إنجيل عشية الأحد الثاني من الصوم الكبير( مر ۱ : ١٢ - ١٥ )

23 مارس 2024
Large image

وللوقت أخرَجَهُ الرّوحُ إِلَى البَرِّيَّةِ، " وكان هناك في البَرِّيَّةِ أربعين يومًا يُجَرَّبُ مِنَ الشَّيطان وكان مع الوحوش. وصارَتِ المَلائِكَةُ تَخدِمُهُ وبعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله " ويقول قد كمَلَ الزَّمانُ واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل ".
التجربة على الجبل:
الأحد الثاني هو أحد التجربة بحسب ما رتب آباء الكنيسة، وفيه يُقرأ إنجيل التجربة على الجبل، لما صام المسيح عنا أربعين نهارًا وأربعين ليلة وقد أورد الإنجيليون مار متى ومار لوقا عينات من هذه التجارب - تجربة الخبز، وتجربة مجد العالم وتجربة إلقاء المسيح نفسه من على جناح الهيكل - وقد صرعه المسيح في كل تجاربه وكسر شوكته عنا واستخلص لنا بصومه المقدس نصرة على جميع سهام
الشرير الملتهبة نارًا ولكن إنجيل العشية بحسب ما كتبه القديس مرقس البشير قد اختزل تجربة المسيح وأوردها في آية واحدة: "أن الروح أخرجه إلى البرية ليُجرّب من إبليس أربعين يوما وكان مع الوحوش وكانت الملائكة تخدمه".وإذ أحجم مارمرقس عن أن يدخلنا إلى تفاصيل التجارب وطبيعتها وهو يكتب بالروح القدس فهذا معناه أن الأمر يفوق حدود العقل والإدراك البشري، فالعدو رئيس هذا العالم هو روح الظلمة الكذاب وأبو الكذاب المعاند والمقاوم لله، شرس غاية الشراسة وقد كان من البدء قتالاً للناس فبأي كيفية حارب القدوس وإلى أي مدى كانت هذه الحرب وتلك التجارب وما هي طبيعتها وما هى أعماقها، فهذه أمور تعلو إدراكنا وتتجاوز معرفتنا الضعيفة.ولكن لأن المسيح صام عنا ومن أجلنا، ولم يفعل شيئًا إلا لحسابنا فبكل تأكيد أن ما خرج به المسيح منتصرا على كل تجارب العدو كان لحسابنا بل أعطاه المسيح لنا وأجزل لنا العطاء . ونحن نقترب إلى ما سجّله مارمرقس نلمس فيه نصيبنا لأن المسيح وهو متحد بطبيعتنا البشرية، صام بها
وحارب بها وانتصر بها لحسابنا ومن أجلنا.
أولاً : فإن قيل إن الروح اقتاده فاعلم أنه قد تسجل لنا هذا ميرانا في المسيح، وقد تم هذا بعد المعمودية مباشرة حين جاء صوت الآب من السماء شاهدًا "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت"، وحين حل الروح عليه بهيئة جسمية كاملة بشكل حمامة. فصار فيما بعد أن الذين ينقادون بروح الله،فأولئك هم أبناء الله.فبدءًا بمعموديتنا حين يُنادى أننا صرنا أولاد الله وحين نقبل نعمة البنوة إذ نتحد مع المسيح بشبه موته وننال نعمة الروح المعزي الحال فينا والساكن فينا حينئذ يتسلم الروح القدس قيادتنا.فالذي يقتاد بروح الله فقد ختم أن الله أبوه وهو ابن الله. الروح هو الذي يرشد إلى جميع الحق، يُعلم وينصح ويعزي ويشفع فينا بأنات لا ينطق بها ويأخذ مما للمسيح ويعطينا ويذكرنا بكل ما قاله السيد، وهو يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة، ويفحص كل شيء حتى أعماق الله. فإن كان الإنسان ينقاد بالروح في العمل والكلام ويسلك بالروح ولا يطفئ الروح ولا يحزن الروح، ويكون مراضيًا للروح مادام في طريق الحياة يسلك. يصير الإنسان محمولاً منقادًا بروح الله وحسبما يسير الروح يسير.
ثانيا : وهنا تأتي التجارب ويتقدم المجرب لأن التجارب في حياة أولاد الله حتمية ولا مفر لأن العدو متربص ويوم أن ننحاز إلى المسيح فقد أعلنا الحرب عليه. إن بداية معموديتنا أننا جحدنا الشيطان وكل قواته الشريرة وكل نجاساته وكل حيله الردية والمضلة.فبعد أن خرج الشعب مع موسى من أرض العبودية واعتمدوا جميعهم في البحر الأحمر صارت الحرب مع عماليق. فالحرب بعد أن استعلن المسيح ابن الله بصوت الآب وحلول الروح صارت الحرب والتجارب وانتصب المجرب للصراع. إذن التجربة نتيجة طبيعية لالتصاقنا بالمسيح واتحادنا معه ودخولنا إلى شركة معه وفيه بالروح القدس. لم تخل حياة أحد من القديسين على مر العصور من التجارب، فتش في حياة القديسين جميعًا، هل خلت حياة أحدهم من التجارب ؟ جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون". فالرسل الأطهار كم قاسوا من التجارب والتشريد والحبس والسجون والاضطهادات والضيقات والأحزان شيء مهول ولكن في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. وهكذا الشهداء والأبرار الصديقون والنساك سكان البراري ورجال الإيمان والآباء ، كم قاسوا وحملوا الصليب وتجربوا وطافوا معتازين مذلين مكروهين من العالم مجربين. ولكن الذي يحلو لنا أن نتفكر فيه أن النصرة في المسيح وبالمسيح شيء أكيد لا يقرب منه الشك.فالمسيح سحق الشيطان وأذل فخره، ورجع الشيطان مكسورًا مهانًا مذلولاً خائبًا. فالتمسك بالمسيح والحياة فيه، يزكي فينا الشعور بالنصرة ووعد المسيح قائم أنه أعطانا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو الشرير وهكذا ندرك أنه مهما طالت التجارب وتنوعت ومهما بدا أن الشيطان متقو علينا ولكن الغلبة النهائية هي لحساب المسيح. وما بناه الشيطان في سنين وسنين يهدمه المسيح بكلمة، لأن ابن الله قد جاء لكي ينقض أعمال
إبليس.وهكذا يدخل أبناء الله التجارب وهم حاملون للنصرة في داخلهم كتلميذ يدخل الامتحان ونتيجة الامتحان والفوز في جيبه. "ثقوا أنا قد غلبت العالم"، وخرج غالبًا ولكي يغلب". وهذا الشعور في القديسين هو الذي قادهم إلى الاتضاع الحقيقي، لأنهم أدركوا أن النصرة ليست بقوتهم ولا بذراع البشر، ولا اعتمدوا على عملهم ولا على قدرتهم بل على الله وحده. فكان إذا انتصروا على الشيطان وأذلوا فخره، كانوا يزدادون اتضاعا وإنكارًا لذواتهم ويزدادون ثقة في الذي يقويهم "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني"، أنا ما أنا ولكن نعمة الله التي معي".
ثالثًا: كان مع الوحوش.
في الواقع أن المسيح استعاد لنا صورتنا الأولى ومجدنا الأول وأعادنا إلى الفردوس حيث كانت الوحوش أليفة صديقة للإنسان من غير أذى فلما سقطنا من رتبتنا صارت العدواة واستعلن الطبع الوحشي في حيوانات البرية فإن كان بالفعل قد استؤنست الوحوش وخضعت للقديسين في المسيح، مثل ما نرى في أيقونة مارمرقس وكيف أن الأسد تحت رجليه، والقديس بولس الرسول نفض وحش الثعبان في النار ولم يتأذ بشيء ، والقديس برسوم العريان عـاش مـع ثعبان كبير، والبابا زخارياس لما ألقى للسباع لم توذه مثل دانيال في جب الأسود هذا هو زمن المسيح يرعى الأسد مع الخروف وهذا هو قول المسيح: "أرسلكم كحملان في وسط ذئاب" في المسيح يسوع، وفي صوم المسيح عنا، تذلل الطبع الوحشي على أن ليس المسيحي هو الذي يخضع وحوش الأرض مثل مروّضي الوحوش، بل هناك في إنساننا العتيق ما يماثل الوحوش في طباعها مثل الغضب، والاحتداد والعنف، والانتقام، والشراسة، والمكر ، والخبث ومحبة الزني والأنانية كلها طباع حيوانية وحشية ويمكننا بالمسيح وبشركة صومه أن نصير مع الوحوش بغير أذى لقد تذلل الطبع الوحشي، فلم تعد هذه الطبائع الوحشية تسود علينا، بل على العكس صرنا بالروح تميت أعمال الجسد ونخضع أجسادنا ونستعبدها كقول الرسول.
رابعا : صارت الملائكة تخدمه.
صوم المسيح أدخلنا إلى هذه الشركة الروحية مع الملائكة صارت الملائكة بالنسبة لنا أرواحا خادمة للعتيدين أن يرثوا الخلاص.صحبة الملائكة في الصوم هى الحياة السماوية بكل ما تعني. كأن الإنسان الصائم مع المسيح برغم التجارب الكائنة يشعر أنه يحيا حياة ملائكية سماوية. ويحيا معانا من القوات السماوية، مثلما أعان الملاك إيليا النبي حينما صام أربعين نهارًا فقد أيقظه من نومه وأطعمه، فسار بقوة هذه الأكلة أربعين يوما إنها أسرار مخفية عن الحكماء ولكنها تعلن للبسطاء وأنقياء القلب.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد

عدد الزيارات 24

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل