” القديس يوحنا المعمدان صوت الحق “

17 يناير 2019
Large image

أولاً: الأدوار التي قام بها يوحنا المعمدان في حياته:
1ـ إعداد الشعب لاستقبال السيد المسيح:
” ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكى الذى يهيئ طريقك قدامك “، وهذه نبوة جاءت في سفر ملاخي … فأول دور قام به يوحنا هو تهيئة شعب لاستقبال السيد المسيح، وهذا يوضِّح أن أي شيء يحتاج لإعداد ، حتى مجيء المسيح يحتاج لإعداد يحتاج لمقدمة وتهيئة للعقول والنفوس.
2ـ الشاهد الأساسي على مجيء السيد المسيح:
” هوذا حمل اللَّه الذى يرفع خطية العالم “، فضلاً عن شهادته فى وقت عماد السيد المسيح: ” أنِّي قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقرَّ عليه، وأنا لم أكن أعرفه ولكن الذي أرسلني لأُعمِّد بالماء ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومُستقرَّاً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن اللَّه “.
3ـ قدَّم مِثالاً قوياً فى التلميذ الأمين الزاهد للسُّلطة:
يقول عن نفسه: ” أنا مُجرَّد صوت … أمَّا السيد المسيح هو اللَّه “، ويتضح لحضراتكم الفرق بين الصوت وبين الكلمة حتى في مفهومنا البشري. فظهر أمامنا أنه التلميذ الأمين الزاهد للسلطة رغم أنه كان إنساناً مهوباً فى المجتمع اليهودي ( شكله، لبسه، كلامه، أفعاله، … ) كانت تجعله شخصية مهوبة جداً في هذا المجتمع، لها كل الوقار، لها كل الاحترام لكن زاهد في السُّلطة، ولمَّا أشار على السيد المسيح قال العبارة الشهيرة: ” ينبغي أن هذا يزيد وأنِّي أنا أنقص “، لا تنسوا يا أخوتي الأحباء أنه في كل إنسان توجد ذات وهذه الذات قد تمنعه من أنه يعمل ( ممكن ذات الإنسان تمنعه أنه يعتذر وحتى إن كان الخطأ واضح … ). أحياناً نُسمِّي الذات بالكرامة، وأحياناً نُسمِّيها الكبرياء وأحياناً الحساسية ولها تسميات كثيرة.
لكن هذا الرجل العظيم يوحنا المعمدان انتصرعلى ذاته فزهد في السُّلطة وكأن لسان حاله كان يقول: ” ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ “. كان ينظر لذاته بهذه الصورة. لذلك قال عبارته الجميلة: ” هوذا حمل اللَّه الذي يرفع خطية العالم، هذا الذي قلت فيه يأتي بعدي رجل قد تقدَّمني
لأنه كان من قبلي “. ما هى هذه الروح الجميلة؟ فالناس كانت تعرفه قبل أن تعرف المسيح، لكن فى تكوينه الشخصي نجد أن البرية أعطته هذا المعنى معنى الزهد …
ورُبَّما نسمع ونقرأ في التاريخ ماذا تصنع السُّلطة في الإنسان، ولكن يوحنا المعمدان كان يعرف دوره تماماً أو ما نسميه بالحدود، أحياناً يسمونها فضيلة الإلتزام، لكن هو إنسان في داخله ذاته لا تُحاربه وذاته ليست عدواً له، نحن في المفهوم المسيحي والآبائى لنا في الأعداء ( الشيطان وإغراءات العالم وذات الإنسان ) هذه هى أعداء الإنسان الثلاثة.
الذات يمكن أن تتحكَّم فى الإنسان صغيراً أو كبيراً في منصب أو في غير منصب، حتى في الحياة الرهبانية عندما يترك الإنسان كل ماله بحسب الوصية الرهبانية ويعيش فى الفقر يترك كل ماله ولكنه قد لا يستطيع أن يترك ميوله، فتتحكَّم فيه ذاته وتضيع منه أكاليل ونِعَمْ كثيرة، أمَّا يوحنا فكان منتبهاً كثيراً.
4ـ يوحنا شهد له السيد المسيح أنه أعظم مواليد النساء:
جاء بالصلاة وجاء بعد وقت طويل وكان إستجابة الصلاة، وعندما مارس حياته كان يعرف وظيفته بالتحديد ويقول: ” مَن له العروس فهو العريس، وأمَّا صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس إذاً فرحى قد كَمل “، وهذه فيها تخلية عن الذات تماماً.
كان يعرف دوره ويقبله، وعلى الأقل ليس مُرغماً أو أن الظروف وضعته في هذا الدور ولكن يقول: فرحي قد كمل في شخصيته عندما رأى المسيح وعندما رأه في العماد، العريس هو المسيح والعروس الكنيسة ويوحنا المعمدان يفرح بالعروس وبالعريس وفرحه أعطاه أكاليل مجد كثيرة.
5ـ التوبة:
كان يرى أن التوبة هى الأساس، أساس دخول الملكوت وكان يُنادي: ” توبوا فإنه اقترب ملكوت السموات “، فكان موضوع التوبة هو الذى يشغله … فتصوَّر عظمة هذا الرجل أنه يتخلَّى عن ذاته يزهد في أي سُلطة … يشغله شيء واحد فقط: التوبة، ولذلك تضع الكنيسة القديس يوحنا المعمدان كأول نموذج في السنة القبطية.
ثانياً : مصادر القوة فى حياة يوحنا المعمدان:
1ـ أسرته:
تربَّى على يد زكريا الكاهن وأليصابات زوجته، كان زكريا وأليصابات زوجته بارَيْن زكريا الكاهن إنسان يخاف اللَّه، وأليصابات إنسانة بارَة أمام اللَّه، وإذا كان الأب والأم هكذا يكون الابن مثلهما.
بلا شك وجود هذا الأب المُصلِّي والذي يحمل طاقة إيمان في داخله والخائف الرب وكان مع زوجته يسلكان الاثنين بلا لوم ( ضميرهم مستيقظ يستطيع أن يزن نفسه في كل موقف ) فنشأ يوحنا المعمدان فى هذا الجو الجميل: بيت ترتفع فيه الصلوات وترتفع فيه قامة الإيمان وليس له إلاَّ أن يعيش
لربنا ومع ربنا. ونتخيَّل أليصابات وهى تُربِّي يوحنا وتحكي له الدموع والصلوات والسهر والعار الذي تراه في عيون الناس وفي ألسنتهم لأنها كانت عاقرة، وتحكي عن ليالى الألم، وكم من ليالي قضتها وهى في بكاء شديد وكأن السماء صامته والصلوات التى ترتفع لا تجد من مجيب، وعندما أتت فرحة ميلاده وأسمته يوحنا ( اللَّه يتحنَّن ) تهيأ لي أن القديسة أليصابات والقديس زكريا الكاهن كانا لا يمَلّوا من أنهم يُقدِّموا لهذا الصبي وصايا اللَّه من صغره.
أحيانا في التربية المُعاصرة نجد أن الأب والأم يتركا أبناءهم للتليفزيون وللإنترنت وللأصحاب يُربُّون أولادهم ويغيب دورالأب والأم المسئول عن هذه العطية.
بقدر ما تهتموا بتعليم الأبناء فى صغرهم بقدر ما يكون لكم أكاليل في السماء. ويقول أحد الآباء: ” إن إكليل التربية يساوي إكليل نُسك راهب “، ما أجمل أن نُربِّي أبناءنا بالنعمة من الإنجيل والصلوات والكنيسة وسير القديسين.
إن هذا القديس الذي عاش في البرية كان مصدر قوته الأول هو الأسرة لذلك يمكن أن نقول أن الأسرة أيقونة الكنيسة والأسرة صانعة قديسين.
2ـ نذيراً:
كما قال الملاك: ” يكون عظيماً أمام الرب وخمراً ومُسكراً لا يشرب “، ” نذير: يعني: ” مخصص للَّه مُكرس للَّه “، وهل كُلنا سنُكرَّس؟
أريد أن ألفت نظرك لشيء مهم: في سر الميرون يُرشَم الطفل المُعمَّد في جسده 36 رشماً بتشمل الطفل كله، وهذه الرشومات هى بمثابة تكريس عام … وأن هذا الطفل صار مُكرَّساً ومُخصَّصاً أو إن شئتم الدقة مفروزاً للَّه، و هذا الطفل ينمو وقلبه مُكرَّساً ومُخصصاً للَّه، في يوم المعمودية يتخصَّص الإنسان ويتكرَّس للمسيح ويُدعى الطفل مسيحياً، أخذ سر المعمودية وأخذ سر الميرون ونال سر الإفخارستيا ويبدأ طريقه نحو الأبدية.
يوحنا المعمدان كان نذيراً للرب … كان مخصصاً بحياته كلها وكل ما يُفكِّر فيه هو علاقته باللَّه، وهذا الفكر هام جداً، لذلك نسمع نداء السيد المسيح: ” يا ابني أعطني قلبك “، يُريد أن يكون قلبك مُخصَّص ومُكرَّس له لا يشغله شيء آخر وهذا مهم لنا … يجب أن نهرب من أمور تشغل قلوبنا وعقولنا وحياتنا ولا تفيدنا فى الأبدية. خليك واعي ونذير للرَّبّ ومُخصصاً لعمل المسيح وهذا ليس معناه أن تترك دراستك وعملك لكن قلبك هو للَّه يسكنه المسيح.
3ـ البرية:
يقول لنا الكتاب: ” أمَّا الصَّبي فكان ينمو ويتقوَّى بالروح، وكان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل “، ولذلك نجد أديرتنا في الصحراء، وعندما نزور البَرِّيَّة ونزور آبائنا الرهبان ونتمتع بهم وبالحياة الديرية الجميلة تكون البَرِّيَّة أحد مصادر القوة في حياتك لأنَّ فيها انحلال من كل الرباطات الموجودة في العالم، وتدخل الكنيسة وتقضي وقت سواء في قداس أو تمجيد أو صلوات خاصة وتستشعر قوة صلوات الآباء
الذين عاشوا عبر أجيال وأجيال في الدير والخشوع وتنال قوة وإن كانت زياراتك للبرية قليلة يمكنك أن تستعيض عن ذلك بأقوال الآباء وسيرهم وجهادهم الروحي الذي عاشوا به والفكر الروحي.
4ـ الإمتلاء من الروح القدس:
من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس، نعمة خاصة، ونوال الروح القدس أعطاه هذه القوة، وامتلائه من الروح القدس وهو فى بطن أمه من بداية تكوينه وهو عمره شهوراً قليلة صار ممتلئ بعمل اللَّه وبالروح القدس.
هذه هى مصادر القوة في حياة يوحنا والتى جعلت يوحنا في آواخر أيامه وقبل السجن يشهد الشهادة الحية ويقول: ” لا يحل لك “، ويقولها بصوت حق وبقوة وكان يعلم أن هذه تُكلِّفه حياته، ولكن الحق كان أسمَى من الحياة، وكانت النتيجة أنه ينال إكليل الاستشهاد وتُقطع رأسه ولكن يظل صوته وتظل شخصيته ويظل النموذج الذي يُقدّمه القديس يوحنا نموذج رائع لنا كلنا في حياتنا وفي جهادنا.
قداسة البابا تواضروس الثانى

عدد الزيارات 1290

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل