صوم الميلاد

28 نوفمبر 2023
Large image

الصوم وضعت الكنيسة صوم الميلاد بقصد الاستعداد للقاء المسيح الربّ المولود الآتي لخلاصنا، فنصوم لتجديد حياتنا الروحية حيث والصلاة والتسبيح والعطاء والتأمل، يجعلوا داخلنا مذودًا يُولد فيه المسيح المتجسد يسعى كل واحد منا في صدق ليهيئ نفسه كما يليق مشتركا مع الكنيسة ليفرح بالحدث الخلاصي المشترك. "هذا الذي من أجلنا نحن البشر ومن اجل خلاصا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء". صوم الميلاد هو أن نتحضر بالتوبة وتبييض الثياب لاستقبال الملك المولود، نستقبله بزينة النفس فنذوق وننظر طيبته ونرتل "المسيح ولد فمجدوه واستقبلوه"، فهل ندرك أن صومنا هو إعداد وتحضير وتهيئة لاستقبال السيد في مذود قلوبنا؟! وهل عرفنا أنّ صومنا هو تحضير للعلية كي يأتي ويحل بخيمته فيجد مكانًا في مذودنا ليستريح ويُولد فيه؟!
إن إيماننا ليس مجرد معتقد أو أدب وفلسفات، بل هو التزام معاش وحياة بالهنا الذي تجسد في التاريخ، وكلمنا في أنبيائه القديسين وظهر لنا نحن الجلوس في الظلمة وظلال الموت، بتجسده العجيب والمحبي. إنّ إيماننا ليس فرضيات لكنه واقع، ليس أفكارًا، لكنه حدثًا بدل مجرى التاريخ عندما نظر الله لنا شيئًا أفضل، حتى لا نهمل خلاصًا كهذا !! مظهرين ثباتًا وأعمالا وثمارًا تليق بكرامة إنسانيتنا وتعقلنا واتحادنا بالكلمة اللوغس Logos الذي أنعم علينا بنعمة ووزنة العقل والحرية ونقلنا من الظلمة والاستعباد، لنبصر نوره العجيب الذي أشرق من المشارق بمجد الأعالي وسلام الأرض ومسرة الناس، وهو حاضرا معنا وفينا الآن وكل أوان وإلى انقضاء الدهر. إننا نصوم لاستقبال حضور الربّ بالجسد، وتأسيس كنيسته جسدا له عبر التاريخ، بعد أن كلم الأنبياء قديما بأنواع وطرق شتى، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة بابنه الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. نصوم لنتهياً من جديد كي يولد فينا ويحل بيننا ويقدس طبيعتنا. إنّه لم يُنزّل لنا كتابًا منزلًا، لكنه أعطانا ذاته لنغتني بفدائه وخلاصه ورحمته وعشرته وأسراره الثمينة والعجيبة. نتعرف عليه ونتحد به لأن هذه هي قيمة الحياة وكرامتها، عمانوئيل إلهنا الكائن في وسطنا بمجده ومجد أبيه والروح القدس، وهو إلى الأبد معنا وإلى دهر الدهور حسب وعده لكنيسته، ففيها نلقاه ونتحد به ونحيا معه لأنه مُسكن المتوحدين في بيت وفلك واحد صومنا ينبهنا أنّ الميلاد ليس مجرد قصة ولادة ملك ملوك الأرض كلها، بل هو دفع جديد لاتحادنا والتصاقنا به اليوم وغدًا، فقصة الميلاد شيء هام والميلاد كتجسد دائم الأهمية ميلاد الكلمة المتجسد هو خلاص وحوار وصلاة ولقاء وتجاوب مستمر، هو نطق وعقل لحياة لا تنتهي.لذلك نحن لا نتصارع مع العالم، بل نتحاور ونجاوب عن سبب الرجاء الذي فينا، اليوم وبلغة اليوم " وأنتم من تقولون إني أنا" وسط عالم متمركز حول الإنسان متمرد على كل ما هو إلهي وبعيد عن خبرة الروح في مادية وإنانية، بينما شخص المسيح يقلب القديم ويلتصق اسمه بالجديد والجدة والتجديد لقد جاء "لتكون الحياة لنا أفضل" في جدة النور والفرح والحق والعدل والحرية والسلطة، وليكون الأصغر كالأكبر والمتقدم كمثل الخادم، وليكون اللص اليمين أعظم من "بيلاطس"، و"بطرس" الصياد أعظم "أفلاطون"، و"يوحنا المعمدان" أعظم من "هيرودس"، و"بولس" أقوى من "نيرون"، لأنه جاء ليرفع البائس والمسكين والفقير والمُزدرى من مزابل هذه الدنيا وترتيباتها الطبقية مؤسسا ملكوتا لا يتزعزع، ملكوتا لا يضم المستكبرين ولا الشتامين ولا الظالمين ولا القتلة والطماعين ملكونًا لا يعرف العداوة والتمييز من والعنصرية والشر إننا نصوم لنُعيّد في عيد الميلاد بمجيء الله إلى الإنسان، لكننا بالأحرى نعيد لعودتنا إليه، لقد جاء إلينا مسيحنا، فكيف نحن نأتي إليه؟!! إذن لنجتهد في صومنا ليكون بمثابة إعلان رغبتنا بالرجوع والعودة إليه، ولنستقبله لأنه تجسد على أرضنا كي يرفعنا کخليقة مستعادة لان هذا العيد يخصنا لذلك لا تعود لنا السنين والتاريخ مجرد أرقام، بل حياة مقدّسة مرتبطة بالذي تجسد لأجل خلاصنا مسيحنا المولود هو صاحب العيد، وصومنا وضعته الكنيسة، كي نستقبله ويولد في مذود قلوبنا، لأنه هو سيد التاريخ والحياة كلها، ولا فرح أثمن من استقباله، كأعظم زائر نستمد منه ينبوع حياتنا فيخمّر عجين العالم كله بالفرح والمسرة، فلنبدأ بدءًا حسنًا ولنشرع أبوابنا لنستقبله كي يبيت ويتعشى ويقيم ويصنع عندنا منزلًا، فالمغارة التي ولد فيها هي كنيسته، والمذود هو هيكله، ويوسف النجار والرعاة والمجوس هم طغماته وجنوده الكهنة والشمامسة والخدام والشعب والعذراء مريم" هي عرشه وهو قربان العالم كله وهو أسقف نفوسنا وراعيها الأوّل والوحيد. إذ لیست کنیسته مؤسسة بشرية لكنها السماء على الأرض. ليت الله يعطينا عيونًا روحيّة أبهى من عين الجسد حتى نمتلك عينا لا تقوى خشبة الخطية على أن تسقط فيها لنبصر مخلصنا المولود لأجل خلاصنا.
القمص اثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج

عدد الزيارات 142

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل