
من هم الفضلاء؟
كلمة "الفضلاء" جمع كلمة "فاضل" من"الفضیلة"، فالفاضل ھو من ینمو في الفضیلة إن كل إنسان مسیحي ھو صورة للمسیح في كل مكان یحل فیه، لأن السید المسیح قال لنا: "أَنْتُم مِلْحُ الأَرْضِ أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ" (مت ٥: 13, 14) وقیل أنتم "رَائِحَةُ الْمَسِیحِ الذَّكِیَّةِ" ( ۲كو ۲: 15) یقول القدیس بطرس: "نِھَایَة كُلِّ شَيْءٍ قَدِاقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَاصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ. وَلكِن قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِیدَةً،لأَن الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَایَا. كُونُوامُضِیفِینَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِلاَ دَمْدَمَةٍ (تذمر). لِیَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أخَذَ مَوْھِبَةً، یَخْدِمُ بِھَا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، كَوُكَلاَءَ صَالِحِینَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ"(۱بط ٤: 7-10 )ھذه الكلمات ھي دعوة للحیاة الفاضلة. وقد أعطى الله كل إنسان موھبة معینة لكي نكمِّل بعضنا بعضًا. لذلك قال معلمنا یعقوب: "كُل عَطِیَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْھِبَةٍ تَامَّةٍ ھِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ" (یع ۱: 17)
كيف نكسب الفضيلة؟
یسمح لله للبعض أن یولدوا بالفضیلة، وھي حالات خاصة مثل یوحنا المعمدان الذي قیل عنه "من بَطْنِ أُمِّه یَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (لو ۱: 15) ومثل إرمیا النبي الذي قال الله له "قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ" (إر ۱: 5). أما غالبیة الناس فیجاھدون من أجل الوصول لحیاة الفضیلة، مثلما نسمع عن جھاد القوي القدیس الأنبا موسى الأسود.
ﻟﻤاذا نقول "وداعة للفضلاء"؟
لأن الفضیلة لا تعیش ولا تظھر إلا بوداعة الإنسان، فمن لیست عنده وداعة لا تظھر فضیلته.والفقرة التي نقرأھا في صلاة باكر توضح ذلك"فَأَطْلُب إِلَیْكُمْ، أَنَا الأَسِیرَ فِي الرَّبِّ أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا یَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِیتُمْ بِھَا بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ،وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِینَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ مُجْتَھِدِینَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِیَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ"(أف ٤: 1-3)
في ھذه الفقرة نجد ثلاثة أمور:
۱- السلوك: "أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا یَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ" فكل منا له دعوة مختلفة عن الآخر (أب، كاھن، خادم،مدرس، مھندس، طبیب، إلخ.) یجب أن یسلك في ھذه الدعوة بكل أمانة. وفي سلوك الإنسان یقول الله تعبیر مطمئن: "لا تَخَفْ، أَیُّھَا الْقَطِیعُ الصَّغِیرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ یُعْطِیَكُمُ الْمَلَكُوتَ" (لو ۱۲: 32)
۲- الاحتمال: "مُحْتَمِلِینَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ"، وھذه الفقرة نقرأھا كل صباح في صلاة باكر قبل أن نخرج ونتعامل مع البشر، لنتعلم أن نحتمل بعضنا بعضًا في المحبة، فلا نتأثر بتعبیروجه أو كلمة أو تصرف. بل السید المسیح قال "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ" (مت ٥ :44) لذلك یجب أن یكون القلب مفتوحًا لكل إنسان.
۳-الاجتھاد: "مُجْتَھِدِینَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِیَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ"، بمعنى احفظ سلامة أسرتك،وسلامة خدمتك، وسلامة المجتمع الذي تعیش فیه أن یكون مجتمعًا ثابتًا وقویًا، وھكذا
ما ﻫﻲ الوداعة؟
كل إنسان منا لابد أن یقدِّم الفضیلة وھي محفوظة بالوداعة. وقال السید المسیح: "اِحْمِلُوانِیرِي عَلَیْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِیعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (مت ۱۱: 29) المسیح الذي فیه كل كمالات الفضائل كانت الوداعة والتواضع ھما الفضیلتان الأساسیتان التي علمنا وطلب منا أن نقتدي به فیھما. وطوبى للإنسان الذي یحتمل ویعرف إنه بذلك یتشبه بسیده وكلمة ودیع أو لطیف ھي أسماء جمیلة ھومعنى اسم القدیسة دمیانه، وأحد معاني اسم داود النبي ونتذكر أن السیدة العذراء قالت في تسبحتھا: "أَنْزَل الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِینَ" (لو ۱: 52) وقال القدیس موسى الأسود: "وداعة القلب تتقدم الفضائل كلھا والكبریاء ھي أساس كل الشرور".
كيف نعيش الوداعة؟
التواضع یحتاج الوداعة: التواضع فضیلة تحتاج للوداعة وأنت تمارسھا. مثال لذلك قصة داود النبي ونابال الكرملي: ذھب رسل داود إلى نابال لیطلبوا بعض الطعام في یوم احتفاله، فغضب وطردھم وتصرف بحماقة كمعنى اسمه (نابال=حماقة) فقرر داود أن ینتقم منه، ولما علمت زوجته أبیجایل الحكیمة، جمعت مأكولات وخرجت مع بعض الغلمان فقابلت داود ورجاله في الطریق ثم بدأت تتكلم بكلام لطیف وودیع
ومتضع، وقدّمت لداود نصیحة فتراجع عن انتقامه لنفسه، وقال لھا "مُبَارَك عَقْلُكِ" ( ۱صم ۲٥: 33)
ھكذا فإن وداعة الإنسان تصرف الغضب ویقول الكتاب "اَلْجَوَاب اللَّیِّنُ یَصْرِفُ الْغَضَبَ،وَالْكَلاَمُ الْمُوجعُ یُھَیِّجُ السَّخَطَ" (أم ۱٥: 1) انتبه وأنت تتحاور مع أي إنسان ألا یخرج منك لفظ یتعب أو یجرح أو لا یقبله الآخر.
الوداعة تحمي المحبة: إن عالم الیوم جوعان للمحبة، ھو عالم غارق في المادیات والتكنولوجیا والاختراعات الحدیثة ومنصات التواصل الاجتماعي والأفكار الغریبة الشاردة، كما قال السید المسیح "الْعَالم كُلَّه قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّیرِ"(1یو ٥ :19) یقول القدیس موسى الأسود "قساوة القلب تولد الغیظ والوداعة تولد الرحمة"علِّم نفسك أن تقول الكلمة التي تتسم بالوداعة لما أحضروا للسید المسیح امرأة ضبطت في الخطیة، وأوقفوھا في الوسط، وأمسك كل منھم حجرًا لیرجمھا، جلس ھو بمنتھى الھدوء والوداعة وكتب خطایاھم على الأرض بدون تحدید وقال لھم "مَن كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِیَّةٍ فَلْیَرْمِھَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ"
(یو ۸: 7) فانصرفوا. لم یھاجمھم ولم یفضحھم بل تصرف بمحبة ووداعة، ثم نظر للمرأة في وداعة
وقال لھا "أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ وَلا أَنَا أَدِینُكِ. اذْھَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَیْضًا" (یو ۸: 10-11)ھكذا نقدِّم فضیلة المحبة بالوداعة.
الوداعة مع الشجاعة: لابد أن یكون الإنسان شجاعًا لكن الشجاعة بدون وداعة تكون تھورًا طرد السید المسیح الباعة والصیارفة الذین یبیعون ویشترون بشكل لا یتناسب مع قدسیة الھیكل وطھر الھیكل، وقال: "بَیْتِي بَیْتَ الصَّلاَةِ یُدْعَى وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لصُوصٍ" (مت ۲۱: 13) وھي عبارة فیھا تعلیم ومبدأ ونصیحة دانیال النبي وھو في الأسر، اتھموه بأنه یعصى الملك لأنه یرفض أن یسجد لتمثال الذھب، وكانت النتیجة أنه ألقي في جب الأسود،وفي الیوم التالي عندما ذھب إلیه الملك ووجده حیًا، رد على الملك بمنتھى الوداعة قائلاً "یَا أَیُّھَا الْمَلِكُ، عِشْ إِلَى الأَبَد! إِلھِي أَرْسَلَ مَلاَكَه وَسَدَّ أَفْوَاهَ الأُسُودِ" (دا ٦: 21,22)
الوداعة في العبادة والصلوات: "تَأَوُّهَ الْوُدَعَاءِ قَدْ سَمِعْتَ یَا رَبُّ. تُثَبِّتُ قُلُوبَھُمْ. تُمِیلُ أُذُنَكَ" (مز ۱۰: 17)
الإنسان الودیع الذي یقدم مع صلاته بكاء أو تأوه ھذا یستمع له الله یقول القدیس أمبروسیوس "إن الوداعة ھي القاعدة الأولى الجدیرة بالاتباع في التسبیح والترتیل. وصلواتنا نفسھا تكون بالوداعة مقبولة
ومرضیة جدًا وتكسبنا نعمة عظیمة لدى الله" فالعبادة التي تقدَّم ﻟﻠﮫ بوداعة تكون مقبولة أمامه.
الوداعة ﻟﻬا هذه الصفات اﻟﺜلاث الرئيسية:
۱- اللطف: "كُونُوا لُطَفَاءَ" (أف ٤: 32) إن مجرد كلمة لطیفة یكون لھا أثر كبیر یستمر لزمن طویل.
۲- التسامح: "اغْفِر لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَیْضًا لِلْمُذْنِبِینَ إِلَیْنَا" (مت ٦: 12) والشخص المتسامح یمرر الأمور ولا یعقدھا.
۳- الاتضاع: ھو "أرض حاملة لكل الفضائل"،كما یعلمنا الآباء.
ختام
تعلمنا الكنیسة أن نصلي لمن ھم في موضع تقدیم الفضیلة (الفضلاء)، فنطلب أن یشملھم الله بالوداعة، لتظھر الفضیلة بالوداعة.
قداسة البابا تواضروس الثانى