
"يمين الرب صنعت قوة . يمين الرب رفعتني . يمين الرب صنعت قوة فلن أموت بعد بل أحيا وأحدث بأعمال الرب " مز ۱۱۸
يعتبر داود النبي أحد الشخصيات الروحية التي تعاملت في عمق مع يمين الرب المعتزة بالقدرة - له معها اختبارات عميقة ورائعة ، سجل بعضها في مزاميره الرائعة ، كما ظهرت آثارها في سيرته وحياته .
فهو منذ أن كان صبياً راعي غنم كانت له اختبارات مع الله فقد هجم على قطيعه دب وأسد ، وكان بعد حدثاً صغيراً ،ولكنه اعتمد على يد الله العجيبة ،وتقدم إليهما ومزقهما كما يمزق الصبي قصاصة ورق أو خرقة بالية وعندما كبر قليلا إختبر أيضاً يمين الله الجبارة ، عندما رأى عملاقاً . عاتياً يعير صفوف جيش الرب ، ولم يجرؤ أحد على التقدم منه ، لأنه كان مرعباً مهولا كان شعبه اسطورة فمن يقدر أن ينازله ويساجله ؟!
ولكن الصبى داود الذي خبأ في قلبه إختبارات قوية سابقة إستطاع أن يتقدم إلى الملك شاول الذى هزأ به في بادىء الأمر ، وقال له إنك غلام وهو رجل حرب منذ صباه أجابه داود صاحب الاختبارات : عبدك كان يرعى لأبيه غنما فجاء أسد مع دب ، وأخذ شاة من القطيع ، فخرجت وراءه وأنقذتها من فيه . ولما قام على أمسكت به وقتلته . فقتل عبدك الأسد والدب وهذا الأغلف يكون كواحد منهما ، لأنه عير صفوف الله الحى واستطاع داود أن يصرع جليات إذ قال له أنت تأتى إلى بسيف ورمح وترس وأنا أتي إليك باسم رب الجنود وبالفعل قطع رأسه مستخدماً مقلاعاً وخمسة أحجار ملس من الوادى .ويمين الرب التي سندت مرنم اسرائيل الحلو ، هي هي أمس واليوم والى الأبد ، لا تزال تسند كل الذين يستندون على ذراع الرب ، وليس على زراع البشر ففي كل حروب أولاد الله الروحية يتذكرون قول داود "على رجز الأعداء مددت يدك ، وخلصتي يمينك" ولعل أول اختبار نلمسه في معاملات يمين الرب معنا هي أن :
يمينه تدعوني ..
لقد اختبر داود حياة الدعوة عندما أرسل الرب صموئيل لبيت يسى البيت لحمى ليمسح الملك المختار من الله ورفض الرب جميع أولاد يسى ، لأن يمين الرب أشارت إلى الصبي داود المختار من الله ولا يزال الرب يدعونا بيمينة الطاهرة ، إنه يريد الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون وضرب الرب مثلا عن ملكوت الله بإنسان دعا عبيده إلى العرس ولكنهم اعتذروا وبين شروط الدعوة في الإيمان بشخصه المبارك ، وإنكار الذات ، وجمل الصليب، والسير وراءه مفضلا إياه عن كل محبة بشرية .
وعندما نتأمل معاملات يمين الله في دعوته تجده يدعو واحداً في الجليل ، وآخر عند مكان الجباية ، وثالثاً من فوق الجميزة ، ورابعاً وهو في طريقه إلى دمشق ولكن الأمر الذي لا شك فيه ، إنه بدون قبول الدعوة لا بداية صحيحة للطريق فالشاب الغنى مضى حزينة ( مت ۱۹ : ۲۲ ) لأنه رفض الدعوة ، اذ كان ذا أموال كثيرة وصاحب الحقل، والمتزوج حديثاً ، والذي عنده بقرات ، إعتذروا عن دعوة العرس . ولا يزال ألوف من الناس يرفضون الدعوة لأجل هموم الحياة وغرور الغني والإتكال على الذات ان القلب المستعد هو القلب الذي يشعر بيمين الرب تدعوه "مستعد قلبی یا الله مستعد »وهذا الإستعداد ليس مجرد مشاعر أو عواطف، وإنما هو إستعداد كياني يلتزم بالمواقف والإستجابة الفرحة الباذلة حتى الموت إنها دعوة موجهة الآن إلى كل منا ، تشير علينا أن نأخذ منه ذهباً مصفى بالنار كي تجدد عهد معموديتنا بالتوبة الصادقة ، وننهض من تكاسلنا لنقوم ونبنى أسوار أورشليم ولا نعود بعد عاراً .
يمينه تقودني :
لقد إختبر داود قيادة الرب ورعايته فنطق مسبحاً و الرب يرعاني فلا يعوزني شيء " إن سرت في وسط ظلال الموت ، فلا أخاف شراً لانك معى " وفى مسيرة شعب الله في القديم ، كانت يد الله تقود الشعب في شكل سحابة نهارا ، وعموداً من النار ليلا نجد قيادة الله واضحة من خلال الأنبياء الذين أعلنوا قول الرب، والملوك الذين أطاعوا وصاياه وفي كل عصر وجيل يحيا المؤمن في سلام وراحة عندما يسلم قيادة نفسه للرب ، مرنماً مع داود " عندما يقترب من الأشرار ليأكلوا لحمى مضايقي وأعدائى عثروا وسقطوا وإن يحاربي جيش فلن يخاف قلبي" لقد احتفظ الرب يسوع بآثار المسامير في يديه ، لكي يبقى فيها . ينبوع حب دائم لا ينضب . إذ فيما هو قد تألم مجرباً ، يقدر أن يعين المجربين . وإذ لنا رئيس كهنة رحيم يقدر أن يرثى لضعفاتنا لقد اختبرت يمينه كل تجارب الحياة فيما عدا الخطية وحدها إن يده يد حكيمة مختبرة ، ماهرة قادرة على قيادة الجميع مهما كانت ظروفهم وأحوالهم .
ان يد الرب ليست قاصرة عن أن تخلص ...
وفي منهج قيادة الرب بيمينه لشعبه ، نلحظ أنه يستخدم أسلوب التعزية والتشجيع ، كما يستعمل أيضاً منهج التأديب والتوبيخ .. وفي هذا يقول داود النبي. عصاك وعكازك هما يعزياني.. وقد تشير العصا إلى التأديب ، بينما يشير العكاز إلى المساندة والتشجيع وعلى النفس المستسلمة أن تبذل ذاتها ، وتخضع بالتمام للمشيئة الالهية وسط كل الأحداث، وتذعن لمشورته ومقاصده الأبوية السماوية وتفرح لكل التدابير التي ترتضيها العناية الإلهية حتى لو كانت ضد مشيئة الذات.
يمينه ترسلنی :
الإرسالية هي نتاج الدعوة الصادقة ، والتبعية المخلصة لقيادة الرب الأمينة . والإرسالية والامتلاء لا يأخذ شكلا واحداً ، ولكنه يتعدد في صورة حسب الأشخاص والمواهب . فقد يأخذ طابع الخدمة والكرازة والتبشير والافتقاد ، وقد يتخذ طابع رعاية اليتامى والأرامل والحزاني والمرضى ، وقد يتخذ طابع الهدوء والتأمل والانسكاب الكامل في حياة الخلوة والعبادة لكن الذي يجمع هذه الأنماط جميعها ، هو الحياة المكرسة بالتمام لمجد الله كى يكون المسيح هو الكل في الكل إن يمين الرب تعمل بقوة ، ليس فى أفراد متناثرين ، ولكنها تفيض بالمواهب من خلال الكنيسة وحياة الشركة ليت الله يدعونا جميعاً ، ونستمع ونستجيب تاركين أماكن الجياية ليته يقودنا كلنا كجيش ذى الوية ، ناسين ذواتنا ، جاحدين مشيئتنا، خاضعين دوماً لمقاصده السماوية الأزلية وياليته يملأنا ويرسل الوف الوف وربوات ربوات . فالحقول أبيضت والحصاد كثير والفعلة قليلون قم يارب إصنع الخلاص علانيه .
المتنيح نيافة الحبر الجليل الأنبا بيمن أسقف ملوى وأنصنا والأشمونين
عن مجلة الكرازة العدد الثانى والثلاثون عام 1976