" ثمَّ دَعَا الجَمعَ وقالَ لَهُمُ : اسمعوا وافهموا . "ليس ما يدخُلُ الفَمَ يُنَجِّسُ الإنسان، بل ما يَخْرُجُ مِنَ الفَمِ هذا يُنَجِّسُ الإنسان. " حينئذ تقدم تلاميذه وقالوا له: أتَعلَمُ أَنَّ الفَرِّيسيّينَ لَمّا سمعوا القَوْلَ نَفَروا ؟. فأجاب وقال: كُلُّ غرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلَع . اتركوهُمْ هُم عُميانٌ قادَةُ عُميان. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يقودُ أعْمَى يَسقُطانِ كِلاهُما في حُفْرَةٍ. فَأَجابَ بُطرس وقال له : فسر لنا هذا المثل. فقال يسوعُ: هل أنتُم أيضًا حتى الآنَ غَيْرُ فاهمين ؟ " ألا تفهمونَ بَعدُ أنَّ كُلَّ ما يَدْخُلُ الفَمَ يَمضي إلَى الجَوْفِ وَيَنْدَفِعُ إلى المَخرَج ؟ " وأما ما يَخْرُجُ مِنَ الفَمِ فَمِنَ القَلبِ يصدر، وذاك يُنَجِّسُ الإنسان، الأنْ مِنَ القلب تخرج أفكار شِرِّيرَةٌ : قَتل، زنى، فسق، سِرقَةٌ، شَهادَةُ زور، تجديف. هذه هي التي تُنَجِّسُ الإنسان. وأما الأكل بأيدٍ غير مغسولة فلا يُنَجِّسُ الإنسان ".
عشية أحد الابن الضال:
اختار الآباء معلمو الكنيسة هذا الفصل من الإنجيل ليقرأ في عشية الأحد الثالث تمهيدًا لإنجيل القداس... فقد بكت الرب الكتبة والفريسيين الذين داسوا الوصية "أكرم أباك وأمك" وأبطلوها بفتوى أنه ممكن للإنسان أن يتبرع بقيمة ما يعطيه لأبيه يتبرع به للهيكل ويتحلل من أن يعول أباه وأمه أو يكرمهما .وهكذا أعاد الرب - واضع الوصية - أعاد هيبتها ومفعولها الذي يجب أن يكون لها ككلمة الله. والواقع أن رباط البنوة والأبوة هو غاية قصد المسيح، فإما طاعة وخضوع للأب أو خروج عن الطاعة.على أن فهم هذه العلاقة فهما صحيحًا والدخول إلى سرها تتوقف عليه الحياة كلها فكل منا ابن لأبيه وقد مارسنا حياة البنوة وعشناها والذين صاروا أباء لأبناء أدركوا ما هي
الأبوة فمن جهة البنوة فكل إنسان مارسها نحو أبيه فيعرف ما عليه كابن وكيف يُرضي الرب والعجيب جدًا أن هذا الرباط لا يمكن وصفه بالكلام ولا باللسان هل يستطيع أحد أن يعبر عما في قلبه نحو أبيه أو يصف ما يربطه مع أبيه من مشاعر ؟ يستحيل، لأن الشعور الحقيقي للابن أن أباه هو مصدر حياته، لقد أخذ حياته ووجوده في العالم من أبيه، فهو الأصل كلمة أب كلمة سريانية معناها أصل فالابن مرتبط بأبيه برباط حياة حياة من حياة فهي ليست علاقة رئيس بمرؤوس، أو سيد وعبد أو مدير وموظف، إنها صلة أب بابن لذلك ما يعمله الابن الحكيم الخاضع لأبيه لا يعمله حبًا في أجر، حاشا، فالابن يعمل مسرة أبيه ولا يطمع في أجر أو ثواب لأن كل ما للآب له إنه ابنه ولا يعمل إرادة أبيه خوفا من عقاب فهذا شأن العبيد بل كل مسرة الابن تكمن في تكميل مشيئة أبيه وحفظ كلامه لا توجد راحة للابن الفطن إذا كسر كلمة أبيه أو خالف وصيته نفسه تصيرفي حزن لا ترتاح حتى يكمل مشيئة أبيه أكرم أباك وأمك هى أول وصية بوعد" هكذا يطلب منا الرب نحو آباء أجسادنا فكم بالحري أبوكم الذي في السموات لقد قالها الرب في القديم: "إن كنت أبا فأين مهابتي".
وصايا الآب ليست ثقيلة:
الآباء الخطاة يعرفون أن يعطوا أولادهم عطايا جيدة فكم بالحري الآب السماوي لا يوجد أب في الوجود يوصي أولاده وصايا تضر بمصلحتهم أو توذيهم أو تكون ثقيلة عليهم إن كل وصايا الإنجيل هي كلمات الأب لأبنائه تحوي كل الحب وكل النصح للحياة كلها في مصلحتنا وكلها لراحتنا وحفظنا لا توجد وصية ثقيلة وصاياه ليست ثقيلة نير المسيح هين هلم نأخذ الإنجيل بفهم إنه كلام الأب لابنه من يرفض كلمة أبيه ووصاياه ويترك بيته لا يجني سوى التعب والهم والضياع وحتى خرنوب الخنازير لا يجده أكرم أباك بحفظ وصاياه أكرم الرب من كل قلبك لأنه يعرف مكنونات قلبك لا حياة ولا راحة ولا سلام لك بعيدًا عن حضن أبيك ولا شبع لنفسك بعيدًا عن مائدة غنى المسيح الرجوع والتوبة معناها أن الإنسان عاد إلى طاعة أبيه بعد زمن جهالة وعصيان وعرف أن وصايا أبيه ليس كما ظن أنها قيود وعبودية إن عقوبة عدم إكرام الرب كانت الموت بدون رحمة "من شتم أبا أو أما موتًا يموت كانت ترجمة كل الجماعة إن كان ابنا معتنفًا لا يكرم أباه.فماذا نقول عن من يهين الآب السماوي ولا يكرمه في حياته، بل يكسر وصاياه ويستهين بحبه ولا يعمل له حسابًا في حياته؟ تُرى ماذا يكون لمن يحتقر حب الآب السماوي ويخرج عن طاعته ويطلب أن يحيا لذاته في كورة بعيدة وتحلو له حياة الخطايا وماذا نقول عن الذين يكرمونه بشفتيهم كقول إشعياء وقلبهم مبتعد عنه بعيدًا وماذا عن الذين يحفظون كلام الناس ويعملون حسابًا للناس ولكنهم داسوا وصاياه ولكن على كل حال قلب الآب نحونا وحنانه الإلهي يغلب تجبرنا ويجذبنا من كل الكورة البعيدة هو ينظر وينتظر رجوعنا، ففرحه برجوعنا لا يوصف عيناه ترقبان خطانا ونحن نقترب إليه وينتظر اللحظة التي فيها سيركض لاستقبالنا ويضمنا مرة أخرى إلى صدره ليشفي ارتدادنا ويخلع عنا ثوب نجاساتنا ليلبسنا الحلة الأولى فهل نرجع إليه؟ ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان"كثيراً ما يقول البعض كلمة المسيح هذه عن الصوم ولكن لم يكن حديث الرب عن الصوم بل عن الأكل بأيدي غير مغسولة وكان الفريسيون يعترضون أن تلاميذ الرب يأكلون دون أن يغسلون أيديهم وهم بذلك يكسرون تقليد الشيوخ فغار الكتبة والفريسيون على كسر تقليد الشيوخ بينما أصابتهم البلادة حينما كسرت وصايا الله وهذا ما نفعله كثيرًا حينما تغار على أشياء كثيرة أصبحت ذات اهتمام كبير في حياتنا بينما لا نحرك ساكنا حينما نكسر وصايا المسيح أو نتهاون لا تغار على الفضيلة بقدر غيرتنا على بعض عاداتنا أو تقاليدنا أو العرف السائد بين الناس لتكن وصية المسيح هي الشغل الشاغل، وهى تأتي دائمًا قبل كل شيء وأول الاهتمامات ولكن حين تحيز الكتبة والفريسيون وتعصبوا للتقاليد التافهة أكثر مما انحازوا لوصايا الله أصابهم عمى القلب وفقدوا التمييز لذلك قال الرب عنهم: "هم عميان قادة عميان" لقد أغمضوا عيونهم عن الحق وقادوا الناس بعيدًا جدا حتى أسقطوهم في حفرة الهلاك.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
إنجيل عشية الأحد الثالث من الصوم الكبير (مت ۱۵ : ۱۰ - ۲۰ )
30 مارس 2024
عدد الزيارات 155