إنجيل عشية الأحد الثاني من شهر كيهك( لو ٧ : ٣٦ - ٥٠ )

16 ديسمبر 2023
Large image

" وسألهُ واحِدٌ مِنَ الفَرِّيسيِّينَ أَنْ يَأْكُلَ معَهُ، فَدَخَلَ بيت الفَرِّيسي واتَّكا. " وإذا امرأة في المدينة كانت خاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِيُّ فِي بَيتِ الفَرِّيسي، جاءَتْ بقارورة طيب، ووَقَفَتْ عِندَ قَدَمَيْهِ مِنْ ورائه باكيةً وابتدأت تبلُ قَدَمَيهِ بالدموع، وكانت تمسحهما بشعرٍ رأسها، وتُقَبِّلُ قَدَمَيهِ وتدهَنُهُما بالطَّيبِ. فَلَمّا رأى الفَرِّيسِيُّ الذي دَعاهُ ذلك، تكلَّمَ في نَفسِهِ قائلاً: لو كان هذا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هَذِهِ الاِمرأةُ التي تلمسه وما هي! إِنَّها خاطِئَةٌ. فأجابَ يَسوعُ وقال له: يا سمعان، عِندي شَيْءٌ أَقولُهُ لكَ". فقال: قُلْ يَا مُعَلِّمُ كَانَ لِمُداين مديونان. على الواحِدِ خَمسُمِئَةِ دينار وعلى الآخر خمسون. وإذ لم يكُنْ لَهُما ما يوفيان سامَحَهُما جميعًا. فَقُلْ: أَيُّهُما يكونُ أكثرَ حُبًّا لَهُ؟ فأجاب سمعان وقالَ: أَظُنُّ الذي سامَحَهُ بالأكثر. فقال له : " بالصَّوابِ حَكَمت. ثم التفت إلى المرأة وقال لسمعان : أتَنظُرُ هذِهِ المَرأَةَ؟ إِنِّي دَخَلَتْ بَيْتَكَ، وماءً لأجلِ رِجلَيَّ لم تُعطِ. وأما هي فقد غَسَلَتْ رِجلَيْ بالدموع ومَسَحَتهُما بشعر رأسها. قبلةً لم تُقبلني وأما هي فمنذُ دَخَلتُ لم تكُفَّ عن تقبيل رجليَّ. بزيت لم تدهن رأسي، وأما هي فقد دَهَنَتْ بالطَّيبِ رِجلَيَّ. مِنْ أجل ذلكَ أقولُ لكَ: قد غُفِرَتْ خطاياها الكثيرة، لأنَّها أحَبَّتْ كثيرًا. والذي يُغفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَليلاً. ثُمَّ قال لها : مَغفورَةٌ لكِ خطاياكِ ". فابتدأ المُتَّكِئونَ معهُ يقولونَ في أَنفُسِهِمْ: مَنْ هذا الذي يَغْفِرُ خطايا أيضًا؟ فقال للمرأةِ: إيمانُكِ قد خَلَّصَكِ، اذهَبي بسَلَامٍ ".
إنجيل المرأة الخاطئة:
الآباء القديسون معلمو البيعة رتبوا الفصول التي تُقرأ في آحاد شهر كيهك هكذا
الأحد الأول: بشارة رئيس الملائكة جبرائيل لزكريا الكاهن.
الأحد الثاني: بشارة رئيس الملائكة جبرائيل للقديسة العذراء مريم.
الأحد الثالث: زيارة العذراء لأليصابات. الأحد الرابع: ميلاد يوحنا المعمدان.
وهذه الأحداث على التوالي بحسب الترتيب الإنجيلي حين يتابعها المؤمنون أسبوعيًا يحيون تمامـا فـي جـو الميلاد البتولي وأفراح التجسد والبشارة بالخلاص وهذا توفره الكنيسة بالألحان والتسابيح والسهر طوال شهر كيهك. فالأحد الثاني تقرأ فيه فصول عيد البشارة المجيد وهو بكر الأعياد المسيحية وبدء الأفراح.
ولكن العجيب في تدبير الكنيسة أن يكون فصل إنجيل عشية عيد البشارة هو إنجيل المرأة الخاطئة التي سكبت الطيب على قدمي المُخلّص وبكت وبللت قدميه بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها وكانت تقبل قدميه بدون توقف.فغفر لها خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيرًا وأعطاها
الخلاص والسلام القلبي. واقع الأمر أن البشارة أصلاً للخلاص للخطاة وهذا الإنجيل يقدم عينة نادرة للذين نالوا الخلاص وفرحوا بالبشارة. المسيح جاء ليُخلّص الخطاة.. وقال: "ما جئت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة الذين حسبوا أنفسهم أبرارا لم ينالوا شيئًا من المسيح مثل سمعان الفريسي الأبرص رغم أن المسيح متكئ في بيته ولكن بسبب البر الذاتي لم يأخذ شيئًا مما نالته المرأة التائبة.ما أجمل البكاء على قدمي يسوع، وليس أشهى من
قبلات قدميه.هكذا ترجمت الكنيسة هذا الإخلاص في التوبة إلى صلاة ضمتها إلى صلوات السواعي في الخدمة الثانية من صلوات نصف الليل حين ننتصب للصلاة ونقرأ هذا الفصل من الإنجيل ونتوسل إلى المسيح بصلاة قلبية ونقول : "أعطني يارب ينابيع دموع كثيرة كما أعطيت منذ القديم للمرأة الخاطئة واجعلني مستحقا أن أبل قدميك اللتين أعتقتاني من طريق الضلالة وأقدم لك طيبًا فائقًا واقتنى لي عمرًا نقيًا بالتوبة".ما أجملها صلاة... لقد صارت هذه المرأة الخاطئة التائبة أيقونة التوبة للكنيسة في أجيالها.البشارة هنا معلنة لأخطى الخطاة، للمرذولين، فهذه المرأة كانت خاطئة في المدينة كلها وقد استكثر سمعان عليها أن تلمس المسيح لأنها خاطئة... هيهات فالمسيح جـاء خصيصا لأجل الخطاة ليلمسوه ويمسكوا قدميه ويقبلوهما. فهل يعتفي الطبيب من المرضى أو يتأفف المسيح من خطايا الخطاة... حاشا فإنه ماحي الآثام. قدمي يسوع شمرتا على الصليب لأجلنا، ألا تستحق أن نقبلها بالدموع والخشوع ونتحسس أثر المسمار فيها فنبغض الخطية جدًا جدًا. * عينا المرأة حين امتلأت بدموع التوبة واغتسلت فيها انكشفت لها الرؤيا فرأت غير المرئي وتحسسته بقبلات فمها فغسلت كل نجاسات شفتيها. خلص يا سيدي فلا يوجد مستحيل عندك أيها الرافع البائس من المزبلة المقيم المسكين من التراب. شعر رأسها وقبلات فمها خدمت بها الخطية زمانًا، والآن كرست كل ما لها بالمحبة الحقيقية فشعر بها فاحص القلوب وقال: إنها أحبت كثيرًا. تحوّل القلب من حب الشهوات إلى شهوة الحب الإلهي الحقيقي. بكت واستعطفت ولكنها لم تقل كلمة واحدة وتركت فاحص القلوب يطلع على ما بداخلها ... لم تعد تحتاج إلى كلام بلغ الحد انتهاء الكلام فقامت الدموع والقبلات ومسح القدمين بالشعر مقام كل الكلام... تعالي إلينا أيتها القديسة وعلّمينا... كيف نجد الطريق إلى قدمي يسوع دون عائق أو مانع. كيف لا نستثقل خطايانا ولا نيأس مهما بلغ بنا خطر الموت. وكيف تتحرك فينا مشاعر التوبة الحقيقية. لقد تصورنا أن التوبة كلام واعتذار وغاب عنا أن التوبة تغيير قلب وتغيير فكر.وهل نستطيع أن نُعبّر عن جميل المسيح ومعروفه معنا بالكلام؟ الذي فدى حياتنا من الفساد، الذي أعتقنا من موت الخطية هل تعبير الكلام يسعفنا ...!!.
قفي في وسط كنيستنا وأنتِ قائمة فيها بالفعل وعلمينا الدموع النقية الغاسلة الأدناس.هل يتحوّل الإنسان من النقيض من فيض الخلاعة إلى فيض النعمة... من قاع النجاسة إلى قمة القداسة... من طريق الهلاك إلى طريق الحياة الأبدية. ما هذا يارب... إنه المستحيل في عيني الناس ولكن ليس عند المسيح. تعاظمت ديوننا أكثر من الخمسمائة دينار وثقلت أوزاننا، كلت نفوسنا حمل الخطايا ووزر المديونية ونير الموت على رقابنا .ولكن يا من تعرف أنه ليس لنا ما نوفيه إذ افتقرنا من كل فضيلة... أنت تعرف عجزنا الكامل عن السداد وأنت قد دفعت الدين ووفيت العدل كله على الصليب ألا تقبل أن تزيح عنا نير مديونيتنا وتسامحنا بالذي لك.هذا هو مجيئك إلينا أيها المسيح يسوع مُخلّص عبيده ومسدد الديون عنا. بل قد وفيّت الدين وأغنيتنا فلم نعد مديونين ولا معوزين بل أغنياء بك وفيك. بقى أن نقول إن كانت المرأة الخاطئة هذه التي قدمت هذه التوبة مدحها المسيح وكرّمتها الأجيال وكرز بها في العالم إلى جيل الأجيال مجرد أن قدمت توبة عن سيرتها الماضية الفاسدة وحازت القبول لدى مُخلّصنا فارتفعت في عين الله والكنيسة وصار فرح بها في السماء وعلى الأرض، وإن كان قد صار لها التوبة هـى الكرامة. فماذا نقول عن كلية الطهارة والقداسة العذراء والدة الإله التي قبلت بشارة الملاك: "أن الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلي تظللك". وولدت لنا القدوس ابن الله بعد أن حملته في البطن تسعة شهور ثم أرضعته من ثديها الطاهر فنما نموًا طبيعيًا من لبنها حتى بلغ القامة... ماذا نقول عنها وبماذا تطوبها الأجيال!. حقًا إن نساء كثيرات نلن كرامات ولكن من بلغ إلى هذه لتي صارت السماء الثانية مسكن الله وارتفعت أكثر من الشاروبيم وصارت أما لله الكلمة.شفاعتها تسندنا في جهادنا وتوبتنا إلى النفس الأخير.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد

عدد الزيارات 107

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل