آباؤنا الرسل وخدمة التسبيح - الجزء الثاني

14 يوليو 2018
Large image

(د) تسبحة الغلبة والخلاص:
إن الأبدية السعيدة هي مكافأة الأبرار، وانتصار العدل على الأشرار وهذا أيضًا موضوع تسبيح السمائيين "فحَدَثَتْ أصواتٌ عظيمَةٌ في السماءِ قائلَةً: قد صارَتْ مَمالِكُ العالَمِ لرَبنا ومَسيحِهِ، فسَيَملِكُ إلَى أبدِ الآبِدينَ والأربَعَةُ والعِشرونَ شَيخًا الجالِسونَ أمامَ اللهِ علَى عُروشِهِمْ، خَرّوا علَى وُجوهِهِمْ وسجَدوا للهِ قائلينَ: نَشكُرُكَ أيُّها الرَّبُّ الإلهُ القادِرُ علَى كُل شَيءٍ، الكائنُ والذي كانَ والذي يأتي، لأنَّكَ أخَذتَ قُدرَتَكَ العظيمَةَ ومَلكتَ وغَضِبَتِ الأُمَمُ، فأتَى غَضَبُكَ وزَمانُ الأمواتِ ليُدانوا، ولتُعطَى الأُجرَةُ لعَبيدِكَ الأنبياءِ والقِديسينَ والخائفينَ اسمَكَ، الصغارِ والكِبارِ، وليُهلكَ الذينَ كانوا يُهلِكونَ الأرضَ" (رؤ15:11-18) ما أجمل هذا المنظر السمائي البديع فهناك أصوات عظيمة تليق بتسبيح الإله العظيم وحده، وهناك كلمات تسبيح تُعبّر عن سيادة الله، ومملكته الأبدية التي لن تزول، وهناك أيضًا الخوارس التي (ترابع) التسبيح بطريقة الأنتيفونا (المردات أو المرابعة) والأعظم أيضًا في هذا التسبيح أن الملائكة مُتهللة لهزيمة الشيطان، وسقوطه، وسقوط مملكته، وطرحه في بحيرة النار والكبريت لذلك صارت هذه الهزيمة المنكرة موضوع تسبيحهم، وبرهان شركتهم مع البشر القديسين الذين غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم "وسَمِعتُ صوتًا عظيمًا قائلاً في السماءِ: الآنَ صارَ خَلاصُ إلهِنا وقُدرَتُهُ ومُلكُهُ وسُلطانُ مَسيحِهِ، لأنَّهُ قد طُرِحَ المُشتَكي علَى إخوَتِنا، الذي كانَ يَشتَكي علَيهِمْ أمامَ إلهِنا نهارًا وليلاً وهُمْ غَلَبوهُ بدَمِ الخَروفِ وبكلِمَةِ شَهادَتِهِمْ، ولم يُحِبّوا حَياتَهُمْ حتَّى الموتِ مِنْ أجلِ هذا، افرَحي أيَّتُها السماواتُ والسّاكِنونَ فيها ويلٌ لساكِني الأرضِ والبحرِ، لأنَّ إبليسَ نَزَلَ إلَيكُمْ وبهِ غَضَبٌ عظيمٌ! عالِمًا أنَّ لهُ زَمانًا قَليلاً" (رؤ10:12-12) وهذه التسبحة تُشبه الهوس الأول الذي فيه نُسبِّح الله على نجاة شعبه، وهلاك فرعون في البحر الأحمر ونحن أيضًا نخلُص بعبورنا في المعمودية التي فيها يهلك الشيطان إن التسبيح في السماء يُعبّر عن الصفاء والنقاوة التي سنتمتع بها مع السمائيين، بعد أن طرح الله الشيطان المشتكي علينا في بحيرة النار، وخلّص الكون من شره وفساده وسلطانه المزعوم ما أجمل الحياة بعد هزيمة الشيطان: "ثُمَّ نَظَرتُ وإذا خَروفٌ واقِفٌ علَى جَبَلِ صِهيَوْنَ، ومَعَهُ مِئَةٌ وأربَعَةٌ وأربَعونَ ألفًا، لهُمُ اسمُ أبيهِ مَكتوبًا علَى جِباهِهِمْ وسَمِعتُ صوتًا مِنَ السماءِ كصوتِ مياهٍ كثيرَةٍ وكصوتِ رَعدٍ عظيمٍ وسمِعتُ صوتًا كصوتِ ضارِبينَ بالقيثارَةِ يَضرِبونَ بقيثاراتِهِمْ، وهُمْ يترَنَّمونَ كتَرنيمَةٍ جديدَةٍ أمامَ العَرشِ وأمامَ الأربَعَةِ الحَيَواناتِ والشُّيوخِ ولم يَستَطِعْ أحَدٌ أنْ يتعَلَّمَ التَّرنيمَةَ إلا المِئَةُ والأربَعَةُ والأربَعونَ ألفًا الذينَ اشتُروا مِنَ الأرضِ هؤُلاءِ هُمُ الذينَ لم يتنَجَّسوا مع النساءِ لأنَّهُمْ أطهارٌهؤُلاءِ هُمُ الذينَ يتبَعونَ الخَروفَ حَيثُما ذَهَبَ هؤُلاءِ اشتُروا مِنْ بَينِ الناسِ باكورَةً للهِ وللخَروفِ وفي أفواهِهِمْ لم يوجَدْ غِشٌّ، لأنَّهُمْ بلا عَيبٍ قُدّامَ عَرشِ اللهِ" (رؤ1:14-5) لقد انفتح المجال للبشر (المائة والأربعة والأربعون ألفًا – وهو رقم رمزي يدل على المؤمنين المتمتعين بالحياة الأبدية) أن يشتركوا مع صفوف السمائيين في تسابيحهم، ويتعلموا ترنيمهم، ويتبعوا الخروف حيثما ذهب.
(هـ) ترنيمة موسى "عبد الله":-

إنها تسبحة خالدة، تلك التي ترَّنم بها موسى مع شعبه عند خروجهم من أرض مصر، وتسجلت في سفر الخروج (الأصحاح 15) والآن نحن نُسبِّح الله بها (في الهوس الأول) من أجل أعماله العظيمة في خلاصنا الثمين من قبضة إبليس وسوف نستمر نُسبِّحها في السماء مع كل الغالبين، لأنه بالحقيقة أنقذنا من سلطان إبليس الظالم، فعندما ذُبح المسيح من أجلنا (مثل خروف فصح) عبر بنا من ظلمة الخطية إلى النور الحقيقي، ومن عبودية إبليس إلى حرية مجد أولاد الله"ورأيتُ كبحرٍ مِنْ زُجاجٍ مُختَلِطٍ بنارٍ، والغالِبينَ علَى الوَحشِ وصورَتِهِ وعلَى سِمَتِهِ وعَدَدِ اسمِهِ، واقِفينَ علَى البحرِ الزُّجاجي، معهُمْ قيثاراتُ اللهِ، وهُمْ يُرَتلونَ ترنيمَةَ موسَى عَبدِ اللهِ، وترنيمَةَ الخَروفِ قائلينَ: عظيمَةٌ وعَجيبَةٌ هي أعمالُكَ أيُّها الرَّبُّ الإلهُ القادِرُ علَى كُل شَيءٍ! عادِلَةٌ وحَقٌّ هي طُرُقُكَ يا مَلِكَ القِديسينَ! مَنْ لا يَخافُكَ يارَبُّ ويُمَجدُ اسمَكَ؟ لأنَّكَ وحدَكَ قُدّوسٌ، لأنَّ جميعَ الأُمَمِ سيأتونَ ويَسجُدونَ أمامَكَ، لأنَّ أحكامَكَ قد أُظهِرَتْ" (رؤ2:15-4).
(و) آمين... هللويا...
الحرية التي نتمتع بها بالحقيقة في السماء سوف تفك عقدة لساننا، فننطق بالتسبيح قائلين هللويا إنها كلمة تحمل معاني عميقة، فنحن نتهلل لإلهنا وبه، ونحمده ونفرح به من خلالها، لأنه بالحقيقة إلهنا القوي المحب، المنتقم من الأشرار، والرحوم على أبنائه الأحباء "وبَعدَ هذا سمِعتُ صوتًا عظيمًا مِنْ جَمعٍ كثيرٍ في السماءِ قائلاً: هَللويا! الخَلاصُ والمَجدُ والكَرامَةُ والقُدرَةُ للرَّب إلهِنا، لأنَّ أحكامَهُ حَقٌّ وعادِلَةٌ، إذ قد دانَ الزّانيَةَ العظيمَةَ التي أفسَدَتِ الأرضَ بزِناها، وانتَقَمَ لدَمِ عَبيدِهِ مِنْ يَدِها وقالوا ثانيَةً: هَللويا! ودُخانُها يَصعَدُ إلَى أبدِ الآبِدينَ وخَرَّ الأربَعَةُ والعِشرونَ شَيخًا والأربَعَةُ الحَيَواناتِ وسجَدوا للهِ الجالِسِ علَى العَرشِ قائلينَ: آمينَ! هَللويا! وخرجَ مِنَ العَرشِ صوتٌ قائلاً: سبحوا لإلهِنا يا جميعَ عَبيدِهِ، الخائفيهِ، الصغارِ والكِبارِ!. وسَمِعتُ كصوتِ جَمعٍ كثيرٍ، وكصوتِ مياهٍ كثيرَةٍ، وكصوتِ رُعودٍ شَديدَةٍ قائلَةً: هَللويا! فإنَّهُ قد مَلكَ الرَّبُّ الإلهُ القادِرُ علَى كُل شَيءٍ لنَفرَحْ ونَتَهَلَّلْ ونُعطِهِ المَجدَ! لأنَّ عُرسَ الخَروفِ قد جاءَ، وامرأتُهُ هَيّأتْ نَفسَها وأُعطيَتْ أنْ تلبَسَ بَزًّا نَقيًّا بَهيًّا، لأنَّ البَزَّ هو تبَرُّراتُ القِديسينَ" (رؤ1:19-8).
آه.. يا سيدي الرب..
آه.. لو تطرد الشيطان من حياتي،
وتنزع الظُلم من طبعي،
وتعطيني أن أُسبِّحك باستقامة القلب،
دون أي انشغال أو تشويش.
آه.. لو يتفرغ قلبي لخدمة التسبيح فقط!!
هذه هي حياة السماء وجمال تسابيحها أما الأشرار الذين حرموا أنفسهم من تسبيح الله في حياتهم، وكانوا بدلاً من ذلك يغنون بأغاني الشيطان، ونعيم الدنيا وموسيقى الشر، فسيتم فيهم قول الكتاب:"بقَدرِ ما مَجَّدَتْ نَفسَها وتنَعَّمَتْ، بقَدرِ ذلكَ أعطوها عَذابًا وحُزنًا" (رؤ7:18)"وصوتُ الضّارِبينَ بالقيثارَةِ والمُغَنينَ والمُزَمرينَ والنّافِخينَ بالبوقِ، لن يُسمَعَ فيكِ في ما بَعدُ ونورُ سِراجٍ لن يُضيءَ فيكِ في ما بَعدُ وصوتُ عَريسٍ وعَروسٍ لن يُسمَعَ فيكِ في ما بَعدُ لأنَّ تُجّارَكِ كانوا عُظَماءَ الأرضِ إذ بسِحرِكِ ضَلَّتْ جميعُ الأُمَمِ وفيها وُجِدَ دَمُ أنبياءَ وقِديسينَ، وجميعِ مَنْ قُتِلَ علَى الأرضِ" (رؤ22:18-24) طوبى لمَنْ يمتلئ فمه بالتسبيح، ولسانه بالنغم الروحاني، وقلبه بسكنى شخص المسيح حقًا سيكون له نصيب وميراث مع خوارس السماء في هذا التسبيح الأبدي البديع.
(ز) والبشر أيضًا يُسبِّحون..
لذلك نرى في سفر الرؤيا البشر الغالبين يُشاركون أيضًا في هذا التسبيح السمائي الجميل: "بَعدَ هذا نَظَرتُ وإذا جَمعٌ كثيرٌ لم يَستَطِعْ أحَدٌ أنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُل الأُمَمِ والقَبائلِ والشُّعوبِ والألسِنَةِ، واقِفونَ أمامَ العَرشِ وأمامَ الخَروفِ، مُتَسَربِلينَ بثيابٍ بيضٍ وفي أيديهِمْ سعَفُ النَّخلِ، وهُمْ يَصرُخونَ بصوتٍ عظيمٍ قائلينَ: الخَلاصُ لإلهِنا الجالِسِ علَى العَرشِ وللخَروفِ وجميعُ المَلائكَةِ كانوا واقِفينَ حَوْلَ العَرشِ، والشُّيوخِ والحَيَواناتِ الأربَعَةِ، وخَرّوا أمامَ العَرشِ علَى وُجوهِهِمْ وسجَدوا للهِ قائلينَ: آمينَ! البَرَكَةُ والمَجدُ والحِكمَةُ والشُّكرُ والكَرامَةُ والقُدرَةُ والقوَّةُ لإلهِنا إلَى أبدِ الآبِدينَ آمينَ!" (رؤ9:7-12) هؤلاء الغالبون قيل عنهم: "هؤُلاءِ هُمُ الذينَ أتَوْا مِنَ الضيقَةِ العظيمَةِ، وقد غَسَّلوا ثيابَهُمْ وبَيَّضوا ثيابَهُمْ في دَمِ الخَروفِ مِنْ أجلِ ذلكَ هُم أمامَ عَرشِ اللهِ، ويَخدِمونَهُ نهارًا وليلاً في هيكلِهِ، والجالِسُ علَى العَرشِ يَحِلُّ فوقَهُمْ لن يَجوعوا بَعدُ، ولن يَعطَشوا بَعدُ، ولا تقَعُ علَيهِمِ الشَّمسُ ولا شَيءٌ مِنَ الحَر، لأنَّ الخَروفَ الذي في وسطِ العَرشِ يَرعاهُمْ، ويَقتادُهُمْ إلَى يَنابيعِ ماءٍ حَيَّةٍ، ويَمسَحُ اللهُ كُلَّ دَمعَةٍ مِنْ عُيونِهِمْ " (رؤ14:7-17) طوبى لهؤلاء الغالبين لأنهم يقفون أمام عرش الله ويخدمونه بالتسبيح في هيكله المقدس نهارًا وليلاً أعطني يا مخلصي القدوس أن يكون لي نصيب في هذا الخورس السمائي، ولا تحرمني من نعمة التسبيح هنا في الكنيسة وهناك في الأبدية.
لي اشتهاء..
إن قلبي الآن يقفز فرحًا واشتياقًا أن يُشارك هذا الخورس السمائي العظيم حقًا قال مُعلمنا بولس الرسول: "ليَ اشتِهاءٌ أنْ أنطَلِقَ وأكونَ مع المَسيحِ، ذاكَ أفضَلُ جِدًّا" (في23:1).
"آمينَ. تعالَ أيُّها الرَّبُّ يَسوعُ" (رؤ20:22).
تعالَ ياربي يسوع،
لنتمتع بهذه الليتورجيا السمائية الملائكية،
التي لا يشوبها شائبة،
ولا يُعطلها شيء،
ومُحاطة بكل جمال وكمال سماوي.
ليس فقط جمال التسبيح،
ولكن أيضًا جمال الشركة ورائحة البخور.
"وجاءَ مَلاكٌ آخَرُ ووَقَفَ عِندَ المَذبَحِ، ومَعَهُ مِبخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وأُعطيَ بَخورًا كثيرًا لكَيْ يُقَدمَهُ مع صَلَواتِ القِديسينَ جميعِهِمْ علَى مَذبَحِ الذَّهَبِ الذي أمامَ العَرشِ فصَعِدَ دُخانُ البَخورِ مع صَلَواتِ القِديسينَ مِنْ يَدِ المَلاكِ أمامَ اللهِ" (رؤ3:8-4).
يا سيدي القدوس..
ليت صلواتي تكون رائحة بخور قدامك،
ولتكن حياتي بك مجمرة من ذهب،
وبخور عطر يملأ البيت (الكنيسة)
من رائحة طيب حبك.
لقد تمتعنا الآن بسياحة بطول الكتاب المقدس وعرضه، لنكتشف مفردات كنز التسبيح به، تاريخًا ونصوصًا وروحانية الآن دعونا نتأمل في بعض نماذج من تسابيح القديسين في الكتاب المقدس، ولنبدأ بتسبحة القديسة العذراء مريم أم الله.
نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة

عدد الزيارات 2107

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل