هل التجسد يتعارض مع قداسة الله وقدرته ؟

04 ديسمبر 2023
Large image

يتصور البعض أن التجسد ربما يتعارض مع قداسة الله وقدرته ... فيقولون مثلاً : هل من المعقول أن إلهنا العظيم القدوس المتعالى ينزل إلى بطن العذراء ويأخذ جسد إنسان، ويأكل ويشرب وينام ويصير كواحد منا ؟! أليس في ذلك تلويث لقداسة الله ؟!
يرد القديس أثناسيوس الرسولى - أعظم من كتب عن سر التجسد - فيشبه إلهنا العظيم بالشمس ، إذ نلمس فيها شبهاً من خالقها ، في سموها وطهرها وجبروتها ودفئها ولزومها للحياة ... فلو سطعت الشمس على كومة من القمامة ، أتتدنس الشمس، أم أنها تظهر هذه الكومة من القمامة دون أن تتلوث هي ؟! كذلك إلهنا العظيم ، حين يسكن فينا ، لن يتدنس بنا ، بل بالحرى يطهرنا بطهره ... نعم يطهرنا دون أن يتدنس !
وهذه الحقيقة لم تستجد بالتجسد الإلهى ، بل بالحرى نحياها كل يوم. فالله يشرق بنوره وبروحه القدوس ، على البشرية الخاطئة ، منذ الأزمنة السحيقة ، يعمل فيها ، ويهديها ، ويطهرها ، دون أن يتدنس . فماذا استجد إذن ؟ أليس الله فى كل مكان ، وفي كل زمان ، وفي كل إنسان مهما كان خاطئاً ؟ هل يخلو منه مكان ؟ مهما كان هذا المكان دنساً ؟ هل نسينا أن الله غير محدود ، و يستحيل أن تخلو منه أحشاء الإنسان أياً كان ؟ ألسنا به نحيا ونتحرك ونوجد ؟ إذن فالتجسد لا يتعارض مع قداسة الله الذي إذ يتخذ جسداً يظهر به لا يتدنس بل يقدسه . الجديد هو أن الله إرتأى أن يأخذ مالنا ، ليعطينا ماله. وأنه أحبنا في المسيح ، ليتحد بنا ونتحد به رضى بالسكنى وسط البشر ، وفي قلوبهم ، ليطهرهم من الخطابا، ويجدد طبيعتهم الساقطة ، ويحملهم على منكبيه فرحاً . و يعود بهم إلى السماء إذن التجسد لا يتعارض مع قداسة الله ، وفى نفس الوقت حتمى القداسة الإنسان ... كيف ؟
عظيم هو سر التقوى
إن تجسد الله هو بالحقيقة سر التقوى : أى سر التقوى الإنسانية ، و بدونه لا تكون التقوى ولا القداسة . والسبب ببساطة أن طبيعتنا فسدت بعد سقوط آدم وحواء، وكان لابد من تجديدها وإعادة خلقة الإنسان وصنعه مرة ثانية. فما كان من الممكن أن يتم هذا التجديد إلا بسكنى الله في قلوبنا وتقديسه لطبيعتنا من الداخل. وهذا سر الأسرار في المسيحية ، فهي لا تكتفى بتقديم النصائح الخيرة والشرائع الطيبة والأوامر والنواهي . كلا ، هي ببساطة تجعل إلهنا العظيم الذى سنكن في أحشاء العذراء ، يسكن في أحشائنا جميعاً فيطهرنا ، ويخلصنا ثانية : « إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة » ( ۲ كوه : ( ۱۷ ) إذن فالتجسد لا يضر بقداسة الله ، ولكنه أساسي لقداستنا نحن...
وهل التجسد يتعارض مع قدرة الله ؟
هذا غير معقول، لسبب بسيط ، أن الله كلى القدرة ، قادر على كل شيء . إن الشيء الوحيد الذى لا يوافق طبيعة الرب أن يعمله هو الخطية لأنها خارجة عن طبيعته ، وهو منزه عن الشر. وخارج هذا الأمر « هل يستحيل على الرب شيء ؟ » ( تك ١٤:١٨ ) .إذا كانت أرواح الصديقين تظهر لنا في أشكال حسية كما ظهرت أم النور على قباب كنيستها بالزيتون ، أفهل يكون هذا صعباً على الخالق الحافظ، القادر على كل شيء ؟ وإن كانت الملائكة تظهر للقديسين في هيئة حسية، فهل من الصعب أن يتخذ الله جسداً و يظهر لنا ؟ إن. التجسد هو سر خلاص الإنسان، وهو يتعارض مع طبيعة الله القدوسة القادرة . وهكذا يأتي السؤال :ولماذا كل هذا ؟ لماذا التجسد من الأساس ؟ أفلم يكن أمام الله حل المشكلة الإنسان خلاف التجسد ؟ ما أهداف التجسد ؟ هذا ما سنتابعه في الفصل القادم إن شاء الله .
نيافة الحبر الجليل الانبا موسى اسقف الشباب
عن كتاب أسئلة حول التجسد

عدد الزيارات 78

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل