الشباب هو العصر مكثفا ، وحياة العصر في الضجيج والعمل السريع والتوتر الدائم ، لذلك كثيرا ما تنزعج النفس وتحتاج الى مكان الخلوة والهدوء والراحة ومثل هذه الأماكن تعطى فرصاً للتأمل ومحاسبة النفس ، إنها بمثابة وقوف على ربوة عالية لإستكشاف معالم الطريق وأحوال المسيرة على الدرب خشية حدوث إنحراف أو إغتراب أو إنزلاق اود ان أركز على أربعة نقاط أساسية في العمل الشبابي :
١- إننا نستهدف نمواً متكاملا للشباب .
٢ - إننا نمى توازنا بين أبعاد الثنائيات روحياً واجتماعياً .
٣- إننا نستخدم الطرائق العصرية والتقليدية معاً . ٤- إننا نتعرف على احتياجات الشباب والمجتمع وتمتد بها إلى الأصالة والعمق .
أولا : النمو المتكامل :
في نهاية الإصحاح الثانى من بشاره معلمنا لوقا يتحدث البشير عن الرب يسوع قائلا "وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمه والقامة والنعمة عند الله والناس " لو ٢ : ٥٢
هذا النموذج الذى ينبغى أن يوضع أمامنا ، يعطينا فكرة عن النمو المتكامل ، من كافة الوجوه وسمة العصر تلح علينا بفكرة التكامل ، كما أن لاهوتنا الارثوذكسى يحتم التكامل أيضا الأرثوذكسية هي الاستقامة ، استقامة في السيرة والمنهج، في الخارج والداخل ، في الجسد والروح معاً فيما هو بشرى ، وما هو سماوى أيضاً كيف يمكن أن يكون هناك شاب متقدم في الروحيات ،ولا يعرف كيف يحيا وسط الناس ؟!
وكيف يمكن أن يكون هناك شاب يريد أن يكون مسيحياً ،
ويكتفى بالعلاقات الاجتماعية دون الحياة الباطنية ؟!
فمبدأ التكامل اذن فلسفة وسياسة ونمط حياة ، تلتزم به الخدمة بين أسر الشباب إن فقدان أي جانب من جوانب النمو ، يضعف تكامل الشخصية ،ويشوه خليقة قال عنها الكتاب إنها على صورة الله ومثاله على أنه يلزمنا أن نوضح أن مبدأ التكامل لا يعنى أن الحياة الروحية مجرد جانب من جوانب الشخصية ، وإنما يعنى أن لها مركزاً هو البؤرة ، والمحور ، والمركز الذي تدور حوله كل الأنشطة فنحن نرفض الانجيل الاجتماعي الذي يسود البلاد الغربية الآن ، عندما اكتفت بالخلقيات والفضائل الاجتماعية ، والقت وراء ظهرها رسالة الصليب والخلاص الطرق التربوية التقدمية قد تنشىء إنساناً ، ونحن نحترم إنسانية الإنسان . ولكن الحياة الروحية تخلق قديساً ،ونحن نسعى أن تمتد بالمولود من الجسد ومشيئة الرجل ، إلى أن يحيا وفقاً للميلاد الجديد بالماء والروح قد رأيت بعينى رأسى الكنائس الغربية في الخارج تبذل جهداً جباراً ، وقد نجحت في كل شيء إلا أن توصل المسيح إلى الناس !!
إن كثيرا منها يفتقر إلى شخص الرب يسوع وعمل الروح القدس ان لم تكن أسر الشباب الجامعي هادفة نحو خلاص الانسان ،و تحريره من الخطيئة والذات والخوف من الموت ، فان عملها خارج عن متن رسالة الانجيل وبشارة الملكوت نحن نستطيع أن نقيم جميع أنشطتنا على هذا المعيار ؟ هل عملنا هذا متكامل ومكثف نحو الأبدية هادف إلى خلاص النفس أم لا ؟ !
ثانياً : التوازن بين الثنائيات :
تحفل جميع البلاد الغربية بجميع أنواع الثنائيات لاهوتيا
واجتماعيا فالفكر اللاهوتى عندهم يفصل بين الطبيعتين الإلهية والناسوتية للسيد المسيح . أما نحن فعندنا وحدة اللاهوت والناسوت البلاد الغربية متأثرة إلى يومنا هذا بالفكر الأفلاطوني الذي يقوم على ثنائية المادة والفكر . لهذا تجد الفلسفة الغربية تنحو نحو الديالكتيك والتضاد ، لا إلى التكامل والتصالح لنعرض لبعض الأمثلة على تطبيق هذا المبدأ في عملنا وسط الشباب.
الله والانسان : .واحد يقول العمل هو إلهى فقط "وبالنعمة أنتم مخلصون". . آخر يقول العمل بشرى إلى أبعد حد ، والإنسان يجاهد ليخلص الأول أوغسطيني والثاني بيلاجي والأرثوذكسي يؤمن بالتناغم بين ما هو الهى وما هو انساني النعمة والجهاد معا الايمان والأعمال معا الالهى والانساني معا .
الفرد والجماعة :
واحد يركز على فردية الخلاص . والحياة المسيحية عنده
ديانة شخصية آخر يركز على فكرة شكلية الانتماء إلى الجماعة الكنسية هذا متطرف ، وذاك متطرف أيضاً . أما الأرثوذكسى فهو يؤمن بأن الحياة الروحية شخصية وكنسية معا فالرب عندما صنع الفصح صنعه مع تلاميذه والروح القدس يوم الخمسين ، حل على جماعة الرسل
والمريمات معاً .فالأرثوذكسية إذن تؤمن بتجاوز الفوارق، وتتعدى الحواجز أيضاً مفهوم الكنيسة اذن هو شركة Communion ، والشركة هي شركة - مؤمنين ، مجاهدين معاً بنفس واحدة ، على حد تعبير المغبوط بولس في رسالته إلى أهل فيلبي .
الحرية والسلطة :
هناك أناس عصريون بطريقة جسدية ، يركزون على الحرية بمعنى الإباحية وهناك أناس متزمتون ، يرفضون العصر بكل ما فيه وسلاحهم في هذا السلطة ضد كل ما هو تقدمى البعض يفهم السلطة في الكنيسة استبداداً والبعض يفهم الحرية في الإنجيل تحرراً من الضوابط والجهاد والنسك أما الأرثوذكسيى فيؤمن أن الحرية عنده هي ان يخضع لسلطان الحق بملء ارادته ، والحق يحرره من ذاته وحرية مجد أولاد الله تعطيه انطلاقا في التصرف الى أن يصبح غير مستعبد للناموس، بل يتجاوزه
إلى العبادة بالنعمة والفرح ، لا بالعبودية والخوف ، أي من منطلق جيل التجلى ، وليس من منطلق جيل سيناء
الجسد والروح :
هناك إنسان يرفض كل ما هو جسدى ، ويحتقر المادة المنظورة الأول مقطوع مع مانى والغنوسية المنحرفة ، ومجمع غنغرا وهناك من لا يعطى للروح اهتماماً ، وعينه دائماً على الأمور أعطى للجسد كرامته التي له في الكتاب المقدس كهيكل للروح القدس ومحب للعالم، والكتاب يحذره بالقول الألهى والثاني إنسان مبيع للجسد لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم أما الأرثوذكسى فهو روحي في كل تصرفاته المادية والروحية والقديس يوحنا ذهبي الفم يقول :" ما ليس هو روحاني في جسدياته ، هو جسدي في روحياته ".
المادة والفكر :
هناك إنسان يحب التأملات والأفكار ، ويحتقر الأعمال وخاصة اليدوية وهناك آخر يهزأ بكل الأنشطة، فيما عدا ما هو عملى و يدوى فقط أما الأرثوذكسى فهو يؤمن أن المادة والفكر تصالحا ، كما ان الجسد والروح اتحدا ، كما أن السماء والأرض اقتربتا ، كما أن الرحمة والعدل تلائما الكاهن يأخذ مادة (خبزاً )،ويقول صلاة [ أخذ خبزاً على يديه الطاهرتين ] الفكر والنطق مع المادة الإنسان مع الروح لم تعد هناك ثنائية في الأرثوذكسية .
الزمن والأبدية :
هل هدفنا أن نربى شبابنا ليعيشوا زمانهم فحسب ؟ : . هل هدفنا أن نربى شبابنا للابدية ،رافضين الحياة ،مترفعين
عن مأساة الإنسان ومعاناته ومشكلاته على الأرض ؟ ! الأرثوذكسى يرى أنه في القداس اتحاد بين الزمن والأبدية ، وفي الصلاة وحدة الأمور الحاضرة مع الأخروية . بهذا يحيا ابديته في واقع زمنه الأبدية حاضرة الآن : تأتى ساعة وهي الآن " والأبدية الآتية ، تمنح المؤمنين صبراً في الجهاد، وتهون المعاناة والآلام . في العالم سيكون لكم ضيق ، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم.
ثالثاً : نستخدم الطرائق العصرية والتقليدية معاً :
لا ترفض العصرى لأنه عصرى ، كما لا ترفض التقليدي لانه
تقليدي الطريقة التقليدية في الخدمة هي العظة الكلمة والسر هما أساس الكنيسة لا بد لأولادنا أن يمارسوا حياة الشركة من خلال التناول وممارسة الأسرار وحياة الخدمة في الكنيسة الوظائف الثلاث "الليتورجيا والكينونيا والدياكونيا" متكاملة العمل ونحن أيضاً يلزمنا أن نربى الشباب على ممارسة هذه الثلاث من الطرق العصرية الفيلم - الندوة - المعسكر - الموسيقى والفن والمعرض هذه طرائق ضرورية ، ومفيدة معاً ولكن يلزمنا أن نربي أولادنا على أن يمارسوا عصريتهم بروح آبائية . فالفنان يكون روحياً وليس دنيوياً Secular فهناك ما يسمى بلاهوت الايقونة واللاهوتى بول افديكيموف يقول هناك فارق بين صورة يرسمها فنان عالمى جسدى و اخرى يرسمها راهب قديس الأولى قد تحمل فنا ولكن الثانية تحمل أبدية وعمقا وهناك فارق بين انشودة يرنمها شبان دنیویون و أخرى يرنمها خورس من العابدين الأولى قد تحمل نغما منسجما ولكن الثانية تحمل سر الصمت
والقداسة عصريتنا لا علاقة لها بالعقيدة والايمان ولكن بالأسلوب وطريقة التعبير . رابعا : نمتد بالحاجات إلى الأصالة :
قد نتعرف على الحاجات بالطرق السيكولوجية والتربوية كالاستفتاءات والمقاييس والاختبارات والدراسات المسحية ولكن الكنيسة يلزمها أن تبقى فوق كل هذه الاحتياجات ، تحمل سر القوة لتنتشل كل غريق ، وتسند كل ضعيف، الكنيسة التي تتنازل عن أصوامها وصلواتها مثلما حدث في الغرب ، تفقد عمقها ، ثم تفقد أيضا وجودها يلزمنا أيضاً أن نقدم للشباب ابعاد تمتد به إلى الإتجاهات السائدة وما سيحدث فى العالم من تيارات . أى أن نسبق العصر لا أن نقف عند حدود ما هو حادث وفوق كل دراسة والهامات تبقى الأصالة الحقيقية والحل الجدري لمشاكل الانسان ، أن يحيا الفرد في شركة حب مع الله والناس نسأل الثالوث القدوس حكمة وقوة وسنداً لتكمل رسالة آبائنا ولربنا المجد أمين ؟
نيافة الحبر الجليل مثلث الرحمات المتنيح الانبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين
عن مجلة الكرازة العدد الثالث والثلاثون عام ١٩٧٥
المزيد