بالتجسد إنتهت مشكلة الشر والألم

20 ديسمبر 2023
Large image

لاحظنا مما سبق أن التجسد كان طريقاً إلى أهداف عديدة منها : -
١- التعرف على الله الروح، إذ اتخذ جسداً ، فصار من الممكن أن نتعرف عليه ، وأن نسمع صوته .
٢- إتمام الفداء، فبالتجسد حصلنا على الفادى المناسب ، القادر أن يموت عنا بناسوته ، وأن يقوم لأجلنا بلاهوته .
٣ - سقوط الشيطان : فقد سحقه الرب بالصليب ، وسبى سباياه داخلاً بهم في ظفر إلى الفردوس .
يبقى أن تدرك أن التجسد أنهى مشكلتي الشر والألم من حياة البشرية .
مشكلة الشر :
صار الإنسان - بسبب السقوط - يعاني أمرين :
١- الطبيعة التي فسدت بالخطيئة .
٢ - الحكم الذي صدر ضده بالسقوط .
لكن الرب بتجسده حل هاتين المشكلتين ، إذ مات عنا على الصليب ، فانتهى الحكم الذى كان علينا ، واتحد بجسدنا ، فأعاد خلقتنا وطهرنا من فسادها . وهكذا - بالمعمودية - دفنا مع المسيح ، ثم قمنا معه في حياة جديدة . أو كما يقول القديس أثناسيوس الرسول ، صرنا كقشة سهلة الحريق ، ولكنها إذ أحيطت بمادة الإسيتوس غير القابلة للإشتعال ، صارت في مأمن من حريق الدينونة . ومن هنا صار الإتحاد بالله ممكناً ، من خلال الحياة اليومية معه، والتناول المستمر من جسده ودمه الأقدسين .
و يشبه القديس أثناسيوس عملية تجديد خلقة الإنسان يملك له إبن وحيد وإذ أوشك الإبن على السفر طلب الملك من فنان عظيم أن يرسم له صورة إبنه الحبيب ، فخرجت الصورة بديعة جداً وسافر الإبن ، وحدث للصورة ما أفسدها ولما أراد الأب استعادة صورة إبنه طلب الفنان عودة الإبن من الخارج يرسم الصورة من جديد. وبالفعل عاد الإبن مرة ثانية ، وأعاد الرسام الصورة إلى أصلها دون أن يمزق اللوحة التي فسدت حيث أنها كانت تحمل فى الأصل صورة الابن ويقول القديس أثناسيوس أن هذا ما فعله الله معنا، جاء إلينا ، وأعاد رسم الصورة على نفس طبيعتنا الساقطة دون أن يفنى هذه الخلقة الأولى التي حملت يوماً ما صورته الإلهية وهكذا أعيدت خلقة الإنسان، وصار من الممكن لا أن تغفر له خطاياه فحسب، بل أن يتجدد حسب صورة خالقه « إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذى يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه » ( کو ۳ : ۱۰۹) .وقد شبه الله ذلك في العهد القديم بالفخاري الذي صنع من الطينة وماء، وإذ لم يكن كما يريد ، أعاد صنعه ثانية بعد أن فسد . وقال الرب هوذا كالطين بيد الفخاري، هكذا أنتم بيدى » ( أرميا ١٨ : ١ - ١٠ ) . لذلك فالمسيحية هى الدين الوحيد الذي يتحدث عن إعادة خلقة الإنسان وتجديد طبيعته ، وهذا عمل لا يقدر عليه سوى الخالق .
مشكلة الألم :
وكما عالج الرب بتجسده مشكلة الشر، عالج مشكلة الألم . فالألم كان في الماضى عقاباً على الخطيئة، ولكننا إذ تيرونا بالمسيح ، صار الألم شركة معه ، وهبة منه . « لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط ، بل أن تتألموا لأجله » ( فى ۱ : ۲۹ ) . ولذلك فالرسل « ذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل إسمه » ( أع ٥ : ٤١ ) نعم ، فالألم لم يعد عقوبة ، لأن السيد نفسه تألم دون ننطيئة ، وكانت آلامه الاماً فدائية ، إذ « حمل خطايانا في جسمه على الخشبة » ( ١ بط ٢ : ٢٤ ) . وصارت آلامنا كلها - فيما عد الآلام الناتجة عن ارتكاب خطايا - آلاماً فيها تعزية وتنقية وتكميل و بنيان وشركة وفطام عن الأرضيات . لذلك يقول الرسول بولس : ( أكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده الذى هو الكنيسة » (كو ١ : ٢٤ ) . نعم ، فالكنيسة هي جسد المسيح الرب هو الرأس والمؤمنون هم الأعضاء. وكما دفع الرأس نصيبه من الآلام، وجب على الأعضاء أن تدفع نصيبها منها فالألم إذن المرض والخسارة المادية والأدبية وآلام الموت والكوارث الطبيعية وغير ذلك - لم يعد عقوبة الخطيئة ، بل شركة مع المصلوب وطوبي للنفس التي تدرك غاية الألم وبركاته فلا تضجر منه ، بل بالحرى ترضى به ، وتشكر عليه ، فهي تدرك أن الألم
۱ - ينقينا من شوائب الخطيئة والبر الذاتي .
۲ - يزكينا أمام الله والناس إذ تحتمل بشكر .
٣- ويقينا من ضربات الكبرياء كشوكة بولس .
٤- ويفطمنا عن الأرضيات لتطلب أورشليم السمائية، ونستعد لحياتنا الأبدية وهكذا صار التجسد حلاً جذرياً لكل مشاكل الإنسان ، ومعبراً وحيداً للخلاص منها ، والإتحاد بالله ، والتطلع للخلود .
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
عن كتاب أسئلة حول التجسد

عدد الزيارات 65

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل