رحمة للتائبين

19 أبريل 2024
Large image

استكمالاً ﻟﺘأملاتنا ﻓﻲ سلسلة الصلوات القصيرة من القداس الغريغورى نصل إﻟﻰ عبارة "رﺣﻤة للتائبين وما أجمل قطاع التائبین في كنیستنا فالكنیسة لیس لھا عمل سوى الاھتمام بتوبة كل إنسان ھذا ھو عملھا الرئیسي كل الأنشطة والصلوات والمناسبات والنھضات والقداسات العشیات إلخ ھي من أجل أن تتوب النفوس، لأن التوبة أحیانًا تكون بعیدة عن الإنسان.
مثل الفریسي والعشار (لو ۱۸: 9-14)
طائفة الفریسیین كانت من الطوائف الیھودیة والفریسي ھو الشخص الناموسي الحرفي الذي یظن أن عنده كل المعرفة أما العشار فھو جابي الضرائب، وھي فئة لم تكن محبوبة في المجتمع الیھودي، لأنه كان یجمع الضرائب لیسلمھا للسلطة الرومانیة التي كانت تحكم البلاد ھذا المثل قاله السید المسیح كنموذج، فكل منا إما في جانب الفریسي أو العشار سل نفسك وأحكم ھل أنا في جانب الفریسي أم العشار؟
وقد قال المسیح ھذا المثل لأنه یوجد "قَوْم وَاثِقِینَ بِأَنْفُسِھِمْ أَنَّھُمْ أَبْرَارٌ، وَیَحْتَقِرُونَ لآخَرِینَ" (لو ۱۸:۹)، إحساسھم الداخلي أنھم أبرار، وھذه لیست الحقیقة، ومن لا یكتشف مرضھ یضیِّع على نفسه
فرصة الشفاء. والأخطر ھو أن یحتقر الآخرین صعد الفریسي والعشار إلى الھیكل لیصلیا.فتقدَّم الفریسي الصفوف ووقف رافعًا یدیه وعینیه،كنوع من لفت النظر، وھو یقول: "اَللّھُم أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِینَ الظَّالِمِینَ الزُّنَاةِ" (لو ۱۸: 11) یفتتح صلاته ﻟﻠﮫ بأنه أفضل من كل الناس، ویشكر الله على ذلك وفي نظره الناس ثلاثة أنواع: خَاطِفِینَ ظَّالِمِینَ زُّنَاةِ لا یرى أحدًا صالحًا إلا نفسه. ثم نظر للخلف حیث العشار وحدد "وَلاَ مِثْلَ ھذَا الْعَشَّارِ"، وأضاف "أَصُوم مَرَّتَیْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِیه" (لو18: 12) كأنه یقول ﻟﻠﮫ لن تجد مثلي. إیاك أن تكون مثل الفریسي الذي مدح نفسه واحتقر غیره فكانت النتیجة أن "ھذَا (العشار) نَزَلَ إِلَى بَیْتِه مُبَرَّرًا (أخذ حكم براءة) دُونَ ذَاكَ (الفریسي)" (یو ۱۸: 14)
رﺣﻤة للتائبين
ربنا یسوع المسیح بدأ خدمته بقوله "قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ للهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِیلِ" (مر ۱: ۱٥ )، "تُوبُوا، لأَنَّه قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ" (مت ۳ :2) )، "لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ" (لو ٥: 32) فھو قد جاء لكي تتوب كل نفس وتتغیر وتستیقظ ویقول معلمنا بولس الرسول "صَادِقَة ھِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول أَنَّ الْمَسِیحَ یَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِیُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِینَ أَوَّلُھُمْ أَنَا" ( ۱تي1: 15) وھو ھنا لا یقول إنه خاطئ بل إنه أول الخطاة الذین تجسد المسیح لیخلصھم من الخطیة.
حوار الرﺣﻤة
أرید أن أكلمكم عن حوار الرحمة (حدیث بین اثنین) في أربع خطوات:
۱- نداء من الله: تبدأ التوبة بنداء یتردد ویتكررموجه للجمیع من الله "تُوبُوا" حینما أخطأ داود الملك والنبي العظیم ولم ینتبه لخطیته، جاءه ناثان وقال له "لِمَاذَا احْتَقَرْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَیْنَیْه؟ قَدْ قَتَلْتَ أُورِیَّا الْحِثِّيَّ بِالسَّیْفِ، وَأَخَذْتَ امْرَأَتَه لَكَ امْرَأَةً، وَإِیَّاهُ قَتَلْتَ بِسَیْفِ بَنِي عَمُّونَ"( ۲صم ۱۲: 7-9) فبدأ داود یسكب الدموع وقال مزمور التوبة ببكاء وندم وحسرة مقدمًا لنا قطعة من أروع قطع الصلاة الفردیة: "اِرْحَمْنِي یَا لَلهُ كَعَظِیم رَحْمَتِكَ" (مز ٥۱: 1) "إِلَیْك وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَیْنَیْكَ صَنَعْتُ" (مز٥۱: 4) مثال آخر، ھو بطرس الرسول الذي كان أحد تلامیذ السید المسیح المتقدمین، لكنه أنكر المسیح أمام جاریة، ثم ظن أن لیس له رجاء فعاد إلى صید السمك، فأتاه المسیح وھو یصطاد وناداه ثلاث
مرات: "یَا سِمْعَان بْنَ یُونَا، أَتُحِبُّنِي.. ارْع خِرَافِي"(یو ۲۱: 15) فعاد إلى مكانته ورسولیته وإلى
الكرازة والخدمة حتى صلب منكس الرأس إن الإنجیل ھو نداء المسیح، وكل مرة تقرأ الإنجیل أنت تستمع إلى نداء التوبة والمسیح صباحًا ومساءً ینادي ویقول"تُوبُوا" بصیغة الجماعة (أنا أتوب وأساعد الآخرین على التوبة).
۲- استجابة من الإنسان: إن سمعت نداء المسیح "تُوبُوا"، علیك أن تستجیب، والاستجابة یجب أن تكون یومیة، لأن لنا خطایا وضعفات یومیة ذھب النبي یونان لأھل نینوى وقال "بَعْد أَرْبَعِینَ یَوْمًا تَنْقَلِبُ نِینَوَى" (یون ۳: 4) فاستجابت المدینة وتاب أھلھا كلھم من الملك مثال آخر قال بولس لسجان فیلیبي "آمِن بِالرَّبِّ یَسُوعَ الْمَسِیحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَھْلُ بَیْتِكَ" (أع ۱٦: 31 ) فاستجاب وآمن أما الابن الضال فاستجاب للنداء الداخلي فقط وقال "أَقُومُ وَأَذْھَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَه یَا أَبِي، أَخْطَأْتُ" (لو ۱٥: 17-18)ونسمع عن زكا العشار إنه صعد على الشجرة لیرى المسیح فقال له المسیح: "یا زَكَّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ، لأَنَّه یَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْیَوْمَ فِي بیْتِكَ" (لو19 : 5) فتغیرت حیاتھ تمامًا وصار قدیسًا. وفي المقابل ھناك أناس لا یستجیبون، مثال: یھوذا الإسخریوطي وعخان ابن كرمي وحنانیا وسفیرة.
۳- فتح الباب من لله: إذا استجبت لنداء لله یفتح أمامك باب الرجاء، لأن التوبة تحمي الإنسان من الیأس والقلق والمتاعب النفسیة، ویقول الكتاب "ھكذاَ یَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاء بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ یَتُوبُ أكَثَرَ مِنْ تسِعَة وَتسِعِینَ بَارًّا لا یَحْتَاجُونَ إلِىَ تَوْبَة"ٍ (لو۱٥: 7) أتوا بالمرأة التي أمسكت في ذات الفعل لیرجموھا لكن السید المسیح تعامل مع الموقف بطریقة كلھا حكمة ورحمة، وفتح لھا باب الرجاء قائلاً: "أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟... وَلاَ أَنَا أَدِینُكِ اذْھَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَیْضًا" (یو ۸ : ۱۱-۱۰) والابن الضال أثناء عودته كان یفكر أفكارًا كثیرة
لكنه فوجئ أن الأب "تَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِه وَقَبَّلَه" (لو ۱٥: ۲۰ ) وأعطاه الحُلة الأولى والخاتم والحذاء وذبح العجل المسمن إنه الرجاء.
٤- نوال الجائزة: الجائزة ھي كمال الرحمة أوحالة الفرح التي یصل إلیھا الإنسان التائب، لأن الخطیة ثقل، لذلك قال السید المسیح "تَعَالَوْا إِلَيَّ یَا جَمِیعَ الْمُتْعَبِینَ وَالثَّقِیلِي الأَحْمَالِ،وَأَنَا أُرِیحُكُمْ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (مت ۱۱: ۲۸، ۲۹) ،تجدوا راحة البال وراحة القلب والسعادة والعجیب إن أكثر كلمة تكررت في مثل الدرھم المفقود، والخروف الضال، والابن الضال (لو15 ) التي تتكلم عن التوبة ھي كلمة فرح (وردت
10-11 مرة) بینما لا نجد كلمة توبة ولا مرة(انظر لو ۱٥: 5, 6, 9, 23, 24, 32).
اﻟﺨلاصة
حینما نقول "رحمة للتائبین" كأننا نقول أرجع لھم الفرح. في كل مرة یقدِّم الإنسان توبة یحصل على كنز ھو الفرح وھذا الكنز یدوم ویبقى. إن أردت أن تشعر بالفرح وراحة البال والسلام في وسط العالم المتوتر والھائج بأزماته وضعفاته وأخباره فكن من التائبین في الكنائس قدیمًا كان یوجد خورس للباكین أو التائبین، وما أشھى أن یقف الإنسان في مخدعه ویقدم دموعه التي تغسل خطایاه إذا حدث أن قابلت المسیح ماذا ستطلب منه سوى الرحمة ارحمني كعظیم رحمتك ليعطينا اﻟﻤسيح أن تكون حياتنا تائبة،ونشتهى الرحمة التى يسكبها الله علينا ﺟﻤيعًا،ونسمع نداءه " توبوا ، لأنه قد أقترب ملكوت السماوات" ( مت 3: 2).
قداسة البابا تواضروس الثانى

عدد الزيارات 20

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل