الأنبا بيمن أسقف ملوي المتنيح

Large image

كمال حبيب أنطونيوس من مواليد القاهرة في 22 يونيو 1930 م. (نفس يوم الرسامة أسقفًا) حصل على ليسانس الآداب (قسم تاريخ) في مايو 1950ثم دبلوم معهد التربية العالي عام 1951ثم ماجستير التربية بمرتبة الشرف عام 1959حصل على بكالوريوس الإكليريكية عام 1963عمل مدرسًا حتى عام 1968 (مدرس أول بالنقراشي النموذجية)استقال من عمله كمدرس وتفرَّغ للخدمة الدينية (تكريس).
عمل مدرسًا بالكلية الإكليريكية عام 1970. ثم ترهب بدير الأنبا بيشوى بأسم الراهب أنطونيوس الأنبا بيشوى عام 1972ثم سيم كاهنًا عام 1973عَيَّنَهُ قداسة البابا شنوده الثالث وكيلاً للبطريركية بالإسكندرية بعد ترقيتهُ إلى درجة القمصية عام 1974انتدبهُ قداسة البابا شنوده الثالث للخدمة في جيرسي سيتي بأمريكا Jersey City, USA (حيث سيم وقتها كاهنًا لكنيستنا الجديدة في جرسي سيتي)، حصل خلالها على درجة الماجستير (من جامعة برنستون Princeton University) بتقدير، ومكث هناك حتى عام 1975.. وبعد سيامته أسقفًا سافر القمص أنطونيوس يونان عوضًا عنه للخدمة بتلك الكنيسة اشتغل في أعمال اللجنة العامة للتربية الكنسية منذ 15 عامًا قبل أسقفيته.ثم أسقف عام 22 يونيو 1975 م.
ثم أسقفًا لإيبارشية ملوي فى 13 يونيو 1976 م. في عيد العنصرة مع الأحبار الأجلاء: الأنبا هدرا مطران أسوان وكوم امبوا وإدفوا - الأنبا ويصا مطران البلينا وبرديس وأولاد طوق وتوابعها، سوهاج. وقد اشترك في الرسامة مع قداسة البابا عشرون من الآباء المطارنة والأساقفة (بخلاف العديد من الآباء الكهنة..)، وكان حينها ذلك هو أكبر عدد من أعضاء المجمع المقدس الذي يشترك في سيامة أساقفة جُدُد منذ سنوات طويلة.. وهم أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء: 1) الأنبا أنطونيوس مطران سوهاج والمنشاه - 2) الأنبا بطرس مطران أخميم وساقلته - 3) الأنبا مينا مطران جرجا وتوابعها - 4) الأنبا ثاوفيلس أسقف ورئيس دير السريان - 5) الأنبا أثناسيوس أسقف بني سويف والبهنسا - 6) الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة والاجتماعية - 7) الأنبا مكسيموس أسقف القليوبية - 8) الأنبا دوماديوس أسقف الجيزة - 9) الأنبا لوكاس أسقف منفلوط وأبنوب - 10) الأنبا أغابيوس أسقف ديروط وصنبو وقسقام - 11) الأنبا ديسقورس أسقف المنوفية - 12) الأنبا مكاريوس أسقف قنا وتوابعها ومحافظات البحر الأحمر - 13) الأنبا بولس أسقف حلوان - 14) الأنبا فيلبس أسقف الدقهلية - 15) الأنبا يوأنس أسقف الغربية - 16) الأنبا باخوميوس أسقف البحيرة ومطروح والخمس المدن الغربية - 17) الأنبا بيشوي أسقف دمياط والبراري وكفر الشيخ - 18) الأنبا أغاثون الأسقف العام وناظر ديريّ المحرق والأنبا بولا - 19) الأنبا تيموثاوس الأسقف العام - 20) صرابامون الأسقف العام ورئيس دير الأنبا بيشوي.

المقالات (17)

12 أغسطس 2024

العذراء وحياة الاحتمال

تعتبر العذراء مريم نموذجا في حياة الصبر والاحتمال ، فمنذ ولادتها حتى نياحتها وصعود جسدها الطاهر ، وهي تحيا حياة قوامها الألم ، اذ تحققت فيها النبوءة « وانت يجوز في قلبك سيف » . منذ الطفولة إذا ما تتبعنا حياة العذراء ، لوجدنا أنها قاست آلاماً كثيرة . ففي الطفولة الأولى عاشت حياة اليتم ، فقد مات يواقيم أبوها وهي في سن السادسة ، بينما ماتت حنة أمها وهي في الثامنة وهكذا عاشت مريم منذ نعومة اظافرها بلا اب او ام ولكنها عاشت في الهيكل عابدة مصلية خادمة إن اليتم يترك بصمات صعبة على نفسية الإنسان أحياناً ،ولكن العذراء كانت مثالا في تجاوز آلام الطفولة وحرماناتها وهذا نموذج وهذا عزاء لكل طفل يحيا حياتة الأولى بعيداً عن حنان الأمومة وعطف الأبوة إن مريم هي شفيعة كل هؤلاء لأنها فيما قد تألمت مجربة بكل هذه الآلام قادرة أن ترفع لابنها شفاعتها عن كل محروم ومحتاج ومسكين ، مادياً أو نفسياً أو اجتماعياً وعاشت العذراء في بيت يوسف في الناصرة ، في حياة صعبة خالية من الترف والراحة . ولكنها كانت صابرة وفرحة ،مطيعة لخطيبها ، مكرسة كل أوقاتها للعبادة ، حتى استحقت أن يأتيها الملاك مبشراً إياها بأنها قد وجدت نعمة عند الرب، وأنها ستحبل وتلد ابنا تسميه يسوع ، هذا يكون عظيما وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهايه (لوقا ۱ : ۲۰-۲۳) وقد أطاعت العذراء صوت السماء قائلة هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك ، ومنذ هذه اللحظة حل الأقنوم الثاني في أحشائها التي طهرها الروح القدس لكي تكون عرشاً للرب يسوع وسماءاً ثانية . بشرى تحمل طابع المعاناة والمتأمل في هذه البشرى المفرحة ،يجد أنها تحمل طابع المعاناة أيضا لأنه لم يسمع في البشرية كلها أن عذراء تحبل وتلد وهذا لا بد أن يعرضها لأفكار وهواجس عند يوسف البار ، وقد تتعرض إلى متاعب من البيئة التي تحيا فيها ولكن مريم احتملت واطاعت و خضعت وقدمت نموذجا لحياة الايمان المليء بالالم وبذل الذات ،وبالفعل عندما لاحظ يوسف علامات الحمل على العذراء ساورته الشكوك ، ولكنه إذ كان باراً لم يرد أن يشهرها ، وفيما هو يفكر في هذه الأمور ، لم تتركه السماء في حيرته، إذ تراءى له ملاك الرب في حلم قائلا لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك ، لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس ( مت ۱ : ۲۰ ) وفى الميلاد عانت مریم و تالمت و احتملت إذ صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة ، فصعد يوسف من الجليل من الناصرة إلى اليهودية إلى بيت لحم، لكونه من بيت داود ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى ، وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد ، فولدت إبنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود ، إذ لم يكن لهما موضع في المنزل . صبر و احتمال عجيب : من من الناس يرضى ان يضع وليده في مدود للبهائم ؟! ومن من الناس يقبل أن ينزل الوليد ، فلا يجد ما يغطى جسده الغض سوى قطع بالية قديمة من الأقمشة ؟ ! كل هذا والعذراء تعرف يقيناً أن الذي ولد منها هو المسيا المنتظر طوباك ايتها العذراء ، يا من عشت حياة الصبر ، ولم يكن عندك احتجاج ولا تذمر ولا حتى تساؤل ، بل تسليم كامل للمشيئة الالهية ، وطاعة تامة للمقاصد الأبوية وما أن ولدت العذراء طفلها ، حتى ظهر الملاك ليوسف في حلم قائلا و قم وخذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك ، ( مت ۲ : ١٣ - ١٥ ) . وبعد أن أمضت العائلة المقدسة في مصر الفترة المحددة من السماء ، إلى حين موت الذي يطلب الصبى ، عادت العائلة إلى الناصرة وكان الصبى ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه طوباك ايتها العذراء يا من احتملت السفر الطويل الشاق وطوباك ايتها البتول لانك في كل مسيرة حياتك ، كان الألم الجسدي والنفسي قربانا على مذبح الطاعة شبيه بالمر الذي قدم من المجوس . أحشائي تلتهب ، ولكني أفرح : ومن في البشرية كلها يحتمل أن يعلق ابنه على الصليب محتملا أصعب وأمر الآلام لقد كانت احشاء العذراء تتمزق ،وهي واقفة عند الصليب مع مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية ( يو ١٩ : ٢٥ ) قائلة في قلبها "أما العالم فيفرح بقبوله الخلاص ،وأما أحشائي فتلتهب عند نظرى إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه يا ابني وإلهي " إن كل أم متألمة مهما اشتدت آلامها ، عندما ترفع قلبها بالروح نحو الصليب ، وترى مريم في صمتها واتضاعها وصبرها واحتمالها ، تهون عليها كل أوجاعها ، لأن شفيعة البشرية تشفع في كل من يختبر شيئا من اختباراتها الروحية العجيبة ثم استودع يسوع أمه عند التلميذ الذي كان يحبه ، وكانت العذراء مع التلاميذ طيلة فترة الأربعين المقدسة ، ما بين القيامة والصعود، مواظبة معهم على الصلاة والطلبة ، وحضرت يوم العنصرة في بيت مرقس في العلية وبعد خمسة عشر عاما من صعوه الرب ، جاء الرب يسوع بنفسه لياخد روحها الطاهرة بين يديه وكان ذلك يوم الأحد ٢١ طوبة، ورفع الرسل جسدها الطاهر وهم يرتلون مع الملائكة المحتفلين بانتقال أم النور ان الصبر واحتمال الآلام وحمل الصليب ، ليس نذرا رهبانيا فقط ، وانما هو دعوة عامة لكل مؤمن يريد أن يتبع يسوع باخلاص قلب ويسوع رئيس كهنتنا العظيم إذ هو رئيس أحبار رحيم ، قادر أن يرثى لضعفاتنا ويعيننا في تجاربنا ، لأنه اختبر كل أنواع الآلام البشرية .ووعده صادق أمين " تكفيك نعمتى لان قوتي في الضعف تكمل" ان سر الألم هو أحد اسرار الحياة المسيحية ، وهو يمنح كل مختبريه حياة الطاعة الحقة ( تعلم الطاعة مما تألم به ) وهو سر يهيء النفس لتقبل إشراقة المسيح الحلوة وتدفق سر المحبة الصادقة صلاة : أيتها الشفيعة المؤتمنة عن جنس البشرية إشفعي فينا أمام إبنك الوحيد ،كثيرة هي شفاعتك ومقبولة عنده .ان تألمنا آزرینا بصلواتك ، لأنك تالمت كثيرا واحتملت كثيرا وإن ضعفنا فاسرعى لنجدتنا لأنك أم يسوع وأمنا أيضاً. واسمحى يا من ظهرت في الزيتون ، لتشددى شعب مصر الذي باركه الرب منذ القدم ، أن يكون أبناؤك في كرازة مار مرقس بالبركة ألوف ألوف وربوات ربوات، مؤمنين صابرين في الضيق حارين في الروح ، فرحين في الرجاء آمين المتنيح نيافة الأنبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والأشمونين عن مجلة الكرازة العدد الرابع والثلاثون عام 1976
المزيد
05 أغسطس 2024

يمين الرب

"يمين الرب صنعت قوة . يمين الرب رفعتني . يمين الرب صنعت قوة فلن أموت بعد بل أحيا وأحدث بأعمال الرب " مز ۱۱۸ يعتبر داود النبي أحد الشخصيات الروحية التي تعاملت في عمق مع يمين الرب المعتزة بالقدرة - له معها اختبارات عميقة ورائعة ، سجل بعضها في مزاميره الرائعة ، كما ظهرت آثارها في سيرته وحياته . فهو منذ أن كان صبياً راعي غنم كانت له اختبارات مع الله فقد هجم على قطيعه دب وأسد ، وكان بعد حدثاً صغيراً ،ولكنه اعتمد على يد الله العجيبة ،وتقدم إليهما ومزقهما كما يمزق الصبي قصاصة ورق أو خرقة بالية وعندما كبر قليلا إختبر أيضاً يمين الله الجبارة ، عندما رأى عملاقاً . عاتياً يعير صفوف جيش الرب ، ولم يجرؤ أحد على التقدم منه ، لأنه كان مرعباً مهولا كان شعبه اسطورة فمن يقدر أن ينازله ويساجله ؟! ولكن الصبى داود الذي خبأ في قلبه إختبارات قوية سابقة إستطاع أن يتقدم إلى الملك شاول الذى هزأ به في بادىء الأمر ، وقال له إنك غلام وهو رجل حرب منذ صباه أجابه داود صاحب الاختبارات : عبدك كان يرعى لأبيه غنما فجاء أسد مع دب ، وأخذ شاة من القطيع ، فخرجت وراءه وأنقذتها من فيه . ولما قام على أمسكت به وقتلته . فقتل عبدك الأسد والدب وهذا الأغلف يكون كواحد منهما ، لأنه عير صفوف الله الحى واستطاع داود أن يصرع جليات إذ قال له أنت تأتى إلى بسيف ورمح وترس وأنا أتي إليك باسم رب الجنود وبالفعل قطع رأسه مستخدماً مقلاعاً وخمسة أحجار ملس من الوادى .ويمين الرب التي سندت مرنم اسرائيل الحلو ، هي هي أمس واليوم والى الأبد ، لا تزال تسند كل الذين يستندون على ذراع الرب ، وليس على زراع البشر ففي كل حروب أولاد الله الروحية يتذكرون قول داود "على رجز الأعداء مددت يدك ، وخلصتي يمينك" ولعل أول اختبار نلمسه في معاملات يمين الرب معنا هي أن : يمينه تدعوني .. لقد اختبر داود حياة الدعوة عندما أرسل الرب صموئيل لبيت يسى البيت لحمى ليمسح الملك المختار من الله ورفض الرب جميع أولاد يسى ، لأن يمين الرب أشارت إلى الصبي داود المختار من الله ولا يزال الرب يدعونا بيمينة الطاهرة ، إنه يريد الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون وضرب الرب مثلا عن ملكوت الله بإنسان دعا عبيده إلى العرس ولكنهم اعتذروا وبين شروط الدعوة في الإيمان بشخصه المبارك ، وإنكار الذات ، وجمل الصليب، والسير وراءه مفضلا إياه عن كل محبة بشرية . وعندما نتأمل معاملات يمين الله في دعوته تجده يدعو واحداً في الجليل ، وآخر عند مكان الجباية ، وثالثاً من فوق الجميزة ، ورابعاً وهو في طريقه إلى دمشق ولكن الأمر الذي لا شك فيه ، إنه بدون قبول الدعوة لا بداية صحيحة للطريق فالشاب الغنى مضى حزينة ( مت ۱۹ : ۲۲ ) لأنه رفض الدعوة ، اذ كان ذا أموال كثيرة وصاحب الحقل، والمتزوج حديثاً ، والذي عنده بقرات ، إعتذروا عن دعوة العرس . ولا يزال ألوف من الناس يرفضون الدعوة لأجل هموم الحياة وغرور الغني والإتكال على الذات ان القلب المستعد هو القلب الذي يشعر بيمين الرب تدعوه "مستعد قلبی یا الله مستعد »وهذا الإستعداد ليس مجرد مشاعر أو عواطف، وإنما هو إستعداد كياني يلتزم بالمواقف والإستجابة الفرحة الباذلة حتى الموت إنها دعوة موجهة الآن إلى كل منا ، تشير علينا أن نأخذ منه ذهباً مصفى بالنار كي تجدد عهد معموديتنا بالتوبة الصادقة ، وننهض من تكاسلنا لنقوم ونبنى أسوار أورشليم ولا نعود بعد عاراً . يمينه تقودني : لقد إختبر داود قيادة الرب ورعايته فنطق مسبحاً و الرب يرعاني فلا يعوزني شيء " إن سرت في وسط ظلال الموت ، فلا أخاف شراً لانك معى " وفى مسيرة شعب الله في القديم ، كانت يد الله تقود الشعب في شكل سحابة نهارا ، وعموداً من النار ليلا نجد قيادة الله واضحة من خلال الأنبياء الذين أعلنوا قول الرب، والملوك الذين أطاعوا وصاياه وفي كل عصر وجيل يحيا المؤمن في سلام وراحة عندما يسلم قيادة نفسه للرب ، مرنماً مع داود " عندما يقترب من الأشرار ليأكلوا لحمى مضايقي وأعدائى عثروا وسقطوا وإن يحاربي جيش فلن يخاف قلبي" لقد احتفظ الرب يسوع بآثار المسامير في يديه ، لكي يبقى فيها . ينبوع حب دائم لا ينضب . إذ فيما هو قد تألم مجرباً ، يقدر أن يعين المجربين . وإذ لنا رئيس كهنة رحيم يقدر أن يرثى لضعفاتنا لقد اختبرت يمينه كل تجارب الحياة فيما عدا الخطية وحدها إن يده يد حكيمة مختبرة ، ماهرة قادرة على قيادة الجميع مهما كانت ظروفهم وأحوالهم . ان يد الرب ليست قاصرة عن أن تخلص ... وفي منهج قيادة الرب بيمينه لشعبه ، نلحظ أنه يستخدم أسلوب التعزية والتشجيع ، كما يستعمل أيضاً منهج التأديب والتوبيخ .. وفي هذا يقول داود النبي. عصاك وعكازك هما يعزياني.. وقد تشير العصا إلى التأديب ، بينما يشير العكاز إلى المساندة والتشجيع وعلى النفس المستسلمة أن تبذل ذاتها ، وتخضع بالتمام للمشيئة الالهية وسط كل الأحداث، وتذعن لمشورته ومقاصده الأبوية السماوية وتفرح لكل التدابير التي ترتضيها العناية الإلهية حتى لو كانت ضد مشيئة الذات. يمينه ترسلنی : الإرسالية هي نتاج الدعوة الصادقة ، والتبعية المخلصة لقيادة الرب الأمينة . والإرسالية والامتلاء لا يأخذ شكلا واحداً ، ولكنه يتعدد في صورة حسب الأشخاص والمواهب . فقد يأخذ طابع الخدمة والكرازة والتبشير والافتقاد ، وقد يتخذ طابع رعاية اليتامى والأرامل والحزاني والمرضى ، وقد يتخذ طابع الهدوء والتأمل والانسكاب الكامل في حياة الخلوة والعبادة لكن الذي يجمع هذه الأنماط جميعها ، هو الحياة المكرسة بالتمام لمجد الله كى يكون المسيح هو الكل في الكل إن يمين الرب تعمل بقوة ، ليس فى أفراد متناثرين ، ولكنها تفيض بالمواهب من خلال الكنيسة وحياة الشركة ليت الله يدعونا جميعاً ، ونستمع ونستجيب تاركين أماكن الجياية ليته يقودنا كلنا كجيش ذى الوية ، ناسين ذواتنا ، جاحدين مشيئتنا، خاضعين دوماً لمقاصده السماوية الأزلية وياليته يملأنا ويرسل الوف الوف وربوات ربوات . فالحقول أبيضت والحصاد كثير والفعلة قليلون قم يارب إصنع الخلاص علانيه . المتنيح نيافة الحبر الجليل الأنبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والأشمونين عن مجلة الكرازة العدد الثانى والثلاثون عام 1976
المزيد
02 أبريل 2024

مفاهيم غريبة عن معنى الصوم

١-ليس الصوم إذلالاً للبدن يظن البعض أن الصوم هو لإهلاك الجسد وإضعافه وسر هذه النظرة الخاطئة عدم تفهم بعض أقوال الكتاب المقدس مثل " أقمع جسدى وأســــــــتعبده " ، الجسد يشتهى ضد الروح والروح يشتهى ضد الجسد " ، والحقيقة أن مفهوم الجسد هنا لا يعني البدن أو الهيكل الجسدى وإنما يعنى الإرادة الفاسدة والإنسان العتيق ، والذي أدخل إلى التصوف المسيحى مفهوم النسك الخاطئ القائم على منهج الثنائية بين الجسد والروح العقيدة الأفلاطونية التى تسربت إلى المسيحية وكانت تنادى بأن العالم المادى ليس من أعمال الله وأن كل ما هو مادى إنما هو حقير وكل ما هو مجرد فهو راقي ، هذا الاتجاه لا يوافق مقاصد الله من الإنسان وإنما هو فكر أفلاطوني ينظر إلى الجسم كسجن للعقل وللجسد كمقبرة للروح ، أما الكتاب المقدس فهو دائما أبدا يرفض نظرية الثنائية تماما ويؤكد مبدأ وحدة الجسد والنفس " السيكوفسيولوجي " . وقد علمنا الأباء أن النسك لا يجب أن ينحرف إلى الدرجة التي نقسو فيها على أجسادنا فتعاق عن تأدية واجبات الحياة بنشاط ، وأن التركيز كله ينبغى أن يكون داخليا موجها إلى الإرادة التي تسوقنا إلى الشهوة والخطية . إن الصوم ليس نوعا من الكبت والحرمان وليس هو فريضة ثقيلة مفروضة على النفس من الخارج وإنما هو حب وانتعاش للروح وتخلية إرادية عن شهوة الطعام للإعلاء بها نحو حب الله . الصوم إذا ليس إذلال للبدن وإنما هو إذلالا لشهوة الجسد وليس هو إضعافا للجسد وإنما هو إماتة للجموح والانحراف والإرادة الفاسدة التى تسكن الجسد . ٢- ليس الصوم تكفيرا عن الخطايا يظن البعض أن الصوم تكفيرا عن الخطايا ، وأنه يمحو الذنوب والآثام ، ولكن الحقيقة أنه ليس من وسيلة للغفران إلا دم يسوع المسيح وحده إذ يقول الكتاب متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذى قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله "( رو ٣ : ٢٤ ، ٢٥ ) ، ويقول أيضا " هذا هو حمل الله الذى يرفع خطيئة العالم "(يو ۱: ۲۹).فليس في المسيحية من وسيلة لمحو الخطيئة إلا دم يسوع المسيح وحده ، ولذلك يلزمنا لكي ننال الغفران أن نتوب ونعترف بخطايانا ثم نتقدم للمذبح لنأكل الجسد المقدس ونشرب الدم الكريم ومن خلال هذا الاتحاد ننال الغفران والخلاص الأبدى أما الصوم فهو أحد وسائط النعمة ، إنه واسطة ، إنه وسيلة فقط ، إنه مجال ، إنه مناخ ، إنه تهيئة لكى تنتعش النفس ويتوب القلب وتندم الإرادة ، الفكرة الشائعة أن الأصوام تمحو الخطايا فكرة غير مسيحية وتتناقض مع عقيدة أساسية هي أنه لا غفران إلا بدم المسيح وحده . ولكن إن كان الصوم مقترناً بالصلاة والتوبة وعمل الرحمة ومكملا بسر الأفخارستيا فهنا تكمن المغفرة وترفع عن النفس الدينونة لأن الصوم مهد إلى التوبة ، والتوبة مهدت إلى الاتحاد بالمسيح الذي فيه ننال خلاصنا وتبريرنا وتقديسنا وفرحنا وأبديتنا . ٣- ليس الصوم للصحة يرى البعض أن الصوم مفيد للصحة ويرجعون هذا إلى أن البقول أنفع لصحة الأبدان وأدعى لإطالة الأعمار كما يستندون إلى الكتاب المقدس الذي يؤيد أن البقول كانت الطعام الأصلى للإنسان وليس اللحوم ( تك ۱ : ۲۹ ) ، وأن متوشالح عاش ٩٦٩ على هذا النوع من الطعام بينما انخفضت الأعمار إلى ۱۲۰ عاماً بعد التصريح بأكل اللحم ( تك ۹ : ۳ ) ثم إلى ٨۰ سنة حسب قول مرنم إسرائيل " أيام سنيننا هي سبعون سنة وإن كانت مع القوة فثمانون سنة أفخرها تعب وبلية "(مز ۹۰: ۱۰).وبالرغم من صحة هذا القول في جوانب كثيرة إلا أنه يلزمنا أن نشير إلى أمرين : الأول هو أن بعض الأجساد حالياً لا تحتمل أكل البقول وخاصة من تعانى من أمراض الجهاز الهضمى ، وأنها تهزل بشدة لو صامت فترة طويلة ، والثاني هو أن الصوم لم يكن هدفه تحسين صحة الأجساد بقدر ما هو مجال لانتعاش الروح وممارسة الفضائل التي سبق ذكرها فى هذا المقال .أما بالنسبة لضعاف الأجساد فينصح آباء الاعتراف بتحديد معقول لفترات الانقطاع وأن يتعاونوا مع أطباء أتقياء فى تدبير الجسد بأسلوب لا يجعله هزيلاً وفي نفس الوقت لا يعطل طاعتهم لوصية الصوم ، وينصح الآباء المختبرون عدم التطرف في الأصوام حتى لا يصاب الجسد بالهزال الشديد والأنيميا ويعطون في نصائحهم نموذجاً للاستنارة والاعتدال شخصية أب الرهبان وكوكب البرية الذي خرج من اعتكافه الذي دام عشرين عاماً لا هزيلاً من شدة النسك ولا بدينا من الترهل وكثرة الأطعمة والكسل .إننا عندما نعلل الصوم بالعامل الصحى نفرغ الصوم من جماله الروحي وقوته الخلاقة بهذا التبرير المختلق وننسى أنه متعة ، لأنه عودة إلى الحياة الفردوسية التي فيها عاش آدم لا يأكل لحما وكانت الحيوانات تخضع له . نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين عن كتاب الصوم الكبير لاهوتيا و كنسيا وروحيا
المزيد
26 مارس 2024

كيف نصوم الصوم الأربعيني ؟

نود أن نجيب على هذا السؤال فى اختصار وتركيز مشيرين إلى العناصر الهامة الآتية :- 1- بجدية وإخلاص قلب ليس الصوم مجرد شكليات، إنه مضمون قبل أن يكون شكلا ، إنه حياة قبل أن يكون طقسا وترتيباً ، فالامتناع عن اللحم والشحومات والتسليات هو الجانب السلبي للصوم ، وأما الجانب الإيجابي فهو الحياة الروحية النشطة التي فيها التوبة وقرع الصدر والندم والمطانيات، فيها الصمت والهدوء ، وفيها النسك والتقشف ، فيها فحص النفس والتأمل الباطني وفيها أيضا التعمق في كل ما يختص بالحياة الداخلية إنه من الأيسر للإنسان أن يحول كل ما هو روحى إلى ما هو شكلى ثم يبحث بعد ذلك عن الروحانية وراء الشكليات ، أما الصوم الكبير فهو قوة روحية ونبع فياض لكل من تلامس مع جوهره ومضمونه السرى . إن الكنيسة الكاثوليكية والهيئات البروتستانتية فى الغرب اختصروا الصوم ثم تخلصوا منه نهائياً فى أماكن كثيرة من العالم وقد نعيب عليهم هذا الضعف والهزال الروحي ، ولكن إذا كانت الأرثوذكسية تفتخر بعدم تعديلها مواعيد الأصوام فإنها تحتاج في هذه الأيام أن تتمم التزام الصوم بجدية وعمق إن أخطر ما يهدد الجدية في الصوم المظهرية والشكلية والفريسية والاكتفاء بما هو خارجي دون التعمق في الداخل يقول الرب يسوع " وأما أنت فمتى صمت فـادهن رأسك واغسل وجهك لكى لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذى فى الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية " ( مت ٦ : ١٧، ١٨) .أن نأخذ الصوم بجدية هذا يعنى أن ننظر إليه على أنه تحد روحى يستلزم تهيئة واستعداداً وصلاة ثم فحصاً وعزيمة وتصميما ثم نضالاً ودأبا وجهادا للنصرة على أعداء المؤمن الثلاث الشيطان والعالم والذات ٢ بتوبة وتذلل مع فرح داخلى يقول الوحى على لسان يوئيل النبى " ارجعوا إلى بكل قلوبكم وبالصوم وبالبكاء والنوح ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف ورحيم " ( يوئ ۲ : ۱۲ ، ۱۳ ) ، ويقول داود النبي " أذللت بالصوم نفسى (مز ٢٣:٣٥) وعندما تاب أهل نينوى وقدموا صوماً وتذللا قبلهم الرب ، وعندما صام آخاب الملك الشرير وقدم توبة وندما رضى الرب عنه . فالصوم الكبير هو مجال متسع للتوبة ، لهذا نجد قراءات الكنيسة في أغلب مناسبات هذا الصوم تقدم نصوصاً وشروحات عن حياة التوبة الأسبوع الأول دعوة إلى احتقار أباطيل العالم ورفض لمحبة المال ،والأسبوع الثاني دعوة إلى الصلاة والأمانة وعدم الريـاء ومواجهة العدو في كل تجاربه ، والأسبوع الثالث سيرة الابن الضال كأحسن مثال لحياة التوبة ، أما الأسبوع الرابع فأننا نقابل السامرية التي قدمت توبة مذهلة وتغيرت حياتها بفعل الكلمة وإنجيل الخلاص ، وفى الأسبوع الخامس تبرز لنا الكنيسة أهمية الإيمان في التجديد وخطورة النكسة الروحية فى التوبة عندما تقدم لنا نموذج المخلع ، وأما أحدالتناصير فهو أسبوع توبة ، وأما أحد التناصير فهو أسبوع توبة المعمودية والتوبة المقصودة هنا هي التغير الكامل في الداخل والأعماق والأهداف ويقول اللاهوتي شممان إن أعمق تغير يحدثه الصوم الكبير في النفس البشرية هو أنه يغير اتجاه الشخص واتجاه الجماعة فبدلاً من أن يكون الخبز ولقمة العيش محور اهتمامهم يصبح الكلمة هو مصدر حياتهمولكن يلزمنا أن نشير إلى أن التوبة فى المسيحية خالية من الحزن المرير وفي هذا يقول المطران جورج خضر : " إن التوبة والتذلل يلزم أن يرفع عنها الحزن المرير لأن المسيح رفع عنا حزن الخطية وعقوبتها ، فالصوم في المسيحية ليس تكفيرا ولا قصاصاً ولا نحيباً وإنما هو وسيلة وطريقة صلاة واستدعاء للروح وحنين إلى الفردوس ومنطلق من قيامة المسيح ومرتقب لهذه القيامة لأجل هذا طلب منا المسيح ألا نكون عابسين بل أن ندهن رؤوسنا ، أن نمتلئ من بهجة الخلاص وفرح الروح ، فرح العريس الذي يحضر مع أبيه بفعل روحه القدوس ، يكفينا في توبتنا أن نمتلئ فرحاً وعزاء وسلاماً عندما نسمع مع المرأة الخاطئة القول الإلهى " مغفورة لك خطاياك اذهبي بسلام " . ٣- باعتكاف وصمت وهدوء وتقشف الصوم أسلوب حياة ، إنه سعى نحو الحياة الباطنية متخلصة من كل مشتت خارجي ، المجتمع الخارجي يسعى إلى تبديد قوانا الجسمية والنفسية والعقلية والروحية ، والحياة الروحية هي سعى نحو تجميع هذه القوى وإخضاعها للروح ، بدون تفهم ، معنى الصوم الكبير أنه رحلة إلى أعماق الإنسان فإن الصوم يفقد معناه ويبتعد كثيرا عن جوهره الأصيل الصوم الكبير مجال واسع للتأمل والتعمق واكتشاف سطحيتنا وزيف علاقاتنا مع الناس والأشياء ، فالابتسامات السطحية والحياة القائمة على " معلهش ، صهين ،کله زى بعضه ، الدنيا ماشيه كده وغيرها من الشعارات التي نتبعها في حياتنا وتشير إلى النفاق والغش والدبلوماسية والخلو من العمق والصدق والالتزام . هذه كلها لا تنكشف إلا فى الهدوء " بالرجوع والسكون تخلصون ، بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم " ( أش ٣٠ : ١٥ ) الصوم الكبير زمن للنسك والتقشف ورفض للمسرات مثل الملاهي والمأدب والزيارات الكثيرة للمجاملات وسعى نحو الانضباط الداخل لكي تفحص الحياة الباطنية فحصاً دقيقاً ، ومن خلال هذا الفحص تكتشف كل الصفات وتقدم النفس التوبة وتطلب النعمة للتغير والتحول ، في الصوم الكبير مجال للسيطرة على كلامنا وثرثرتنا إن ألفاظنا في طوفان الأحاديث قد فقدت معناها وبالتالى قوتها المسيحية تعيد إلى الكلمة قدسيتها وسلطانها ، إن الصوم يضبط اللسـان حتى لا ندان " بكلامك تتبرر وبكلامك تدان " ، الثرثرة غالباً ما تأتى من العجب والزهو الباطل والرغبة في مديح الناس ، الثرثرة تفتح أبواب النفس وتجعل الحرارة والخشوع يهربان من القلب " الثرثرة تفتح أبواب النفس وتجعل الحرارة والخشوع يهربان من القلب ، الثرثرة تخرج الإنسان عن نفسه والأحاديث الباطلة تغرس الخصومات والنزاع وتجلب البلادة ، وكثرة الكلام لا تخلو من معصية ، الصمت كما علمنا آباؤنا . القديسون هو قوة عظيمة نستعين بها فى محارباتنا الروحية ، هو سلاح للنصرة وعلامة الحكمة الروحية وسر الحياة الباطنية فى الصوم الكبير نتذوق ثمرة الصمت الشهية فنتدرب على التجمع الداخلي وبطلان التمزع والتشتت، العالم الآن يحتاج إلى شهادة لا بالوعظ والكلام الكثير بل بقديسين يحملون نورا وفرحا وعمقاً وجدية وحبا ولهم سر الصمت وقوة الهدوء كدلالة أكيدة على حضور الله فيهم ٤- بعطاء وبذل تقول مديحة الصوم الكبير الشهيرة " طوبى للرحماء على المساكين ، فإن الرحمة تحل عليهم ، والمسيح يرحمهم فى يوم الدين ويحل بروح قدسه فيهم " وليس غريباً على الصوم أن يقترن بعمل الرحمة ، في هذا يقول زكريا النبي : " هكذا تكلم رب الجنود قائلا احكموا حكم الحق واصنعوا الرأفة والمراحم كل إنسان إلى أخيه ، لا تظلموا الأرملة ولا اليتيم ولا الغريب ولا البائس ولا تفكروا شرا الواحد على أخيه " ( زك ٧ : ٨ ) . وهناك قول رائع لأشعياء النبى وإيضاح جميل لمعنى الصوم وفهم أصيل لارتباطه بالرحمة والبذل : " أليس هذا صوماً أختاره : حل قيود الشر، فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحراراً وقطع كل نير ؟ أليس أن تكسر للجائع خبزك وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك ، إذا رأيت عريانا أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك " ( اش ٥٨ ، ٣ - ٧ ) وقديما كان آباؤنا يصومون ليعطوا أكثر للفقراء والمحتاجين لأن " الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هى هذه افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم " ( يع ۱ : ۲۷ ) ، والرسول بولس يعبر عن العطاء للفقير بالذبيحة المقبولة إذ يقول : " ولكن لا تنسوا فعل الخير والتوزيع لأن بذبائح مثل هذه يسر الله " ( عب ١٣ : ١٦ ) فإذا كان الصوم بذلاً داخلياً فإن الرحمة والعطاء تعبير أكيد عن الحركة الروحية الداخلية الحادثة بفعل الصوم والنسك المسيحي الأصيل . ماذا يحدث لو لم أصم ؟ المسيحى الحقيقى عضو في جسد المسيح السرى الذى هو الكنيسة ، وهو لا يشذ عن الجماعة لأن العضو إذا خرج عن الجسد يفسد ويسبب للجسد آلاماً مبرحة المؤمن يصوم لأن الكنيسة تصوم ، فهو منها ومعها وفيها ، الذى لا يصوم الصوم الأربعيني يخطئ إلى نفسه ويخطئ إلى الكنيسة أيضا لأن الروحانية الأرثوذكسية ليست روحانية فردية وإنما هي روحانية شركة ، وقديما كانت كنيسة الرسل تحيا حياة الشركة هذه إذ كان المؤمنون يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات ، وإذ هم يكسرون الخبز فى البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب مسبحين الله ولهم نعمة لدى جميع الشعب ، وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس " افرزوا لى برنابا وشاول ولما صلوا تزعزع المكان وامتلأ الجميع من الروح القدس " ( اع ٢ ، أع ٤ ) .في هذا يقول المطران جورج خضر " إن الكنيسة بأسرها كجسم واحد يجب أن تكون مصلوبة عن أهواء الجسد عن طريق قمع جموحه وشراسته وأن تأخذ بعين الجد قضية آلام ربها " . ويعلمنا الرسول بولس عن الجماعة في الجهاد الروحي قائلاً : " فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح حتى إذا جئت ورأيتكم أو كنت غائباً أسمع أموركم أنكم تثبتون في روح واحد مجاهدين معا بنفس واحدة لإيمان الإنجيل " ( فی ۱ : ۲۷). من هذا المنطلق نستطيع أن نفهم أهمية الشركة فى الصلاة ، والصوم ، والتناول ، والعبادة كلها ، ذلك لأن الاختبار الروحى أرثوذكسيا وإن كان له البعد الشخصي الذي يركز على العلاقة الشخصية بين المؤمن والله ، ألا أنه يتميز بالطابع الكنسى الذى في إطاره لا يستطيع المؤمن أن يخلع نفسه عن وحدة المؤمنين العابدين الذين يصلون عنه ويصلى هو معهم وعنهم والجميع يلفهم جو روحى وجهاد مشترك. نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين عن كتاب الصوم الكبير لاهوتيا و كنسيا وروحيا
المزيد
19 مارس 2024

لماذا صام المسيح أربعين يوما ؟

في بداية العهد القديم كان صوم ، وفى بداية العهد الجديد كان صوم أيضا. في الجنة كانت وصية الصوم والامتناع عن شجرة معرفة الخير والشر وفيها سقط آدم كاسراً هذه الوصية ، وبمعصيته طردنا من الفردوس حتى جاء آدم الثاني وصام ليكسر شوكة الموت ويعيدنا إلى الفردوس الذى فقدناه ، وفى هذا يقول اللاهوتى شممان Schmemann " إذا كان الإنسان قد رفض الحياة المقدمة له من الله وفضل الحياة المعتمدة فقط على الخبز فإنه لم يعصى الرب فقط وإنمـا هوفي الحقيقة غير العلاقة الوطيدة التي بينه وبين العالم إن العالم قد قدم له كطعام ، والطعام كان مقوماً أساسياً للحياة ، والحياة قد قصد بها الشركة مع الله ، فلم يكن الطعام هدفاً فى حد ذاته وإنما وسيلة للشركة مع الله الذى فيه الحياة والحياة نور الناس العالم والطعام خلقا كوسائط للشركة مع الله ، فإنهما إذا أخذا من يد الله فإنهما يصبحان وسائط حياة حقيقية ، ولكن الطعام فى حد ذاته ليس فيه حياة ولا يمكنه أن يعطى حياة ، الله وحده هو الحياة سر الحياة إذا ليس في الطعام وإنما في العمل الإلهى الذى فيه ، إن أكلنا من يد الله فإننا نحيا من خلال شركتنا معه ، ولكن مأساة آدم إنه أكل بعيداً عن الله ، أنه آمن بالطعام كما لو كان هدفا فى حد ذاته فأضحى الطعام والعالم إلها له وصار آدم عبدا لهذا الإله قد يدعى الإنسان الجسدى أنه يؤمن بالله، ولكنه لا يستطيع أن يدعى أن الله هو كل حياته ، غذاؤه ووجوده وكيانه ، هذه هى مأساة الإنسان وخطيئته الكبرى أنه لم يجعل الله حياته ، فجاء أدم الثانى ليصلح الفساد الذي ابتليت به حياة آدم ، جاء ليعيد للإنسان الحياة الحقيقية . لهذا بدأ بالصوم وجاع بعد أن صام أربعين يومـا ، عندما أجوع فإني أكشف ما في داخل نفسي.إما إني أخشى الموت جوعا وإما أن أكون مستقرا مكتفياً بما في داخلي . إنه الوقت الذى فيه أواجه السؤال الحتمى ، على ما تعتمد حياتي ؟ لقد جاءت التجربة لأدم الأول ولأدم الثاني ، وكان كل منهما جائعاً ، وقال الشيطان لهما كلاما حتى يجعل حياتهما من الخبز ، آدم الأول وافق على أن يجعل الخبز مصدر حياته ، وآدم الثانى رفض الإغراء وقال " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله " ، إنه رفض الأكذوبة التي خدع بها الشيطان آدم ثم ألقى بها على العالم كله ، وهى لا تزال إلى الآن طابع الحياة الإنسانية في العلم والفن وكافة الأنشطة الصوم عند المسيحيين إذا هو مدخل وإسهام فى خبرة المسيح نفسه التي بها يحررنا من اعتمادنا الكلى على الطعام والمادة و العالم ، إننا لا نزال نحيا في عالم آدم الأول ، ولا نزال نعتمد على الطعام، لهذا عبر الابن الكلمة المتجسد وادى ظل الموت ليعطينا الحياة التي يحياها مع الآب ، حياة المجد والفرح والحب الإلهى ، لقد أعطى الرب بغلبته على الشيطان في البرية قوة نصرته لكل من يؤمن به ، وصار لكل من يحيا بالإيمان بالمسيح قوة الغلبة على شهوة الخبز وتجربة الاعتماد والاتكال على لقمة العيش ، المسيحى يتجرد بالصوم من الحياة حسب الجسد ليحيا حسب الروح ومن ثم يصبح الله كل غذائه وشبعه وحياته إنه الصوم الذي يصنع هذا التحول ، إنه الصوم الذي يعطينا فرصة التأكد من رفضنا الاعتماد على المادة والطعام ويبقيان مجرد وسيلة ومجال لنيل البركة والنعمة الإلهية بالصوم نستعيد طبيعتنا الروحية الحقيقية ونتحدى الأكذوبة والكذاب الذى خدعنا في أن نعتمد على الطعام في حياتنا ونبني على قاعدة لقمة العيش معارفنا وعلومنا ووجودنا كله ، الصوم هو فضح لهذه الأكذوبة ، أنه كشـف للوهم والغش والخداع إنه المعركة الحقيقية ضد الشيطان لأنه تحد لقانونه ومنهجه الذي به يترأس على العالم فإذا صام المؤمن وجاع واكتشف أنه بالحقيقة راض ومستقر رغم هذا الجوع ثم حول هذا الجوع إلى طاقة روحية وانتصار فإن شيئاً لا يبقى من الأكذوبة الكبرى التي سرت من بدء الخليقة حتى الآن ، ولكن يلزمنا أن نشير إلى أنــــــه ليــس كـــل جـــوع هو حالة روحية ، فهناك جوع لأجل إنقاص الوزن، وجوع لأجل الانتحار ، ولكن الجوع في كنيسة الله هو جوع لأجل الله ، من أجل هذا يلزم أن يرتبط الصوم بالصلاة لأجل الانتعاش ، فبدون أن تتغذى نفوسنا على الحق وبدون ارتباطنا بالطاقة الروحية من خلال الصلاة والقراءات الروحية فلا معنــى للصوم إطلاقاً وإذا كان السيد المسيح قد انتصر على الجوع ليعطينا الغلبة على تجربة الخبز فإن الرب وهبنا أيضاً جسده ودمه الأقدسين كخبز سماوى ووعدنا بأن كل من يأكل جسده ويشرب دمه يثبت فيه وينال الحياة الأبدية ، فمن خلال سر الأفخارستيا نتحد بالرب الظافر وننال قوته ونصرته ، وهذا هو سر حرص الكنيسة على أن تجعل صوم أبنائها مقترناً بالتناول حتى تتقدس ذبيحة صومنا في ذبيحة الأفخارستيا وننــال من خلالها قوة ونصرة وشبعاً وضماناً لعدم العودة إلى الخبز كمصدر وعماد للحياة .أى ألا ننتكس ونرتد إلى خطيئة أبينا آدم الأول في الصوم الأربعينى تطلب الكنيسة من أبنائها أن يجاهدوا كمـا جــاهد المسيح في البرية وانتصر ، تطلب منهم أن يجوعوا معه لينتصروا على جوعهم ويصعدوا طاقتهم إلى صعيد روحى ويفضحوا الأكذوبة القائلة إن الإنسان يأكل ليحيا ، ويؤكدوا حقيقة أن الله وحده هو الخبز الحقيقى والحياة الحقيقية، وكل من يأكله يحيا به إلى الأبد. نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين عن كتاب الصوم الكبير لاهوتيا و كنسيا وروحيا
المزيد
12 مارس 2024

الصوم الكبير لاهوتيا كنسيا روحياً

الكنيسة والصوم الكبير يعتبر الصوم الكبير ربيع الحياة الروحية فى الكنيسة كلها فيه تنمو الاشتياقات الروحية وتزدهر ، وتمتلئ البيعة بموجة نسكية ويسود جو العابدين مسحة من التقشف والاعتكاف والصلوات الممتدة والصمت والتأمل العميق والصوم الكبير يمتد تاريخه إلى العصر الرسولى ، فالمؤمنون يصومون فيه على مثال صوم الرب ، ويختمونه بأسبوع البصخة وعيد الفصح ، وقد جاء في تعاليم الرسل بخصوص الأربعين المقدسة ما نصه " فليكن عندكم جليلا صوم الأربعين تذكارا للفضائل والحسنات التى للرب ، وليكمل هذا الصوم قبل الفصح ويكون بدؤه من يوم الاثنين الثانى من السبوت وكماله يوم الأحد الذي قبل الفصح ، وبعد هذا اهتموا أن تكملوا أسبوع الفصح المقدس وتصوموا كلكم بخوف ورعدة " (دسقولية ١٨ ف ۱۰ ) والكنيسة توصى أبنائها بالصوم الأربعيني لأنها تسير فى إثر خطوات الرب نفسه وتهتدى بهديه وتختط نفس الدرب الذي سار عليه عندما كان في الجليل والناصرة ، إن الكنيسة هي امتداد التجسد ، لهذا تحرص على أن تكون حياة الرب المتجسد نموذجاً يتبعه كل عضو في الجسد ، فقد جاء تاركاً لنا مثالاً لكي نتبع خطواته ، والصوم هو أحد أركان الحياة التي عاشها الرب على الأرض إذ صام أربعين يوماً وأربعين ليلة بسر لا ينطق به ، ، وهكذا رسم للكنيسة أن تصوم معه لكى تتم من خلال هذه الحياة النسكية مقاصده الإلهية وتدابيره المقدسة في هذا العالم فطاعة الكنيسة لمنهج الرب أمر يفسر لماذا حرصت الكنيسة طيلة عصورها علـى عدم التنازل عن حياة الصوم والتقشف، وبالأخص هذا الصوم الذي قدمه الرب نموذجا يحذى وليس الصوم هدفاً فى حد ذاته ، وإنما هو مجال لممارسة الفضائل الروحية من صلاة وخلوة واعتكاف وصمت وهدوء وتأمل ونسك وبذل ورحمة واحتقار لأباطيل العالم ، هذه هى الترجمة العملية لمنهج الرب الذى عاش مصلوبا منذ تجسده حتى موته بالجسد فالصوم هو أحد قسمات الصليب الذى حمله الرب وأوصى الكنيسة أن تحمله معه " إن أراد أحد أن يأتى ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني ( مت ١٦ : ٢٤ ) ، وفى هذا يقول الرسول بولس " إني حامل في جسدى سمات الرب يسوع " (غلا ٦ : ١٧).وإذا كان الرب قد أخلى نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب فليس العبد أفضل من سيده ولا التلميذ أفضل من معلمه فالمؤمن مطالب أن يجحد ترف الحياة وأباطيلها الفارغة ومباهجها الزائفة ليحيا مع المسيح في منهجه النسكى ليغلب كما غلب هو ، والرب وعد أن يعمل في الكنيسة بروحه القدوس طالما الكنيسة أمينة في شهادتها مصلوبة لأجل عريسها وتهدف الكنيسة من الصوم الأربعينى - فضلاً عن بركات الصوم الروحية - أن تعد المؤمنين لاستقبال أسبوع البصخة المقدسة بعد ضمه إلى نهاية الصوم ، فهذا الأسبوع هو قمة الحياة الروحية وعمق حياة الشركة المقدسة ومنتهى السمو للنفس المكرسة الخاضعة الهادفة أن تتحد مع المسيح فى آلامه وموته وقيامته ، فيكف إذا لشعب لاه أن يستقبل أسبوع الآلام ؟ وكيف يمكن لجماعة متخمة بالأطعمة والموائد وخمار هذا العالم أن تتبع المسيح فى أحزانه وآلامه المقدسة، وكيف يمكن لشعب منهزم لخطايا وشهوات عدة أن يعيد عيد النصرة والغلبة والقيامة المجيدة ؟ الصوم الأربعيني هو المجال الذى تتدرب فيه النفس الروحانية على الانطلاق والتحليق في السماويات وتقديم عهود التوبة والانسحاق وعربون النية الحقيقية للموت مع ذاك الذي مات لأجلنا وقام . نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين عن كتاب الصوم الكبير لاهوتيا و كنسيا وروحيا
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل