
إِنجيل هذا الصباح المُبارك ياأحبائىِ هو إِنجيل الأحد الّذى يسبِق عيد الصعود ويقول" أَنَا أَمْضِى لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً " ، ويقول " وإِن مضيت وأعددت لكُمْ مكاناً آتىِ وآخُذكُمْ إِلىّ حتى حيثُ أكون أنا تكونون أنتُم أيضاً " ، يقول أنا سأأخُذكُمْ للمكان الّذى أكون فيه ففِى إِحتفال عيد الصعود ربنا يسوع بيجلِس عن يمين الآب ويقول أنا عِندما أصعِد لن أصعِد وحدىِ ولكِنْ حيثُ أكون أنا تكونون أنتُمْ أيضاً ، ولِذلك اليوم الكنيسة بِتُهيّأنا ياأحبائىِ لِفِكر الصعود المُقدّس ،وتُريد أن تُفرّحنا بأنّ مكاننا هو فِى حِضن الآب فِى السماء بِنعمة ربنا أحِب أن أتكلّم معكُم فِى نُقطتين :-
1- حيثُ أكون أنا تكونون أنتُم أيضاً:-
ربنا يسوع المسيح ياأحبائىِ وهو على الأرض قد أكمل كُلّ شىء ، وهو على الصليب قال " قد أُكمِل " ، وفِى القُدّاس نقول " أكمِلت التدبير بالجسِد " ، وأجتاز حُكِم العقوبة الّذى كان على الإِنسان ، ما مِن تعدّى وما مِن معصية فعلها الإِنسان إِلاّ وربنا يسوع قد دفع ثمنها للآب " قتلت الموت بِموتك وأظهرت القيامة بِقيامتك " ، وهذا ما نقوله فِى الصلاة بالأجبية وهو على الأرض إِبتدأ يدفِع الديون التّى على الإِنسان ، فكُلّ جِراحات الصليب ياأحبائىِ وكُلّ ألم إِجتازه ربنا يسوع وهو على الأرض كان إِيفاء للعدل الإِلهىِ حقّهُ ، فهو فِى السماء تراءى للآب ويديهِ ورِجليهِ فيها جِراحات ، فهو دفع ثمن خطايانا ، فهذا كان التدبير الإِلهىِ " أنّ الله سُرّ أن يسحقهُ والله وُضِع عليهِ إِثم جميعُنا " حمل كُلّ خطايانا فِى جسم بشريتهِ ، أُريدك أن تتخيّل وهو عِندما أكمل التدبير بالجسد وذاق الموت وهو أمام الآب وقد دفع ثمن كُلّ خطايانا ، بالرغم مِن أنّهُ بِلا خطيّة وبِلا شر ، وهو " صار خطيّة لإِجلِنا " تخيّلوا وهو صاعِد للآب بِهذهِ الجِراحات فإِنّهُ سيدخُل للآب وهو ظافِراً وفِى يديهِ ورجليهِ علامات طاعة لله وللبشر ، هو دفع ثمن هلاك الخليقة كُلّها ، فهو دخل للآب بِكرامة عظيمة ، وكُلّ الآلامات التّى إِجتازها أخذ أجرها ، فما هو أجرها ؟ أخذ الكرامة والمجد والسُلطان الّذى كان لهُ قبل التجسُدّ ، ويقول للآب أنا آتىِ ومعىِ كُلّ الّذين إِشتركوا فِى الجِراحات المُقدّسة ، أنا آتىِ ومعىِ وليمة ، ومعىِ عُرس ، ومعىِ مدعوّين كثيرين ، آتىِ ومعىِ الكنيسة كُلّها ، هذا هو الصعود ياأحبائىِ ، كما نقول فِى القُدّاس " رفع قديسيه للعلاء معهُ وأعطاهُم قرباناً لأبيه " رفع الكنيسة كُلّها معهُ ، وقال للآب هاهُم الّذين كانوا هالِكين ، والفساد كان مالِك عليّهُم ، والخطيّة كانت مُسيّطِرة عليّهُم ، وردّ لهُم المُلك مرّة أُخرى ، فكُلّ إِنسان يعيش حياة سماويّة يعيش إِستحقاقات الإِبن بالضبط ، ويدخُل فِى مجدِهِ ، ويقول عن كرامتهُ : ليس فِى هذا الدهر فقط بل وفِى الآتىِ ، فلا توجِد كرامة تعلو كرامِة الآب والإِبن ، فنحنُ سندخُل لِهذهِ الكرامة ، سندخُل مُحتميين فيهِ ، نحنُ سندخُل لدى الآب مُحتميين فِى الإِبن ، فكرامتنا هى مِن كرامة الإِبن ، الإِبن دفع ثمن الخطيّة فصرنا لهُ ، نحنُ ميراث ربنا يسوع المسيح ، نحنُ غنم رعيّتهُ ، نحنُ عمله ، نحنُ الّذين إِشترانا بدمهِ ولِذلك تُسمّى الكنيسة بإِسم " البيعة " لأنّها هى التّى إِبتاعها بدمهِ ، ولِذلك الإِبن لهُ كرامة عظيمة عِند الآب ، وهو يقول لنا " حيثُ أكون أنا تكونون أنتُم أيضاً " ، نحنُ غير مُحتاجين ياأحبائىِ أن نعرِف أن نعرِف المجد الّذى ينتظِرنا ، ولابُد أن نكون واثقين مِن هذا الوعد ، ومِن أنّ عشاء عُرس الخروف والوليمة السماويّة بِتنتظِرنا ، وهذا هو مكان مجد الإِبن ، وهو لا ينفصِل عنّا أبداً " فإِن كُنّا أبناء فنحنُ ورثة ورثة بالمسيح يسوع " ، لِذلك نحنُ لنا إِستحقاق التواجُد الدائم لدى الآب فالإِبن موجود فِى حِضن الآب ونحنُ فِى الإِبن ، ولِذلك نحنُ فِى حِضن الآب ، أُنظُر لِعظِم تدبير ربنا يسوع وكيف يكون وضعِنا عِندهُ ، فهو بيّهيّأنا لِكرامة عظيمة ومجد عظيم فعيد الصعود بيعيِد لنا كُلّ بهجة وكُلّ خلاص ، بيعيِد لنا كُلّ كرامة مفقودة ، ولِذلك يقول فِى سِفر الرؤيا " ويتبعون الخروف أينما يذهب " ، ويكون بِلا عيب أمام عرش الله ، فنحنُ خُطاه ولكِن متحميين فِى دمهِ ، وهو إِشترانا بدمهِ فصرنا مُتبرّرين بدمهِ ، فتدبير ربنا يسوع المسيح أنّنا نصير هو بالضبط ، وعِندما نذهب للسماء يكون مكاننا بِجانبهِ فبولس الرسول يقول " لىِ إِشتهاء أن أنطلِق وأكون مع المسيح فذاك أفضل جِداً " ، لِماذا يا بولس الرسول ؟!! لأنّهُ عارِف ماذا أعدّ لهُ الله ، عارِف أنّ مكانه سيكون فِى حِضن الله وعارِف إِلى أين سيذهِب فنحنُ نقول لهُ : نحنُ يارب لا نستحِق ذلك ، ولكِن هو يقول لنا لا فأنتُم أولادىِ وأُريدكُم أن تكونوا معىِ ، الله ينتظِرنا فِى الأبدية مُنذُ الأزل ، منتظِرنا فِى الملكوت لِكى نتمتّع بهِ ، بولس الرسول يقول : أنتُم لستُم غُرباء ولا نُزلاء بل رعيّة أهل بيت الله ، فإِن كان البيت هو بيته فأنت لست غريب ، أنت جُزء منهُ ، أنت شريك لِصاحِب البيت فلو الإِنسان عرِف هذا المجد فكيف تكون نظرتهُ للأبدِية ؟ فإِنّنا سنجِد أنّ الأرض ستصغر فِى عينيهِ ، وتبدأ إِشتياقات السماء عِندهُ تكبر ، فنقول لهُ : متى يارب نكون فِى هذا المكان الرائع فنحنُ كُلّما إِقتنعنا بالسماء وأحببنا السماء تهون علينا كُلّ الأرض وكُلّ ما فيها ، ونعرِف أنّ كُلّ ما فيها هى أمور زائِلة ، فنتمسّك بالسماء ، والإِنسان عِندما يعرِف المجد الّذى ينتظِرهُ يبدأ يجهّز نفسه ، فيالِغِنى رحمِتك التّى تُجهّزها للبشريّة ، الإِنسان الّذى كان لا يستحِق أن يكون على الأرض ، اليوم نتكلّم عنهُ أنّ مكانه فِى حِضن الآب ، فهذهِ هى الكرامة التّى أخذها بالصعود فربنا يسوع يقول لنا أنا ذاهِب ومِنتظِركُم ومكانكُم جاهِز ، فهو بيقول هذا الكلام لِكى يُعزّينا عن فُراقة ، يقول لنا أنا مِجهّز لكُم مكان تفرحوا بهِ ، فهو يُريد أن يُخفّف عليّهُم آلام الفُراق ، وبِيجعِل النِفَس تعيش فِى إِنتظار أفراح الأبديّة ولِذلك ياأحبائىِ لا نتعجِب مِن القديسين الذاهبين بِفرح للإستشهاد ، فالكِتاب يقول لنا " لأنّ خفّة ضيقتنا الوقتيّة تُنشأ لنا أكثر فأكثر ثِقل مجد أبدىِ " ، فالإِنسان يشعُر فِى كُلّ يوم أنّهُ فِى إِشتياق زائِد ، لأنّهُ عرِف ما الّذى جهّزهُ الله لهُ ، تخيّل أنّ الإِنسان موطنهُ هو فِى السماء ، فإِنّهُ يستعِد لِهذا الموطِن ، فنحنُ نعيش على الأرض لأنّ لنا رِسالة ، نحنُ ذاهبين للسماء وشهوة قلوبنا هى حِضن الآب ، مكاننا سيكون فِى حِضنهِ الأبوىّ كُلّ حين ، ويتسِع لِيحتضِن كُلّ البشريّة ، الإِنسان الّذى لهُ علامة الله سوف يرِث هذا المُلك ، والّذى يعيش بِهذا الفِكر كُلّ يوم فإِنّهُ يُرضىِ الله كُلّ يوم ، ويزداد حُب وإِشتياق لهُ ، فكُلّ يوم نفحص أنفُسنا ، وكُلّ يوم أراجِع نِفَسىِ ، هل أنا فِى الطريق أم لا ؟!
ولِذلك توما الرسول قال لربنا يسوع :" أين الطريق ؟ " فقال لهُ ربّ المجد يسوع" أنا هو الطريق " ، إِمشىِ ورائىِ ، ولِذلك يقول الكِتاب " شُكراً لله الّذى يقودنا فِى موكِب نُصرتهِ " ، هو سائر أمامنا وآخِذ الكنيسة كُلّها يُعرّفها طريق حِضن الآب بعد أن كُنّا سائرين فِى طريق الظُلمة ، فلمْ تعُد الظُلمة مكاننا أبداً ، لأنّ الإِبن نفسهُ تقدّمنا وحمل ضعفِنا وصار لنا شفيع يدّخلنا قديماً كان رئيس الكهنة يدخُل خيمة الإِجتماع مرّة واحِدة فِى السنة لِكى يرُشّ دم الذبيحة على التيس وذلك فِى يوم الكفّارة ، وكان هذا إِشارة لصعود ربنا يسوع المسيح ، لأنّهُ دخل إِلى الآب بدم نفسهِ ، فإِن كان دم التيس يُقدّم كفّارة ويغفِر الخطايا ، فكم يكون دم إِبن الله ، فهو دم كريم حمِل بِلا عيب ، فهو عِندما قدّم نفسهُ صار مسكننا قُدس الأقداس ، وكُلُّنا نراهُ وكُلُّنا نأكُل مِن جسدهِ ودمهِ ، ونتحِدّ بهِ ، كرامة عظيمة صارت لنا ، صرنا نتمتّع بِخُبز الحياة ، ونتحِدّ بهِ ونأكُلهُ ، وهو يتحِدّ بأجسادنا ، لأنّ المسيح دفع الدين ، وردّ آدم وبنيهِ إِلى الفردوس مرّة أُخرى ، وعِندما نكتشِف مجدِنا عِند ربنا فإِنّهُ لا يليق بِنا أن نعيش فِى عبوديّة إِبليس ولا نعيش فِى الخطيّة فعندما أتلذّذ بالخطيّة وأفرح بالأرض وأرتبِط بِها فأنا بِذلك لا أعرِف ماذا فعل المسيح مِن أجلىِ ، وما الّذى يُجهّزهُ لىِ ، وهذا هو الإِنسان الّذى يستبِدل ما ينفع بِما لا ينفع القديس يوحنا فم الذهب يقول " إِنّىِ أتعجّب مِن إِبن الأكابِر الّذى يجلِس على رأس الشارِع لِيأخُذ لُقمة " ، الإِنسان الّذى يعيش فِى كرامة عِند ربنا يكون عارِف ما هو مجدهُ عِند ربنا 0
2- فِى بيت أبىِ منازِل كثيرة:-
فالسماء بالنسبة لنا ستكون موضِع وستكون مسكن ، كرامة عظيمة ومجد عظيم لِكُلّ إِنسان إِستنار وعاش فِى نور الوصيّة ، وسيأخُذ مجد فِى السماء ، ولكِن فِى السماء يوجد مجد يختلِف عن مجد ، ولكِن المُهِم أننّا كُلّنا سنرى الوليمة السماويّة ، ولكِن الإِنسان عِندما يعرِف ذلك فإِنّهُ يُحِب أن يُحسِنّ موضِعهُ ، فالسِت العدرا يقول عنها الكِتاب " جلست الملِكة عن يمين الملِك " ، توجد كرامات عظيمة ومُختلِفة كُلّ إِنسان عاش فِى بِر المسيح وكُلّ إِنسان تألّمْ مِن أجل المسيح وعاش فِى نور وصيّة ربنا يسوع نجِد أنّ نوره فِى السماء بِقدر البِر الّذى عاشهُ على الأرض ، فالأبرار يُضيئون كالكواكِب فِى ملكوت أبيهُم ، فالإِنسان البار هذا النور منتِظره فِى السماء ، والّذى يُميّز القديسين هو النور الّذى فيهُم ، وكُلّما أستضىء بِمصدر النور وأعاشره كُلّما يفيض علىّ النور فِى السماء مواضِع كُلّها مجد وكُلّها كرامة ، والإِنسان كُلّما أدركها إِزداد إِشتياق ، وعِندما يعرِف الإِنسان الموضِع الّذى ينتظِرهُ يزداد إِجتِهاد فالأنبا يوأنّس المُتنيّح كتب فِى مُذكِّراته موقِف حدث معهُ ولمْ يُنشِر ذلك إِلاّ بعد نياحتهُ فيقول : أنّ السٍت العدرا جاءت لهُ فِى يوم مِن الأيام وأخذتهُ للسماء وكان عِنوان الرؤيا " ورأيت هُناك " ، يقول أنّهُ رأى الكرامات العظيمة للقديسين فِى السماء ، وأرتهُ مكان مُنير وكُرسىِ بهىّ جميل فِى مكان مُرتفِع ، فسأل السِت العدرا : لِمَنْ هذا الكُرسىِ ؟ فقالت لهُ : هو كُرسيك أنت ، وعِندما إِستيقظ إِبتدأت غيرتهُ تزداد ، وإِبتدأ يعيش فِى كرامة وبِلا خطيّة كُلّ واحِد فينا مدعو لأن يرى مكانه ويمسِك بهِ ، ولِذلك يقول لنا الكِتاب " إِمسٍك بالحياة الأبديّة " ، ربنا خلقنا لِكى نكون معهُ " حيثُ أكون أنا تكونون أنتُم أيضاً " ، فعِندما يعرِف الإِنسان المكان الّذى ينتظِرهُ فإِنّ حياتهُ كُلّها تكون إِرضاء لِربنا ، فربنا أخذنا وأعطانا كرامة ، فبولس الرسول يقول نحنُ " شُركاء الطبيعة الإِلهيّة " ، فلا نتعجِب مِن ذلك ، لأنّ هذا هو فيض محِبّة ربنا ، ربنا أحب أن نكون معهُ فِى مجده ، فكُلّ واحِد لابُد أن يهتِم بِمكانهُ ، ولابُد أن نُجاهِد ونمسِك بِهذهِ الدعوة ، فلا يوجِد أحد يُضيّع السماء منهُ إِلاّ الّذى سيُضيّعها بِكامِل إِرادتهِ كُلّ واحِد فينا لهُ دعوة للوليمة ولكِن المُشكِلة هى فِى الّذى يُضيّع الدعوة منهُ ، فنحنُ أخذنا الدعوة ، وكُلّ واحِد فينا ماسِك بالدعوة ، وكُلّ واحِد مكانهُ مُسجِلّ فِى السماء ، ويقول لنا الكِتاب " فلنخِف مع بقاء وعد بالدخول إِلى راحتهِ يُرى أنّ أحد منّا قد خاب عنهُ " ربنا يسوع يقول لنا " رِثوا المُلك المُعِدّ لكُمْ مِن قبل إِنشاء العالمْ " ، فهو يقول لنا تعالوا ، هو ضامِن لنا المكان ، وهو مُشتاق أن يكون لىّ مكان ، فما الّذى يجعِل الإِنسان يخيب ؟! هو الإِنسان نفسهُ ، لأنّهُ لا يجِد الدعوة ويقول ضاعت منّىِ ، فهذا هو المثل المُنطبِق على الإِنسان الّذى لا يرتدىِ ثياب العُرس ، والثياب هو التناوُل المُستمِر ، وهو كلِمة ربنا ، وهو أعمال التقّوى والرحمة ربنا يسوع مِن فيض محبّتهِ أعطانا هذهِ الدعوة ، وأعطانا إِستحقاقات عظيمة ، ليس لأعمال بِر عملناها بل بِمُقتضى رحمتهِ وعِندما نعرِف هذا المجد الّذى ينتظِرنا فإِننا لا نعيش فِى كسل ولا فتور بل نُجاهِد بِحُب كامِل وبإِشتياق كامِل وبإِجتِهاد كامِل ربنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بنعمتهِ ولإِلهنا المجد دائماً أبدياً آمين0
القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية