صلاًحا للأغنياء

17 مايو 2024
Large image

ما هو الغنى؟
في معجزة إشباع الجموع قدَّم طفل صغیر خمس خبزات وسمكتین باركھا السید المسیح فتم توزیعھاعلى خمسة آلاف، وأكل الجمیع وشبعوا بل وفضل عنھم ۱۲ قفة من الكسر (مت ۱٤) والمقصود بالغنى أساسًا ھو البركة، فھذا الطفل یعتبر غنیًا، بالرغم من أن ما بیده كان قلیلاً،والمرأة صاحبة الفلسین كانت لدیھا عملة بسیطة جدًا، قدمتھا من أعوازھا، لكن قال السید المسیح "إِنَّ ھذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِیرَةَ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنَ الْجَمِیعِ"(لو ۲۱: 3 ,4) إن الغنى لیس ھو غنى المال فقط.
أنواع من الغنى
۱- الغني بالحب: عنده طاقة حب: "إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلكِنْ لَیْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا یَطِنُّ أَوْ صَنْجًا یَرِنُّ" ( ۱كو ۱۳ :1)
۲- الغني بالعطاء: عنده روح العطاء فیعطي من الأعواز: "الْجَمِیعَ مِنْ فَضْلَتِھِمْ أَلْقَوْا وَأَمَّا ھذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِھَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَھَا، كُلَّ مَعِیشَتِھَا"(مر ۱۲ :43 ,44)
۳- الغني بالإیمان: إیمانه قوي "أَمَا اخْتَارَ للهُ فُقَرَاءَ ھذَا الْعَالَمِ أَغْنِیَاءَ فِي الإِیمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ" (یع ۲: 5) مثل الشھداء
٤- الغني بكلمة ربنا: تكون الوصیة في لسانه وفي حیاته، ویعیش الوصیة.
٥- الغني بالستر: القدیس الأنبا أبرآم كان یقول "لا حُزنا ولا عُزنا".
في التاریخ الكتابي ھناك أغنیاء كثیرون كانوا قدیسین مثل: إبراھیم أبو الآباء، وإسحاق،ویعقوب، ویوسف الصدیق، وأیوب، ودانیال النبي، وداود الملك، وسلیمان، ومتى العشار،وأكیلا وبریسكلا، ویوسف الرامي، وغیرھم.
وفي التاریخ المسیحي: الأنبا أنطونیوس، والأنباأرسانیوس معلم أولاد الملوك، ومكسیموس ودومادیوس،
والملكة أناسیمون السائحة، والملكة ھیلانة، والملك زینون، والمعلم إبراھیم الجوھري وغیرھم.
یقول القدیس أغسطینوس: "لیس الشر في أن یكون لدیك ممتلكات بل في أن الممتلكات تمتلكك".
الصلاح
الصلاح صفة من صفات الله. حینما قال الشاب الغني للمسیح "أَیُّھَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ
لأَرِثَ الْحَیَاةَ الأَبَدِیَّةَ؟ فَقَالَ لَه یَسُوعُ: لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَیْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَھُوَ اللهُ" (مر ۱۰ : 17, 18)وكلمة "صلاح" نسمیھا باللغة الحدیثة "التدبیرالحسن". لذلك یجب أن نعرف المبدأ الذي قدَّمه
الكتاب المقدس: "أَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِالَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِیمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعِ كَثِيرَةٍ" (اتي6: ١٠). فليس "المال" إنما محبَّة المال أَصْلِّ لِكُلِّ الشَّرُورِ" لأن المال من نعم الله.
معنى كلمة صلاح من أحرفها
"ص" = صدق: "السالِكُ بِالْكَمَالِ يَخْلُصُ، وَالْمُلْتَوِي في طَرِيقَيْنِ يَسْقُطُ فِي إِحْدَاهُمَا" (أم ۲۸:۱۸) الصادق هو إنسان مستقيم، لا يكسب ماله بطرق ملتوية.
"ل" = لين: ألا يكون صاحب قلب قاسي. ولا تنسوا أن الله قال: "لا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ لا تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ" (مت ٦ : ٢٤) هنا المال وضع في مكانة كأنه إله، وهو بالحقيقة صنم. القلب الرحيم لا يعرف الغلظة، بل هو قلب ممتلئ رحمة وحنانا قدم لنا السيد المسيح مثل الغني ولعازر كان الغني يسكن قصرًا، وكان لعازر الفقير يستعطي على بابه، تلحس الكلاب قروحه لكن تبدل الحال لما انتقلوا، فصار الغني يشتهي أن يأتي هذا الفقير الذي أهمله ليبرد لسانه بطرف أصبعه احترزوا فإن أحد أعراض المال إنه يقسى القلب لذلك قيل" مَحَبَّةُ الْمَالِ أَصَلِّ لِكُلِّ الشَّرُورِ " ( ١ تي ٦ :١٠).
"أ" = اكتفاء: أن يكون الإنسان مكتفيا من الداخل وليس عنده جشع ولا أنانية ولا انفرادية ولا ذاتية. "في يَوْمٍ مُعَيَّنِ لَبِسَ هِيرُودُسُ الْحُلَةَ الْمُلُوكِيَّةَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِي الْمُلْكِ وَجَعَلَ يُخَاطِبُهُم فَصَرَخَ الشَّعْبُ: هَذَا صَوْتُ إِلَهِ لَا صَوْتُ إِنْسَانٍ فَفِي الْحالِ ضَرَبَهُ مَلَاكُ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ الْمَجْدَ للَّهِ، فَصَارَ يَأْكُلُهُ الدودُ وَمَاتَ"( اع ۱۲ : ۲3-۲1).
"ح" = حكمة: يقول يوحنا ذهبي الفم: "ليس هناك أية خطيئة في كونك غنيًا ولكن الخطيئة أن تكون غنيا بدون عقل". مثل الغني الغبي الذي أعطاه الله ثروات كثيرة فقال: "أعمل هذا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي اعظم، وَاجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غلاتي وَخَيْرَاتِي وَأَقُولُ لِنَفْسي يَا نَفْسٌ لَكِ خَيْرَاتٌ كثيرة، موضوعة لسنين كَثِيرَةٍ. اسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهَذِهِ الَّتِي
أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ" (لو ۱۲: ۱۸-20)، أي كانت النتيجة أنه أخذ لعنة. أما الطفل الذي قدم الخمس خبزات والسمكتين الطعام الذي يكفيه لكنه فكر في الجموع فكانت النتيجة أنه أخذ بركة.
قال القديس غريغوريوس النزينزي: "الثروة لیست شرا، ولكن هي شر إذا استخدمت بشكل
طمعي وجشعي".هذه كلها نقاط مهمة في معنى عبارة "صلاحا للأغنياء".
خطة بولس الرسول (٢-٤-٢) تحت عنوان صلاحا للأغنياء":
أولاً: ينهي الأغنياء عن أمرين
"أَوْصِ الْأَغْنِيَاءَ فِي الدَّهْرِ الْحَاضِرِ أَنْ لَا يَسْتَكْبِرُوا ، وَلَا يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى بَلْ عَلَى اللهِ الْحَيِّ الَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنى للتَّمَتَّع " ( ١ تي ٦ : ١٧).
١- "لا يَسْتَكْبِرُوا": لأن قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ،وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُحُ الرُّوح" (أم ١٦: ١٨).
٢- " لَا يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى : اجعل رجاءك على الله، لا تظن أن غناك يسندك يمكن أن يضيع في لحظة. يقول سفر الجامعة: "من يُحِبُّ الْفِضَّةَ لَا يَشْبَعُ . مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لا يَشْبَعُ مِنْ دَخل هذا أَيْضًا بَاطِلٌ" (جاه: ۱۰) وقال السيد المسيح: "لأنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الْإِنْسَانُ لَو ربح العالم كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ" (مت ١٦: ٢٦).
ثانيا: ينصح الأغنياء بأربعة أمور وَأَنْ يَصْنَعُوا صَلَاحًا، وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَالَ صَالِحَةِ، وَأَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي الْعَطَاءِ، كُرَمَاءَ فِي التوزيع" (اتي ٦: ١٧-١٨).
١- أَنْ يَصْنَعُوا صَلَاحًا": اصنع بمالك أعمالاً صالحة، وإياك أن تستخدمه في أمر غير صالح.
٢- أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَال صَالِحَة : تُقدِّم لأخوة الرب الأصاغر لمشروعات الكنيسة لمدارس الأحد، للإكليريكيات والمعاهد اللاهوتية لنشر الكتب والأبحاث، لمشروع "بنت الملك"، ولا بد أن يتسع ذهنك لاحتياجات أخرى كثيرة في الكنيسة.
٣-أَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي الْعَطَاءِ": عندما تكون سخيا في عطائك سيكون الله سخيا معك،ويعود عليك بنعم في أشياء كثيرة. ٤- "كُرَمَاءَ في التوزيع": كن كريما في التوزيع، وحتى إن لم يكن لديك لا تمتنع.
ثالثا: يضع أمام الأغنياء هدفين مهمين
مُدَّخِرِينَ لأَنْفُسِهِمْ أَسَاسًا حَسَنًا لِلْمُسْتَقْبَلِ لِكَيْ يُمْسِكُوا بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّة" ( ١ تي٦: ١٩).
۱ - مُدَّخِرِينَ لأَنفُسِهِمْ أَسَاسًا حَسَنًا لِلْمُسْتَقْبَلِ"، يكون الإنسان مدبرًا صالحًا لما في يده ويضع أساسا صالحًا للمستقبل.
٢- لِكَيْ يُمْسِكُوا بِالْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ"، "طُوبَى لِلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى الْمِسْكِينِ (بكل الأشكال) فِي يَوْمِ الشَّرِّ يُنَجِّيهِ الرَّبُّ" (مز ١:٤١) قال يوحنا ذهبي الفم: "إن الفقراء حراس - الملكوت" أنت أيها الغني لكي ما يكون عملك صالحًا انظر دائما إلى الحياة الأبدية وأمسك بها، اجعل أمامك نصيبك الذي في السماء، واجعل نظرك إلى الله يقول سفر الأمثال: "الرَّجُلُ الْأَمِينُ كَثِيرُ الْبَرَكَاتِ، وَالْمُسْتَعْجِلُ إِلَى الْغِنَى لَا يُبْرَأ" (ام ۲۸: ۲۰) فإن أعطاك الله نعما، فكن مدبرًا حسنا فيما أعطاك واخدم به وفرح به آخرین. فالفرح يأتي عندما تعطي وليس عندما تأخذ.
قداسة البابا تواضروس الثانى

عدد الزيارات 376

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل