هل التجسد يتعارض مع طبيعة الله ؟

29 نوفمبر 2023
Large image

يتصور البعض أن التجسد يتعارض مع طبيعة الله ، لأن الله روح بسيط خالد غير مركب ، ولا مادى، ولا يصح أن يأخذ صوراً حسية ، مرئية أو مسموعة أو محسوسة ، فهل هذا التفكير سليم ؟ وما خطورة هذه الفكرة على البشرية وعلى خلاصها ؟
۱ - نظرة خاطئة للمادة :
هذه الفكرة - أن الله لا يتجسد - تخص بين طياتها نظرة خاطئة وخطيرة إلى المادة . أليست المادة بكل صورها إحدى مخلوقات الله ؟! ما الغضاضة إذن في أن يتخذ الله منها وسيلة يعلن بها عن روحانيته واختفائه وعلوه ، لبشر حسيين وضعفاء ؟! إن فكرة نجاسة المادة ليست سليمة إيمانياً، وترجع في أصولها إلى فكر وثنى وهندوسي ، يتصور أن الإنسان روح محبوسة في جسد هولها مثل سجن قابض . وهم بذلك يعذبون أجسادهم بالمسامير، وينهكونها بأصوام مفرطة متطرفة .هل يخلق الله شيئاً دنساً ؟! أليست أجسادنا من صنع يده ؟ ألا تحوى أجسادنا أدق أسرار الخلق ، وتحمل أعمق الأدلة وأصدقها على وجود الخالق الأعظم ؟ لا يصح أن ننسب إلى أعمال الله النقص أو النقيصة ، الإنسان خلق مقدماً ، وعاش مع الله فى الفردوس بنفس جسده الحالي ، ولكنه اختار أن يستمع إلى غواية الشيطان فسقط في براثنه . فالخطأ إذن دخل إلى جسده فيما بعد، وإلى روحه وكيانه كله . أما الإنسان ككل، وكخليقة الله في الأساس ، فكان « حسناً جداً » ( تك ١ : ٣١ ) ولعل هذا هو السبب في أن تتمسك كنائسنا التقليدية باستخدام المادة في الأسرار المقدسة، كالماء في المعمودية، والزيت في الميرون ومسحة المرضى، والخبز والخمر فى التناول ، لتؤكد لنا أن كل شيء خلقه الله هو مقدس ، وأن المشكلة هى فى «سوء الإستخدام» وليس فى المادة نفسها .
٢ - نظرة خاطئة إلى الله : الله بالفعل روح بسيط قدوس ، مالىء السماء والأرض والتجسد لا يغير من طبيعته ، ولا داعى لأن نخشى من التجسد على طبيعته . فالله حينها يتخذ جسداً ، أو يسمعنا صوتاً أو يرينا نوراً لا يكف عن كونه الروح البسيط الخالد القدوس ، مالىء السماء والأرض . إنه لم « يتحول » إلى جسد ... حاشا ! إنه فقط « اتخذ جسداً». فهل في هذا مشكلة ؟ أليس هو قادر على ذلك ؟
وهناك تشبيهات كثيرة لهذا الأمر: مثلاً الجو كله من حولنا يموج بالإرسال الإذاعي والتلفزيوني ، موجات مرسلة من القاهرة وتنتشر في الجوإلى كل بلاد الجمهورية . لا نراها ولا نسمعها بالعين والأذن المجردتين، ولابد من جهاز يستقبلها ويجسدها . وإذا استقبلناها في جهاز لدينا ، لا يعنى ذلك أننا إستنفذناها ، أو إحتكرناها في جهازنا هذا ، فهى لا تكف عن الإنتشار في أجواء مصر كلها . ومن هذا التشبيه نرى : ١ - أن هناك موجات موجودة ، لا نراها ولا نسمعها دون أن يلغى ذلك أنها موجودة بالفعل. والقياس مع الفارق بالنسبة إلى إلهنا العظيم الموجود فى كل مكان وزمان دون أن تراه بعيون الجسد .
٢ - إن هذه الموجات غير المحسوسة يمكن أن تحس وترى من خلال تجسيدها في جهاز. والقياس مع الفارق بالنسبة إلى إلهنا العظيم الذي هو روح سامية، ويمكن أن يتخذ صوراً حسية كالنار أو الصوت أو النور أو الجسم البشري .
٣- إن تجسد هذه الموجات في جهاز لا يعنى إنسحابها من الجو،وانحصارها في هذا الجهاز. وكذلك فإنه حين اتخذ الله جسد إنسان ، لم يكف عن كونه الإله مالىء السماء والأرض . لهذا قال السيد المسيح له المجد: « ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء إبن الإنسان الذي هو فى السماء » ( يو ٣ : ١٣ ) .وما قلناه عن الموجات الإذاعية نقوله عن الطاقه الكهربائية فهى تتجسد في مصباح دون أن يحتكرها هذا المصباح ، وهكذا إذن فالتجسد لا يتعارض مع طبيعة الله، إذ أن الله هو الذي خلق المادة مقدسة ، والمادة من تحده بأى حال إذا ما إتخذها وسيلة يعلن لنا بها عن ذاته.
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
عن كتاب أسئلة حول التجسد

عدد الزيارات 146

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل