
من أجمل الكلمات التي يمكن للإنسان أن يُخاطب بها الله هي «نشكرك» وحسب تقلید کنیستنا، فإن هذه العبارة هي المقدمة التعبدية التي نفتتح بها صلواتنا في كل المناسبات، بعد أن نتلو الصلاة الربانية وعندما وضع الآباء فقرات هذه الصلاة، رأوا بنعمة الروح القدس أن يضعوا في مقدمتها النعم السبع الرئيسية التى يشملنا بها الله في كل يوم وهذه النعم جديرة بالتأمل والتمعن والإحساس القوى بقيمتها،وفعلها فى حياتنا اليومية نشكرك يارب لأنك سترتنا، أعنتنا، حفظتنا، قبلتنا إليك، أشفقت علينا، عضدتنا وأتيت بنا إلى هذه الساعة عن هذه النعم اليومية يتحدث هذا الكتاب، بتأملات روحية هادفة ومعينة لك
عزيزي القارئ.
نعمة الستر
"لا تدينوا لكى لا تدانوا ، لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها ؟ أم كيف تقول لأخيك دعنى أخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك؟ يا مرائي، اخرج أولاً الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى من عين أخيك" (مت ٧ : ١-٥)
النعمة الأولى وهى «نعمة الستر»، «نشكرك لأنك سترتنا »إن إحدى الصفات التي نصف بها إلهنا الصالح أنه إلهنا الساتر، وستر الله لا يوجد في مفردات اللغة، فلا توجد كلمات تستطيع وصفه، فالله يستر على جميع البشر ولا يستطيع إنسان في الكون أن يقف أمام الله ويقول له: إنه لا يحتاج إلى الستر فحتى الذين يعيشون في الخطية يحتاجون إلى الستر،وأيضا البعيدون عنه والذين ينكرون وجوده والذين قلوبهم فارغة من أي شيء الله يستر عليهم وأيضا الذي يستخدم لسانه في استخدامات شريرة الله يستر عليه حتى اللص عندما يسرق يقول:ربنا يستر !! وفي التقليد الشعبي عندما تسأل شخصا مختبرا للحياة ماذا تريد من الدنيا ؟!! يجيبك تلقائيا بدون أدنى تفكير الستر والصحة وإن سألته ماذا عن المال والتكنولوجيا، ووسائل الترفيه المختلفة، والسفر و...؟!! يجيبك كل هذا ليس له أية قيمة دون الستر والصحة وإن دققت في الأمر ستجد أن الحياة تختصر في هاتين الكلمتين الستر والصحة ولا أحد في هذا الكون يستطيع أن يحصر عدد المرات التي ستر الله عليه فيها، وداود النبي الذي عاش مضطهدا فترة من حياته يقول: «احفظني مثل حدقة العين بظل جناحيك استرني» (مز ۸:۱۷)، وأيضا يقول: «استرنى من مؤامرة الأشرار، من جمهور فاعلى الإثم» (مز ٢:٦٤). وهناك قصة لطيفة قرأتها :يقول أحدهم كنت أشترى كل يوم من بائع صحف صحيفة الـ «لوموند»، كي أتعلم منها اللغة الفرنسية لكن هذا البائع علمني درسا هو أهم من اللغة الفرنسية، وهو درس العمر
كله، فيقول عندما كنت أسأله كل يوم كيف حالك اليوم؟ كان يجيبني: «في نعمة الستر» فأندهش من إجابته!!
فسألته في يوم لماذا الستر تحديدا؟!!
فأجابني: «لأننى مستور من كل شيء فاندهشت وسألته عن أي ستر تتحدث وقميصك مرقع بألوان شتی!!». فصمت قليلاً ثم قال لي: يا ابنى الستر أنواع فعندما تكون مريضا ولكنك قادر على السير بقدميك فهذا ستر من مذلة المرض عندما يكون في جيبك مبلغ بسيط يكفيك لتنام وأنت شبعان حتى لو كان شبعك هذا من الخبز فقط، فهذا ستر من مذلة الجوع عندما يكون لديك ملابس، ولو كانت مرقعة فهذا ستر من مذلة البرد عندما تكون قادرا على الضحك وأنت حزين لأي سبب، فهذا ستر من مذلة الانكسار عندما تكون قادراً على قراءة الصحيفة التي بين يديك، فهذا ستر من مذلة الجهل عندما تستطيع أن تتصل في أي وقت بأهلك لتطمئن عليهم وتطمئنهم عليك، فهذا ستر من مذلة الوحدة عندما يكون لديك وظيفة أو مهنة، حتى لو بائع صحف تمنعك عن مد يدك إلى أى شخص، فهذا ستر من مذلة السؤال عندما يبارك لك الله في ابنك، وفي صحته وتعليمه وبيته، فهذا ستر من مذلة القهر عندما يكون لديك زوجة صالحة، تحمل معك هم الدنيا ، فهذا ستر من مذلة انكسار الزوج أمام زوجته ثم قال لي: «الستر يا ابني ليس هو ستر «الفلوس»، وإنما ستر النفوس». فتذكر دائما أنك تملك نعما يتمناها ملايين البشر.
لماذا يستر الله علينا
الله الذي خلقنا واعطانا نعمة الحياة يستر علينا لأنه:
واهب الغفران ولانه كلى المحبة ولانه نبع الأبوة.
أولا الله واهب الغفران
فهو الذي غفر لنا، فمن كان يستطيع أن يغفر خطية الإنسان إلا الله الذي خلقه فيقول الكتاب و الكلمة صار جسدا وحل بيننا، (يو١٤:١) فتجسد الله ثم الصليب والخلاص والفداء كان من أجل غفران خطية الإنسان، ولا يوجد شيء أخر أو إنسان أخر يستطيع أن يغفر خطيئة الإنسان، لذلك الله يستر علينا.ويقول إشعياء النبي "فرحا افرح بالرب تبتهج نفسي بالهي لانه قد ألبسني ثياب الخلاص کسانی رداء البر مثل عريس يتزين بعمامة ومثل عروس تتزين بحليها (إش١٠:٦١) وكلمة كساني، هنا تعبر عن ستر الله على الإنسان
وستر الله على الإنسان ياتي منذ الخليفة منذ خطيئة ادم وحواء التي بدأت باللسان وشهوة الطعام "فرآت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها واكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل (تك٦:٣) ودخلت الحية من هذا الباب وانزلق الإنسان وكسر الوصية وفی سفر حزقيال يشبه النفس البشرية بالإنسان الملقي في التراب ويريد من يأتي ويستر عليه فيقول "فمررت بك ورأيت وانه زمنك زمن الحب فبسطت ذیلی عليك وسترت عورتك وحلفت لك ودخلت معك في عهد يقول السيد الرب فصرت لي (حز٨:١٦) ونلاحظ هنا أن العهد القديم يتكلم عن زمن الأنبياء ولكن بروح النبوة لما هو آت في العهد الجديد، وكآن النفس البشرية في العهد القديم ومنذ أيام آدم. صارت كالإنسان المتروك والملقي في الطريق والتراب وقد فقد كل شيء له حتى صار حاله يرثي له وعبارة "فمررت بك ورأيتك" انه ليس أول من مر بها لأنه قد مر بهذه النفس انبياء كثيرون ثم يقول وإذا زمنك زمن الحب وهذه العبارة تشير إلى زمن حضور السيد المسيح على أرض البشر ويكمل وسترت عورتك وحلفت لك ودخلت معك في
عهد وهذا أشار إلى زمن العهد الجديد وعندما نتأمل في سفر القضاة نجد أنه كلما تعرض شعب بنى إسرائيل لمشكلة يقيم لهم الله قاضيا (مخلصا) ليحل لهم مشكلاتهم ويتوبوا عن خطاياهم. ثم بعد فترة وجيزة يعودون لخطاياهم مرة أخرى فيقيم الله لهم قاضيا آخر، وهكذا .مر على بني إسرائيل عدة قضاة من الرجال والنساء، وكان أخرهم صموئيل النبي وهكذا حياة الإنسان فالله هو واهب الغفران وحينما اقام الرب لهم قضاة كان الرب مع القاضي وخلصهم من يد أعدأئهم كل أيام القاضي لأن الرب ندم من أجل أنينهم بسبب مضايقيهم وراحميهم وعند موت القاضي كانوا يرجعون ويفسدون أكثر من آبائهم" (قض١٨:٢-١٩)ونقرأ عن خطيئة داود النبي مع أمرأة أوريا الحثي."لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر فى عينيه" قد قتلت أوريا الحثى بالسيف واخذت امراته لك أمراة وإياه قتلت بسيف بنى عمون" (٢صم٩:١٢)، وقد تاب داود عن خطيئته كما قال الكتاب "فقال داود لناثان قد اخطأت إلى الرب فقال ناثان لداود الرب ايضا قد نقل عنك خطيتك لا تموت" (۲صم١٣:١٢) وقد رنم لنا داود النبي مزمور التوبة الذي نصلي به دائما في بداية جميع صلواتنا فقال "استر وجهك عن خطايای وامح كل اثامی" (مز٩:٥١)، هذا هو الله واهب الغفران للإنسان وايضا من الأمثلة المشهورة لله واعب الغفران، قصة المرأة الخاطئة في بيت سمعان الفريسي وبينما كان سمعان إنسانا معجبا بنفسه دخلت إلى بيته امراة يعلم الجميع أنها امرأة خاطئة، ثم انحنت وسكبت دموعها على قدمي السيد المسيح وقدمت توبة وهنا انزعج سمعان وقال "لوكان هذا نبيا لعلم من هذه المرأة التى تلمسه وما هي إنها خاطئة (لو٣٩:٧)، ولكن السيد المسيح غفر لها وستر عليها لأنها أحبت كثيرا كما يقول الكتاب "من أجل ذلك أقول لك قد غفرت خطاياها الكثيرة لانها أحبت كثيرا والذي يغفر له قليل يحب قليلا" (لو ٤٧:٧) وقد صارت هذه القصة مثالاً لنا، حتى أن الكنيسة رتبت أن تصلي بهذه القطعة في نصف الليل.
ثانيا: الله كلى المحبة
يقول الكتاب "الله محبة" (١يو٨:٤) فمحبة الله محبة دائمة وفي محبته هذه يستر على نماذج كثيرة من البشر، وقد تحدث مع أشخاص كثيرين وأعلى هذه المحبة، وتجلت هذه المحبة مع أبينا يعقوب، ومع ايليا النبى فمحبة الله فياضة وليس لها حدود
ثالثا: الله نبع الأبوة
فنحن نصلي ونقول "يا أبانا الذي في السموات".. وعندما نرسم شماسا لكي ما يصير کاهنا ندعوه "ابونا" فكلمة الأبوة هي المفتاح، والله هو نيع الأبوة ونحن نستمد هذه الأبوة منه، فالأبوة في معناها الأصلي هي الستر والحماية واروع مثال في الكتاب المقدس يشرح لنا معنى الأبوة هو مثل الابن الضال وهذا المثل رتبت لنا الكنيسة أن يقرأ في الأحد الثالث من الصوم الكبير لكيما توضح لنا كيف أن هذا الابن الذي أخطأ بكل أشكال الخطايا، عندما عاد وجد أحضان أبية مفتوحة يقول الكتاب "وإذ كان لم يزل بعيدا راه ابوه.فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله"( لو٢٠:١٥) فتخيل معي هذا المشهد الرائع الأب يستقبل الابن ويقدم له الهدايا من حذاء وخاتم وحلة ويذبح العجل المسمن ولكن الأهم من كل هذا أنه قدم لنا الحضن والقبلة ولم يتأفف منه وهذا هو الستر والحماية.ومن ناحية أخرى نرى موقف الأخ الكبير فاقد الأبوة التي تكلم على أخيه بكلمات رديئة فقال "ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني "(لو ٣٠:١٥) ولعل أخيه لم يكن قد وقع في هذه الخطية "اكل معيشتك مع الزواني" لقد فضح أخاه ولم يكتف بهذا، بل اهان آباه ايضا حينما قال له "أبنك هذا" وكأنة يقول له انك لم تحسن تربية ابنك، لكن الأب بالستر أعاد ابنه إلى رتبته الأولى مثال آخر للستر هو "المرأة السامرية" (يو٤) وهذه القصبة تقرأ على مسامعنا ثلاث مرات في السنة هذه الإنسانة عندما ذكرت في الكتاب سميت باسم بلدها، فقد ستر عليها الله ولم يذكرها بالاسم حتى لا تفضح.وقد كان الحوار معها مليئا بالستر والحماية والرقة والعذوبة وهذا ما جعل هذه الإنسانة التي كانت بعيدة جدا أن تصبح قريبة جدا وقديسة وكارزة لقد ستر عليها رغم أنه كان في هذا الزمان من المفترض أنه لا يتقابل معها أو يتحدث إليها ولكن السيد المسيح دخل إلى أعماقها من خلال الاحتياج "اعطيني لأشرب" (يو٧:٤) ثم بدأ معها حوارا لطيفا قادها إلى التوبة حتى صارة إنسانة كارزة فيقول الكتاب "فتركت المرأة جرتها ومضت إلى المدينة وقالت للناس: هلموا انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت ألعل هذا هو المسيح"(يو٢٨:٤-٢٩) فالله يستر على الإنسان لانه واهب الغفران وكلي المحبة، ونبع الأبوة.
ستر الإنسان على أخيه الإنسان ويأتي لدور الإنسان نحو أخيه الإنسان، فالله يستر على الإنسان صباحا ومساءً، ويستر على الخليقة كلها بحلول الليل، فالليل يمكن أن نسميه الستر العام من الله،وفي الأديرة يصلي الرهبان "صلاة الستار»، وهذه الصلاة عبارة عن مختارات من مزامير الأجبية عبر اليوم كله. يقول الكتاب: "لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها (مت ۳:۷)، فلماذا لا تستطيع أن تستر على أخيك ؟!! ولماذا تريد أن تفضحه ؟!!.. انتبه أيها الحبيب، لأن لسانك هذا قد يضيعك ويفقدك الأبدية، ويقول الكتاب "لا تدينوا لكي لا تدانوا . (مت ۱:۷)، فهذه الآية بالرغم من قلة عدد كلماتها إلا أنها يتوقف عليها مصير الإنسان كله. وهناك قصة وردت في كتب الآباء، على راهب كان يعيش في البرية ولكنه كان غير ملتزم بقوانينه الروحية، وفى يوم نياحته وحسب عادة الرهبان اجتمع حوله الآباء لكيما يأخذوا العبرة والمنفعة. وكانت المفاجأة أنهم قد وجدوه مبتسما !! فسألوه كيف تكون مبتسما وقد كنت مقصرا في قوانينك الروحية؟! فأجابهم إني أعلم أنى كنت مقصرا في حياتي الروحية، ولكني قد التزمت بآية واحدة فقط وهي: "لا تدينوا لكي لا تدانوا " فعندما أتى الملاك وأراد محاسبتي، قلت له كيف يكون هذا وأنا لم أدن أحدا من يوم رهبنتي ؟!! فعندما سمع الملاك هذا الكلام تركه ومضى.
أمثلة لستر الإنسان على أخيه الإنسان
أولاً ستر خصوصيات الآخر
إن كل إنسان له عائلة .. وأصدقاء.. ومعارف.... وأقارب.. وأولاد.. وإلخ، ولكن ليس معنى هذا أن له الحق في كشف خصوصيات الآخر ونقل أخباره، والأغرب من هذا أننا قد نجد شخصا يتحدث عن نية شخص ما !! أو يتخيل ما يدور في تفكير اخر بالنسبة لأمر معين!! وهنا أسأل نفسك أيها الحبيب، هل تعرف كيف تستر على خصوصيات الآخر؟! لذلك دائما ما ننصح الأزواج حديثى الزواج أن يحافظوا على خصوصياتهم، ولا يتحدثوا عما يدور بينهم إلى الآخرين، حتى ولا إلى والديهم حتى لا تسوء الأمور أو ينهار البيت. وهذا أمر مهم جدا في كيان وبناء الأسرة، فليس كل ما تسمعه لك الحق في الحديث عنه، فيقول الكتاب "لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تدان" (مت ۳۷:۱۲) ومن أمثلة ذلك المرأة التي أمسكت في ذات الفعل (يو ۸)، وقد تجمع الناس من حولها وأرادوا رجمها ونسوا خطاياهم !! أما السيد المسيح فعالج الأمر بمنتهى الستر، فيقول الكتاب: "وأما يسوع فانحنى إلى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض" (يو ٦:٨).
يقول بعض الآباء إن السيد المسيح كان قد انحنى، لكيما يكتب بعض خطايا الراجمين وعندما قرأ كل واحد منهم خطيئته، أنزل الحجارة إلى الأرض ومضى!! وأما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم، خرجوا واحدًا فواحدًا مبتدئين من الشيوخ إلى الآخرين (يو٨ :٩)، وهنا قال يسوع للمرأة: "يا امرأة أين هم أولئك المشتكون عليك أما دانك أحد فقالت: لا أحد يا سيد. فقال لها يسوع ولا أنا أدينك اذهبي ولا تخطئي أيضا (يو: ۱۰-۱۱).
ثانيا: حفظ خصوصیات سر الاعتراف
سر الاعتراف هو أحد الأسرار الرئيسية في حياة كنيستنا ، وهو يضبط ميزان ومسار الحياة الروحية للإنسان، وهو أيضا يضبط الطريق الروحي للإنسان، فأب الاعتراف هو بمثابة الكاهن والرفيق والمرشد، وهو الذي يوضح الطريق للمعترف.وكل ما يسمعه الكاهن في سر الاعتراف يجب أن يحفظ تماما والكاهن الذي يفشي أسرار الاعتراف يستوجب العقاب، ولكن قد يتخيل شخص ما، أن الكاهن قد أفشى سر اعترافه لأنه قد سمعه يقص قصة مقاربة لاعترافه في إحدى عظاته، رغم أن الأب الكاهن يكون قد سرد هذه القصة بدون أية تفاصيل!! فسرية سر الاعتراف وخصوصياته هي إحدى صور الستر. ولذلك ممارسة سر الاعتراف من أصعب الممارسات التي يمارسها الكاهن، لأنه تتجمع عنده أحوال وخصوصيات آخرين ولا يستطيع أن ينطق بحرف وأحياناً يكون الكاهن في مأزق خطير جدا عندما يسأله أحد عن شخص يريد الارتباط به!! وهنا أنصح الكاهن أن يتحلى بالحكمة دون أن يفشي أي سر لا من بعيد ولا من قريب، فاستر على غيرك ما دمت محتاجا
إلى الستر.
وهناك قصة لطيفة نحكيها للأطفال:
وهي عن أم دائما ما كانت تقول لابنها عن إحدى جاراتها إنها «بوشين" !! وفي أحد الأيام حضرت هذه الجارة لزيارة الأم، وهنا بدأ هذا الابن في الدوران حول كرسى هذه الجارة!!
فسالته الجارة ماذا تفعل يا ابني ؟!! فأجابها الطفل إنى أبحث عن وجهك الآخر، لأن ماما تقول إنك "بوشين" !!
فهذه الأم لم تستر على جارتها، فحتى إن كانت هذه الجارة بهذه الصفة كان يجب عليها أن تستر عليها، حتى لا يتعلم ابنها منها هذا التعليم الخاطئ والكتاب يقول: «اعطوا تعطوا كيلاً جيدًا ملبدا مهززوا فائضا يعطون في أحضانكم لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم (لو ٦ : ٣٨).
كيف نقتني فضيلة الستر؟
أولاً :- تذكر ستر الله لك
إن الله يستر علينا في مواقف عديدة وفي سقطات كثيرة وفي خطايا مختلفة وأتذكر أننى أثناء خدمتى قبل البطريركية طلب منى أن أذهب إلى شخص كبير في السن ومريض، لكيما يتناول من جسد الرب ودمه، وبالفعل ذهبت إليه، ولكن قبل أن يأخذ التناول طلب منى أن يعترف. وكانت أول كلماته أن الله ستر عليه في خطايا كثيرة، منذ أن كان عمره تسع سنوات ثم بدأ يسرد هذه الضعفات والخطايا وبعد يومين من اعترافه انتقل من هذا العالم !! فالله يستر علينا جميعا، ومن لا يشعر بستر الله هو إنسان جاحد.
ثانيا : تعلم أن تحب الآخرين
تعلم أن تحب الآخر مهما كان يحمل من ضعفات، حب الجانب الحلو الذي في الإنسان، فأي إنسان به جانب حلو وجانب سيء، فانظر إلى الجانب الجيد فيه، فالسيد المسيح عندما تحدث مع زكا العشار اهتم بجزء صغير، وهكذا فعل مع السامرية. وأيضا مع اللص اليمين اهتم بالكلمة الجيدة التي قالها : اذكرني يارب متى جنت في ملكوتك (لو ٤٢:٢٣)، واعتبرها توبة.. أو صلاة.. أو حياة جديدة.. لقد ركز السيد المسيح في هذه العبارة، ولم يركز في باقي الأخطاء السابقة، والقديس بطرس الرسول يقول: ولكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة، لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا (١ بط٨:٤). والقديس مار أفرام السرياني يقول: التلذذ بعيوب الآخرين يدل على أننا ممتلئون بغضة.والقديس مكاريوس الكبير يقول: يا أخي أحكم على نفسك قبل أن يحكموا عليك وهنا نتذكر قصة القديس الأنبا موسى الأسود، عندما طلبوا منه أن يحضر محاكمة أحد الرهبان امتنع في البداية ولكن مع إصرار الآباء على حضوره أطاع وحضر، ولكنه دخل إليهم وهو يحمل على ظهره شوالاً من الرمل!! فسأله الآباء ما هذا يا أبانا ؟!! فأجاب هذه خطایای تجری وراء ظهري، وقد أتيت اليوم لأحكم على غيري !! وهذا ما يجب أن نتعلمه کی ما نعيش به ونغير من سلوكنا، ولنعلم جيدا أن الذي يريد أن يسير في طريق السماء، يجب أن يتحلى بنعمة الستر على الآخرين، لأنه هو أيضا يتمتع بستر الله عليه.
ثالثا : تعلم ألا تدين غيرك
وهنا قد يتساءل البعض: إذاً، لماذا يوجد مجالس تأديب؟! نجيب أن هذا نظام في إدارة العمل، ولكن ما نريد أن نتحدث عنه هنا هو الإدانة على المستوى الشخصي وفي علاقاتنا الاجتماعية والشخصية والأنبا أنطونيوس يقول: «لا تدن غيرك لئلا تقع في أيدى أعدائك». بمعنى أن الذي يدين إنساناً على خطية ما، يأتي اليوم الذي يقع فيه، في نفس الخطية التي أدان عليها . وأيضا يقول أحد الآباء: "إذا أدنا أنفسنا لا يبقى لنا وقت لندين فيه الآخرين".وكما يقول أحد القديسين: "ليس هناك أفضل من أن يرجع الإنسان بالملامة على نفسه في كل شيء". فالعبارات كثيرة جدا في موضوع الستر، لكن خلاصة الأمر أنك عندما تصلى صلاة الشكر في كل مرة، يجب أن تصلى وتقول أشكرك يارب لأنك سترت حياتي في الماضى وفى الحاضر سترت على أسرتي الكبير فيها والصغيرسترت على أصدقائي سترت على خدمتي سترت على كنيستي سترت
على مجتمعي والستر يشتمل أيضا الحفاظ على خصوصيات الوطن الذي نعيش فيه، لذلك نسمع أحيانًا خبرا أن شخصا ما ، تم اتهامه بالخيانة العظمى وهذا يعنى أنه أفشى أسرار وطنه!! لذلك يجب على كل إنسان أن يضع حسابا لكل كلمة ينطق بها فنعمة الستر نعمة غالية جدا، حاول أن تشعر بها ، وتذكر دائما عدد المرات التي ستر الرب عليك فيها، وحاول أن تستر على كل من تعرفهم، وكل من هم حولك وتعلم هذه الفضيلة في حياتك كل يوم.
قداسة البابا تواضروس الثاني
عن كتاب نشكرك لأنك