إنجيل عشية الأحد الثالث من شهر مسرى ( لو ١١ : ٢٧ - ٣٦)

24 أغسطس 2024
Large image

" وفيما هو يتكلم بهذا ، رَفَعَتِ امرأة صوتها مِنَ الجمع وقالت له: طوبى للبطن الذي حَمَلكَ والثديين اللذين رَضِعتَهُما . أما هو فقال: بل طوبى للذين يسمعونَ كلام الله ويَحْفَظُونَهُ وفيما كانَ الجُموع مُزْدَحِمِينَ، ابتدأ يقولُ: هذا الجيلُ شِرِّيرٌ. يَطلُبُ آيةً، ولا تُعطى له آيةٌ إلا آية يونان النبي. لأنَّهُ كما كان يونان آيةً لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضًا لهذا الجيل. مَلِكَةُ التَّيمَنِ ستقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم، لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمعَ حِكمَةَ سليمان، وهوذا أعظَمُ مِنْ سُليمان ههنا رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لأنَّهم تابوا بمناداة يونان، وهوذا أعظم من يونان ههنا!ليس أحَدٌ يوقد سراجًا وَيَضَعُهُ في خِفْيَةٍ ولا تحت المكيال، بل على المَنَارَةِ، لِكَيْ يَنظُرَ الداخلون النور. سراج الجَسَدِ هو العَينُ، فَمَتَى كانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيْرًا، وَمَتَى كانت شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ يكونُ مُظْلِمًا. انظُرْ إِذَا لِئلا يكون النور الذي فيكَ ظُلمَةً. فَإِنْ كَانَ جَسَدُكَ كُلُّهُ نيرًا ليس فيهِ جُزء مُظلم، يكون نَيْرًا كُلُّه، كما حينما يُضيء لكَ السَّراجُ بِلَمَعانِهِ ".
رفعت امرأة صوتها :
يتواكب الأحد الثالث من مسرى مع عيد السيدة العذراء القديسة مريم الذي يقع في ١٦ مسرى في نهاية الصوم المدعو باسمها المبارك فصل إنجيل العشية يسجل أول تطويب من عامة الشعب، لأن القديسة أليصابات كانت أول من طوب العذراء مريم حين تصاغرت أمامها وهى امرأة متقدمة في أيامها وزوجها كاهن شيخ وقور وهي حامل بابن ليس في مواليد النساء أعظم منه، فحين دخلت إليها القديسة العذراء مريم وسلمت عليها بالسلام الروحاني وهى حاملة الكلمة المتجسد في بطنها البتولي صرخت أليصابات بالروح وقالت: "من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب" وتطويب أليصابات معتبر أنه تطويب من عشيرة الكهنوت. وطوبتها أليصابات حين ارتكض الجنين في بطنها ساجدًا للذي كونه من العدم ومبتهجا راكضًا للقاء سيده، وحين امتلأت أليصابات هي وجنينها من الروح القدس بسبب كلام مريم أم الله الكلمة أما إنجيل العشية فيسجل تطويب امرأة من عامة الشعب جالسة مستمعة لتعاليم الرب ومن شدة انفعالها بالروح رفعت صوتها وقالت: "طوبى للبطن الذي حملك وللثديين الذين رضعتهما" وقد خرجت هذه المرأة عن مألوف العادة في زمانها فقبيح بالمرأة أن ترفع صوتها في وسط جمع غفير كهذا وفي وسط رجال مجتمعين هذا عددهم ولكنها تجاوزت كل هذا وتخطت العادات ومثل زكا الذي لم يعبأ بماذا يقول الناس عنه، أو كمثل المرأة الخاطئة التي ارتفعت فوق العيون التي نظرت إليها بالاحتقار أو النقد والدينونة، شقت طريقها إلى قدمي يسوع هكذا صرخت هذه المرأة لتمدح أم الله وتطوبها بصوت عال كقائدة وكباكورة ملايين الملايين الذين تبعوها يطوبون العذراء إلى جيل الأجيال ويخيل إلي أن هذه المرأة كمثل مريم النبية أخت هارون حين أخذت الدف بيدها وبدأت بنشيد التسبيح وتبعتها النسوة بل وكل جماعة بني إسرائيل قائلين: "تعالوا نسبح الرب لأنه بالمجد قد تمجد" هكذا بدأت هذه المرأة نشيد تطويب العذراء أم المسيح التي حملت الرب في بطنها تسعة أشهر وأرضعته من ثديها الطاهرة قال أحد الآباء إن الخليقة كلها تهللت بمجيء المسيح متجسدا فقدم له عالم الفلك نجمًا فريدًا وقدم له عالم الحيوان ما كان لخدمته في أيام تجسده، أما البشرية فقدمت له أما عذراء ويلذ لنا نحن المؤمنين أن نتأمل عمق العلاقة التي ربطت أمنا العذراء بابنها الوحيد ، كيف عاشت التسعة أشهر وهي حاملة السر الإلهي والروح القدس حال عليها وقوة العلي مظللة عليها !! وليس كما يزعم قوم أنها حال ولدت ابنها الإلهي فقد انتهت العلاقة التي تربطها به فهى كعلبة الجواهر، فإن أخذنا الجوهرة فما حاجتنا إلى علبة وهذا كلام غير الروحيين والمحرومين من أمومة الأم العذراء فهي بعد أن ولدته أرضعته من ثدييها الطاهرين، فإن كان قد أخذ ناسوته منها متجسدًا في الحشاء البتولي، فقد نما جسده الإلهي الذي كان ينمو في النعمة والقامة، نما أيضًا متغذيا على لبنها فلم تنقطع هذه الصلة السرية جدا وغير المقترب إليها بالفعل لم تنقطع بالولادة !!
طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب هذا تطويب أليصابات طوبى للذين يسمعون كلام الله ويعملونه وهذا تعليق الرب على تطويب المرأة فالعذراء مطوبة أولاً من أجل إيمانها الفائق الوصف الذي تجاوز المعقول حين أحنت رأسها أمام الرب خاضعة وقائلة "هوذا أنا أمة الرب" بحضور شاهد سماوي هو رئيس الملائكة جبرائيل المبشر والإيمان هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى ولم يبلغ إنسان على وجه الأرض إلى ثقة العذراء ورجائها، ولم يصل أحد قط إلى قامة يقينها بما لا يرى، لقد حملت غير المرئي كمرئي ومحسوس واحتوت غير الزمني الذي صار في بطنها تحت الزمان. يا للعجب !!.
أليصابات شاهدة عيان على هذا الإيمان فرأت في العذراء إيمانها وكمال مواعيد الله ولمست عن قرب وهي تحتضن العذراء ما هو أعلى من فكر الملائكة فطوبت إيمانها وطوبت أمومتها للرب عن يقين الرؤيا والتلامس ونطقت بشهادتها مؤازرة بملء الروح القدس في تلك اللحظات أما هذه المرأة فلم تر العذراء ولا عرفتها المعرفة الشخصية، فهى تمثل باقي البشرية لكل الأجيال، ولكنها رأت ثمرة بطنها التي قالت عنها أليصابات أيضًا "مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك" ها هي هذه المرأة تسمع ثمرة بطن العذراء - يسوع المسيح - فتنفعل بالروح لتنطق بباكورة تطويب العذراء فيجيب المسيح له المجد : بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه"، فالعذراء وإن كان لها الإيمان الفريد ولكنها فوق الكل أيضًا في سماع كلام الله وحفظه، فهى التي حوت الكلمة متجسدًا في أحشائها، وخبأت الكلمة متفكرة بها في قلبها ومن يعرف أسرار هذا أو ذلك في حياتها التي هي أعلى من السماوات ؟!!
بقي أن تفرح قلبها كأم إن سلكنا في طاعة المسيح وحفظنا وصاياه، لأن فرح الأم دائما يكون بنجاح أولادها فإن أحببنا المسيح من كل القلب وحفظنا وصاياه نكون قد فرحنا قلب أمنا وحين نطوبها نطوبها لا بالكلام بل بالعمل والحق قال أحد الآباء للعذراء القديسة : أنت أم الله (يسوع المسيح) وأم الخاطئ (أنا) في آن واحد أم الديان العادل وأم المذنب ، فاطلبي إلى ابنك الإله أن يترفق بالخاطئ ويرحمه قوية هي شفاعتك ومقبولة عند الذي ولدته اشفعي فينا.
المتنيح القمص لوقا سيداروس
عن كتاب تأملات في أناجيل عشية الآحاد

عدد الزيارات 291

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل