إنجيل عشية الأحد الأول من شهر هاتور(مر ٤ : ۱۰ - ۲۰ )

11 نوفمبر 2023
Large image

" ولَمّا كانَ وحدَهُ سألهُ الذينَ حَوْلَهُ مع الاثْنَيْ عَشَرَ عن المثل، فقال لهم: قد أُعطي لكُم أن تعرفوا سر ملكوت الله. وأما الذينَ هُم مِـنْ خارج فبالأمثال يكونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، الكَيْ يُبْصِرُوا مُبْصِرِينَ وَلا يَنظُروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا ، لئلا يرجعوا فتُغفَرَ لَهُمْ خطاياهم. ثم قالَ لهُمْ:أما تعلمون هذا المثل؟ فكيف تعرفون جميع الأمثالِ ؟ الزّارِعُ يَزرَعُ الكَلِمَةَ. وهؤلاء هم الذين على الطريق: حيث تُزرَعُ الكَلِمَةُ، وحينما يسمعون يأتي الشَّيطانُ للوقت ويَنزِعُ الكَلِمَةَ المَزروعة في قُلُوبِهِمْ. وهؤلاء كذلك هُمُ الذِينَ زُرِعوا عَلَى الأَمَاكِنِ المحجرة: الذين حينما يسمعونَ الكَلِمَةَ يَقْبَلُونَها للوقت بفَرَح ، ولكن ليس لهُمْ أَصلُ في ذَواتِهِمْ، بـل هم إلى حين فبعد ذلك إذا حَدَثَ ضيق أو اضطهاد من أجل الكلِمَةِ، فللوقت يعثرونَ. وهؤلاءِ هُمُ الذِينَ زرعوا بَينَ الشَّوْكِ: هؤلاءِ هُمُ الذِينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ. " وهمومُ هذا العالَمِ وعُرورُ الغِنَى وشَهَواتُ سائر الأشياء تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثمر. وهؤلاءِ هُمُ الذينَ زُرِعوا على الأرض الجَيّدَةِ: الذينَ يَسمَعونَ الكَلِمَةَ ويَقْبَلُونَها ، ويُثمِرُونَ: واحِدٌ ثلاثين وآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ مِنَةً ".
بذور الحياة الأبدية: الأحد الأول والثاني من شهر هاتور كانـا همـا موسم الزراعة وبذر البذور في مصــر أيام ري الحياض، ومازال هذان الأسبوعان هما موسم زراعة القمح والفول والبرسيم... لذلك رتب الآباء فصول أناجيل هذين الأحدين لتخدم غرض تحويل الفكر من الأرضيات إلى السماويات، وبينما كان الإنسان يعمل عملـه الـيـومـي فـي الفلاحة والزرع والبذر يتجه قلبه نحو بذور الحياة الأبدية. كلمة الحياة الفضلى ومآلها ومستقبلها وعملها في داخل الإنسان وذلك بحسب ما تصادف من تربة وما تناله البذرة
من عناية. فالمثل قاله الرب للجمع المجتمع عند البحر عندما علمهم من داخل سفينة بطرس الرسول بسبب الزحام. والمثل بسيط غاية البساطة يستطيع أن يستوعبه ذهن العامة من الناس ولكنه عميق غاية العمق يحتاج إلى الحياة كلها لكي يدرك الإنسان شيئًا من أسرار ملكوت الله. وفصل الإنجيل يحكي كيف أن خاصة المسيح من الاثني عشر الأطهار مع بعض آخرين أحاطوا بالسيد المسيح في البيت على انفراد وسألوه عن المثل.وهذه عادة الأبرار في كل زمان أنهم عندما يصعب عليهم فهم أمر من الأمور المختصة بملكوت المسيح وعمق الحياة فيه فإنهم ينفردون به في خلوتهم الخاصة ويجلسون عند قدمي يسوع يسألونه عن الأسرار وما خفي في أعماق كلمة الحياة.وهكذا عرف الآباء القديسون حين اعتكفوا بعيدًا عن الزحام ودخلوا إلى مخادعهم أنهم في الحقيقة يدخلون إلى المقادس العليا، ومن هناك اغترفوا غنى معرفة وحكمة روحية، ثم عادوا إلى الكنيسة وهم محملون بالنعم التي لا تستقصى. فالكلمة الإلهية وإن كانت بسيطة من جهة الإدراك العقلي لكنها تعلو على العقل والإدراك لأنها تخص جذور الحياة وتغيير السلوك وتهدف إلى حياة أبدية. فإن أخذت كلمة الحياة للفهم العقلي فإن الإنسان يكون قد جانب الصواب، إذ صارت الكلمة بالنسبة له أمر عقلاني فلسفي للجدل وللنقاش أو الدرس أو البحث أو عمل المقارنات وكتابة الكتب أو الوعظ وتنميق الكلام... وكل هذا بعيد كل البعد عن هدف الكلمة القادرة أن تحكم الإنسان للخلاص التي هي "قوية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين"، ولها القدرة الإلهية أن تخترق أعماق قلب الإنسان وتجرح الضمير وتوقظ من النوم بل من الموت؟. وإذا أراد الإنسان أن يعرف سر الكلمـة... يرجع إلـى المسيح وهو في البيت على انفراد ... بعيدًا عن ضوضاء الدنيا، وباتضاع يسأل... وينصت فيعطيه الرب سر الكلمة. لقد أعطاها سابقًا لإرميا النبي وحزقيال وإشعياء وموسى رئيس الأنبياء فنظروا مواعيدها من بعيد وحيوها.
موسى أخذها مكتوبة بأصبع الله ولكن على حجر، إشارة إلى قساوة قلب الإنسان في القديم قبل أن يُغير الله قلب الحجر بالقلب اللحمي... وحزقيال أكلها وهى مكتوبة في درج کتاب فصارت في فمه كالعسل حلاوة. ولإرميا قال الرب: "جعلت كلامي في فمك " أخذوا كلمة الله الحية، وقول الرب الذي صار إليهم. قال الرب لتلاميذه: قد أعطي لكُم أن تعرفوا سر ملكوت الله. وأما الذينَ هُم مِنْ خارج فبالأمثال " إذن الرسل هم من داخل ... وهذا تعبير عن حالنا في المسيح إذ صرنا شركاء الطبيعة الإلهية بحسب ولادتنا في الإنسان الباطن في العديمة الفساد وصار لنا بهذه النعمة دخول بسعة إلى ملكوت ربنا ومُخلّصنا لأنه دخل بنا إلى ما داخل الحجاب إلى قدس الأقداس الموضع الذي لا يدخل إليه ذو طبيعة بشرية فوجد لنا فداءً أبديًا وهو إذ دخل إلى قدس أقداس السماء دخل كسابق لأجلنا، وصار لنا به جرأة وقدوم ودالة لدى الآب هذا هو ميراثنـا فـي المسيح. فصرنا نعرف - ليس بذواتنا - بل بالروح الذي فينا، نعرف أمور الله لأن الروح يفحص كل شيء ويعرفنا كل شيء ويذكرنا بكل شيء.
زرع الكلمة:
حينما تصادف الكلمة قلبًا جيدًا صالحًا يخبئها وبالصبر وطول الأناة يخضع لعوامل الحياة التي فيها لكي تشق طريقها في وسط رطوبة وظلمة الطبيعة الترابية حينئذ تظهر حياة الكلمة إلى ما فوق السطح بعد أن تكون أصلت جذورها في عمق القلب وهى حين تنبت وتظهر ما كان مخفيًا من الحياة حينئذ يتمجد الزارع الكلمة (الذي هو الرب نفسه).يرى الناس أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السموات".
يارب عَمّق كلمتك في قلوبنا ولا تتركنا نلهو بها على سطح الحياة وسطح القلب عمقها فتجد فينـا مكـان راحة، وتبدأ بعيدًا عن العيون الفاحصة، تبدأ تنمو وتزيد. حبة الحنطة الحقيقية هي المسيح الكلمة. قال هو:" إن وقعت في الأرض وماتت تأتى بثمركثير " يارب خبَّأت كلامك في قلبي .يارب أبتهج أنا بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة.يارب وجدت كلامك فأكلته. يارب اجعلنا لسنا سامعين الكلمة فقط خادعين نفوسنا،بل سامعين عاملين.
يارب بحسب كلمتك أحيني. يارب قدسني في حقك كلامك هو حق. يارب اجعل كلامك في فمي يقدس الكلام، واجعله في قلبي يُقدس مخارج الحياة، واجعله في عقلي يحفظني من الزلل "أنتم أنقياء بسبب الكلام الذي أكلمكم به" لتعمل كلمتك في عمل النقاوة مثل الرسل الأطهار. "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة"فلتدرك كلمتك أعماقي فأحيا بها."ولو لم تكن شريعتك هى تلاوتي لهلكت حينئذ في مذلتي"، إن قولك أحياني حينما رددته طول النهار ألهج فيه يا زارع الزرع الجيد ألق إلي بذارك ولا تهملني حتى لو بدا قلبي أنه غير مفلح أو مستعد ألم تلق بذارك حتى على الأرض المحجرة وعلى الطريق وفي وسط الشوك حقًا إنك صالح وطويل الروح.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد

عدد الزيارات 72

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل