عصر ما بعد داود وسليمان

05 فبراير 2019
Large image

+ إنْ حَفِظَ بَنوكَ عَهدي..
رأينا فيما سبق كيف أعد الله داود النبي، ومن بعده ابنه سليمان الحكيم، لإدخال خدمة ذبيحة التسبيح إلى خدمة العبادة الرسمية في الهيكل. وكيف صار التسبيح الكنسي ذا شأن عال جدًّا، وعلى أعلى مستوى من التنظيم والمهارة والخبرة والفن. وكان الملك داود ومن بعده سليمان يهتمان بهذا النشاط الروحي بنفسيهما.
الآن وبعد أن "اضطَجَعَ سُلَيمانُ مع آبائهِ فدَفَنوهُ في مدينةِ داوُدَ أبيهِ. ومَلكَ رَحُبعامُ ابنُهُ عِوَضًا عنهُ" (2أخ31:9).. ماذا حدث لخدمة التسبيح؟ ماذا حدث لهؤلاء المغنين والعازفين الذين كان الملك نفسه يهتم بهم وباحتياجاتهم، ويتابع بنفسه نشاطهم وخدمتهم، ويصرف على خدمتهم وحياتهم وبيوتهم من خزينة الملك؟
(1) رحبعام والانقسام.. وتدهور خدمة التسبيح
لقد انقسمت المملكة بسبب سوء تصرف رحبعام، وصارت المملكة مملكتين (يهوذا وإسرائيل)، وفي الغالب كانت مملكة يهوذا أكثر تدينًا من مملكة إسرائيل، "وكانَتْ حَربٌ بَينَ رَحُبعامَ (ملك يهوذا)، ويَرُبعامَ (ملك إسرائيل) كُلَّ أيّامِ حَياتِهِ" (1مل6:15). انصرف الملك والجيش والناس إلى الحرب، ولم يعد أحد ينتبه إلى هؤلاء المرنمين والموسيقيين الموهوبين ليرعاهم.. فبدأت خدمة التسبيح في الانحدار والانحطاط. وحافظ سبطا يهوذا وبنيامين بالكاد على خدمة الذبائح فقط، في مقابل انسياق كل باقي أسباط إسرائيل وراء الأوثان.
هذا ما عيَّر به "أبِيَّا" ملك يهوذا شعب إسرائيل المنحرفين وراء يربعام الملك عابدين الأوثان قائلاً: "وأنتُمْ جُمهورٌ كثيرٌ ومَعَكُمْ عُجولُ ذَهَبٍ قد عَمِلها يَرُبعامُ لكُمْ آلِهَةً. أما طَرَدتُمْ كهنةَ الرَّب بَني هارونَ واللاويينَ، وعَمِلتُمْ لأنفُسِكُمْ كهنةً كشُعوبِ الأراضي (الأمم)... للذينَ ليسوا آلِهَةً؟ وأمّا نَحنُ فالرَّبُّ هو إلهنا، ولم نَترُكهُ. والكهنةُ الخادِمونَ الرَّبَّ هُم بَنو هارونَ واللاويّونَ في العَمَلِ، ويوقِدونَ للرَّب مُحرَقاتٍ كُلَّ صباحٍ ومساءٍ" (2أخ8:13-11).
في هذا الكلام ذكر "أبيّا" خدمات الهيكل التي نظمها موسى، ولم يتطرق إلى ذكر فرق التسبيح التي نظمها داود، ومن بعده سليمان. ومن ذلك يبدو أن هذه الفرق كانت قد ضعفت أو توقفت.. أي أن أسباط مملكة إسرائيل (الشمالية) انساقت إلى الأوثان، وتركت عبادة الله الحي.. ومملكة يهوذا (الجنوبية) أيضًا قد انشغلت، وتركت عنها خدمة التسبيح. فقد كانت البلاد في حالة حرب وفوضى وانشغالات كثيرة "وفي تِلكَ الأزمانِ لم يَكُنْ أمانٌ للخارِجِ ولا للدّاخِلِ، لأنَّ اضطِراباتٍ كثيرَةً كانَتْ علَى كُل سُكّانِ الأراضي" (2أخ5:15).
لم يدُم الأمر هكذا كثيرًا، بل كانت ذبيحة التسبيح تتأرجح في قوتها بحسب زمان الملك الذي يملِك، وظروف المملكة.. فإن كان الملك بارًا تقيًا والمملكة في حالة سلام كان التسبيح يأخذ مكانته في الاهتمام والاعتبار، وإذا كان الملك شريرًا معوجًا والمملكة في حالة حرب وفوضى كان يضعف الاهتمام بالتسبيح، ويتفرق المُسبِّحون والعازفون، ويتوقف التسبيح من هيكل الرب أو يضعف مستواه الروحي والفني.
(2) نهضات روحية متعاقبة
كانت من أهم علامات النهضة الروحية التي يقوم بها أي ملك يملك على يهوذا، أو (إسرائيل) أن يعيد إلى الهيكل بهاءه، بتنظيم خدمة التسبيح.
+ نهضة في عهد آسا الملك..
في عهد "آسا" الملك.. وبَّخ النبي "عزريا بن عوبيد" الشعب، فتنبهوا ونزعوا الرجاسات من كل أرض يهوذا وبنيامين، وعادوا إلى الرب "ودَخَلوا في عَهدٍ أنْ يَطلُبوا الرَّبَّ إلهَ آبائهِمْ بكُل قُلوبِهِمْ وكُل أنفُسِهِمْ" (2أخ12:15). كانت علامة هذا العهد أنهم "حَلَفوا للرَّب بصوتٍ عظيمٍ وهُتافٍ وبأبواقٍ وقُرونٍ. وفَرِحَ كُلُّ يَهوذا..." (2أخ14:15-15). كذلك كانت عودة هتاف التسبيح، هي العلامة المميزة لعودة الروح إلى الشعب، بعد عصور من التمزق والتمرد وعبادة الأوثان والحروب العنيفة.
+ نهضة في عهد يهوشافاط..
في عهد "يهوشافاط" الملك تعرضت الدولة لهجوم من الأعداء.. فرجعوا إلى الرب، وكان أحد المُسبِّحين هو الذي قاد الشعب للتوبة وهو "يَحزَئيلَ بنَ زَكَريّا... مِنْ بَني آسافَ، كانَ علَيهِ روحُ الرَّب في وسطِ الجَماعَةِ" (2أخ14:20). وكانت عودتهم للرب مرتبطة بالتسبيح "فخَرَّ يَهوشافاطُ لوَجهِهِ علَى الأرضِ، وكُلُّ يَهوذا وسُكّانُ أورُشَليمَ سقَطوا أمامَ الرَّب سُجودًا للرَّب. فقامَ اللاويّونَ مِنْ بَني القَهاتيينَ ومِنْ بَني القورَحيينَ ليُسَبحوا الرَّبَّ إلهَ إسرائيلَ بصوتٍ عظيمٍ جِدًّا" (2أخ18:20-19).
في الغد وقف "يهوشافاط" لتحفيز الشعب على العودة للرب، و"أقامَ مُغَنينَ للرَّب ومُسَبحينَ في زينَةٍ مُقَدَّسَةٍ... وقائلينَ: "احمَدوا الرَّبَّ لأنَّ إلَى الأبدِ رَحمَتَه"ُ. ولَمّا ابتَدأوا في الغِناءِ والتَّسبيحِ جَعَلَ الرَّبُّ أكمِنَةً علَى بَني عَمّونَ وموآبَ وجَبَلِ ساعيرَ الآتينَ علَى يَهوذا، فانكَسَروا" (2أخ21:20-22). فكان الفضل في نصرتهم يرجع إلى التسبيح.
وعاد الشعب من الحرب "ليَرجِعوا إلَى أورُشَليمَ بفَرَحٍ، لأنَّ الرَّبَّ فرَّحَهُمْ علَى أعدائهِمْ. ودَخَلوا أورُشَليمَ بالرَّبابِ والعيدانِ والأبواقِ إلَى بَيتِ الرَّب" (2أخ27:20-28). يا لفرحة إسرائيل بنصرته على الأعداء، بل بالأحرى بعودة المجد لإسرائيل؛ إذ عادوا يُسبِّحون الله بحسب ترتيب داود وسليمان.
نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة

عدد الزيارات 1465

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل