الأنبا بيمن أسقف ملوي المتنيح

Large image

كمال حبيب أنطونيوس من مواليد القاهرة في 22 يونيو 1930 م. (نفس يوم الرسامة أسقفًا) حصل على ليسانس الآداب (قسم تاريخ) في مايو 1950ثم دبلوم معهد التربية العالي عام 1951ثم ماجستير التربية بمرتبة الشرف عام 1959حصل على بكالوريوس الإكليريكية عام 1963عمل مدرسًا حتى عام 1968 (مدرس أول بالنقراشي النموذجية)استقال من عمله كمدرس وتفرَّغ للخدمة الدينية (تكريس).
عمل مدرسًا بالكلية الإكليريكية عام 1970. ثم ترهب بدير الأنبا بيشوى بأسم الراهب أنطونيوس الأنبا بيشوى عام 1972ثم سيم كاهنًا عام 1973عَيَّنَهُ قداسة البابا شنوده الثالث وكيلاً للبطريركية بالإسكندرية بعد ترقيتهُ إلى درجة القمصية عام 1974انتدبهُ قداسة البابا شنوده الثالث للخدمة في جيرسي سيتي بأمريكا Jersey City, USA (حيث سيم وقتها كاهنًا لكنيستنا الجديدة في جرسي سيتي)، حصل خلالها على درجة الماجستير (من جامعة برنستون Princeton University) بتقدير، ومكث هناك حتى عام 1975.. وبعد سيامته أسقفًا سافر القمص أنطونيوس يونان عوضًا عنه للخدمة بتلك الكنيسة اشتغل في أعمال اللجنة العامة للتربية الكنسية منذ 15 عامًا قبل أسقفيته.ثم أسقف عام 22 يونيو 1975 م.
ثم أسقفًا لإيبارشية ملوي فى 13 يونيو 1976 م. في عيد العنصرة مع الأحبار الأجلاء: الأنبا هدرا مطران أسوان وكوم امبوا وإدفوا - الأنبا ويصا مطران البلينا وبرديس وأولاد طوق وتوابعها، سوهاج. وقد اشترك في الرسامة مع قداسة البابا عشرون من الآباء المطارنة والأساقفة (بخلاف العديد من الآباء الكهنة..)، وكان حينها ذلك هو أكبر عدد من أعضاء المجمع المقدس الذي يشترك في سيامة أساقفة جُدُد منذ سنوات طويلة.. وهم أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء: 1) الأنبا أنطونيوس مطران سوهاج والمنشاه - 2) الأنبا بطرس مطران أخميم وساقلته - 3) الأنبا مينا مطران جرجا وتوابعها - 4) الأنبا ثاوفيلس أسقف ورئيس دير السريان - 5) الأنبا أثناسيوس أسقف بني سويف والبهنسا - 6) الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة والاجتماعية - 7) الأنبا مكسيموس أسقف القليوبية - 8) الأنبا دوماديوس أسقف الجيزة - 9) الأنبا لوكاس أسقف منفلوط وأبنوب - 10) الأنبا أغابيوس أسقف ديروط وصنبو وقسقام - 11) الأنبا ديسقورس أسقف المنوفية - 12) الأنبا مكاريوس أسقف قنا وتوابعها ومحافظات البحر الأحمر - 13) الأنبا بولس أسقف حلوان - 14) الأنبا فيلبس أسقف الدقهلية - 15) الأنبا يوأنس أسقف الغربية - 16) الأنبا باخوميوس أسقف البحيرة ومطروح والخمس المدن الغربية - 17) الأنبا بيشوي أسقف دمياط والبراري وكفر الشيخ - 18) الأنبا أغاثون الأسقف العام وناظر ديريّ المحرق والأنبا بولا - 19) الأنبا تيموثاوس الأسقف العام - 20) صرابامون الأسقف العام ورئيس دير الأنبا بيشوي.

المقالات (20)

30 سبتمبر 2024

الروحانية الارثوذكسية

عندما عشت مع الغربيين في جامعاتهم ، وتأملت في روحياتهم ، أدركت أن الروحانية الأرثوذكسية تختلف جذرياً عن تلك التي في الغرب وقد يكون للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية اثرها على حياة الناس وتفكيرهم وتدينهم ولكن اللاهوت أيضا له أثره الأكبر في تشكيل انماط الناس وعلاقاتهم . فاللاهوت الغربى يقوم على الدراسة والتحليل والبحث والنقد ، حتى اني وجدت طلاب الدكتوراة ينتقدون القديس بولس فيما كتبه عن الرجل والمرأة في كورنثوس الأولى ،وينتقدون نظرة الانجيل نحو الطلاق ويعللون نقدهم هذا بأنه دراسة علمية للظروف الثقافية التي كتب فيها الانجيل ، والتي يظنون أنها قد أثرت على عقلية من كتب ، دون أن يدروا أن ما كتب انما كتب بوحي من الروح القدس فمنهج الكنيسة الأرثوذكسية منهج روحي نسکی اختیاری ، بینما منهج الغرب عقلى تحليل . هدف الحياة الروحية : هدف الحياة الروحية عند الغرب ،هو اسعاد الانسان على الأرض ويفسرون الآية و جئت لتكون لهم حياة ، ويكون لهم أفضل بأن الحياة الأفضل هى الحياة الأرضية المتحضرة والمتقدمة اجتماعياً وثقافياً وليس فى تفكيرهم أن الحياة الأفضل هي الحياة الابدية الحاضرة في "الآن"، كما قصدها الرب أما الحياة الروحية عند الارثوذكسيين فهي حياة تبدأ هنا وتمتد في الابدية لهذا يعطيها الأرثوذكسى كل اهتمامه فصلواته ونسكه وعبادته وخدماته هي من أجل أبديته ، التي يترجاها بالايمان ، ويتوقعها بالصبر الغربيون يركزون على عقيدة أن الله صار انسانا ، ليصير الانسان الها ، فيؤلهون الانسانية ويتنافسون فى استعاد آدمية الانسان والأرثوذكسيون يركزون على عقيدة ان الله صار انسانا ثم صلب ومات وقام لكى يحررنا ويبررنا ويقدسنا ويفتح لنا أبواب الفردوس لم أجد استاذاً واحداً غربياً في الجامعات اللاهوتية ، قد اهتم بالنسك والرهبنة والتكريس ولكن الغالبية تهتم بالانسان في حواره مع الله ،وفي حواره مع نفسه ، وفي حواره مع الآخرين والروحانية الأرثوذكسية تركز على جهاد الإنسان ، والغربيون متأثرون بالقديس أوغسطينوس في تركيزه على النعمة الإلهية ولكن الأرثوذكسى لا يتجاهل عمل النعمة في جهاده ، ولكنه يرى أنه لا نعمة بدون جهاد ، ولا جهاد مقبول إلا بعمل النعمة . يسوع أم الرب يسوع ...؟ والغربيون يكتبون دائما عن « يسوع » ؛ ويكاد اسم الرب يسوع في الكتابات الغربية يقترب من اسم أى شخص عادي ولكن الارثوذكسى عندما يتحدث عن المسيح يقول « ربنا والهنا وتخلصنا يسوع المسيح الذي له المجد دائما الى الابد امين » ذلك أن تعالى الغربى واعتزازه بإنسانيته تجعله يتصور أن الله الذي صار إنساناً يقترب منه تماماً ، متجاهلا الأقنوم الإلهى المخوف المملوء مجداً والأرثوذكسى يمجد الثالوث القدوس في كل صلواته وتسابيحه وأحاديثه ، لأنه يعلم أن المسيح قبل تجسده كان مع الآب والروح القدس في شركة الحب والمجد والفرح وإنه بعد صعوده جلس عن يمين الآب في المجد الذي له قبل كون العالم عندما سألت أحد أساتذة اللاهوت في أمريكا : لماذا لا تركزون على الثالوث القدوس ، وتكتفون بذكر كلمة الرب أو الله ؟ قال لى ان موضوع الاقانيم موضوع دراسة وبحث وجدل والاسهل أن نقول الله وكفى ولقد حزنت كثيراً عندما وجدت غالبية الابحاث اللاهوتية الغربية تغفل عمل الآب . مع أن المسيح له المجد عندما جاء أعلن أنه قادم من عند الآب ، وأنه يريد الكل أن يسأل الآب ، لكي يتمجد الآب مع إبنه . روحانيتنا روحانية ثالوثية فيها اختبار الآب ومحبته ، ونعمة الابن و خلاصه ، وشركة وموهبة وعطية الروح القدس وفاعليته يقول اللاهوتي فلاديمير لوسكي : Trinitarian theology is thus a theology of union, a mystical theology which appeals to experience, and which presupposes a continuous and progressive series of changes in created nature, a more and more intim-ate communion of the human person with the Holy Trinity "Mystical Theology p 67." روحانية شركة ، وليست روحانية فردية : المجتمع الغربي مجتمع فردى بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، وقد أثر هذا على الروحانية نفسها فالغربي يركز على خلاصه الشخصي وتأملاته وأبحاثه ، بينما الأرثوذكسى يهتم كثيراً بحياة الشركة : Koinonia ، فوظائف الكنيسة: اللتيورجيا، الدياكونية، الكينونيا - هي وظائف جماعية وليست فرديةيقول اللاهوتي فلورفسكي :"ان الكنيسة هي شركة اخوة وانها تجمع القديسين ، انها جماعة متحدة مترابطة . انها تجمع المؤمنين ، وليست بعض الافراد المبعثرين" فالرب صنع فصحه مع التلاميذ ، وفي صلاته الشفاعية طلب من الآب أن يوحد الجميع فى واحد . وأسرار الكنيسة تغرس الفرد في وحدة الألفة والمحبة وشركة العلاقة مع أهل بيت الله أي الكنيسة والمؤمن يخلص من خلال الكنيسة وليس خارجها . والعلاقة الشخصية بين الأرثوذكسى والرب ، موضوعة في إطار وحدة المؤمنين المرتبطين برباط الكمال الذي هو رباط المحبة ووحدانية الروح والوحدة ليست بين الاكليروس والعلمانين فقط ، وانما هي وحدة السمائيين مع الأرضيين . فالعلاقة القوية التي تربط المنتصرين الذين كملوا في الايمان مع المجاهدين الذين لا يزالون يركضون نحو الجعالة ، هي محور من أهم محاور الروحانية الارثوذكسية والكنيسة الأرثوذكسية تنظر إلى السماء والأرض وقد اتصلتا بعضهما البعض ، في اتحاد لا ينفصل . ففي القداس الإلهى عندما تبدأ الصلاة ، يفتح ستر الهيكل ، ويصير كل شيء مكشوف ، وتكون الصلاة علانية . لأن المسيح قد جعل الاثنين واحداً ، أى السمائيين والأرضيين . وتصلى الكنيسة قائلة : ( عندما نقف أمامك وقت الصلاة نحسب كالقيام في السماء ) . وفى القداس الاغريغورى تصلى قائلة " الذي أعطى الذين على الأرض تسبيح السيرافيم . اقبل منا نحن أيضاً أصواتنا مع غير المرئيين ، واحسبنا مع القوات السمائية " تكامل دون ثنائية أو تضارب : تبرز في الروحانية الغربية ثنائيات كثيرة مثل: ثنائية الله والانسان الجهاد والنعمة ، الفرد والجماعة ، المادة والفكر ، الجسد والروح ،الزمن والأبدية ولكن في الارثوذكسية لا توجد هذه الثنائيات لأن الكنيسة الأرثوذكسية لم تتأثر بالأفلاطونية التي تعتبر المادة ضد الفكرو الروح . وإنما هي متأثرة بالتجسد الإلهى الذى جعل الكون والمادة والجسد مجالات لتمجيد الله وتقديس اسمه فمنذ أن اتحد اللاهوت بالناسوت فى الله الكلمة ، لم تعد المادة نجسة بل صارت مجالا مباركا تجرى الكنيسة نعم ومواهب الروح القدس من خلالها فالماء والزيت والخمر والخبز ، وسائط ضرورية المارسة الاسرار والجسد هيكل للروح القدس ، والمضجع غير نجس ، وأجسادنا نفسها سوف تقوم في مجد عندما يأتى الرب في مجده ومجد أبيه ، لاننا أبناء نور ، وأبناء قيامة وستسطع أجساد القديسين بالنور والبهاء بعد القيامة والجسد نفسه سيشارك الروح بركات الدهر الآتى ، كما شاركها أتعاب الجهاد في أرض الغربة وعندنا ليس من تضاد بين الزمن والأبدية ، بل هناك تلاحم واتصال لأجل هذا أصبح الزمان داخلا في أعتاب الأبدية ، وأصبحت الأبدية هابطة على تاريخنا ، ساحبة أياه في تخومها اللانهائية . نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين عن مجلة الكرازة العدد الثلاثون عام ١٩٧٥
المزيد
23 سبتمبر 2024

مقدمة علمية للنظرية التربوية عند العلامة اكليمنضس الاسكندري

١ - البعد اللاهوتي لنظرية « المربى » عند الآباء ليست هناك نظرية إلا إذا كانت متأصلة وواضحة ومؤسسة على قواعد لاهوتية سليمة . فاللاهوت عندهم ليس علما منفصلا وانما هو حياة نابضة وقوة دينامية تبعث الحيوية في كل فكر وعمل ومن الصعب أن تفصل اللاهوت عن الأنجيل، عن الكنسيات عن التربويات في نظرية « المربى » ( إلا من جهة الدراسة الأكاديمية ) لان هذه الأبعاد كلها متكاملة ومرتبطة كارتباط أضلاع المربع الواحد اللاهوت يعطى للنظرية بعدها الإلهى والاسكاتولوجي (الاخروى) والكنسيات والتربويات تعطى للنظرية مجال التطبيق العملى والخبرة المعاشة والأمر عندى أن مناهجنا ونظرياتنا ودروسنا في التربية الكنسية تحتاج إلى مزيد من الاتجاه الآبائي هذا يصعب أن تفصل ما هو لاهوتى عما هو كنسى عما هو إنجيلي عما هو تربوى اجتماعي وتعلمنا خبرة كليات اللاهوت الأجنبية خطوره التركيز على الجانب الفكرى في الدراسة اللاهوتية فاللاهوت لا يعرفه الا الودعاء المتضعون كم أتعب الكنيسة أريوس الهرطوقي؟ ! ولكن اثناسيوس الرسولى الذي تتلمذ على يد أنطونيوس كان لاهوتياً نموذجياً لأن سيرته خلت من التعالى والغطرسة والحديث عن الذات واحتقار مؤلفات الآخرين . اللاهوت عند الآباء الأوائل لاهوت ثالوثي تقليدي آبائي ، وهو لاهوت نسکی باطنی mystical .. هو لاهوت حي صالح الحياة اليومية ومواجهة مشكلات الانسان وتحدياته فهو لاهوت لا يغلق عليه في خزائن المعاهد الدينية ولا يستخدم للاستعراض في المؤتمرات والدراسات إنه حياة الثالوث الأقدس فينا إنه فاعلية الأسرار وحياة الشركة في طبيعتنا وإنسانيتنا إنه خبرة عمل النعمة السرى في جهادنا ونسكنا المتواضع يؤمن اكليمنضس أن الله فوق كل علم و تصور وتفكير وعنده أن هناك فارقاً جذرياً بين السعى نحو الله والسعي نحو أشياء عن الله الله لا يعيش فى حيز المكان إنما هو فوق المكان والزمان وملكية الأشياء الله فى ذاته هو وحده الذي يعرف نفسه وهو وحده الذي يعرف حب الله فى ملئه و تمامه نحن نتحدث عما هو في الله بواسطة ما هو كائن من الله نحونا ، فليس هناك مصفوفة أو قائمة تحتوى وترسم حدوداً تصف الله ليس هناك انسان يستطيع أن يعرف ويصف جوهر الله يؤكد اكلمنيضس حقيقة تسامى الله وتعاليه. فهو يقول اننا لا نقرأ في الكتب المقدسة عن يد وفم وقدم وأعين الله ،وان الله يغضب ويهدد وحينما توجد مثل هذه التعبيرات في الكتب المقدسة فانما هي تعبيرات مجازية بسبب القصور والضعف البشرى .لقد وجدنا ان اكليمنضس في تركيزه على تسامى الله المطلق متأثرتأثرا كبيرا بفيلو الفيلسوف اليهودي الشهير والأفلاطونية الحديثة لا تؤمن بوجود وسيط بين الواحد ( الله ) وبين الانسان ، هذا الوسيط الذى ينقل المعرفة من الواحد إلى الشخص البشرى ولكن اكليمنضس لم يكن هكذا والا خرج من دائرة اللاهوت المسيحى فهو يؤمن بأن الابن الكلمة هو الوسيط الحقيقي وانه شخص تاريخي لا جدال في ذلك وعند اكليمنضس أن الله عادل وطيب ،وأن طيبته مرتبطة بعدله وعدله مرتبط بحسنه وجوده ، فقصاص الله ليس مرتبطاً فقط بعدله بل وبإحسانه فهو كالدواء الذى يعطى من الطبيب للمريض الله من شأنه أن يربى الانسان كما يربى الأب الجسدى أولاده ويصلح أخطائهم وقبل ان تستكمل أراء اكليمنضس اللاهوتية في نظريته التربوية لابد لنا أن نعلق على تأثير ما ذكرناه على المجال التربوي . ١- لابد أن ندعو إلى تعميق الجذور اللاهوتية في التعليم الديني. ٢- حقا ان الآب فى نور لا يدنى منه ولكننا لا نوافق على أن الله في تساميه وعلوه يتباعد عنا . فالاب يحبنا وبذل ابنه والابن يخبرنا ان نطلب من الآب ،والمنهج التربوى يهدف إلى شركتنا مع الآب وابنه بالروح القدس الساكن فينا . ٣- ان ارتباط عدل الله ورحمته في مفهوم واحد يصحح لنا ما نقرأه في بعض الكتب التي تصور التناقض - الى حد ما - بين العدل والرحمة فالله جماع المتناقضات ولكن ليس فيه تناقض .. فهو عادل وطيب دون أن تكون طيبته ضعفا ولا عدله وجزمه قسوة لهذا يلزم مراجعة اتجاهات التعليم الديني بحيث أن تكون خبرتنا التربوية متجهة نحو تكامل الجانبين منذ المراحل الأولى التعليمية فلا يصح أن نجعل درسا له هدف ابراز عدل الله دون أن يكون الحديث متكاملا عن الرحمة، ولا يصح أن نصور الله طيباً بطريقة تجعل الأطفال يستهينون بلطف الله فعند نظرية اكليمنضس الرحمة والحق تقابلا . ( يتبع ) نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين عن مجلة الكرازة العدد الثامن والعشرون عام 1975
المزيد
16 سبتمبر 2024

مقدمة علمية للنظرية التربوية عند العلامة اكليمنضس الاسكندرى (المربى ) PEDAGOGUS الدراسات الآبائية :

الدراسات الآبائية عمل ممتع وشاق للغاية شاق لقلة المصادر التي بين أيدينا ، ولبعض جوانب الغموض والتضارب التي يواجهها كل من يتصدى لهذه المجالات ولكنها دراسة ممتعة وهامة وضرورية ، لأنه كلما اقتربنا من العصر الرسولى ، اقتربنا من الأصالة والحياة المسيحية النقية والخبرة الروحية التي تعتبر نموذجا يحتذى ومعيارا يقيم به وفي الدراسات الآبائية تتكامل الجوانب اللاهوتية مع الروحية والاجتماعية بطريقة ممتازة ومنهج رائع وفي الدراسات الآبائية قضايا تصدت لها الكنيسة وأعطت رأياً وقد تختلف قضايانا ومعاناتنا عما كان في الأيام الأولى ، ولكن الباحث يستطيع أن يقدم لعصرنا منهجاً أصيلا لكيفية مواجهة تحديات الحياة اليومية والدراسات الآبائية لازمة للكنيسة الشرقية بنوع خاص ، لانها كنيسة تقليدية متجذرة في الاصول التاريخية والاعماق الايمانية وعلى ذلك فإن الدراسة الآبائية تمثل قنطرة ومعبراً ممتازاً يصل الماضي بالحاضر ، ويربط القديم بالجديد الحاضر يزداد خصوبة بالعمق الآبائي والماضي يزداد حيوية وقيمة بدينامية استخدامه في الحياة العملية إن النهضة الواضحة في بعث الدراسات الآبائية في العالم تمثل علامة صحية التقدم والنمو فى الجوانب اللاهوتية والكنيسة المسكونية وبالرغم من أن الاباء لم يتعرضوا كثيرا للنظريات التربوية لان علم التربية بشكله المعروف لدينا حديث العهد الا اننا نجد أن بعض الاباء استطاعوا أن يقدموا لنا مناهج ونظريات تربوية غاية في العمق والاهمية تذكر منهم على سبيل المثال القديس اكلمينضس الاسكندري في الشرق ، والقديس اوغسطينوس في الغرب . القديس اكليمنضس الاسكندرى : وإذا ما أردنا أن نعالج النظرية التربوية عند اكليمنضس فإنه لا بد من سرد موجز لحياته لما لهذا من أهمية في إيضاح نظريته تيطس فلافيوس كليمنس Titus Flavius Glemens هو أحد عمداء مدرسة الإسكندرية اللاهوتية الشهيرة . كان فيلسوفاً وثنياً ونحن لا نعرف الكثير عن حياته الأولى ، ولا عن تاريخ ميلاده، وإن كان البعض يعتقد أنه سنة ١٥٠ م كذلك نحن غير متأكدين من مكان نشأته : هل هو الإسكندرية أم أثينا ، أغلب الغربيين ينادون بأنه أثينا ( وأغلب الظن أن هذا بسبب أنه كان يتكلم ويكتب اليونانية ) والبعض القليل من الشرقيين يؤكد أنه الاسكندرية .اسمه لاتيني الأصل وليس إغريقياً والشائع أنه من أسرة أرستقراطية رفيعة النسب والحسب كان الوالدان وثنيين، ومن العجيب أنه لم يترك لنا شيئاً عن تحوله وهدايته إلى المسيحية كان اكليمنضس ساعيا نحو التعرف على الحق الذي يشبع عقله وقلبه وخلقياته . لم يجد هذا الشبع في آلهة الأغريق رغم عمق دراساته للوثنية قام بجولة واسعة فى بلاد الحضارة ومهبط الأديان وشجعه على ذلك ما يمتلكه من ثروة وجاه إنه يخبرنا في عبارة مشهورة له أنه لم يوجد ما يشبعه وما يملأ نفسه فرحاً وسلاماً مثلما سمعه من المغبوط المبارك المستحق كل تقدير وإعزاز (يقصد هنا أستاذه ومعلمه بنتينوس عميد مدرسة الاسكندرية آنذاك ) انه كما يقول قد تتلمذ واستلم الحق من الذين سبقوه وهؤلاء استلموه من الرسل الأطهار بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس هؤلاء الذين نلنا بركتهم ونعمتهم وتعاليمهم المقدسة عبر التقليد الرسولى في سنة ۱٨٠ ميلادية وصل أكليمنضس إلى الاسكندرية وبدأ يعمل مع بنتينوس وحوالى سنة ۱۸۹ صار عميداً لمدرسة الاسكندرية بعد نياحة سلفه ورسم قساً إما في هذا التاريخ أو بعده بقليل يقول الباحث فيرجسون أنه من المحتمل جداً أن يكون أكليمنضس قد تزوج، وأدلته على هذا كتاباته عن الزواج في كتاب المربى ، وبالأخص قوله إن الرجل بلا أسرة يفقد الكثير ( 12 : 7 .str ) وأثناء اضطهادات سافيروس رحل أكليمنضس من الاسكندرية ، واستقر فى أورشليم . والفترة الأخيرة من حياته يسودها غموض كبير وإن كان من الأرجح إنه تنيح حوالى ٢٢٠ م . تقديرنا لهذا العلامة : إن دراستي للعلامة اكليمنضس أعطتني احتراماً وتقديراً كبيراً للرجل فهو أول من وضع نظرية تربوية ذات طابع مسيحى وهو أول من نادى بأن الكلمة الابن هو المربى الحقيقي وهو أول من جمع بين الثقافات الإغريقة بكل مدارسها واليهودية والمسيحية الناشئة ، دون أن ينزلق في هرطقات وبدع وبذلك قدم للعالم نموذجا رائعا للعالم المسيحي الذي يصالح بين اللاهوت والعلم ، وبين الدين والفلسفة ، وبين الايمان والبحث والدراسة وهو من الرواد الأوائل الذين تلمذوا القيادات الفكرية التي عمت المسكونة كلها ، وواجهت الهرطقات والبدع وتحديات العصر الفكرية والاجتماعية وهو احدى ثمار المدرسة اللاهوتية الاسكندرية العظيمة ، كما أنه أيضا أحد الذين أعطوا لهذه المدرسة مكانتها وهيبتها وعظمتها الفكرية في كل بلاد العالم المتحضر تحية تقدير لاكليمنضس الذى لا تزال كليات التربية في العالم كله تدرس نظريته وتستلهم منها إشراقات على الرغم من كل التقدم المعاصر في النظريات التربوية والنفسية .( يتبع ) نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين عن مجلة الكرازة العدد السابع والعشرون عام 1975
المزيد
12 أغسطس 2024

العذراء وحياة الاحتمال

تعتبر العذراء مريم نموذجا في حياة الصبر والاحتمال ، فمنذ ولادتها حتى نياحتها وصعود جسدها الطاهر ، وهي تحيا حياة قوامها الألم ، اذ تحققت فيها النبوءة « وانت يجوز في قلبك سيف » . منذ الطفولة إذا ما تتبعنا حياة العذراء ، لوجدنا أنها قاست آلاماً كثيرة . ففي الطفولة الأولى عاشت حياة اليتم ، فقد مات يواقيم أبوها وهي في سن السادسة ، بينما ماتت حنة أمها وهي في الثامنة وهكذا عاشت مريم منذ نعومة اظافرها بلا اب او ام ولكنها عاشت في الهيكل عابدة مصلية خادمة إن اليتم يترك بصمات صعبة على نفسية الإنسان أحياناً ،ولكن العذراء كانت مثالا في تجاوز آلام الطفولة وحرماناتها وهذا نموذج وهذا عزاء لكل طفل يحيا حياتة الأولى بعيداً عن حنان الأمومة وعطف الأبوة إن مريم هي شفيعة كل هؤلاء لأنها فيما قد تألمت مجربة بكل هذه الآلام قادرة أن ترفع لابنها شفاعتها عن كل محروم ومحتاج ومسكين ، مادياً أو نفسياً أو اجتماعياً وعاشت العذراء في بيت يوسف في الناصرة ، في حياة صعبة خالية من الترف والراحة . ولكنها كانت صابرة وفرحة ،مطيعة لخطيبها ، مكرسة كل أوقاتها للعبادة ، حتى استحقت أن يأتيها الملاك مبشراً إياها بأنها قد وجدت نعمة عند الرب، وأنها ستحبل وتلد ابنا تسميه يسوع ، هذا يكون عظيما وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهايه (لوقا ۱ : ۲۰-۲۳) وقد أطاعت العذراء صوت السماء قائلة هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك ، ومنذ هذه اللحظة حل الأقنوم الثاني في أحشائها التي طهرها الروح القدس لكي تكون عرشاً للرب يسوع وسماءاً ثانية . بشرى تحمل طابع المعاناة والمتأمل في هذه البشرى المفرحة ،يجد أنها تحمل طابع المعاناة أيضا لأنه لم يسمع في البشرية كلها أن عذراء تحبل وتلد وهذا لا بد أن يعرضها لأفكار وهواجس عند يوسف البار ، وقد تتعرض إلى متاعب من البيئة التي تحيا فيها ولكن مريم احتملت واطاعت و خضعت وقدمت نموذجا لحياة الايمان المليء بالالم وبذل الذات ،وبالفعل عندما لاحظ يوسف علامات الحمل على العذراء ساورته الشكوك ، ولكنه إذ كان باراً لم يرد أن يشهرها ، وفيما هو يفكر في هذه الأمور ، لم تتركه السماء في حيرته، إذ تراءى له ملاك الرب في حلم قائلا لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك ، لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس ( مت ۱ : ۲۰ ) وفى الميلاد عانت مریم و تالمت و احتملت إذ صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة ، فصعد يوسف من الجليل من الناصرة إلى اليهودية إلى بيت لحم، لكونه من بيت داود ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى ، وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد ، فولدت إبنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود ، إذ لم يكن لهما موضع في المنزل . صبر و احتمال عجيب : من من الناس يرضى ان يضع وليده في مدود للبهائم ؟! ومن من الناس يقبل أن ينزل الوليد ، فلا يجد ما يغطى جسده الغض سوى قطع بالية قديمة من الأقمشة ؟ ! كل هذا والعذراء تعرف يقيناً أن الذي ولد منها هو المسيا المنتظر طوباك ايتها العذراء ، يا من عشت حياة الصبر ، ولم يكن عندك احتجاج ولا تذمر ولا حتى تساؤل ، بل تسليم كامل للمشيئة الالهية ، وطاعة تامة للمقاصد الأبوية وما أن ولدت العذراء طفلها ، حتى ظهر الملاك ليوسف في حلم قائلا و قم وخذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك ، ( مت ۲ : ١٣ - ١٥ ) . وبعد أن أمضت العائلة المقدسة في مصر الفترة المحددة من السماء ، إلى حين موت الذي يطلب الصبى ، عادت العائلة إلى الناصرة وكان الصبى ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه طوباك ايتها العذراء يا من احتملت السفر الطويل الشاق وطوباك ايتها البتول لانك في كل مسيرة حياتك ، كان الألم الجسدي والنفسي قربانا على مذبح الطاعة شبيه بالمر الذي قدم من المجوس . أحشائي تلتهب ، ولكني أفرح : ومن في البشرية كلها يحتمل أن يعلق ابنه على الصليب محتملا أصعب وأمر الآلام لقد كانت احشاء العذراء تتمزق ،وهي واقفة عند الصليب مع مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية ( يو ١٩ : ٢٥ ) قائلة في قلبها "أما العالم فيفرح بقبوله الخلاص ،وأما أحشائي فتلتهب عند نظرى إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه يا ابني وإلهي " إن كل أم متألمة مهما اشتدت آلامها ، عندما ترفع قلبها بالروح نحو الصليب ، وترى مريم في صمتها واتضاعها وصبرها واحتمالها ، تهون عليها كل أوجاعها ، لأن شفيعة البشرية تشفع في كل من يختبر شيئا من اختباراتها الروحية العجيبة ثم استودع يسوع أمه عند التلميذ الذي كان يحبه ، وكانت العذراء مع التلاميذ طيلة فترة الأربعين المقدسة ، ما بين القيامة والصعود، مواظبة معهم على الصلاة والطلبة ، وحضرت يوم العنصرة في بيت مرقس في العلية وبعد خمسة عشر عاما من صعوه الرب ، جاء الرب يسوع بنفسه لياخد روحها الطاهرة بين يديه وكان ذلك يوم الأحد ٢١ طوبة، ورفع الرسل جسدها الطاهر وهم يرتلون مع الملائكة المحتفلين بانتقال أم النور ان الصبر واحتمال الآلام وحمل الصليب ، ليس نذرا رهبانيا فقط ، وانما هو دعوة عامة لكل مؤمن يريد أن يتبع يسوع باخلاص قلب ويسوع رئيس كهنتنا العظيم إذ هو رئيس أحبار رحيم ، قادر أن يرثى لضعفاتنا ويعيننا في تجاربنا ، لأنه اختبر كل أنواع الآلام البشرية .ووعده صادق أمين " تكفيك نعمتى لان قوتي في الضعف تكمل" ان سر الألم هو أحد اسرار الحياة المسيحية ، وهو يمنح كل مختبريه حياة الطاعة الحقة ( تعلم الطاعة مما تألم به ) وهو سر يهيء النفس لتقبل إشراقة المسيح الحلوة وتدفق سر المحبة الصادقة صلاة : أيتها الشفيعة المؤتمنة عن جنس البشرية إشفعي فينا أمام إبنك الوحيد ،كثيرة هي شفاعتك ومقبولة عنده .ان تألمنا آزرینا بصلواتك ، لأنك تالمت كثيرا واحتملت كثيرا وإن ضعفنا فاسرعى لنجدتنا لأنك أم يسوع وأمنا أيضاً. واسمحى يا من ظهرت في الزيتون ، لتشددى شعب مصر الذي باركه الرب منذ القدم ، أن يكون أبناؤك في كرازة مار مرقس بالبركة ألوف ألوف وربوات ربوات، مؤمنين صابرين في الضيق حارين في الروح ، فرحين في الرجاء آمين المتنيح نيافة الأنبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والأشمونين عن مجلة الكرازة العدد الرابع والثلاثون عام 1976
المزيد
05 أغسطس 2024

يمين الرب

"يمين الرب صنعت قوة . يمين الرب رفعتني . يمين الرب صنعت قوة فلن أموت بعد بل أحيا وأحدث بأعمال الرب " مز ۱۱۸ يعتبر داود النبي أحد الشخصيات الروحية التي تعاملت في عمق مع يمين الرب المعتزة بالقدرة - له معها اختبارات عميقة ورائعة ، سجل بعضها في مزاميره الرائعة ، كما ظهرت آثارها في سيرته وحياته . فهو منذ أن كان صبياً راعي غنم كانت له اختبارات مع الله فقد هجم على قطيعه دب وأسد ، وكان بعد حدثاً صغيراً ،ولكنه اعتمد على يد الله العجيبة ،وتقدم إليهما ومزقهما كما يمزق الصبي قصاصة ورق أو خرقة بالية وعندما كبر قليلا إختبر أيضاً يمين الله الجبارة ، عندما رأى عملاقاً . عاتياً يعير صفوف جيش الرب ، ولم يجرؤ أحد على التقدم منه ، لأنه كان مرعباً مهولا كان شعبه اسطورة فمن يقدر أن ينازله ويساجله ؟! ولكن الصبى داود الذي خبأ في قلبه إختبارات قوية سابقة إستطاع أن يتقدم إلى الملك شاول الذى هزأ به في بادىء الأمر ، وقال له إنك غلام وهو رجل حرب منذ صباه أجابه داود صاحب الاختبارات : عبدك كان يرعى لأبيه غنما فجاء أسد مع دب ، وأخذ شاة من القطيع ، فخرجت وراءه وأنقذتها من فيه . ولما قام على أمسكت به وقتلته . فقتل عبدك الأسد والدب وهذا الأغلف يكون كواحد منهما ، لأنه عير صفوف الله الحى واستطاع داود أن يصرع جليات إذ قال له أنت تأتى إلى بسيف ورمح وترس وأنا أتي إليك باسم رب الجنود وبالفعل قطع رأسه مستخدماً مقلاعاً وخمسة أحجار ملس من الوادى .ويمين الرب التي سندت مرنم اسرائيل الحلو ، هي هي أمس واليوم والى الأبد ، لا تزال تسند كل الذين يستندون على ذراع الرب ، وليس على زراع البشر ففي كل حروب أولاد الله الروحية يتذكرون قول داود "على رجز الأعداء مددت يدك ، وخلصتي يمينك" ولعل أول اختبار نلمسه في معاملات يمين الرب معنا هي أن : يمينه تدعوني .. لقد اختبر داود حياة الدعوة عندما أرسل الرب صموئيل لبيت يسى البيت لحمى ليمسح الملك المختار من الله ورفض الرب جميع أولاد يسى ، لأن يمين الرب أشارت إلى الصبي داود المختار من الله ولا يزال الرب يدعونا بيمينة الطاهرة ، إنه يريد الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون وضرب الرب مثلا عن ملكوت الله بإنسان دعا عبيده إلى العرس ولكنهم اعتذروا وبين شروط الدعوة في الإيمان بشخصه المبارك ، وإنكار الذات ، وجمل الصليب، والسير وراءه مفضلا إياه عن كل محبة بشرية . وعندما نتأمل معاملات يمين الله في دعوته تجده يدعو واحداً في الجليل ، وآخر عند مكان الجباية ، وثالثاً من فوق الجميزة ، ورابعاً وهو في طريقه إلى دمشق ولكن الأمر الذي لا شك فيه ، إنه بدون قبول الدعوة لا بداية صحيحة للطريق فالشاب الغنى مضى حزينة ( مت ۱۹ : ۲۲ ) لأنه رفض الدعوة ، اذ كان ذا أموال كثيرة وصاحب الحقل، والمتزوج حديثاً ، والذي عنده بقرات ، إعتذروا عن دعوة العرس . ولا يزال ألوف من الناس يرفضون الدعوة لأجل هموم الحياة وغرور الغني والإتكال على الذات ان القلب المستعد هو القلب الذي يشعر بيمين الرب تدعوه "مستعد قلبی یا الله مستعد »وهذا الإستعداد ليس مجرد مشاعر أو عواطف، وإنما هو إستعداد كياني يلتزم بالمواقف والإستجابة الفرحة الباذلة حتى الموت إنها دعوة موجهة الآن إلى كل منا ، تشير علينا أن نأخذ منه ذهباً مصفى بالنار كي تجدد عهد معموديتنا بالتوبة الصادقة ، وننهض من تكاسلنا لنقوم ونبنى أسوار أورشليم ولا نعود بعد عاراً . يمينه تقودني : لقد إختبر داود قيادة الرب ورعايته فنطق مسبحاً و الرب يرعاني فلا يعوزني شيء " إن سرت في وسط ظلال الموت ، فلا أخاف شراً لانك معى " وفى مسيرة شعب الله في القديم ، كانت يد الله تقود الشعب في شكل سحابة نهارا ، وعموداً من النار ليلا نجد قيادة الله واضحة من خلال الأنبياء الذين أعلنوا قول الرب، والملوك الذين أطاعوا وصاياه وفي كل عصر وجيل يحيا المؤمن في سلام وراحة عندما يسلم قيادة نفسه للرب ، مرنماً مع داود " عندما يقترب من الأشرار ليأكلوا لحمى مضايقي وأعدائى عثروا وسقطوا وإن يحاربي جيش فلن يخاف قلبي" لقد احتفظ الرب يسوع بآثار المسامير في يديه ، لكي يبقى فيها . ينبوع حب دائم لا ينضب . إذ فيما هو قد تألم مجرباً ، يقدر أن يعين المجربين . وإذ لنا رئيس كهنة رحيم يقدر أن يرثى لضعفاتنا لقد اختبرت يمينه كل تجارب الحياة فيما عدا الخطية وحدها إن يده يد حكيمة مختبرة ، ماهرة قادرة على قيادة الجميع مهما كانت ظروفهم وأحوالهم . ان يد الرب ليست قاصرة عن أن تخلص ... وفي منهج قيادة الرب بيمينه لشعبه ، نلحظ أنه يستخدم أسلوب التعزية والتشجيع ، كما يستعمل أيضاً منهج التأديب والتوبيخ .. وفي هذا يقول داود النبي. عصاك وعكازك هما يعزياني.. وقد تشير العصا إلى التأديب ، بينما يشير العكاز إلى المساندة والتشجيع وعلى النفس المستسلمة أن تبذل ذاتها ، وتخضع بالتمام للمشيئة الالهية وسط كل الأحداث، وتذعن لمشورته ومقاصده الأبوية السماوية وتفرح لكل التدابير التي ترتضيها العناية الإلهية حتى لو كانت ضد مشيئة الذات. يمينه ترسلنی : الإرسالية هي نتاج الدعوة الصادقة ، والتبعية المخلصة لقيادة الرب الأمينة . والإرسالية والامتلاء لا يأخذ شكلا واحداً ، ولكنه يتعدد في صورة حسب الأشخاص والمواهب . فقد يأخذ طابع الخدمة والكرازة والتبشير والافتقاد ، وقد يتخذ طابع رعاية اليتامى والأرامل والحزاني والمرضى ، وقد يتخذ طابع الهدوء والتأمل والانسكاب الكامل في حياة الخلوة والعبادة لكن الذي يجمع هذه الأنماط جميعها ، هو الحياة المكرسة بالتمام لمجد الله كى يكون المسيح هو الكل في الكل إن يمين الرب تعمل بقوة ، ليس فى أفراد متناثرين ، ولكنها تفيض بالمواهب من خلال الكنيسة وحياة الشركة ليت الله يدعونا جميعاً ، ونستمع ونستجيب تاركين أماكن الجياية ليته يقودنا كلنا كجيش ذى الوية ، ناسين ذواتنا ، جاحدين مشيئتنا، خاضعين دوماً لمقاصده السماوية الأزلية وياليته يملأنا ويرسل الوف الوف وربوات ربوات . فالحقول أبيضت والحصاد كثير والفعلة قليلون قم يارب إصنع الخلاص علانيه . المتنيح نيافة الحبر الجليل الأنبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والأشمونين عن مجلة الكرازة العدد الثانى والثلاثون عام 1976
المزيد
02 أبريل 2024

مفاهيم غريبة عن معنى الصوم

١-ليس الصوم إذلالاً للبدن يظن البعض أن الصوم هو لإهلاك الجسد وإضعافه وسر هذه النظرة الخاطئة عدم تفهم بعض أقوال الكتاب المقدس مثل " أقمع جسدى وأســــــــتعبده " ، الجسد يشتهى ضد الروح والروح يشتهى ضد الجسد " ، والحقيقة أن مفهوم الجسد هنا لا يعني البدن أو الهيكل الجسدى وإنما يعنى الإرادة الفاسدة والإنسان العتيق ، والذي أدخل إلى التصوف المسيحى مفهوم النسك الخاطئ القائم على منهج الثنائية بين الجسد والروح العقيدة الأفلاطونية التى تسربت إلى المسيحية وكانت تنادى بأن العالم المادى ليس من أعمال الله وأن كل ما هو مادى إنما هو حقير وكل ما هو مجرد فهو راقي ، هذا الاتجاه لا يوافق مقاصد الله من الإنسان وإنما هو فكر أفلاطوني ينظر إلى الجسم كسجن للعقل وللجسد كمقبرة للروح ، أما الكتاب المقدس فهو دائما أبدا يرفض نظرية الثنائية تماما ويؤكد مبدأ وحدة الجسد والنفس " السيكوفسيولوجي " . وقد علمنا الأباء أن النسك لا يجب أن ينحرف إلى الدرجة التي نقسو فيها على أجسادنا فتعاق عن تأدية واجبات الحياة بنشاط ، وأن التركيز كله ينبغى أن يكون داخليا موجها إلى الإرادة التي تسوقنا إلى الشهوة والخطية . إن الصوم ليس نوعا من الكبت والحرمان وليس هو فريضة ثقيلة مفروضة على النفس من الخارج وإنما هو حب وانتعاش للروح وتخلية إرادية عن شهوة الطعام للإعلاء بها نحو حب الله . الصوم إذا ليس إذلال للبدن وإنما هو إذلالا لشهوة الجسد وليس هو إضعافا للجسد وإنما هو إماتة للجموح والانحراف والإرادة الفاسدة التى تسكن الجسد . ٢- ليس الصوم تكفيرا عن الخطايا يظن البعض أن الصوم تكفيرا عن الخطايا ، وأنه يمحو الذنوب والآثام ، ولكن الحقيقة أنه ليس من وسيلة للغفران إلا دم يسوع المسيح وحده إذ يقول الكتاب متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذى قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله "( رو ٣ : ٢٤ ، ٢٥ ) ، ويقول أيضا " هذا هو حمل الله الذى يرفع خطيئة العالم "(يو ۱: ۲۹).فليس في المسيحية من وسيلة لمحو الخطيئة إلا دم يسوع المسيح وحده ، ولذلك يلزمنا لكي ننال الغفران أن نتوب ونعترف بخطايانا ثم نتقدم للمذبح لنأكل الجسد المقدس ونشرب الدم الكريم ومن خلال هذا الاتحاد ننال الغفران والخلاص الأبدى أما الصوم فهو أحد وسائط النعمة ، إنه واسطة ، إنه وسيلة فقط ، إنه مجال ، إنه مناخ ، إنه تهيئة لكى تنتعش النفس ويتوب القلب وتندم الإرادة ، الفكرة الشائعة أن الأصوام تمحو الخطايا فكرة غير مسيحية وتتناقض مع عقيدة أساسية هي أنه لا غفران إلا بدم المسيح وحده . ولكن إن كان الصوم مقترناً بالصلاة والتوبة وعمل الرحمة ومكملا بسر الأفخارستيا فهنا تكمن المغفرة وترفع عن النفس الدينونة لأن الصوم مهد إلى التوبة ، والتوبة مهدت إلى الاتحاد بالمسيح الذي فيه ننال خلاصنا وتبريرنا وتقديسنا وفرحنا وأبديتنا . ٣- ليس الصوم للصحة يرى البعض أن الصوم مفيد للصحة ويرجعون هذا إلى أن البقول أنفع لصحة الأبدان وأدعى لإطالة الأعمار كما يستندون إلى الكتاب المقدس الذي يؤيد أن البقول كانت الطعام الأصلى للإنسان وليس اللحوم ( تك ۱ : ۲۹ ) ، وأن متوشالح عاش ٩٦٩ على هذا النوع من الطعام بينما انخفضت الأعمار إلى ۱۲۰ عاماً بعد التصريح بأكل اللحم ( تك ۹ : ۳ ) ثم إلى ٨۰ سنة حسب قول مرنم إسرائيل " أيام سنيننا هي سبعون سنة وإن كانت مع القوة فثمانون سنة أفخرها تعب وبلية "(مز ۹۰: ۱۰).وبالرغم من صحة هذا القول في جوانب كثيرة إلا أنه يلزمنا أن نشير إلى أمرين : الأول هو أن بعض الأجساد حالياً لا تحتمل أكل البقول وخاصة من تعانى من أمراض الجهاز الهضمى ، وأنها تهزل بشدة لو صامت فترة طويلة ، والثاني هو أن الصوم لم يكن هدفه تحسين صحة الأجساد بقدر ما هو مجال لانتعاش الروح وممارسة الفضائل التي سبق ذكرها فى هذا المقال .أما بالنسبة لضعاف الأجساد فينصح آباء الاعتراف بتحديد معقول لفترات الانقطاع وأن يتعاونوا مع أطباء أتقياء فى تدبير الجسد بأسلوب لا يجعله هزيلاً وفي نفس الوقت لا يعطل طاعتهم لوصية الصوم ، وينصح الآباء المختبرون عدم التطرف في الأصوام حتى لا يصاب الجسد بالهزال الشديد والأنيميا ويعطون في نصائحهم نموذجاً للاستنارة والاعتدال شخصية أب الرهبان وكوكب البرية الذي خرج من اعتكافه الذي دام عشرين عاماً لا هزيلاً من شدة النسك ولا بدينا من الترهل وكثرة الأطعمة والكسل .إننا عندما نعلل الصوم بالعامل الصحى نفرغ الصوم من جماله الروحي وقوته الخلاقة بهذا التبرير المختلق وننسى أنه متعة ، لأنه عودة إلى الحياة الفردوسية التي فيها عاش آدم لا يأكل لحما وكانت الحيوانات تخضع له . نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين عن كتاب الصوم الكبير لاهوتيا و كنسيا وروحيا
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل