إنجيل عشية الأحد الثاني من شهر أمشير ( يو ٤ : ٤٦ - ٥٣ )

17 فبراير 2024
Large image

فجاءَ يَسوعُ أيضًا إلى قانا الجليل، حيث صَنَعَ الماء خمرًا. وكان خادمٌ للمَلِكِ ابْنُهُ مَريض في كفرناحوم.هذا إذ سمِعَ أَنَّ يَسوعَ قد جاءَ مِنَ اليَهوديَّةِ إِلَى الجليل انطلَقَ إِليهِ وسألهُ أَنْ يَنزِلَ ويَشفِي ابْنَهُ لأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفًا عَلَى الموت. فقالَ لَهُ يَسوعُ: لا تؤمِنونَ إِنْ لم تروا آيات وعجائب. قالَ لَهُ خادِمُ المَلِكِ: يا سيد، انزل قَبلَ أنْ يَموت ابني. قالَ لَهُ يَسوعُ: اذْهَبْ ابْنُكَ حَيُّ. فَآمَنَ الرَّجُلُ بالكَلِمَةِ التي قالها لهُ يَسوعُ، وذَهَبَ. وفيما هو نازِلُ اسْتَقبَلهُ عَبيدُهُ وأخبروه قائلين: إِنَّ ابْنَكَ حَي.فاستَخبَرَهُمْ عن السّاعَةِ التي فيهـا أخـذ يتعافى، فقالوا له: أمس في السَّاعَةِ السَّابِعَةِ تركتهُ الحُمَّى. فَفَهِمَ الأَبُ أنَّهُ فِي تِلكَ السَّاعَةِ التي قالَ لَهُ فيها يَسوعُ: إِنَّ ابْنَكَ حَيُّ. فَآمَنَ هو وبَيتُهُ كُلُّهُ .
"لا تؤمِنونَ إِنْ لم ترَوْا آيَاتٍ وعَجائب":
الإيمان بحسب ما عرَّفه الروح القدس في رسالة العبرانيين هو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى.. فكيف إن كان الإيمان يعتمد على رؤية الآيات والعجائب؟ لما طلب خادم الملك من المسيح. وقد كان هذا من كفرناحوم حيث صنع المسيح أكثر آياته ولكن إيمانهم كان ضعيفًا متعثرًا حتى بكتها الرب وقال: "وأنتِ يا كفرناحوم أترتفعين إلى السماء إنك تنحطين إلى أسفل الجحيم" وذلك بسبب عدم الإيمان وبسبب الكبرياء والاعتداد. نقول لما طلب خادم الملك شفاء ابنه في الواقع كان هذا الرجل صاحب إيمان بالرب وثقة كبيرة في كلمة المسيح لأنه لما قال له الرب اذهب ابنك حي، آمن الرجل بالكلمة وشفي ابنه في اللحظة عينها بحسب ما تحقق من عبيده بعد ذلك. ورغم كون الرجل من كفرناحوم إلا أن إيمانه بالمسيح لم يتأثر بالضعف العام في الإيمان الذي أصاب البلدة كلها حتى وقعت تحت تبكيت الرب وإنذاره، وهذا يجعل هذا الرجل مستحقًا للنعمة التي نالها من المسيح، مثل لوط الذي عاش في سدوم واحتفظ بكماله ومثل الأبرار في كل جيل
وفي كل مكان يبقى إيمانهم شاهدًا للمسيح.ولكن الكلمة التي وجهها الرب: "لا تؤمنون إن لم تروا آيات وعجائب"، في الواقع وجهها للجميع وغالبًا ما كان الكثيرون منهم من كفر ناحوم لقد ربط الرب عندهم الإيمان بالمعجزات المرئية. فإن لم يروا آيات لا يؤمنون، وإن كان الإيمان يرتبط بالحس والرؤيا فبئس الإيمان يصير !.
وهذا الإيمان يزول بزوال تأثير الآية أو المعجزة، فإيمان المعجزات إيمان الانبهار من الأشياء فائقة الطبيعة، وهو إيمان عن عجز حيث يرى الإنسان نفسه عاجزا عن فهم أو إدراك ما يرى، ويرى نفسه مضطرا للتصديق ولا يملك سواه. هنا تكون إرادة الإنسان ملغاة تماما . بل إن الإنسان لا يملك إرادته ولا يملك قدرته على الاختيار بحرية، إذ تكون المعجزة قد شلت حركة الإرادة. فلما يذهب عنه هذا التأثير المؤقت ويعود الإنسان مالكًا إرادته ويعود إليه وعيه الطبيعي وينسى ما رأى وما لمس لأن العادة في الإنسان أن ينسى. حينئ يعود الإنســـــان إلى ما كان عليه من عدم الإيمان وقساوة القلب ويسير في طريقه الذي اعتاد عليه ويمارس حياته كأن شيئًا لم يحدث. ومرة بعد الأخرى لا يعبأ الإنسان بما يرى إذ تكون شدة الانبهار عنده قد .ضعفت فلا يتحرك القلب نحو الإيمان بل على العكس يصير إلى البلادة وعدم التصديق بالأكثر .فالآية عند المسيح ليست عنصرًا ضاغطا على إرادة الإنسان للإيمان... ولكنها إعلان حبه ورحمته وحنانه نحو خليقته وهى شهادة للمسيح الذي جاء يطلب
ما قد هلك.وليس كل الذين رأوا الآيات آمنو ولو أنهم آمنوا إلـى حين !!
أين الذين رأوا المرضى يشفون والعميان يبصرون والخرس يتكلمون والشياطين يخرجون؟ بل أين الذين رأوا الموتى يقومون؟.
وأين الذين رأوه يكسر خمس خبزات الشعير للخمسة
آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد؟.
لم تكن المعجزات بحال من الأحوال هي العامل الرئيسي للإيمان، ولكن من كان له إيمان فبإيمانه نال مواعيد الله ورضاه ،ونعمته وحتى الذين نالوا على مستوى الجسد شفاءً أو إحسانًا من المسيح كان إيمانهم في شخصه هو المحرك الذي اقتادهم إلى المسيح وبحسب إيمانهم كان لهم كقول الرب.نحتاج إلى كلمة الرب يسوع في هذه الأزمنة، لأن الناس صاروا يطلبون الآيات والمعجزات بشغف شديد، ويجرون وراء ها باندفاع بلا وعي ويزيدون الأمر حكايات وإشاعات ودعاية من كل نوع ويسمون هذا تقوية للإيمان الضعيف وتمجيدًا الله ولكـن إلى أين؟
وقد حذر الرب كثيرًا من هذا الأمر لأنه في الأيام الأخيرة ستكون آيات وعجائب كثيرة ويضل كثيرون ولو أمكن المختارون أيضًا !! حذار من الجري وراء هذا وحذار من أن نعلّق إيماننا على ما نرى أو ما نسمع. سألني البابا كيرلس السادس نيّح الله نفسه يومًا وكنت قد صليت قداسًا في كنيسة السيدة العذراء بالزيتون سألني صليت فين؟ قلت له في كنيسة السيدة العذراء في الزيتون فدعى لي قلت له هل ذهبت يا سيدنا إلى هناك؟
قال لي: : لماذا ؟.
قلت له: لكي ترى العذراء القديسة مريم قال لي: يا ابني العذراء معانا كل يوم. فبالرغم من الظهور الحقيقي للعذراء القديسة مريم في تلك الأيام وبالرغم من أنه كلف لجنة من الآباء الأساقفة فعاينت وشاهدت وأصدرت البطريركية بيانا وافيا عن الظهور وبرغم كل ذلك لم يذهب البابا ولم يرغب في رؤيا بالعين بحسب الناس، فقد كانت رؤى الإيمان وعينا قلبه شاخصتين إلى السماء كل حين كان ذلك عنده أكثر بكثير من رؤية العين ولمس اليد وسماع الأذن. يا ليت إيماننا بالمسيح يظل راسخًا مؤسسا على صخر الدهور لا تحركه العوامل الخارجية، لا تزيده رؤيا حسية. ذُكر في البستان عن أحد الآباء أن الشيطان جاءه بشكل ملاك قائلاً : أنا الملاك جبرائيل أرسلت لأبشرك فقال له الراهب مشيحًا بوجهه عنه لعلك أرسلت إلى غيري وآخَر قال: لا أريد أن أرى الملاك على الأرض. لقد عزفت نفوسهم عن الرؤيا المادية إذ كانت أبصارهم قد تعلقت بالروحيات.
الإيمان تصديق القلب وليس رؤيا العين.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد

عدد الزيارات 50

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل