تجديد العقل

21 يونيو 2024
Large image

بمناسبة عید حلول الروح القدس أحب أن أكلمكم عن صلاة نقولھا باستمرار: "قَلْبًا نَقِیًّا اخْلُقْ فِيَّ یَا الَلهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِیمًا جَدِّدْ فِي أحِشائي" (مز ٥۱: 10 )، لأن أحد مفاعیل الروح القدس ھو عمل التجدید فالروح القدس یجدد فكر الإنسان ویعطيه الاستنارة في حیاته الله حینما خلق الإنسان خلقه بصفات ثلاثة: عاقلاً،
وعاملاً، وعابدًا فصار للإنسان: عقل یفكر، وید تعمل، وقلب بروحه یتصل باﻟﻠﮫ باستمرار.
شخصيات ﻓﻲ الكتاب اﻟﻤقدس تميزت برجاحة العقل:
یقول الكتاب عن دانیال والفتیة الثلاثة: "أَمَّا ھؤُلاَءِ الْفِتْیَانُ الأَرْبَعَةُ فَأعَطَاھُمُ الله مَعْرِفَةً وَعَقْلاً فِي كُلِّ كِتَابَةٍ وَحِكْمَةٍ، وَكَانَ دَانِیالُ فَھِیمًا" (دا ۱: 17)وقال داود النبي لأبیجایل زوجة نابال الكرملي التي تصرفت بحكمة: "مُبَارَكٌ عَقْلُكِ" ( ۱صم ۲٥: 33) وفي العھد الجدید مدح السید المسیح المرأة الكنعانیة التي قالت: "نَعَمْ، یَا سَیِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَیْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي یَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِھَا" (مت15: 27) أما زكا العشار فحینما تقابل مع السید المسیح وتغیر حاله واكتسب رجاحة العقل وقال:"ھَا أَنَا یَارَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِینِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَیْتُ بِأحَدٍ أرَدُّ أرَبَعَةَ أضْعَافٍ" (لو ۱۹: 8) فقد حصل خلاص له ولأھل بیته. وبولس الرسول لما استنار عقله قال: "أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفًا وَمُضْطَھِدًا وَمُفْتَرِیًا" ( ۱تي ۱: ۱۳ )، وصار كارزًا بل وعملاقًا في الكرازة.
ﻟﻤاذا خلق الله العقل للإنسان؟
وظیفة العقل الأولى، ھي التعرف على الله والخلیقة كلھا. یقول المزمور "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ للهِ، وَالْفَلَكُ یُخْبِرُ بِعَمَلِ یَدَیْھِ" (مز ۱۹: 1) فالنجوم والنباتات والحیوانات كلھا تجعل الإنسان یعیش روح التأمل.
وظیفة العقل الثانیة، ھي إنه وعاء للمعرفة الواسعة في العالم.
وظیفة العقل الثالثة، ھي أنه یساعد الإنسان في اتخاذ قراراته. فلو كان عقل الإنسان على مستوى الاستنارة والتجدید المستمر تكون قراراته صحیحة وتسیر حیاته بطریقة سلیمة.
ما ﻫﻲ علامات العقل السليم؟
۱- أن الله ھو الذي یقوده ولیس الھوى الشخصي وكنیستنا تعلمنا أن أول رشمة للمیرون تكون على النافوخ، وھو موضع العقل، وذلك لتقدیس العقل وتخصیصه ﻟﻠﮫ لیعمل فیه یقول المزمور: "وَصَایَا الرَّبِّ مُسْتَقِیمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ. أَمْرُ الرَّبِّ طَاھِرٌ یُنِیرُ الْعَیْنَیْنِ. نَامُوس الرَّبِّ كَامِلٌ یَرُدُّ النَّفْسَ. شَھَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَیِّرُالْجَاھِلَ حَكِیمًا. خَوْفُ الرَّبِّ نَقِيٌّ ثَابِتٌ إِلَى الأَبَدِ.أَحْكَامُ الرَّبِّ حَقٌّ عَادِلَةٌ كُلُّھَا" (مز ۱۹: 7-9) وأیضًا "سِرَاج لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِیلِي" (مز119: 105)ھناك أناس ربما یقرأون لكنھم لا یسمحون لكلمة الإنجیل أن تجدد حیاتھم، لذلك تعلمنا الكنیسة قبل قراءة الإنجیل أن نطلب من الله أن یفتح ذھننا لنفھم.
۲- أن یكون العقل مملوءًا بمعرفة متوازنة،لا یمیل للیمین ولا للیسار، فالاتزان ھو من علامات صحة العقل وفي اللغة المتداولة نقول "فلان متزن فلان كلامه موزون". ویقول الكتاب: "بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ" (مت ۱۲: 37 )، "وَمَن قَالَ: یَا أَحْمَقُ، یَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِجَھَنَّمَ" (مت ٥: 22) لذلك فإن آباء البریة فضلوا الصمت كثیرًا جدًا، لأن "كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِیَةٍ" (أم ۱۰ :19)
۳- أن تكون للعقل مرجعیة، فالذین بلا مرشد كأوراق الخریف یسقطون سریعًا. ومھما كبرالإنسان في المعرفة وفي خبرات الحیاة فإنه محتاج دائمًا أن یكون له مرجع یرجع إلیه كنوع من صمام الأمان. وكنیستنا تعلمنا أن یكون لنا آباء اعتراف ومرشدین حكماء طوال حیاتنا نسمع عن القدیس أثناسیوس العظیم أن مرجعیته كانت البابا ألكسندروس ال ۱۹ . والقدیس أغسطینوس كانت مرجعیته القدیس أمبروسیوس،
وكذلك سیرة القدیس أنطونیوس.
٤- أن یكون العقل دائمًا متجددًا، وفي كل مرة نشعر أن الفكر بدأ في الحیدان نقول: "رُوحًا مُسْتَقِیمًا جَدِّدْ فِي أحِشائي" لنعود إلى الاستقامة یقول المزمور عن الرجل الصالح: "یَكُون كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِیَاهِ" (مز1 :3) والمیاه الجاریة ھي میاه متجددة وبالتالي فإنھا مرویة ونافعة إن عملیة تجدید العقل ھي عملیة روحیة داخلیة، فیھا عمل للنعمة وعمل لإرادة الإنسان معًا ومن حلاوة كنیستنا أنھا تعمل لنا طقسًا فرایحي،وكیھكي، وصیامي، وشعانیني، وسنوي. ھذاالتنوع "عِنْدَ مَجَارِي الْمِیَاهِ"، ھو التجدید المستمر.
إن عملیة التنوع والتجدید والتغییر المستمر یضفي بھجة، وتشویقًا، واستنارة.
في نھایة سفر مراثي إرمیا یقول: "جَدِّد أَیَّامَنَا كَالْقَدِیمِ" (مرا ٥ :21) بمعنى اجعل أیامنا الحاضرة فیھا روح الجدة كما كانت في القدیم وھناك آیة واضحة قالھا القدیس بولس الرسول "تَغَیَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِیدِ أَذْھَانِكُمْ" (رو ۱۲: 2)وتجدید الذھن ھو شكل من أشكال التوبة.
بعض سمات العقل غير السليم:
۱- عقل التھویل: یھول الأمور، كما یضیف إضافات وینسج روایات.
۲- العقل المنحرف: ھو دائمًا یعیش في الخیال والتصورات.
۳- العقل المشحون بالیأس:یرى أن كل شيء لا یصلح، لن ینفع، سیفشل. لیس عنده رجاء.
٤- العقل المتجمد: لا یتطور بل یعیش في خبراته القدیمة ویرفض كل جدید.
٥- العقل الروتیني: لا یتغیر عن الروتین الذي اعتاده، ولا یعرف التجدید ولا الابتكار. ھنا ویجب أن نعرف الفرق بین مصطلحین: الأصالة (الجذور)، والمعاصرة (الشجرة والثمر)، وعملیة الجمع بین الاثنین تحتاج إلى العقل الذي یجدده الروح القدس.
٦- العقل الفضولي: یبحث عن الأخبار، ویشبع نفسیًا حینما یعرفھا وینقلھا. ھذا عقل مریض.
۷- العقل المنقاد: لا یعرف إلا شخص واحد،یكون بطلاً في نظره، یصیر مسلوبًا لفكره وكأنه مسبي.
۸- العقل المشوش: حینما یتكلم ینتقل من موضوع لثاني ثم ثالث ورابع وتبحث عن أصل الموضوع فلا تجده. ھو تائه.
۹- العقل المنفعل: یكون دائمًا متوترًا وقلقًا،وأبسط كلمة تثیر انفعاله.
۱۰ - العقل الشھواني: الذي تتحكم فیه الخطیة والشھوات.
مقترحات لكيفية ﺗﺠديد العقل:
إن النعمة تساعد الإنسان في تجدید ذھنه وعقله،لكن یجب أن یكون لإرادة الإنسان دور، لذلك أقدم عدة مقترحات:
۱- یتجدد العقل من خلال القراءة المستمرة وعلى رأسھا قراءة الإنجیل، واظب على تدریب قراءة الإنجیل كل یوم، وجدد عقلك بقراءات مستمرة ومتنوعة.
۲- یتجدد العقل بالجلوس إلى الكبار، في أخذ المشورة من الأمناء، فإن خبرات الماضي تستطیع أن تفید الإنسان في الحاضر وتكون مؤثرة جدًا.
۳- من الممكن أن یتجدد العقل بمعرفة التاریخ،فلحكمة بالغة نجد في كنیستنا السنكسار والدفنار.
اﻟخلاصة:
مع احتفالنا بعید حلول الروح القدس نرفع قلوبنا ونقول: "قَلْبًا نَقِیًّا اخْلُقْ فِيَّ یَا لَلهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِیمًا جَدِّدْ فِي أحِشائي". نصلي ونطلب من خلال عمل الروح القدس، أن یمنحنا الله روح التوبة والتجدید والاستنارة في كل حیاتنا.
قداسة البابا تواضروس الثانى

عدد الزيارات 284

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل