نماذج من تسابيح القديسين في الكتاب المقدس - الجزء الثاني

28 يوليو 2018
Large image

(2) تسبحة زكريا الكاهن
قيل عن زكريا وامرأته أليصابات: "كانا كِلاهُما بارَّينِ أمامَ اللهِ، سالِكَينِ في جميعِ وصايا الرَّب وأحكامِهِ بلا لومٍ" (لو6:1) وكان زكريا هذا كاهنًا لله العلي، استحق أن يرى ملاك الرب في الهيكل "واقِفًا عن يَمينِ مَذبَحِ البَخورِ" (لو11:1) ليُبشره بميلاد يوحنا المعمدان أعظم مواليد النساء هذا الرجل البار صار صامتًا لا يقدر أن يتكلَّم، لأنه لم يُصدِّق كلام الملاك من جهة ميلاد يوحنا المعمدان: "وها أنتَ تكونُ صامِتًا ولا تقدِرُ أنْ تتكلَّمَ، إلَى اليومِ الذي يكونُ فيهِ هذا، لأنَّكَ لم تُصَدقْ كلامي الذي سيَتِمُّ في وقتِهِ" (لو20:1) وبالفعل عندما وُلد يوحنا "في الحالِ انفَتَحَ فمُهُ ولسانُهُ وتكلَّمَ وبارَكَ اللهَ" (لو64:1) لقد انفتح فمه ولسانه على التسبيح ومُباركة الله، "وامتَلأَ زَكَريّا أبوهُ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ، وتنَبّأَ قائلاً: مُبارَكٌ الرَّبُّ إلهُ إسرائيلَ لأنَّهُ افتَقَدَ وصَنَعَ فِداءً لشَعبِهِ" (لو67:1-68).
ربي يسوع
ليت لساني يخرس عن نطق الشر،
وينفتح فقط للتسبيح.
لقد استُؤمن زكريا على نعمة النبوة فصارت تسابيحه نبوات، ونبؤاته تسابيح لقد عرف بالروح القدس أن الله افتقد وصنع فداء لشعبه مع أن الرب يسوع لم يكن قد وُلد بعد، ولم يكن يوحنا ابنه المولود في هذه اللحظة هو الفادي المنتظر ولكنه علم بالروح أن يوحنا هو السابق الصابغ، وهو النذير الذي يسبق مجيء الحمل ليُعد له شعبًا مستعدًا "ويَتَقَدَّمُ أمامَهُ بروحِ إيليّا وقوَّتِهِ" (لو17:1).
لذلك حينما رأى زكريا ابنه الوليد الصغير يوحنا ارتفع ذهنه إلى العريس الحقيقي (ربنا يسوع)، ولم ينشغل كثيرًا بصديق العريس الذي هو يوحنا المعمدان إننا كذلك في تسابيح الكنيسة حينما نحتفل بأحد القديسين يرتفع ذهننا سريعًا إلى شخص ربنا يسوع المسيح، فهو قدوس القديسين، وهو المُمجد في جماعة القديسين، وهو "مُعلَمٌ بَينَ رَبوَةٍ" (نش10:5) لقد أدرك زكريا أن الله "أقامَ لنا قَرنَ خَلاصٍ في بَيتِ داوُدَ فتاهُ كما تكلَّمَ بفَمِ أنبيائهِ القِديسينَ الذينَ هُم منذُ الدَّهرِ" (لو69:1-70)، لم يكن يوحنا من بيت داود، بل من بيت لاوي (سبط الكهنوت)، وداود من سبط يهوذا، الذي خرج منه المسيح "الأسَدُ الذي مِنْ سِبطِ يَهوذا" (رؤ5:5) فزكريا هنا يتكلم عن قرن الخلاص الذي هو ربنا يسوع المسيح، ويُسبِّح الافتقاد الإلهي للبشرية ذاك الافتقاد الذي وعد به منذ القديم بالآباء والأنبياء أدرك زكريا أيضًا بروح النبوة أن المسيح سيُحقق لنا "خَلاصٍ مِنْ أعدائنا ومِنْ أيدي جميعِ مُبغِضينا" (لو71:1)، ونحن نعرف أن هؤلاء الأعداء والمبغضين هم الشياطين، وليس كالفكر اليهودي الحرفي المادي الذي كان يتوقع أن يأتي المسيا ليُخلصهم من حكم الرومان ويعطيهم مُلكًا أرضيًا زمنيًا لقد أعلن السيد المسيح أن مملكته ليست من هذا العالم لأنه ملك روحاني يملك على قلوب مُحبيه: "إنْ أحَبَّني أحَدٌ يَحفَظْ كلامي، ويُحِبُّهُ أبي، وإليهِ نأتي، وعِندَهُ نَصنَعُ مَنزِلاً" (يو23:14) إن ملكوت المسيح فينا هو تحقيق رحمته وعهده "ليَصنَعَ رَحمَةً مع آبائنا ويَذكُرَ عَهدَهُ المُقَدَّسَ" (لو72:1) ذلك العهد الذي أقسم لأبينا إبراهيم أن يُعطيه "القَسَمَ الذي حَلَفَ لإبراهيمَ أبينا: أنْ يُعطيَنا" (لو73:1-74)، إذ قيل: "بذاتي أقسَمتُ، يقولُ الرَّبُّ أُبارِكُكَ مُبارَكَةً، وأُكَثرُ نَسلكَ تكثيرًا كنُجومِ السماءِ وكالرَّملِ الذي علَى شاطِئ البحرِ، ويَرِثُ نَسلُكَ بابَ أعدائهِ، ويَتَبارَكُ في نَسلِكَ جميعُ أُمَمِ الأرضِ، مِنْ أجلِ أنَّكَ سمِعتَ لقَوْلي" (تك16:22-18) حقًا تحقق في ربنا يسوع هذا الوعد إذ تباركت جميع قبائل الأرض، في شخصه القدوس بالفداء الذي حققه لنا بصليبه المكرم، ودمه الطاهر المسفوك عليه إننا حقًا "بلا خَوْفٍ، مُنقَذينَ مِنْ أيدي أعدائنا" (لو74:1)، لذلك حقَّ لنا ووجب علينا أن "نَعبُدُهُ بقَداسَةٍ وبر قُدّامَهُ جميعَ أيّامِ حَياتِنا" (لو74:1-75).

فيما يُسبِّح زكريا الرب المُخلِّص، لم ينسَ أيضًا أن يتلو (ذكصولوجية) لتمجيد القديس يوحنا المعمدان، إذ أن مجد الله كائن في القديسين وزكريا يدرك أن تمجيد القديسين لا ينتقص من مجد الله؛ بل هو اعتراف بعمل الله في البشر لذلك اتجه نحو طفله الوليد وقال: "وأنتَ أيُّها الصَّبيُّ نَبيَّ العَلي تُدعَى، لأنَّكَ تتقَدَّمُ أمامَ وجهِ الرَّب لتُعِدَّ طُرُقَهُ لتُعطيَ شَعبَهُ مَعرِفَةَ الخَلاصِ بمَغفِرَةِ خطاياهُمْ" (لو76:1-77) ولا عجب فالسيد المسيح نفسه قد وضع (ذكصولوجية) تمجيد ليوحنا المعمدان، ومدحه بأشعار مازلنا نستخدمها حتى اليوم في تمجيد هذا القديس العظيم، لكي يفتح لنا الباب أن نُشارك في تذكار القديسين، ومديحهم وتمجيدهم بعبارات شبيهة بما قاله السيد المسيح نفسه "ابتَدأَ يقولُ للجُموعِ عن يوحَنا: ماذا خرجتُمْ إلَى البَريَّةِ لتنظُروا؟ أقَصَبَةً تُحَركُها الريحُ؟ بل ماذا خرجتُمْ لتنظُروا؟ أإنسانًا لابِسًا ثيابًا ناعِمَةً؟ بل ماذا خرجتُمْ لتنظُروا؟ أنَبيًّا؟ نَعَمْ، أقولُ لكُمْ: وأفضَلَ مِنْ نَبي! هذا هو الذي كُتِبَ عنهُ: ها أنا أُرسِلُ أمامَ وجهِكَ مَلاكي الذي يُهَيئُ طريقَكَ قُدّامَكَ! لأني أقولُ لكُمْ: إنَّهُ بَينَ المَوْلودينَ مِنَ النساءِ ليس نَبيٌّ أعظَمَ مِنْ يوحَنا المعمدانِ" (لو24:7-28)ولا ننسى أيضًا الملاك غبريال نفسه فقد قال قصيدة مدح في هذا القديس العظيم قبل أن يولد: "ويكونُ لكَ فرَحٌ وابتِهاجٌ، وكثيرونَ سيَفرَحونَ بوِلادَتِهِ، لأنَّهُ يكونُ عظيمًا أمامَ الرَّب، وخمرًا ومُسكِرًا لا يَشرَبُ، ومِنْ بَطنِ أُمهِ يَمتَلِئُ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ ويَرُدُّ كثيرينَ مِنْ بَني إسرائيلَ إلَى الرَّب إلهِهِمْ ويَتَقَدَّمُ أمامَهُ بروحِ إيليّا وقوَّتِهِ، ليَرُدَّ قُلوبَ الآباءِ إلَى الأبناءِ، والعُصاةَ إلَى فِكرِ الأبرارِ، لكَيْ يُهَيئَ للرَّب شَعبًا مُستَعِدًّا" (لو14:1-17) إن الكتاب المقدس يُعلِّمنا أننا حينما نتكلم مع القديسين إنما نمجد الله الساكن فيهم، ونتذكر أعماله الخلاصية في حياتهم لقد تذكر زكريا الخلاص فيما يتكلم عن يوحنا "لتُعطيَ شَعبَهُ مَعرِفَةَ الخَلاصِ بمَغفِرَةِ خطاياهُمْ" (لو77:1)، وتذكر رحمة الله وافتقاده لنا "بأحشاءِ رَحمَةِ إلهِنا التي بها افتَقَدَنا المُشرَقُ مِنَ العَلاءِ ليُضيءَ علَى الجالِسينَ في الظُّلمَةِ وظِلالِ الموتِ، لكَيْ يَهديَ أقدامَنا في طريقِ السَّلامِ" (لو78:1-79) حقًا كان زكريا رجل الله، وقد امتلأ بالروح القدس، ليبهرنا بهذه التسبحة الخالدة.
ربي يسوع
دعني أمُجدك في قديسيك،
كما فعل زكريا البار بالروح القدس.
نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة

عدد الزيارات 2368

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل