ثلاثة تفاصيل لفضيلة الأمانة

13 فبراير 2019
Large image

لست أقصد مجرد الأمانة في المال والأمور المادية، أي أن الإنسان لا يكون سارقًا أو ناهبًا لغيره إنما أقصد الأمانة بوجه عام في كل حياة الإنسان الروحية، في تفاصيل ثلاثة أمانة في علاقته مع الله، ومع الناس، ومع نفسه كثيرون بدأوا الحياة معًا. ولكن بعضهم وصل، والبعض لم يصل، والبعض تأخر. فما السبب في كل ذلك؟ السبب هو مقدار أمانة كلِّ منهم. فالذين وصلوا هم الذين كانوا في غاية الأمانة في أداء دورهم في الحياة والقيام بواجباتهم ومسئولياتهم على أكمل وجه والأمانة تشمل الأمور العالمية، كما تشمل الأمور الروحية. فكما يهتم الإنسان بروحياته، ينبغي أن يكون أمينًا في كل عمل يعمله. فالتلميذ ينبغي أن يكون أمينًا في دراسته، في مذاكراته ومراجعته ونجاحه وتفوقه. وكذلك العامل في إتقانه لعمله وحفظه لمواعيده. وبالمثل الموظف وكل من هو في مسئولية. فيوسف الصديق كان إنسانًا روحيًا وأمينًا في عمله، سواء في خدمته لفوطيفار حتى ازدهر عمل الرجل. كما كان خادمًا في عمله كوزير تموين لمصر، حتى أنقذها وأنقذ البلاد المحيطة لها من المجاعة

وتوجد في الحياة العملية أمور لاختبار الأمانة: مثال ذلك: هل من الأمانة أن يحصل شخص على شهادة مرضية زائفة، يقدمها للحصول على عطلة من العمل بدون وجه حق. وهو في ذلك لا يكتفي بأن يكون غير أمين، إنما يوقع الطبيب معه ويجره إلى الخطأ معه! كذلك من يأخذ بدل سفر بدون وجه حق، أو يطلب بمكافأة على عمل زائد Over time بينما يمكن القيام بنفس العمل في الوقت العادي بدون زيادة!والأمثلة كثيرة من جهة عدم الأمانة في الحياة العملية: منها من ينقل الأخبار بطريقة غير أمينة. أو من لا يكون أمينًا على سرّ اؤتمن عليه. كذلك من لا يؤدى أية مهمة كُلّف بها بالأمانة المطلوبة.
الأمانة تجاه الله
* فقلبك الذي هو ملك لله، لا تفتحه لأعدائه. وهكذا فإن الإنسان الأمين نحو الله وحفظ وصاياه، لا يتساهل مع أية خطية، ولا يتراخى مع الفكر الخاطئ، بل بكل أمانة يطرده بسرعة ولا يقبل أن يفصله أي فكر أو أية مشاعر عن محبة الله وعن طاعته وحفظ وصاياه. وهو يحفظ تلك الوصايا ولا يحيد عنها أمينًا في تنفيذها، لا يلتمس في ذلك ولا تبريرًا، وينتصر على كل العوائق.
* وهو أمين أيضًا في صلواته وكل نواحي عبادته، وأمين في عقيدته وفي إيمانه وفي تقديم صورة مشرقة عن الإنسان المؤمن. وهو أمين في خدمة بيت الله وفي دعوة الناس إليه. ويفعل ذلك بكل جدية. يبدأ يومه بالله وينهيه بذكر اسمه. ويحيا باستمرار في حياة الشكر، يشكر الله على نعمته وستره ورضاه. ولا يتذمر مطلقًا على مشيئة الله... وهو باستمرار حريص أنه لا ينطق باسم الله إلا بخشوع يليق بعزة الله وجلاله ومجده والأمين في علاقته بالله يكون أمينًا في نذوره وعهوده. يعرف أنه من الخير له أن لا ينذر من أن ينذر ولا يفي. كما يكون أمينًا أيضًا في واجباته المالية من نحو الله.
أمانة الإنسان نحو نفسه
يضع أمامه مصيره الأبدي. فيهتم بروحه ونقاوة قلبه. ويكون أمينًا كل الأمانة في مقاومة الخطية، وفي السلوك في حياة الفضيلة والبر. ويعطى روحه غذاءها اليومي من الصلوات والتراتيل وقراءة كتاب الله والتأمل فيه. ولا يقتصر على مجرد الاهتمام بالجسد واحتياجاته. بل يجعل روحياته في المرتبة الأولى من اهتماماته، بحيث ينمو كل حين في حياة البر، حتى يصل إلى الكمال النسبي الممكن له كإنسان كذلك يكون أمينًا في تثقيف نفسه بكل مصادر المعرفة والحكمة. حتى ينمو في عقله وفكره وذكائه. وإن كان طالب علم، يكون أمينًا في دراسته لكي يصل – ليس فقط إلى النجاح – إنما إلى التفوق أيضًا والامتياز والإنسان الأمين لا يعتذر مطلقًا بقلة إمكانياته، إنما يحاول أن ينمى إمكانياته وقدراته بكافة الطرق. وهو لا يعتذر بالعوائق والموانع، بل يبذل كل جهده للانتصار عليها. وفي كل يقوّى إرادته فلا تخور ولا تضعف والإنسان الأمين لا يتساهل مع نفسه في أي شيء. بل يضبط نفسه تمامًا. وذلك أنه إن تساهل من جهة أخطاء الحواس، تحاربه الأفكار. وإن تساهل مع الأفكار، تحاربه الشهوات. وإن تساهل مع الشهوات، يسقط في العمل الخاطئ. إنه في أمانته يكون كالجبل الراسخ تصدمه العواصف والأنواء فلا تنال منه شيئًا والإنسان الأمين نحو نفسه، يكون أمينًا من جهة وقته. فيستغل كل دقيقة من حياته لفائدته وفائدة الآخرين... وهو يدرك تمامًا أن الوقت جزء من حياته لا يجوز له أن يبدده ويحرص أن يكون وقته في صالحه وليس ضده، بحيث لا يندم على وقت قضاه في عمل ما الإنسان الأمين على نفسه، يعرف أن له نفسًا واحدة إن خسرها خسر كل شيء وليس ما يعوضها وهكذا يذكر باستمرار انه "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه". لذلك فهو يهتم بحاضر نفسه ومستقبلها. ويحرص على خلاص نفسه...
أمانته نحو الآخرين
الإنسان الأمين يحرص على الآخرين كما يحرص على نفسه. ويهتم بخلاصهم كما يهتم بخلاص نفسه إنه لا يكتفى بأنه لا يؤذى أحدًا، بل يبذل جهده لعمل الخير نحو كل أحد. ويكون كالشمعة التي تضئ لكل أحد، وكالشجرة التي تظلل على كل من يحتمي بها. ويكون صانع خير وصانع سلام مع الكل والإنسان الأمين يحتفظ بأسرار الناس لا يفشى شيئًا منها ولو لأقرب المقربين إليه. ولا يفضح ضعفات أحد بل يكون سترًا له وغطاء... وإن وجد أحدًا محتاجًا إلى معونة لا يقصر في إعانته، ويفعل ذلك في سرية بحيث لا يخجله أمام غيره... ويكون معينًا لمن ليس له معين، ونورًا للسائرين في الظلمة وأمانته نحو الآخرين تلزمه أن يشاركهم في أحزانهم وفي أفراحهم، وتقتضيه الأمانة أن يزور المريض منهم، وأن يعزى من يحتاج إلى عزاء. وأن يقدم النصيحة المخلصة لمن يلزمه النصح، وأن يشترك في حل مشاكل من هو في ضيقة، مادام هذا الأمر في قدرته. ويكون قلبًا محبًا للكل، ويحترم الصغير منهم والكبير. ولا يحتقر الساقط بل يساعده على القيام على أن هناك من يسأل بعد كل هذا:
ولكن ماذا استطيع أن أفعل، إن كان لا يمكنني الوصول إلى هذا المستوى؟ وإن كنت -على الرغم من ضعفي- أريد أن أكون أمينًا الأمانة كلها، فكيف أبدأ.
أرجو -إن أعطاني الرب فرصة- أن أجيب عن هذا السؤال، فإلى اللقاء.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث

عدد الزيارات 1521

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل