والذين يرعونهم ثبتهم

15 مارس 2024
Large image

المزمور الاول
یعتبر المزمور الأول الذي یبدأ بعبارة "طُوبَى لِلرَّجُلِ (الإنسان)" ھو افتتاحیة سفر المزامیر ھذا المزمور، ھو مزمور عام، ویتكون من ٦ آیات فقط، لكنه یقدِّم توصیفًا للإنسان الذي یرید أن یعیش مع الله بطریقة سلیمة تكلمنا المرة الماضیة عن عبارة "الرعاة اضبطھم" ونتكلم ھذه المرة عن بقیة ھذه الطلبة وھي عبارة: "والذین یرعونھم ثبتھم" انتبه لھذه الكلمات لأنھا غنیة فإن كان الراعي مدرسًا فھناك طلبة یعلِّمھم، وإن كان خادمًا فھناك مخدومین یخدمھم، وإن كان كاھنًا فھناك شعب یرعاه لھؤلاء نطلب "الذین یرعونھم ثبتھم"والراعي (الوالدین، معلم، خادم، كاھن، مسئول) لا یعلِّم بالكلام بل بالقدوة والتصرف والسلوك والأھم بالصلاة من أجل من یرعاھم.
ما علاقة اﻟﻤزمور الأول بذلك؟
المطوَّب لا یعمل ثلاثة أشیاء:
۱- "لَمْ یَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ": لا یأخذ مشورة شریرة.
۲- "فِي طَرِیقِ الْخُطَاةِ لَمْ یَقِفْ": یرفض مجرد أن یقف في طریق الخطاة.
۳- "فِي مَجْلِسِ الْمُسْتَھْزِئِینَ لَمْ یَجْلِسْ": یعیش بجدیة بطریقة صحیحة.
ھذا المنظر الجمیل قیل عنه:
۱- "یَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِیَاهِ" "مغروسة" أي ثابتة لا تھزھا الریح.
۲- "تُعْطِي ثَمَرَھَا فِي أَوَانِه، وَوَرَقُھَا لاَ یَذْبُلُ" دائمًا خضراء أي مكسیة بالنعمة ومثمرة.
۳- "كُلُّ مَا یَصْنَعُه یَنْجَحُ": في كل ما تمتد إلیه یده (مشروع، سفر، دراسة، تربیة، عمل)
"اﻟﺬين يرعونهم ثبتهم", فيما يثبتهم؟
۱- في المسیح: ھذا الثبات ھو غایة في الأھمیة،لأنه یجعلك عضوًا في جسد المسیح الذي قال: "أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي یَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِیه ھذَا یَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِیرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَیْئًا" (یو ۱٥: 5) وقال معلمنا بولس الرسول "أَسْتَطِیعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِیحِ الَّذِي یُقَوِّینِي" (في 4 :13 ).
۲- في وصیة المسیح: یثبت في الكتاب المقدس وأسفاره: "مَن یَحْفَظْ وَصَایَاهُ یَثْبُتْ فِیه وَھُوَ فِیه. وَبِھذَا نَعْرِفُ أَنَّه یَثْبُتُ فِینَا: مِنَ الرُّوحِ الَّذِي أَعْطَانَا"( ۱یو 24:3) داود النبي الذي قلبه حسب قلب الله (انظر أع ۱۳ : 22)، والذى قال عن نفسه "أَمَّا أَنَا فَصَلاَةٌ" (مز ۱۰۹ : 4) یقول "لَیْتَ طُرُقِي تُثَبَّتُ فِي حِفْظِ فَرَائِضِكَ" (مز ۱۱۹ :5) ھو یتمنى أن تكون حیاته ثابتة في الهُ لأن من لیس ممسكًا في شيء ثابت سیجرفه التیار إن الحقیقة الوحیدة الثابتة في ھذا العالم ھي ثباتك في شخص المسیح الذي لا یتغیر، وإیمانك بالوصیة.
۳- في كنیسة المسیح: أي في الحیاة الكنسیة قال السید المسیح "مَنْ یَأْكُلْ جَسَدِي وَیَشْرَبْ دَمِي یَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِیه" (یو ٦ :56) فحینما یولد طفل ینشغل الوالدان بعماده وذلك لكي یثبت في المسیح،ویمارس الأسرار و"یَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِیَاهِ" ولیس نبتة ضعیفة.
٤-في محبة المسیح: قال السید المسیح "أحِبُّوا بَعضُكم بَعضًا" (یو ۱٥ :12)، ثم قال "أَحِبُّوا أعْدَاءَكُمْ" (لو ٦ :35) وھو یساعدنا في ذلك وقد أوصانا "اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي" (یو ۱٥ :6) "الَلهُ مَحَبةَّ،ٌ وَمَنْ یثَبتُ فيِ المْحَبةَّ،ِ یثَبتُ فيِ الله وَالله فیِه"ِ (۱یو ٤ : 16)واعلم أن المحبة ھي قوة لأن الله محبة، وأنت عندما تحب تأخذ قوة الله معك، لذلك فإن المحبة لا تُھزم و"اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا" ( ۱كو 8:13) قال معلمنا بولس الرسول "مَنْ سَیَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِیحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَیْقٌ أَمِ اضْطِھَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَیْفٌ؟ كَمَا ھُوَ مَكْتُوبٌ "إنِّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّھَارِ قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ. وَلكِنَّنَا فِي ھذِهِ جَمِیعِھَا یَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا" (رو ۸ : 35-37) اﻟﺜلاث ﻛﻠمات "اﻟﺬين يرعونهم ثبتهم"
عبارة "الذین یرعونھم" ھذا فعل الراعي أیًا كان، أما كلمة "ثبتھم" فھي عمل النعمة الذي من الله. فھذه العبارة فیھا مشاركة بین جھد الإنسان وعمل الله مغبوط ھو الراعي الذي یترك فرصة لعمل الله، ویصلي من أجل من یرعاھم، لكي تحل النعمة وتسند وتثبت.
الرعية تثبت بثلاثة معانٍ مهمة:-
۱-الطاعة: كانت السیدة العذراء مطیعة في الھیكل، مطیعة لیوسف النجار في السفر لمصر ثم العودة منھا، مطیعة للملاك فقالت: "ھُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ لِیَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لو ۱:۳۸ )، ومطیعة للمسیح ابنھا. الطاعة تجعل الرعیة ثابتة.
۲-الثقة: أن تثق الرعیة في شخص الراعي وتراه نموذجًا رائعًا أمامھا. لقد وثق إبراھیم في كلام الله ولما قال له "اذْھَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِیرَتِكَ وَمِنْ بَیْتِ أَبِیكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِیكَ"( تك1:12-2) أطاع إبراھیم وخرج. ولما أتاه الوعد بالنسل في شیخوخته ھو وامرأته ووثق في الله، أنجبت سارة الابن الموعود به.
۳-الصبر: من ضعفات ھذا الزمان أنھم یریدون كل شيء بسرعة، فیفقدون فضیلة ھامة قال عنھا الإنجیل: "الَّذِي یَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَھَى فَھذَا یَخْلُصُ" (مت ۱۰ :22) الإنسان یظل تسعة أشھر في بطن الأم ثم یولد صغیرًا وینمو قلیلاً قلیلاً. ومجتمعنا المصري كان مجتمعًا زراعیًا، وفي الزراعة یضعون البذرة وینتظرون إلى أن تخرج ثمرًا ثم جاءت التكنولوجیا في العالم كله فأصبح كل شيء سریعًا في مثل الزارع یقول "وَالَّذِي فِي الأَرْضِ الْجَیِّدَةِ، ھُوَ الَّذِینَ یَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ فَیَحْفَظُونَھَا فِي قَلْبٍ جَیِّدٍ صَالِحٍ، وَیُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ" (لو ۸ :15)ومن خلال الصبر یعطي الله الثمار، ومن خلال الصبر تثبت الرعیة.
بصورة ﻋﺎمة
۱- الإنسان الثابت لدیه ثقة في نفسه: مثل دانیال النبي الذي وھو في أرض السبي الغریبة البعیدة "جَعَلَ فِي قَلْبِه أَنَّه لاَ یَتَنَجَّسُ بِأَطَایِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِه" (دا ۱ :8)ھو ثابت وواثق.
۲-الإنسان الثابت طریقه واضح ومستقیم: لذلك نقول في صلواتنا كل یوم "قَلْبًا نَقِیًّا اخْلُقْ فِيَّ یَا لَلهُ،وَرُوحًا مُسْتَقِیمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي" (مز ٥۱ :10)
۳-الإنسان الثابت یعلم أن لیس ھناك ما یجعله یبعد عن مبادئه نسمع في سیر الشھداء والقدیسین عن بسطاء كانوا ثابتین. مثل الشھداء الأقباط الذین استشھدوا في لیبیا، ومثل یوسف الصدیق الذي قال "كَیْف أَصْنَعُ ھذَا الشَّرَّ الْعَظِیمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ" (تك ۳۹ :9)إذن الإنسان الثابت دائمًا واثق وشجاع وصادق مع نفسه.
اﻟﺨلاصة
حینما أقول "والذین یرعونھم ثبتھم" أقصد ثبتھم في الفھم، في المعرفة، في النمو، في التربیة، في الإیمان، فنرى أناس على مستوى ناجح في كل عمل صالح.أعود وأقول: "یَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِیَاهِ"، حینما ترى الأشجار حولك قل یارب اجعلني أنا ومن أرعاھم مثل ھذه الشجرة المغروسة الثابتة القویة النامیة التي تعطي ثمرھا في حینه وورقھا لا ینتثر وكل ما یصنعه ینجح.واذكر أنھما عبارتان: "الرعاة اضبطھم والذین یرعونھم ثبتھم" وما یربطھما ھو المحبة القویة من الراعي نحو الرعیة ومن الرعیة نحو الراعي.لیحفظكم الرب ویجعلكم دائمًا ثابتین في حیاتكم وإیمانكم وتكونون كالشجرة المغروسة فعلاً على مجاري المیاه.
قداسة البابا تواضروس الثانى

عدد الزيارات 26

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل