التجسد والمادة

02 يناير 2024
Large image

في إحدى أقوال الفيلسوف الملحد المادى فبورباخ يقول الإنسان لا يزيد فى تكوينه عن المواد التي يأكلها ، وقد أراد بعبارته هذه أن يضع نهاية المبادئ، التي تنادي بروحانية الطبيعة البشرية وقبل فيورباخ بقرون كثيرة ورد هذا التعريف للإنسان في الكتاب المقدس فقصة الخليقة تصور الإنسان كائنا جائعا قدم الله له العالم ليكون له طعاما ، فلكي يكثر الإنسان ويسود على الأرض عليه الله أن يأكل منها ( تك٢٩:١ ) ، وتشبيه العالم بالوليمة ورد مراراً فى الكتاب المقدس فهو صورة الحياة في بدايتها وهو صورتها في نهايتها ، لكى تأكلوا وتشربوا على مائدتى في ملكوتي ،فحقيقة التجسد قد أعطت للمادة معنى جديداً . لم تعد المادة نجسة ولا عادت الأرض بفاسدة، فإن المسيح قد طهر الكون بتجسده . لقد أعطى المسيح بتجسده إمكانية تقديس المادة . لقد اخذ الرب إلى السماء مادة عالمنا بأكملها إلى أعمق أعماق الحقيقة الإلهية ، لقد أصبح الله حاضراً في العالم وليس مشاركا لتاريخه فقط بل لجوهره أيضا على حد تعبير أحد المعاصرين لقد أخذ إبن الله الجسد الإنساني إلى الأبد والطبيعة البشرية لا يمكن فصلها عن شخص المسيح . من أجل هذا حرمت الكنيسة نسطور المبتدع لأنه فصل الطبيعة الالهية عن الطبيعة الناسوتية وشجبت أوطاخيا المبتدع الذي نادى بذوبان الإنساني في الإلهي عند المسيح ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفهم إستخدام المادة مثل الخبز والخمر والزيت والماء في ممارسة الأسرار الالهية . إن الأرض الملعونة هى التى تخرج الخبز ونتاج الكرمة اللذين صارا جسد الرب ودمه في الافخارستيا فكما أن العذراء هيأت للرب جسداً من دمائها ، هكذا الطبيعة والخليقة المادية كلها تهيئ له القربان والخمر ليحوله إلى جسده ودمه كحياة أبدية لمن يتناول منهما فالمادة سواء كانت الجسد في الكيان الانساني أو في الإطار الخارجي لم تعد نجسة ولا ملعونة فالمسيح في تجسده وميلاده تلاقت فيه المادة واللاهوت واتحدت فيه الناسوتية والالهية، وفي المذود تلاقت الانفاس الأرضية بالأنفاس السمائية. والغرائز الإنسانية التي أصابها الجموح والتمرد بسبب خطية العصيان الآدمية تعود من خلال الاتحاد بالافخارستيا إلى وضعها الأصيل، فالغريزة الجنسية لا تكون دافعاً للإستيلائية والتملك والسيطرة ، وإنما مجال مبارك عند المسيحى الحقيقى للإنطلاق نحو الآخر في إطار الحب وصعيد الشركة المقدسة والطعام المادى لم يصبح مثار لعنة ومجال سقوط لأن المؤمن الحقيقي يتناوله بروح الصلاة والنسك والقناعة والشكر من يد الله الذي بارك وقدس وقسم وأعطى في القديم، ولا يزال يبارك ويقدس ويعطى فى كنيسته بروحه القدوس فمجال الأكل المادى لم يصبح للنهم والتلذذ في حد ذاته بل مجال شكر وعطاء وشركة إخوة إذ يقول الكتاب"وإذ هم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب.مسيحين الله ولهم نعمة لدى جميع الشعب : ( أعمال ٣ : ٤٧٠٤٦ ) . وهكذا جميع تدبيراتنا الجسدية تتقدس من خلال سر التقوى وسر الشركة والصلاة إن المادة لم يلحقها تغير كيانى بعد التجسد فلا تزال الأرض أرضاً ، والغريزة غزيزة، والمادة مادة ، ولكن الذي صنعه التجسد الالهى أنه أعطاها معنى جديداً ورؤية جديدة كعربون مسبق للأرض الجديدة التى تنتظرها عند مجيء الرب الأمين منذ أن إستنار العالم بنور الكلمة ومنذ أن أخذنا نتأمل العالم بعيون متجددة نقية فإنه يحق لنا أن نقول إن الإله المتجسد قد غير وجه هذا العالم.لقد غير الرب الزمان عندما أدخل التجسد فيه إذ اعطى شرحاً ومعنى وتفسيراً لمتاريخ وغير الكيان المادى عندما جعل البدن هيكلا للروح القدس، وصار الماء والزيت والخبز والخمر مجالات اتحاد بين الله والمادة فيها يهب روح الله القدوس نعما فعالة في أسرار لا ينطق بها مبارك الله الآب الذي بذل ابنه ليوجد بيننا كعبد ليحرر كل المأسورين بعبودية ابليس والموت و مبارك الله الابن الكلمة الذى أحبنا وأخذ طبيعتنا ليعطينا طبيعته ومبارك الروح القدس العامل في كنيسة الله في كل زمان ومكان ليتمم قصد التجسد الألهي ويكمل رسالته الكنسيةو مطوب كل مؤمن مدعو مختار نال بالنعمة الأسرار العالية وأبصر بعينيه مقاصد الله الأزلية المكتومة منذ سابق الدهور ولكنها أعلنت للملائكة من خلال الكنيسة هذه الأمور التي اشتهت الملائكة والأنبياء في القديم أن يروها ولكنهم لم يروا ، وأن يسمعوها ولكنهم لم يسمحوا أما نحن فطوبى لأعيننا لانها تبصر ولآذاننا لأنها تسمع ، فلنستحق أيها الرب أن نسمع ونعمل بإنجيلك المقدس ونتمم تدبيرك العظيم، ونكمل فى كنيستك بروحك القدوس عملك الالهى الذى على الأرض نوراً وسلاماً وخلاصة أبدياً .
مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين
عن كتاب التجسد الإلهى لاهوتيا .روحيا.كنسيا. طقسيا

عدد الزيارات 58

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل