إنجيل عشية الأحد الثاني من شهر هاتور(لو ۱۲ : ۲۷ - ۳۱)

18 نوفمبر 2023
Large image

" تأملوا الزَّنابق كيف تنمو: لا تتعب ولا تغزل، ولكن أَقولُ لَكُمْ: إِنَّهُ ولا سُلَيمانُ في كُلِّ مَجدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كواحِدَةٍ مِنها. فإنْ كانَ العُشب الذي يوجَدُ اليوم فى الحقلِ ويُطرَحُ غَدًا فِي التَّنْور يُلبسه الله هكذا، فكم بالحَريِّ يُلبسُكُمْ أَنتُمْ يا قَليلي الإيمان؟ " فلا تطلبوا أنتُمْ ما تأكلون وما تشربون ولا تقلقوا ، فإِنَّ هَذِهِ كُلَّها تطلبها أمَمُ العالَم. وأما أنتُمْ فأبوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تحتاجونَ إِلَى هذِهِ. بل اطلبوا ملكوت الله، وهذِهِ كُلُّها تُزادُ لَكُمْ ".
تأملوا الزنابق:
مازال الذهن الروحي متعلقًا بالزرع الذي هو كلمة الله داخل قلب الإنسان كيف يبذر وكيف ينمو وكيف يثمر . والقديس بولس الرسول يقول: "بولس غرس وأبلوس سقى ولكن الله هو الذي ينمي". وبالحري يثمر، إذ ليس الغارس شيئًا ولا الساقي بل الله الذي ينمي.وفصل الإنجيل هنا هو قول المسيح: "تأملوا الزنابق كيف تنمو: لا تتعب ولا تغزل، ولكن أقولُ لَكُمْ: إِنَّهُ ولا سُلَيمانُ في كُلِّ مَجدِهِ كَانَ يَلْبَسُ ُكواحِدَةٍ مِنها. فإنْ كانَ العُشب الذي يوجد اليومَ في الحقل ويُطرَحُ غَدًا في التَّنْور يُلبسُهُ الله هكذا، فكم بالحري يُلبسُكُمْ أَنتُمْ" المسيح المبارك يدعونا إلى التأمل في عمله الإلهي العجيب وعنايته الفائقة المعرفة بنبات الأرض والزهور التي من ناحية الأبدية ليس لها وجود ، فعمرها الزمني محدود جدًا فهى اليوم موجودة وغدًا محرقة بالنار، أو أشرقت عليها الشمس فيبست كيقطينة يونان النبي بنت يوم نبتت وبنت يوم هلکت وهى مخلوقة أصلاً من أجل الإنسان.فإذا تأمل الإنسان وأدرك ذهنه الروحي عناية الله الفائقة
بهذه الخليقة الضعيفة يُدرك في الحال مقدار حب الله لنا
الذي لا يستوعبه عقل الإنسان وعنايته الفائقة بنا. وعلى قدر ما يتفوق الإنسان عن النبات من حيث لا وجه للمقارنة على الاطلاق بين ما يفنى وما لا يفنى وبين عشب الحقل وبين الإنسان الذي هو صورة الله. والتأمل والهذيذ بالخليقة هو أعلى أنواع التسبيح الذي اختبره الآباء القديسون بدءًا من الثلاثة فتية القديسين الذين كانوا دائمي التسبيح والتأمل في أعمال الله في الخليقة وشكره لأنه صالح وإلى الأبد رحمته. فلما أُلقـوا فـي أتـون النـار المتقدة بأمر نبوخذ نصر الملك وصار الأتون كالندى البارد بوجود ابن الله معهم، وصاروا يمجدونـه ويسبحونه كمـا تعودوا، وهم يدعون كل الخليقة للتسبيح قائلين: "سبحيه أيتها الشمس والقمر والنجوم والطيور والهوام والزحافات والجبال والتلال والبرد والصقيع والمطر والثلج سبحيه، مجديه وزيديه علوا إلى الآباد". تأملوا زنابق الحقل:
ومن منا لا يأتي أمام عينيه زنابق الحقل مرات بلا عدد كل يوم... حتى من يسكن في الصحراء يجد العشب ينمو وليس من يزرعه فالمنظر محيط بنا من كل ناحية وصوت الرب يسوع يدعونا تأملوا زنابق الحقل. لا تدع هذا المنظر يعبر عليك عبورًا لقد آلفت أعيننا منظر الزرع والزنابق وألوانها ونموها ولكن ليس من يتأملها ويدخل إلى سر التأمل من جهة حياتنا الداخلية وزرع الله فينا كيف ينمو !؟.
وهذا المقدار الفائق من العناية التي تحيط بهذه الخليقة الضعيفة فكم بالحري أنتم يا قليلي الإيمان الأمر إذن يتعلق بإيماننا، فإن نما إيماننا فإن منظر نبات الأرض يقودنا إلى مراحل أعمق واتكال على الله لا ينتهي أما قلة الإيمان فتجعل الإنسان دائم القلق فاقد السلام كثير الهموم فيما يأكل وفيما يلبس أي فيما يختص بأمور الجسد، بينما حتى نمو الجسد واحتياجاته تقدمها يد الله الحنون الذي ينمي ويعول الكل ويربيهم والمسيح المبارك يلفت النظر إلى أن الزنابق في زينتها الإلهية البهية وألوانها الجميلة المبدعة في تناسق مذهل، ويقول إن الله يلبسها ،هكذا ، فتستطيع إن انفتحت لك البصيرة الروحية أن ترى يد الله العجيبة في كل واحدة منها فتنظر وتتأمل وتمجد الله. بل إن سليمان في كل مجده ما كان
يلبس مثل الزنابق !! لأن شتان بين عمل الناس مهما علا شأنه وعمل الله. فإن كان الأمر كذلك فلندخل إلى مقادس القلب ونرى كيف ينمو فينا الزرع الإلهي وبأية زينة مقدسة ممكن أن يُلبسنا الله لا على مستوى الجسد واهتماماته الباطلة بل على هو مستوى الداخل الذي لا يبلى. لقد زين الله قديسيه في كل زمان وألبسهم بحسب الإنسان الباطن ما أبهى من زنابق الحقل، فصاروا بالنعمة أبهى من الكواكب وأجمل من الجمال نفسه. وذلك ببهاء وجه الله حتى قال: "وجملت جدا جدا، فصَلُحت لمملكة ببهائي الذي جعلته عليك"(حزقيال ١٦ : ١٣ - ١٤).
تأمل إذن زينة القديسين بالفضائل المسيحية، إن في طهارة وقداسة وعفة أو صبر واحتمال أو اتضاع وإنكار ذات، أو محبة بلا حدود أو لطف أو إيمان أو فرح ينطق به أو سلام يغلب أهوال العالم أو رجاء لا يخيب، أو صلاة بلا انقطاع أمور لا نهاية لها ولا توصف بكلمات. لقد زين الرب قديسيه بالنعمة وعمل الروح القدس فزينوا ليس الأرض فقط بل وحتى السموات أيضًا. أما من جهة النمو، فإنه علامة الحياة فإن لم تنبت البذرة وتنمو فإنها تكون قد ماتت نبات الأرض ينمو طالما فيه حياة. هكذا يكون الحال فينا، فإن كان نمو فإن الحياة تكون عاملة فينا.
تأملوا الزرع كيف ينمو
فإن كانت كلمة الله مثمرة فينا وإن صادفت قلبًا مخلصًا صبورًا كأرض صالحة، فلابد للإنجيل أن يمتد وينمو ويزيد كل يوم "فإن كان إنجيلنا مكتومًا فهو مكتوم في الهالكين" أي أن كلمة الحياة اختنقت فيهم وماتت. أن يمتد الإنسان في المحبة والاتضاع والصلاة ومعرفة الله، أن ينمو في النعمة ويتعمق في الشركة مع الله، أن يمارس الحياة المسيحية متجددة كل يوم، أن لا تكون الممارسات الروحية كعادات اجتماعية أو روتين ميت، فهذا دليلاً على حياة الروح وعمل الإنجيل وصدق مواعيد يصير الله.بذرة الملكوت تبتدئ تنمو في حياة الإنسان ولكن لا محدودية ولا نهاية للنمو، ستنمو حتى ملء قامة المسيح وهذا غير محدود وغير محوى معًا، ومن يستطيع أن يقيس بقياس قامة المسيح؟. فإن قلت إلى أين يصل نمو المحبة المسيحية؟ فالجواب إلى ما لا نهاية. وإلى أي حد يصير الغفران؟ الجواب بلا حدود. وإلى أي مدى يصل الإنسان في الصلاة؟ إلى ما فوق الحدود وإلى أي مدى يصير العطاء؟ إلى ما فوق الطاقة هكذا يكون النمو في جميع الاتجاهات في الطول والعرض والعمق والعلو. ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد

عدد الزيارات 80

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل