حياتكم محسوبة له فمن يمسسكم يمس حدقة عينه، إذ كان مزمعا أن ينقش أسماءكم بالمسمار في كفه الإلهي فلا يجوز فينا هذا الفكر الذي راود قلب أورشليم فــــي القديم فصرخت تقول: قد تركني الرب وسيدي نسيني" فرد الرب عليها ببرهان الحق قائلاً "هل تنسى الأم رضيعها ابن بطنها ؟ حتى هؤلاء ينسين أما أنا فلا أنساك". فلا ترحم فقام وانتهر الريح وقال للبحر " اسكت" ابكم فسكنت الريح وصار هدوء عظيم من أين للريح آذان فتسمع صوته؟ ومن أين لموج البحر إدراك فيطيع ويفعل ما أُمــــر به؟ هو أمر يفوق الخيال ولا يستوعبه ذهن إنسان ولكن الريح والبحر هما صنع يديه فإذا شاء غيّر ما يريده في صنعته فتتغير الطبيعة محكومة بقوانين وضعها صانعها، ولكنه واضع القوانين ومغيرها إذا أراد فلنمجده على رحمته التي يدركنا بها من العلاء ونمجد وجوده معنا ونشكر فضله وإحسانه علينا وليقل كلمة في حينها الحسن فتهدئ روعنا والعواصف التي بداخلنا فيصير هدوء عظيم وسلام الله يملك على قلوبنا.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد

عدد الزيارات 74

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل