
عيد القيامة هو العيد الأول في مسيحيتنا فلولا القيامة ما كانت المسيحية ولا كانت كنيسة ولا كان كتاب مقدس ولا كانت صلوات ولا كان أي شيء في الغرب يسمون عيد القيامة Easter والكلمة مشتقة من East وتعني الشرق فهو عيد مشرقي، يشرق على البشرية جميعًا ونحتفل به كما حدث في التاريخ يوم الأحد، ويوم الأحد كما نعرفSunday هو يوم النور وهذا العيد لا نحتفل به يوما واحدا، ولكن حسب الطقس الكنسي تحتفل به لمدة خمسين يوما ونعتبر أن هذه الخمسين يوما يوم أحد طويل الكنيسة تصلي فيها بنغمة الفرح، حتى صلوات الجنازات نصلي بها بنغمات الفرح القيامة في معناها المختصر هي عبور ، عبور من حالة الموت إلى حالة الحياة وهي عبور أيضًا من حالة الخطية إلى حالة البر يا إخوتي الأحباء إن كنا نحتفل بعيد القيامة من الموت فيوجد أموات في الفكر، وأموات في الروح، وأموات في الرجاء بعض الناس هم أموات في الفكر، والفكر الميت هو الفكر الحرفي أو الفكر الناموسي، وهو الفكر الذي لا يفكر، هو إنسان لكن لا يفكر ! ربما أقرب مثال إلينا في الكتاب المقدس هو شاول الطرسوسي كان إنسانا يهوديًا فريسيا متعصبا ، وكان متعلما تعليمًا راقيًا، وكان يفتخر أنه تعلم عند قدمي غمالائيل أشهر معملي اليهود في زمانه، لكن للأسف كان فكره مينا ، فكان يضطهد كنيسة الله بإفراط ولكن الله لم يشأ أن يتركه، ففي الوقت المناسب ظهر له السيد المسيح وهو مسافر على طريق دمشق وتبدل الحال تماما ، وقام من هذا الفكر الميت، وصار شاول الطرسوسي هو القديس العظيم بولس الرسول وصارت له قامة روحية عالية لأنه قام من موت الفكر الإنسان الميت في الروح هو الذي يعيش في الترابيات والأرض ولا يرفع نظره للسماء أبدا هذا الإنسان الميت في الروح ينطبق عليه قول الكتاب: «أنا عارف أعمالك ، أن لك اسمًا أنَّكَ حَيَّ وأَنتَ مَيت» (رؤيا 3: ۱)، بين الناس لك اسم أنك حتي ولكن الله يقول لك إنك في نظري ميت أحد الأمثلة في الكتاب المقدس لذلك هو زكا العشار كان إنسانا يهوديا يعمل عشارًا أي جابيًا للضرائب وكان كل عالمه في المال، وبسبب هذا المال ظلم الكثيرين، وكان جشعًا وعدوانيًا لأنه كان يسلم الذين يرفضون دفع الضرائب للسلطات الرومانية وعندما يتقابل زكا مع السيد المسيح يتبدل الحال، ويتحوّل زكا الذي كان ممسكًا بماله أو بمعنى أدق المال هو الذي كان يمسكه ويقيده، ويعلن أمام السيد المسيح أن نصف أمواله للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد له أربعه أضعاف ويتخلى عن المال ويتحوّل إلى إنسان قديس وبار، أو على الأقل إنسان قائم من موت الروح نوع آخر من الأموات هم الأموات في الرجاء وهؤلاء البشر الذين ليس لهم رجاء لا أدري كيف يحيون ؟! وهؤلاء تمثلهم في قصة القيامة رجاء، عالمها هو عالم الخطية؛ ولكن عندما تقابلت مع السيد المسيح وأخرج منها شياطين الخطية ثابت وقامت وصار لها رجاء، وأعطاها المسيح أن تكون أول مبشرة بقيامته، فهي التي نقلت خبر القيامة إلى سائر التلاميذ.
كان الإنسان قبل القيامة عندما يموت، يموت في الأرض وتنتهي سيرته ليس أمامه فردوس، فالفردوس مغلق أمامه منذ سقطة آدم الأولى أما بالقيامة فقد انفتح الباب ، وصار الإنسان لا يعرف المستحيل، وغير المتسطاع عند الناس مستطاع عند الله الذي لا يعسر عليه شيء فالقيامة تعطي للإنسان أن مستقبله فيه باب مفتوح أحيانا يعيش الإنسان ويشعر أن المستقبل مغلق، ولكن الإحساس والشعور بالقيامة يعطي أملاً ويعطي الباب المفتوح أمام الإنسان القيامة أيضًا تمنح الإنسان فرحا بعد الحزن كان التلاميذ يعيشون في حزن فقد طلب السيد المسيح معلمهم أمامهم، ولكن عندما قام السيد المسيح في يوم الأحد لم يترك تلاميذه حزاني بل أعطاهم فرحا لذلك فكل يوم جمعة الذي هو تذكار الصليب له يوم أحد(تذكار القيامة)لا تعلمنا القيامة فقط أنه لا مستحيل، وتعطينا بعد الفرح في حياتنا بل هي تعطينا أيضا نوعا من الرجاء ضد اليأس.يُصاب الإنسان أحيانًا في حياته اليومية بالإحباط أو اليأس، ولكن في القيامة ينفتح باب الرجاء والنصرة أمام الإنسان، فالله ضابط الكل هو الذي يقود هذا العالم، وكل الخليقة ممسوكة في يد الله، ولذلك على الدوام يوجد الرجاء ويوجد الأمل الله لا يترك خليقته أبدا، فهو يعتني بالإنسان أينما كان ، الأمر الوحيد الذي لا يريده الله في الإنسان هو الخطية، لذلك إن قام الإنسان من خطيته سيجد يد الله الحانية تنظر إليه وتعينه القيامة فرح نعبر عليه في حياتنا في صلواتنا الصباحية ونعبر عليه في كل أسبوع في يوم الأحد ونعبر عليه أيضًا في الشهور القبطية في يوم ۲۹ من الشهر القبطي حيث نحتفل بالقيامة ونعبر عنه سنويا في فترة الخماسين التي تمتد الي خمسين يوما بعد عيد القيامة هذه القيامة التي نحتفل بها في هذه الليلة المباركة نفرح وتمتلئ قلوبنا بالفرح ويزداد فرحنا بحضور كل الأحباء ومشاركتهم معنا المشاركات التي تجمعنا سويًا في مناسباتنا الدينية والاجتماعية والقومية وهذه المشاركة التي يمكن أن نسميها المشاركة المصرية الدافئة هي التي تجمعنا جميعا في كل هذه المناسبات .لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين.
قداسة البابا تواضروس الثانى